Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

السّبت 11 مارس 2023 10:43 صباحًا - بتوقيت القدس

الفلسطينيون والسراب الأميركي

بقلم:أسامة أبو ارشيد


من المفهوم ألا يقلّل بعضهم من قيمة الانتقادات الأميركية الرسمية العلنية لإسرائيل أخيرا، إلا أنه، في المقابل، لا تنبغي المبالغة في تقدير حجمها، إذ ثمَّة بونٌ شاسع، في السياق الذي نحن بصدده، بين الأقوال وما يترتب عليها من تداعيات. وكان المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، وصف، الأربعاء الماضي، دعوة وزير المالية الإسرائيلي المتطرّف، بتسلئيل سموتريتش، إلى "محو" بلدة حوّارة جنوبي نابلس بأنها "بغيضة وغير مسؤولة ومثيرة للاشمئزاز". وفي لغةٍ غير معهودة أميركياً في الحديث عن إسرائيل، أضاف برايس: "مثلما ندين التحريض الفلسطيني على العنف، فإننا ندين هذه التصريحات الاستفزازية التي ترقى أيضاً إلى مستوى التحريض على العنف". كما دعا رئيس الوزراء نتنياهو "وغيره من كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى رفض هذه التعليقات والتنصل منها علناً وبوضوح". قبل ذلك، كان الممثل الأميركي الخاص للشؤون الفلسطينية، هادي عمرو، قد زار حوّارة بعد اعتداء مليشيات من المستوطنين عليها مساء الأحد الماضي، وأصدر المكتب الأميركي للشؤون الفلسطينية في القدس بياناً دان فيه "أعمال العنف العشوائية وواسعة النطاق وغير المقبولة التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون في المناطق الفلسطينية"، مطالباً بـ"محاسبة كاملة ومقاضاة المسؤولين عن الهجمات الشنيعة التي يرتكبها المستوطنون".

لن نعود إلى الإطار العام للانحياز والتواطؤ الأميركي المستمر مع إسرائيل منذ عقود طويلة، بل سيُكتفى بالتذكير بالسياق الراهن وكيف وصلنا إلى هنا. قبل أسبوعين، تقدّمت الإمارات، بتنسيق مع السلطة الفلسطينية، بمشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي يدين منح الحكومة الإسرائيلية تراخيص لتوسيع تسع بؤر استيطانية عشوائية جديدة في الضفة الغربية. ولكن، تحت وقع ضغوط أميركية شديدة تراجعت ا السلطة الفلسطينية عن تقديمه، وقبلت ببيان رئاسي رمزي صدر عن مجلس الأمن في 20 الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، لكنه لا يحمل صفة قانونية إلزامية. مقابل ذلك، تعهّدت إسرائيل بتعليقٍ مؤقت لمنح تراخيص استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وهدم منازل الفلسطينيين فيها، فضلاً عن تخفيض اقتحاماتها مدن الضفة الغربية وقراها لتجنّب مزيد من التصعيد. لم يمض يومان حتى كانت القوات الإسرائيلية تقتحم نابلس، مرتكبة مجزرة أودت بحياة 11 فلسطينياً وجرحت أكثر من مائة. وفي اليوم نفسه، استأنفت الحكومة الإسرائيلية المصادقة على بناء وحدات استيطانية جديدة وهدمت منزلين فلسطينيين.

لم تستسلم إدارة جو بايدن، فكان أن رتبت اجتماعاً أمنياً، في الـ26 من فبراير/ شباط في العقبة، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وبإشراف أميركي مصري أردني. وخلال الاجتماع، وقعت عملية عسكرية فلسطينية قرب بلدة حوّارة، على خلفية المجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في نابلس، أدّت إلى مقتل شقيقين إسرائيليين. مباشرة، اقتحمت مليشيات من المستوطنين البلدة، تحت حماية جيش الاحتلال، وأضرموا النيران في منازل الفلسطينيين وسياراتهم، ما أدّى إلى استشهاد فلسطيني وإصابة آخرين بجروح بالغة. وكانت المفارقة الأخرى الصارخة في تأكيد كل من سموتريتش ووزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، في يوم انعقاد الاجتماع الأمني، أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية سيستمر ولن يتوقف أبداً، وذلك على الرغم من تأكيد البيان الصادر عن الاجتماع أن إسرائيل التزمت بوقف النقاش بشأن بناء مستوطنات أربعة أشهر. وفي المقابل، لن يتخذ الفلسطينيون إجراءاتٍ ضد إسرائيل في الأمم المتحدة.

يسعى الأميركيون إلى تصوير نتنياهو وكأنه عاجز عن السيطرة على حكومة من الفاشيين المتطرّفين، ورغم أن في ذلك قدرا من الصحة، إلا أن نتنياهو لا يقلّ فاشية وتطرّفاً عنهم. تعلم إدارة بايدن ذلك، ولكن الإقرار به يعني ضرورة فرض عقوباتٍ على إسرائيل، كتعليق المساعدات العسكرية لها أو جزء منها، أو حتى رفع غطاء حقّ النقض (الفيتو) عنها في مجلس الأمن، وهذا ما لا تريده لكلفته السياسية الكبيرة. أولاً، لأن الكونغرس بأغلبية حزبيه من الديمقراطيين والجمهوريين لن يقبل بذلك، خصوصاً وأن مؤثرين بينهم ما لبثوا يحجّون إلى الدولة العبرية يؤكّدون دعمهم المطلق لها. وثانياً، لأن الولايات المتحدة متحيّزة ومتماهية تأسيساً ومؤسسياً مع النظام الكولونيالي الإحلالي الإمبريالي في فلسطين المحتلة. وهذا لا يعني أنه لا يوجد تغيير تدريجي وحقيقي في الولايات المتحدة لصالح الحقوق الفلسطينية، في دائرة الرأي العام وفي الحزب الديمقراطي، وبين الأجيال الأكثر شبابا، خصوصاً المولودين بعد 1996، إلا أن هذا التحوّل لم يصل بعد إلى درجة إحداث حرف جذري في التواطؤ الأميركي الرسمي مع إسرائيل، مع أنه نجح في إحداث شقوقٍ وتصدّعاتٍ فيه، والإدانة الأميركية أخيرا أحد تعبيراتها.

يبقى أن نقول إن الجانب الفلسطيني الرسمي، راغباً أو كارهاً، كمن يزرع في البحر في تعويله على امريكا. وللأسف، في غياب برنامج وطني جمعيٍّ، أو اعترافٍ بحجم المعضلة والورطة التي يقبع فيهما الفلسطينيون، فإن أخطاء كارثية، كسحب مشروع القرار في مجلس الأمن أو اجتماع العقبة، ستتكرّر، خصوصاً وأن أطراف العقبة اتفقوا على الاجتماع مجدّداً في مارس/ آذار الحالي في شرم الشيخ. وهكذا دواليك، تبقى صيرورة سراب البقيعةِ الأميركي الذي يحسبُه الطرف الفلسطيني الرسمي في كل مرّة ماءً ليأتيه فلا يجده شيئاً.

عن "العربي الجديد"

دلالات

شارك برأيك

الفلسطينيون والسراب الأميركي

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%52

%48

(مجموع المصوتين 92)