أقلام وأراء
الأحد 05 فبراير 2023 10:26 صباحًا - بتوقيت القدس
مخيم جنين ... مخيم البطولة
بقلم:نهاد أبو غوش
لا تزيد مساحة مخيم جنين عن كيلو متر مربع واحد، بينما يربو عدد سكانه على سبعة عشر ألفا من اللاجئين الذين هُجروا من منطقة حيفا وقرى جنين المحتلة عام 1948، مثل قرى زرعين والمنسي والمزار ونورس والنغنغية وإجزم، وعين حوض والخضيرة وصبارين. وعلى الرغم من صغر مساحته، إلا أن رمزية المخيم تجاوزت حدود المكان والزمان والأرقام الإحصائية، واستقرت عميقا في وجدان الشعب الفلسطيني وسجلّ نضالاته المجيد. بل إنها تجاوزت حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، فبات المخيم نموذجا عالميا وإنسانيا لقدرة الكف على مناطحة المخرز، وانتصار الدم على السيف.
أتاحت لنا جولة نظمها مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية التعرف عن كثب على الناس، وعلى تفاصيل المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال صباح 26/1/2023 فأوقعت عشرة شهداء وعددا كبيرا من الجرحى. استمعنا إلى شهادات ذوي الضحايا والأطباء وطواقم الإسعاف وممثلي المؤسسات، وقصص الألم والقهر والبطولة. هنا ينطبق القول الشائع " الرؤية ليست مثل السمع"، فمن يسمع الأخبار من بعيد ومن اعتاد على إحصاء المذابح والانتهاكات والنظر إليها كأرقام ليس كمن يعاين الواقع على الأرض ويستمع لممثلي المؤسسات ولابنة الشهيدة، والطبيب الذي أشرف على استقبال الشهداء ومعالجة الجرحى، والطفل الذي ما يزال مسكونا بالرعب الذي شاهده بأم عينه.
تضافرت عوامل عديدة لتنسج قصة البطولة الحية والمستمرة، من بينها التاريخ المباشر لمحافظة جنين في الثورة الفلسطينية الكبرى، وخصوصا حركة الشيخ الشهيد عز الدين القسام الذي خاص معركته الأخيرة واستشهد في أحراش يعبد، والمعارك الضارية التي خاضها الجيشان الأردني والعراقي لحماية جنين وإنقاذها من الاحتلال عام 1948 حيث ما زالت قبور الشهداء شاهدة على ذلك. ثم حجم القهر والألم الذي حمله الناجون من القرى المهجرة ومذابح النكبة معهم وأورثوه إلى أبنائهم الذين ما زالوا يحفظون تفاصيل قراهم السليبة، الباقية أراضيها وأطلاها على مرمى النظر. ومن العوامل الحديثة مناخ الوحدة الوطنية الراسخة التي تجسدت في أبهى صورها خلال معركة مخيم جنين البطولية في الانتفاضة الثانية في نيسان 2002، فذكريات هذه المعركة ودلالاتها قدمت دليلا عمليا حاسما على أهمية الوحدة الوطنية، التي أثبتت المعركة والمعارك الكثيرة التالية، أنها ليست مجرد شعار، بل قوة مادية ومعنوية هائلة. كما كان مخيم جنين، ومحافظة جنين حاضرين بقوة مميزة في الملحمة الأسطورية لعملية التحرر الذاتي لأسرى سجن جلبوع، ثم في تشكّل أنوية الموجة الجديدة لعمليات المقاومة خلال العام الماضي والتي بدأت في جنين وانتشرت إلى نابلس وباقي محافظات الضفة، وكانت وما زالت تؤرّق الاحتلال وتقض مضاجع قادته الذي يصرون على النظر إليها كظاهرة أمنية يمكن استئصالها بالاغتيالات والاعتقالات، ولا يستطيعون رؤية الجانب الوطني في هذه الظاهرة، من حيث كونها تعبيرا عن توق شعب رازح تحت الاحتلال للحرية.
وبسبب رمزيته التي تمثل تحديا استراتيجيا للمحتل الساعي إلى إخضاع الفلسطينيين، واجتثاث أي حالة مقاومة أو اعتراض على سياساته ومخططاته، كان مخيم جنين هدفا دائما لعشرات عمليات الاجتياح والإعدامات الميدانية.
في كل عائلة شهيد، وفي كل زاوية معركة، وفي كل زقاق قصة بطولة يرويها الكبار ويتفتح وعي الصغار عليها. هنا استشهدت ماجدة عبيد، وعلى مدخل الحارة أعدم وسام أبو جعص وداست المركبة العسكرية جثمانه، وهذه أنقاض منزل الصايغ الذي قُصف بقذائف الأنيرجا "الحارقة" فدُمّر واستشهد كل من كانوا فيه، وهناك ودعت أم العبد الشهيد عز الدين صلاحات صديق ابنها الشهيد جمال، وغطته بالكوفية وغنت له ما تغنيه الأمهات لأبنائهن الشهداء. وعلى الجدران تزدحم صور الشهداء: شبابا في عمر الورد، أمهات وأطفالا، معلمين وأطباء وعمالا وطلبة، بين هؤلاء ثمة مكان مميز للشهيدة شيرين أبو عاقلة التي يعتبرها أهل المخيم منهم، وبسرعة احتلت صورة خيري علقم مكانتها بين شهداء المخيم إلى جانب صورة عدي التميمي، وعند مدخل المخيم صنع فنانون محلّيّون من بقايا القذائف والقنابل مجسما لحصان في مشهد ينطق بالمفارقات المأساوية، كيف يُنتج الضحايا من أدوات الموت عملا جماليا؟ وحتى لا يذهب الناظر بعيدا في خياله تُذكّره صور الشهداء التي تزنر دوار الحصان بالحقيقة التي ما زالت ترعف دما.
أكثر من 300 جندي شاركوا في تنفيذ المجزرة الأخيرة، خلافا لغرف الرقابة والسيطرة المركزية التي أشرف عليها قادة دولة الاحتلال وجنرالاتها، تحكُّم مطلق بالاتصالات والطرق والمُسيرات والمروحيات، وقوات إضافية كانت في حالة تأهب حول المخيم وفي المعسكرات القريبة.
التدمير شبه الكامل للمخيم خلال معركة 2002 لم يفلح في مسحه عن خريطة المقاومة. وألم الفقدان الذي يتقاسمه أهل المخيم ويتشاركونه زاد من تماسكهم وتلاحمهم، بل زاد من تمسكهم بحقوقهم. تُلخِّص الناشطة فرحة أبو الهيجا عضو اللجنة الشعبية للمخيم المعادلة بالقول "لقد سلبونا أرضنا وممتلكاتنا، ودمروا بيوتنا، لكنهم لم يسلبوا إرادتنا".
البطولة ليست مجرد حالة عاطفية ومشاعر متأججة في الصدور، فالمخيم بحاجة إلى عوامل صمود مادية، وإلى خدمات طبابة وتعليم وبنية تحتية، وعناية بالأطفال والشيوخ والأشخاص ذوي الإعاقة، وسائر الخدمات الاجتماعية، إلى جانب ترميم وإصلاح ما دمره الاحتلال. وفي ضوء التقليصات المستمرة للخدمات التي تقدمها وكالة الغوث (الأونروا) وتطال الخدمات الأساسية، وعدم شمول بعض خدمات السلطة للمخيمات، ثمة حاجة مُلحّة لإسناد المخيم وتوفير مقومات الصمود عبر حملة وطنية محلية وخارجية تتعاون فيها المؤسسات الرسمية مع مؤسسات المجتمع المدني وروابط الجاليات ولجان التضامن مع فلسطين.
مخيم جنين، بشهدائه وجرحاه وأسراه وأطفاله وعموم سكانه هو المخيم الذي صوّب البوصلة، فرفع روحنا المعنوية، وانتشلها من وهدة اليأس إلى آفاق الأمل والتفاؤل بالحرية والاستقلال طالما أن لدينا شعبا لا يلين كما هم أهل مخيم جنين.
دلالات
حسن عاروري قبل ما يقرب من 2 سنة
المخيم محطة مؤقتة على طريق العودة
جورج فرح قبل ما يقرب من 2 سنة
وهل السلطة عاجزة عن تأمين متل هذا الحاجات للمخيم؟؟
منال شراب قبل ما يقرب من 2 سنة
المخيمات منبع الثورات
مجدي ابو زنيمة قبل ما يقرب من 2 سنة
شعبنا معطاء وما ينقصه قيادة ترقى الى مستوى تضحياته
جهاد الرجبي قبل ما يقرب من 2 سنة
احسنت القول بارك الله فيك
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
حرب غزة تخطف 18 ألف طفل فلسطيني
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 90)
شارك برأيك
مخيم جنين ... مخيم البطولة