تجر ربة المنزل والأم لطفلين الشابة رنا رشيدي عربة التسوق في مخزن تجاري شهير في بيروت وعبر الممرات تحاول أن تتسوق بعض الأشياء الضرورية للأيام الرمضانية الأولى.

وتضع رنا الرشيدي حزمة صغيرة من اللحم المفروم في عربتها وكيسا من الأرز وربطتين من المكرونة وعدد قليل من الأغذية الأخرى التي يتم تناولها في رمضان، بما في ذلك قمر الدين الحلوى المصنوعة من المشمش.

وتتذكر رنا الرشيدي كيف كانت تتسوق خلال شهر رمضان المبارك قبل الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019 وتقول لوكالة أنباء ((شينخوا)) "اعتدت على ملء عربة التسوق باحتياجاتي طوال الشهر من اللحوم إلى الدجاج والأسماك والجبن والتمر دون القلق بشأن الأسعار أما اليوم، فبالكاد يمكننا شراء بعض الأغذية".

وخلال شهر رمضان يمتنع الصائمون عن الأكل والشرب من الفجر حتى آذان صلاة المغرب ويفطرون بالتمر والمياه بعد غروب الشمس، حيث يتجمعون في أجواء عائلية دافئة حول موائد غنية بالأطباق المختلفة، "لكن أجواء رمضان الحلوة اختلفت هذا العام وباتت مشوبة بالمرارة إلى حد ما"، على حد قول رنا الرشيدي.

وأمام الأوضاع التي أجبرت العديد من المواطنين على تركيز مشترياتهم على السلع الضرورية، قال المدرس في مدرسة حكومية في بيروت والأب لطفلين حسن مرعي لوكالة أنباء (( شينخوا))، "قمنا هذا العام، بإخراج العديد من الأطعمة من قائمتنا الرمضانية مثل اللحوم والأسماك والجبن والحلويات لتوفير بعض المال بسبب جنون أسعار كل المواد الأساسية".

وقال حسن مرعي "عندما أفكر كيف تغيرت وتبدلت عاداتنا الشرائية والاستهلاكية، أشعر بالاكتئاب والحزن".

من جهتها، قالت هناء صيقلي لـ((شينخوا)) إنها خططت لشراء الخضار مرتين في الأسبوع فقط لإعداد أطباق السلطة والفتوش أو التبولة التقليدية لعائلتها المكونة من خمسة أفراد.

وتابعت "يجب أن نقلص النفقات ونخفضها هذه الأيام، وإلا فلن تكفي رواتبنا لتأمين الطعام طوال شهر رمضان".
وأضافت أن راتبها وراتب زوجها 30 مليون ليرة لبنانية (272 دولارا أمريكيا) ويجب أن تكون كافية أيضا لدفع تكاليف خدمة مولد الكهرباء وأقساط المدارس والأدوية.

وكانت دراسة حديثة لرصد تداعيات أزمات لبنان أجراها "مرصد الأزمات" في الجامعة الأمريكية في بيروت قد أفادت أن متوسط تكلفة عشاء ليوم واحد في رمضان لأسرة من 5 أفراد يبلغ 6 ملايين ليرة لبنانية (54 دولارا أمريكيا) ، وهو ما يعادل متوسط الأجر في القطاعين العام والخاص.

كما أفاد "مرصد الأزمات" في مؤشر تكلفة طبق سلطة الفتوش الرمضاني اليومي الذي يضم 13 صنفا من الخضار والبهارات وزيت الزيتون والخبز إلى أنه يصل إلى 95 ألف ليرة لبنانية للفرد ارتفاعا من حوالي 15 ألف ليرة لبنانية في عام 2021 ، مما يشير إلى ارتفاع سعر الطبق للفرد بمقدار 6.3 مرة ، بينما زادت الأجور في القطاعين العام والخاص حوالي 3 مرات فقط.

وأشارت دراسة المرصد إلى أن متوسط الراتب الشهري في لبنان يعادل 5 % من إجمالي الإنفاق إذا أضيفت تكاليف المياه والكهرباء والنقل والتعليم والاستشفاء والملابس إلى احتياجات الأسرة الغذائية.

وقالت فرح الشامي الناشطة في "مبادرة الإصلاح العربي" التي تضم شبكة من معاهد البحوث والسياسات العربية المستقلة إن "اللبنانيين يتبنون أساليب غير صحية للتكيف مع استمرار الأزمة بالتخلي عن وجبة واحدة على الأقل في اليوم مع اعتماد الكثيرين على وجبة واحدة على مدار اليوم".

وأشارت فرح الشامي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إلى أن "الناس أسقطوا العديد من السلع الغذائية من قوائمهم واتجهوا نحو سلع أرخص، وعادة ما تكون ناقصة القيمة الغذائية وذات جودة مشكوك فيها".

وأضافت "يبيع الناس ممتلكات مثل المجوهرات والعقارات والسيارات والأثاث والملابس، كما يعملون في وظائف متعددة لساعات طويلة، مع اقتراض بعض المال من الأقارب".

وأشارت فرح إلى أن هناك من 350 إلى 400 ألف أسرة تتمكن من الصمود أمام الصعوبات بفضل تحويلات ومساعدات تتلقاها من اللبنانيين العاملين في الخارج والبالغة بمجموعها نحو 7 مليارات دولار أمريكي سنويا.

ويعاني لبنان منذ العام 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 150 عاما وسط انهيار العملة المحلية وانخفاض قيمة الأجور وتسجيل ارتفاع حاد في الأسعار، مما أوقع أكثر من 82 % من السكان في براثن الفقر بالتوازي مع فرض المصارف قيودا قاسية على سحب الودائع بالعملات الأجنبية والمحلية.