أقلام وأراء
الثّلاثاء 21 فبراير 2023 10:09 صباحًا - بتوقيت القدس
انفجـــــــار أم انتفاضــــــة؟
بقلم: هاني المصري
تسير الأرض الفلسطينية بتسارع نحو التصعيد، صحيح أنه ممكن أن يأتي بالتدريج، ولكنه سيتواصل، وسيصل إلى الانفجار أو الانتفاضة. لماذا أعتقد ذلك؟
الأصل أن تكون الأمور تسير نحو انتفاضة، ولكن هناك من المؤشرات ما يجعل هذا الاحتمال ليس الوحيد، بل يمكن أن نشهد انفجارًا كبيرًا بدلًا من الانتفاضة. انفجارٌ نرى فيه تصعيدًا مجنونًا من حكومة متطرفة، وردودًا فلسطينية تغلب عليها العفوية والفردية والجهوية، وغياب التنظيم والقيادة والهدف المركزي الناظم، فالفصائل متهالكة ومتقادمة، ولا تغير نفسها، والحراكات والأحزاب الجديدة الفاعلة لم تولد بعد، والسلطة ضعيفة وتزداد ضعفًا، وحركة حماس تركز على سلطتها أكثر من أي شيء آخر، وسلطتها محاصرة ومصلحتها موضوعيًا أن تضعف السلطة الأخرى الكائنة في الضفة حتى تحصل على الشرعية والدعم، على أساس أن وجودها مطلوب لاستمرار الانقسام ولتقدم "الكيان الفلسطيني" بوصفه الحل الممكن والمسموح به في مرحلة حكومة الضم الإسرائيلية. كما أن سلطة غزة لم تقدم نموذجًا بديلًا وطنيًا، وإنما فصائلي.
كما لم تستطع القوى المعارضة بمجموعها، ولا التي خارج طرفي الاستقطاب، طرح رؤية وخريطة طريق للخلاص الوطني، على الرغم من الدعوات والمبادرات التي لا تنتهي، فهي تبقى تراوح في نقطة البداية، أو سرعان ما تختفي ليتم تقديم مبادرة أو مبادرات جديدة، لذلك الانفجار بكل أسف ينافس الانتفاضة وقد يتغلب عليها .
فالانتفاضة تحرك شعبي كبير يمكن أن يكون عفويًا أو يأتي منظمًا، أو يبدأ عفويًا ويتطور إلى تحرك منظم، مثلما بدأت الانتفاضة الأولى عفوية، ثم تحولت إلى منظمة. أما الانتفاضة الثانية فبدأت بقرار من القيادة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات.
الانتفاضة بحاجة إلى هدف كبير
الانتفاضة بحاجة إلى هدف كبير، وأن تكون هناك ثقة بإمكانية تحقيقه؛ أي يحركها أمل عظيم، وقد تأتي الانتفاضة ردة فعل ومحاولة لدرء مخاطر داهمة، ولا فرصة لها بالنجاح إن بقيت كذلك.
والانتفاضة في فلسطين لا تأخذ اسمها إلا إذا استمرت لبعض الوقت، فلا يكفي يوم أو يومان أو أيام عدة، أو حتى أسبوع أو أسبوعين أو أسابيع عدة، بل تعمر أشهرًا وسنوات، وتكون المشاركة فيها كبيرة وشاملة من مختلف المناطق والفئات والأعمار والقوى، وحتى الطبقات، لذلك لم تحمل الموجات والهبات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية منذ انتهاء الانتفاضة الثانية اسم الانتفاضة، على الرغم من أنها تشبهها من بعض النواحي، فهي كانت جهوية عفوية فردية محلية تستهدف تحقيق هدف محلي وطني، مثل: هبة البوابات والكاميرات في القدس، وهبة مسيرات العودة التي استهدفت رفع الحصار عن قطاع غزة، وهبات إضرابات الأسرى والدفاع عنهم، وهبات الدفاع عن الأرض في مواقع عديدة، مثل: بيتا، والخان الأحمر، وسلوان، والشيخ جراح ... وغيرها الكثير، وفي مواجهة التوسع السرطاني الاستيطاني، والدفاع عن المسجد الأقصى.
وأخذت الموجات شكل المواجهات العسكرية مع المقاومة في القطاع، وانتفاضة السكاكين وعمليات المقاومة الفردية وكتيبة جنين وعرين الأسود وبقية الكتائب، التي على أهميتها لم تمتد إلى مختلف المناطق، ولم تتبن حتى الآن برنامجًا شاملًا، ولم تشكل قيادة وجبهة عريضة وبديلًا متكاملًا، ولن تكون قادرة وحدها على عمل ذلك، بينما اكتفت الفصائل العريقة وصاحبة الخبرات والإمكانات بدعم المقاومة الفردية و"الاختباء" و"الاحتفال" بالعمليات العسكرية، حتى العمليات التي ينفذها الأطفال.
ويمكن أن نعدّ ما شهدته الأراضي المحتلة من موجات وهبات هي الشكل الجديد الذي أخذته الانتفاضة، وذلك لما يأتي:
أولًا: نتيجة لما قامت به سلطات الاحتلال من بناء جدار الفصل العنصري، وتقسيم الأرض عبر الحواجز العسكرية، وتصنيفها إلى (أ) و(ب) و(ج) والقدس وغزة، ومناطق عسكرية وأمنية ومغلقة ومحميات طبيعية، ومناطق أثرية وتاريخية وإستراتيجية تحتوي على أحواض المياه والثروات الطبيعية.
ويعدّ هذا العامل في منتهى الأهمية الذي يقدم سببًا من أسباب عدم تحول الهبات والموجات إلى انتفاضة شاملة، على الرغم من أن ما يجري منذ حوالي عشرين عامًا كان أقل منه بكثير في السابق يسبب انتفاضات شاملة، وهذا يعود إلى أن قوات الاحتلال منذ انتهاء عملية "السور الواقي" قررت عدم إبقاء قواتها داخل المدن الآهلة بالسكان، واختارت أن تتمركز على الحواجز التي يصل عددها إلى المئات تقطع أوصال الضفة، والتي تبعد عن حدود المدن في معظم الحالات كيلومترات عدة؛ ما يجعل الاحتكاك معها أكثر صعوبة ومكلفًا كثيرًا؛ إذ تسير المظاهرة كيلومترات عدة لتواجه قوات الاحتلال، وكذلك خلايا المقاومة المسلحة؛ ما يوجب التركيز على أشكال مقاومة أخرى أكثر جدوى ومتنوعة بشكل كبير جدًا.
ثانيًا: أثر على احتمالية تحول الموجات والهبات إلى انتفاضة أن القيادة الرسمية لا تريدها، بل تخليها عنها خلافًا لقيادة ياسر عرفات. فالسلطة بعد الانتفاضة الثانية دخلت في مرحلة ثانية أصبحت فيها أكثر ارتهانًا ورضوخًا لسلطات الاحتلال وللقيود الثقيلة التي كبلتها بسبب أوسلو، ولكن مع تحول نوعي جديد؛ حيث استمرت السلطة بالوفاء بالتزاماتها السياسية والاقتصادية والأمنية من دون وجود التزام إسرائيلي مقابل ذلك، وحتى من دون عملية سياسية، ولو شكلية، ولا التزامات متبادلة؛ ما يجعل سلطة الحكم الذاتي المحدود تحولت إلى ترتيب نهائي بعد أن كانت مرحلة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بحل نهائي يتضمن قيام دولة فلسطينية.
في هذا السياق، أصبحت السلطة التي دخلت بعيد تأسيسها في مواجهة عسكرية في هبة النفق والانتفاضة الثانية، على الرغم من التزامها بأوسلو، تتصرف على أساس تجنب أي مواجهة مع الاحتلال وضد تحول الهبات والموجات إلى انتفاضة، هذا إضافة إلى وقوع الانقسام العائق الأساسي الذي يحول دون تحول المواجهات المستمرة إلى انتفاضة.
ثالثًا: تبلور وتشكّل بنية كاملة تجذرت بعد عشرات السنين من الاحتلال، وأكثر من 15 سنة من الانقسام، طفا على سطحها أفراد وشرائح هنا وهناك، وأصبحت مصالحهم تتناقض مع اندلاع مواجهات وانتفاضات شاملة، لذلك وجدنا معادلة تنسيق أمني مقابل تسهيلات اقتصادية في الضفة، وتهدئة مقابل تسهيلات اقتصادية عبر مفاوضات غير مباشرة في قطاع غزة.
الأمل يفجر الانتفاضات لا اليأس
ما حال دون اندلاع انتفاضة شاملة أن الانتفاضات والنضالات السابقة على الرغم من التضحيات الغالية والبطولات العظيمة، ومساهمتها في بقاء الشعب على أرضه والقضية حية، لم تحقق انتصارات بحجم التضحيات، بل وصلنا بعد الانتفاضة الأولى التي شارفت بلحظة من لحظاتها المجيدة على الانتصار إلى اتفاق أوسلو بكل مساوئه وقيوده الغليظة، ووصلنا بعد الانتفاضة الثانية على الرغم من الإنجازات إلى ما هو أسوأ من أوسلو، بدليل ما نعيشه حاليًا، وهذا موضوع في منتهى الأهمية؛ لأن الأمل بالانتصارات أكثر من اليأس بكثير يفجر الانتفاضات.
وإذا وجدنا حلًا للغز الذي حال دون تحقيق الانتصار حتى الآن فسيبعث هذا الأمل بصفوف الشعب الفلسطيني، وسيدفعه ذلك إلى انتفاضة أعظم من الانتفاضات السابق، وستكون قادرة على تحقيق الانتصار العظيم.
وما حال دون انتصار الانتفاضة الأولى أسباب خارجية لا مجال للخوض فيها في هذا المقال، وأسباب داخلية أهمها التسرع في قطف الثمار قبل أن تنضج، والسعي إلى إمساك القيادة بخيوطها خشية من ظهور قيادة بديلة من قيادة منظمة التحرير، والمنافسة بين حركة فتح والمنظمة من جهة وحركتي حماس والجهاد الإسلامي من جهة أخرى، والأوهام الخاطئة على المسيرة السياسية، وأن المفاوضات والتنازلات المترتبة عليها يمكن أن تؤدي إلى التوصل إلى تسوية تتضمن دولة فلسطينية، وعلى الرهانات الخاسرة على تطور الموقف الإسرائيلي والأميركي بما يفتح الطريق أمام تسوية متوازنة، وعلى نهوض المارد العربي والإسلامي.
وما حال دون انتصار الانتفاضة الثانية أن الهدف الذي حركها رد فعل على فشل قمة كامب ديفيد، والسعي إلى تحسين شروط المفاوضات، بدلًا من اعتماد مسار جديد بديل منها يركز على تغيير موازين القوى والتحرر من التزامات أوسلو، وبالغت الانتفاضة الثانية في العسكرة، وإضعاف الطابع الجماهيري لها، كما ساهم في هزيمتها التنافس على القيادة والتمثيل والقرار بين فتح وحماس التي كانت حينذاك تحاول إنشاء منظمة تحرير بديلة.
تأسيسًا على ما سبق، لا بد من السعي إلى توفير مقومات الانتفاضة، وهي: القيادة الموحدة، والهدف الوطني الكبير القابل للتحقيق، والجبهة الوطنية العريضة، وما يقتضيه ذلك من إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وشراكة حقيقية، من دون أن يعني ذلك رهن كل شيء وعدم القيام بشيء، بحجة وجود الانقسام؛ إذ يمكن الجمع بين العمل من أجل إنهاء الانقسام من دون أوهام ولا إعادة إنتاج الطرق القديمة، وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من دون انتظار إنهاء الانقسام.
من يسبق من: الانفجار أم الانتفاضة؟
هناك سباق بين الانفجار والانتفاضة، مع فرصة أكبر للانفجار، جراء عدم وجود مقومات الانتفاضة، التي من أهمها: الرؤية، والقيادة، والبرنامج، والإرادة السياسية، واستمرار وتعمق الانقسام، وقدرة الاحتلال على توظيف واحتواء الانفجار لصالحه أكبر من قدرته على توظيف واحتواء الانتفاضة.
والأمل يبقى محلقًا في الأجواء؛ لأن لا أحد يعلم بالغيب، ويستطيع أن يحسم بما سيأتي بيقين كامل، فدائمًا هناك احتمالات لحدوث ما هو غير متوقع، مع أن احتمالاتها صغيرة على المدى المباشر، وكبيرة على المدى البعيد.
دلالات
حسام عابدين قبل ما يقرب من 2 سنة
ما حال دون الانتصار منذ مئة عام ما زال يحول دون الانتصار الآن. الانتصار على العدو لا يحصل بالاستعانة بأصدقائه ولا بتصديق وعودهم ولا بالانخداع بأموالهم وبياناتهم ودموعهم ولا بالخوف من مشاركتهم العلنية
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
حرب غزة تخطف 18 ألف طفل فلسطيني
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 90)
شارك برأيك
انفجـــــــار أم انتفاضــــــة؟