أقلام وأراء
الإثنين 06 فبراير 2023 10:07 صباحًا - بتوقيت القدس
في مواجهة التطرف العنصري
بقلم: د. مصطفى البرغوثي
كما توقّعنا، أدّت إجراءات القمع الإسرائيلية، وارتكاب مجزرة وحشية في مخيم جنين راح ضحيتها عشرة شهداء، في 26 الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) إلى انفجار الوضع في فلسطين، واستنفار الدول المجاورة، والولايات المتحدة، لإرسال مبعوثيها إلى المنطقة، ومنهم رئيس وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن. ولم يكن ذلك الانفجار سوى نموذج مصغّر لما يمكن أن تصل إليه الأوضاع في فلسطين، بسبب سياسة الحكومة الفاشية الإسرائيلية وإجراءاتها. وهي إجراءات لا تتوقف عن التصاعد، من تصعيد القمع والتضييق على الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، إلى إطلاق يد المستعمرين المستوطنين بعد عملية القدس لشنّ اعتداءات على القرى الفلسطينية والمركبات في الشوارع، التي وصلت إلى 150 اعتداءً يومياً، بما في ذلك حرق بيوت، ومركبات، وإطلاق الرصاص على الفلسطينيين ورجم سياراتهم بالحجارة، إلى شنّ حملة واسعة من هدم بيوت الفلسطينيين في مدينة القدس والأحياء المحيطة بها، مثل جبل المكبّر، إلى إغلاق مدن وقرى بأكملها، ومنها مدينة أريحا التي تمثل المنفذ الوحيد لسكان الضفة الغربية إلى الخارج عبر الجسر مع الأردن.
ولم يتورع الفاشي بن غفير الذي صار وزيراً للأمن عن إصدار تعليماته للإسرائيليين بحمل السلاح وإطلاق النار على كل فلسطيني يشتبهون فيه، بالإضافة إلى دعوته مع حكومته إلى تسليح المستعمرين المستوطنين المتطرّفين، وتشكيل عصابات ومليشيات منهم تنظّم الاعتداءات على الفلسطينيين. وفي توجيهاته لمسؤول شرطة القدس، قال بن غفير بالحرف الواحد: "أغلق عينيك وافعل بهم (الفلسطينيين) كل ما حلمت به".
ويترافق ذلك كله مع تحضيرات لتشريع حوالى 70 بؤرة استيطانية استعمارية جديدة في الضفة الغربية، ومع تحريض أرعن لتنفيذ التطهير العرقي ضد التجمّعات السكانية في مسافر يطّا، والخان الأحمر، والشيخ جراح، ومن اقتحاماتٍ لا تتوقف للمسجد الأقصى، في محاولةٍ لتحقيق تقسيمين: زماني ومكاني، له. وصعّدت الحكومة الفاشية كذلك حملة العقوبات الجماعية ضد عائلات المناضلين والأسرى الفلسطينيين، بتشريع إغلاق بيوتهم تمهيداً لهدمها من دون إجراءاتٍ قضائية، واعتقالات واسعة ضدهم، وتهديدات بترحيلهم.
لكن كل هذه الاجراءات، كما كتب صحافيون إسرائيليون عديدون، عديمة الجدوى، فما فشل القمع في تحقيقه، لن يحققه مزيد من القمع والتنكيل. وفي الواقع، يكرّر حكام إسرائيل ما وصفه أينشتاين بالجنون، عندما يكرّرون فعل الشيء نفسه، ويتوقعون نتائج مختلفة.
هناك حقائق رئيسية تمخضت عن أحداث الأسبوع الماضي، أولها أن الإدارة الأميركية عاجزة عن القيام بدور بنّاء، بسبب انحيازها المطلق لإسرائيل، وبسبب ضعفها أمام الإسرائيليين، فرئيسها جو بايدن، ووزير خارجيتها بلينكن، لم يتوقفا عن إدانة العملية التي جرت في القدس، ووصفها بأنها "اعتداء على الحضارة الإنسانية"، ولم يدينا المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي الرسمي في مخيم جنين، ولا عمليات هدم بيوت الفلسطينيين، ولا قتل 35 فلسطينياً، بمن فيهم ثمانية أطفال منذ بداية الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني). ولم يوجد في جعبة وزير الخارجية سوى مواصلة ترداد جملة "حلّ الدولتين"، الذي دمرته جرافات الاستيطان الإسرائيلية، وهو يعرف تماماً لو أن إدارته جادّة في سعيها لحلّ الدولتين، لهدّدت إسرائيل بالعقوبات، حتى توقف على الأقل الاستيطان المستشري، الذي دمر أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. وفي ردّه على المطلب الفلسطيني بتفعيل مبادرة سياسية، عرض تطوير شبكة الهواتف المحمولة!
وبما أن الإدارة الأميركية بدت عاجزة تماماً، وضعيفة أمام الحكومة الإسرائيلية، بعدم قدرتها على تنفيذ خطوات صغيرة سبق أن وعدت بها، مثل إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وفتح المعبرالوحيد للأردن (جسر الملك حسين) 24 ساعة يومياً، صار واضحاً أن كل الضغط الأميركي كان موجّهاً نحو الجانب الفلسطيني لإعادة التنسيق الأمني المهين والمرفوض شعبياً.
وثانية الحقائق، أن العالم والمحيط في المنطقة لا يلتفتان إلى الفلسطينيين إلا عندما يقاومون الظلم والاحتلال والتمييز العنصري الذي يتعرّضون له. وأكد ذلك ما ثبت مراراً أن على الفلسطينيين الاعتماد على النفس، وعدم انتظار المساعدة من الخارج.
وثالثاً، إن وصول الفاشيين إلى الحكم في إسرائيل، وترسيخ أكثر الحكومات عنصرية وتطرّفاً، يؤكّدان أن أغلبية المجتمع الإسرائيلي والحركة الصهيونية لا تؤمن بحل وسط مع الفلسطينيين، بل تسعى لضمّ كامل أرض فلسطين وتهويدها. وفي لقائه مع شبكة CNN، لخّص رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سياسة حكومته بالقول إن أولويته التطبيع مع الدول العربية، وإنهاء "الصراع العربي الإسرائيلي"، وبعد الانتهاء من ذلك العودة للفلسطينيين للتوصل إلى ما سمّاه "سلاماً عملياً"، ومضمونه رضوخ الفلسطينيين لعبودية الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي، مع إعفاء كامل لمسؤولية إسرائيل عن شؤون واحتياجات حياتهم في إطار ما سمّاه "حكم أنفسهم".
ورابعاً، الحاجة الملحّة فلسطينياً للإسراع في إنهاء حالة الانقسام الداخلي، وتوحيد قواهم في قيادة وطنية موحّدة تكون قادرة على مواجهة خطر الفاشية المنفلتة من عقالها.
وخامساً، إن الطابع الفاشي لحكومة الاحتلال يمثل فرصة لا تعوّض فلسطينياً لكشف منظومة الاحتلال والأبارتهايد العنصري وتعريتها، وتصعيد المطالبة عربياً ودولياً، بوقف التطبيع معها، وفرض العقوبات والمقاطعة عليها.
لم يكن الانفجار الذي شهدته فلسطين الأسبوع الماضي سوى سيناريو مصغّر للانفجار الكبير الذي يمكن أن يحدُث، إن أمعنت حكومة إسرائيل في جرائم القتل والتنكيل، أو أقدمت على عمليات تطهير عرقي في مناطق ج، أو صعّدت إجراءاتها القمعية ضد الأسرى والأسيرات في السجون الإسرائيلية، أو إن سمحت بارتكاب كبرى الكبائر بالاعتداء على المسجد الأقصى وتدنيسه، وواصلت سياسة قتل الفلسطينيين، وتدمير الأمل لديهم.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
حرب غزة تخطف 18 ألف طفل فلسطيني
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 90)
شارك برأيك
في مواجهة التطرف العنصري