Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

فلسطين

الجمعة 13 يناير 2023 5:07 مساءً - بتوقيت القدس

بعين سيسيولوجية.. لماذا تتحمل المرأة القدر الأكبر من المسؤولية في حال عدم قدرتها على الإنجاب؟

رام الله - "القدس" دوت كوم - روان الأسعد - رغم إيماننا بالقضاء والقدر، وإدراكنا التام بأن موضوع العقم سواء من طرف المرأة أو الرجل هو حالة مرضية، إلا أن التقبل المجتمعي له معادلة مضحكة مبكية، هل هي بسبب صورة نمطية زرعت في الأذهان منذ الأزل وباتت واقعاً وحقيقة؛ كأنها دستور مقدس تعطي الحق للزوج بالتخلي عن زوجته وتمنح المجتمع صفة الجلاد للمرأة التي لا تستطيع أن تنجب كغيرها من النساء لتزيد معانتها النفسية أضعافا مضاعفة ،لماذا تتحمل المرأة القدر الأكبر من المسؤولية في حال عدم قدرتها على الإنجاب ؟ "القدس" ناقشت الموضوع مع الباحث في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية عبدالعزيز الصالحي.

بداية يقول الباحث عبد العزيز الصالحي: نتفق جميعاً بأن العقم مرض يصيب كل من الذكور والاناث، وقد عرّفته منظمة الصحة العالمية أنه "العجز عن تحقيق الحمل بعد مرور 12 شهرًا أو أكثر على ممارسة الجماع بالتزام دون وسائل حماية"، بالتالي نتفق بأن هذا المرض يصيب كلا الجنسين، وتقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى وجود ٤٨ مليون زوج و١٨٦ مليون فرد مصابين بالعقم في العالم، ومن الممكن أن يكون العقم أولي وثانوي وهذه مسألة بغاية الأهمية لابد أن نشير لها، حيث أن العقم الأولي يعني عدم حدوث الحمل نهائياً خلال فترة الزواج وله أبعاد إجتماعية أقسى وأقوى من العقم الثانوي الذي يحدث في مرحلة لاحقه، ويكون هنالك حمل وولاده لمرة واحدة على الأقل خلال مرحلة الزواج، وهذا له أبعاد نفسية لكن أخف وطأة، فالتبعات النفسية والاجتماعية والوصمة أخف وطأة في حالات العقم الثانوي مقارنة عن الناجمة من العقم الأولي.

المكانة الدونية للنساء الغير قادرات على الانجاب


وتابع: من المهم جدا الإشارة إلى أن هذه الظاهرة هي ليست مصاحبة للمجتمعات المحلية العربية فقط كما هو شائع من صورة نمطية، فإذا ما بحثنا في الدراسات والأدبيات الكمية والكيفية، نجد عشرات الدراسات التي تتحدث عن وصم النساء بالعار نتيجة للعقم في كل دول العالم، على سبيل المثال في الولايات المتحدة يعاني واحد من كل ست أزواج من العقم أو مشاكل تتعلق بالانجاب وهو ما يصاحبه وصمة تلازم الإناث بالتحديد، لكن المفارقة تكمن في المقياس الذي يستخدمه الباحثين في تحديد الوصمة ومدى أثرها، هل الوصمة لفظية أو بالتعامل بدونية ،هل هي ذاتية، وهنا تختلف المعايير من مجتمع لمجتمع.

كيف تتم عملية الوصم مجتمعيا ولماذا تحصل وتخلف أبعاد اجتماعية ؟


يقول الصالحي: عند النظر إلى مسألة عدم الإنجاب وأبعادها الاجتماعية بعين سيسيولوجية (من منظور علم الاجتماع)، لابد من العودة إلى علم الإجتماع الأسري وهو العلم الذي يدرس الجذورالاجتماعية للعائلة وأثر المجتمع والبناء الإجتماعي وعلاقته مع العائلة، ويهتم بدراسة بكل ما يتعلق بالأسرة من بناء ووظائف وعلاقات داخلية وقرابية وأنظمة اجتماعية واقتصادية. علم اجتماع العائلة يطرح أنه ولفهم العائلة بشكل صحيح يجب أن نفهم الوظائف التي تتعلق بالأسرة داخل المجتمع، وظائفها البنيوية والوظيفية الطبيعية، من هنا نستطيع أن نفهم عدم القدرة على الإنجاب "العقم" سيسيولوجياً من حيث موقعه في هذه المنظومة، أي منظومة البناء وتحديداً في الوظائف، بمعنى أن هنالك دور وظيفي مصاحب لمسألة الإنجاب في المجتمع، وهو ما يعكس الأبعاد الاجتماعية ويصاحبها بشكل مواز، وبشكل أكثر تفصيل فإن البعد البنيوي للانجاب والعقم يصاحبهما أبعادً ثقافية موجودة أساساً بالموروث الثقافي، بالتالي بنيوياً كل ما يأتي في الموروث الثقافي يكون له تحليل وظيفي، على الصعيد السيسيولوجي دور الانجاب مهم، ومن هنا من الممكن أن تأتي وصمة العار المصاحبة لعدم الانجاب.

نظرة المجتمع للأدوار الإجتماعية


في هذا السياق يقول الصالحي: يجب أن نفهم كيف ينظر المجتمع للأدوار الاجتماعية للأفراد في مجتمعاتهم، لنفهم من أين تأتي الوصمة، ففي حالات عدم القدرة على الإنجاب تصبح هذه المنظومة منقوصة وظيفياً وبنيوياً، وحسب ما هو متوارث حول الخصوبة والإنجاب منذ قديم الأزل، لابد لنا من القول أن المجتمع كلما اتجه نحو التقسيم الوظيفي أكثر كلما خفت حدة العقم كوصمة اجتماعية، لأن الأدوار المتعلقة بالافراد تبرز في مواقع ومظاهر أخرى، والمقصود أن المجتمعات التي يحدث فيها تعقيد أعلى بالتقسيم الوظيفي للأفراد ودور كل من المرأة والرجل في المجتمع، ما يعني إبراز أدوار مختلفة بعيدة عن الإنجاب، فيصبح التركيز في المجتمعات المعقدة التي يكون فيها تقسيم الأدوار عالي على الأدوار الأخرى؛ مثلاً هل هي طبيبة هي ناجحة؟ خل مكانتها الإجتماعية عالية؟ وهو ما يجعل مسالة الإنجاب وعدمه غير مرتبطة في المعايير الوظيفية بدور المرأة، وهنا تكون الوصمة أقل بخلاف المجتمعات التي يعتبر "الإنجاب" واحداً من أبرز الأدوار المرتبطة بالمرأة في المخيال الاجتماعي، فيكون تركيب وصمة العار أعلى وهي تشعر فيها بذاتها بشكل أعلى.

ظاهرة العقم من منظور علم الاجتماع


يقول: كما أسلفنا سابقاً، سيسيولوجيا اذا أردنا فهم الأمور من منظور علم الإجتماع علينا أولا فهم علاقة الأسرة بالمجتمع ودورها ووظائفها وكيف العقم كمفهوم معاكس للوظيفه الأساسية في إنشاء الأسرة وهي "الانجاب"، وهذا مقدمة للاستدلال على مكانة الأسرة اجتماعياً، فهي اللبُنة الأساسية في بناء المجتمع وهي ظاهرة عامة في جميع المجتمعات بالرغم من اختلاف أشكال الأسر في المجتمعات المختلفة، وهي سمة أساسية تؤثر وتتأثر بجميع النظم داخل المجتمع، من هنا يمكن القول أن الاختلاف عن قواعد المجتمع وغياب العناصر التي تملأ العوامل الوظيفية قد تجلب الوصمة، ليس بمعنى أن الاختلاف يعني وصمة، ولكن كيف ينظر لها المجتمع، فإذا ما كانت تركيبة الأسرة داخل المجتمع تسير بناءً على النظام الاجتماعي السائد فيه وتؤدي وظيفتها بالانجاب والتكاثر وإنشاء عائلة بالشكل المتفق عليه اجتماعياً يحدث نوع من أتواع الوصم في حالة مخالفة ذلك، وهو مدخل لفهم ظاهرة العقم وأبعادها الاجتماعية والثقافية وأسبابها.


لماذا تأخذ النساء مكانة دونية عند عدم القدرة على الإنجاب؟


يجيب الصالحي قائلا: النساء ياخذن مكانة دونية أكثر من الرجل وهن الضحية، ولكن لنكون منصفين بصراحة داخل المجتمع كل من الذكر والانثى يصبح بمكانه دونية عندما يتعلق الموضوع بالعقم بمعنى أن الذكر العاقر يصبح بمكانه دونية كما الأنثى، ومالا يفهمه البعض أن وقع النظام الأبوي على الذكور في كثير من الأحيان يكون قاهر تماماً كما هو على الاناث .

وتابع: هذا يعود في المخيال الاجتماعي ومفهومه السيسيولوجي الواسع والمعقد، فهو يحدد للأفراد افكارً مسبقة حول أدوارهم داخل المجتمع وأين يجب أن يكونوا. والمخيال هو التربة الخصبة التي من خلالها نحن ورثنا وتشربنا هذه الأفكار جميعها، فبالتالي نعم المخيال الاجتماعي مرتبط بشكل مباشر بالمرأة لأنها ترعى الأطفال وتحمل، وتلقائياً الافتراض يصبح بأن الإشكاليه موجودة لديها، وهذا موجود منذ الأزل، فالمرأة كانت رمزاً للخصوبة في الالهة القديمة وكانت هي التي تحكم في المجتمعات الأمومية لأنها هي التي تنجب. لذا فإن المسألة تاريخياً موجودة في المخيال الاجتماعي.

وواصل: في المفارقة للمساحة المتاحة لكل من الذكر والأنثى أيضاً، المجتمع الذكوري له معايير خاصة للنجاح في الأسرة والمرتبطة بالذكر، وهذه المعايير تختلف تماماً عنها عند الأنثى، بمعنى أن معايير النجاح للأزواج أن يكون الرجل قادراً على تحصيل الدخل الكافي وفق المعايير المجتمعية وينجز إنجازات مادية أكثر، كامتلاكه لمنزل ومركبة ومنصب مرموق، وهذه الأدوار المرتبطه بالذكر، واذا ما حصل عليها يكون وفقاً للمخيال الاجتماعي قد اقترب من المثالية، ولا يوجد أي إشكالية لديه، والمساحة لدية بالتغطية على موضوع عدم الإنجاب أكبر، على عكس الانثى التي لا تحصل على الفرص المخيلة الجمعية.

هذه المفارقات بكل تأكيد فيما يتعلق بالتداعيات النفسية والاجتماعية على المرأة ومعظم المشاعر السلبية الناجمة عن العقم هي مرتبطة بشكل مباشر بالوصمة، الفرد سواء ذكر او أنثى لديه ولديها مشاعر نفسية سلبية، لكن عندما يتم وصمهما مجتمعياً، يتم تعزيز هذه المشاعر بكل تأكيد، وإبرازها فيظهر كأنهما حالة مختلفة عن الأفراد الموجودين والمنخرطين بمحيطهم، لذلك من المهم جداً أن نفهم أنه في كل مجتمعات العالم هنالك وصم للمرأة العقيمة، لكن السؤال هو كيف يتم ممارسته عليها؟ وهنا يمكن الاختلاف في المظاهر وتشكلات وصمة العار، هل تم ممارسته لفظياً أم المعاملة بدونية، ولابد من الإشارة إن كانت هذه المشاعر فردية أم لا، المجتمع يلعب دوراً كبيراً بما يتعلق بالمشاعر النفسية والتداعيات النفسية للإناث عندما تكون هناك حالة سلبية ناجمة عن العقم، ينعكس بشكل مباشر على احترام الذات والثقة بالنفس وهو ما يصاحب هذه المسألة.

هل التوعية هي الحل الوحيد؟


وعن الحلول يقول: سيسيولوجيا أستطيع الحديث عن أدوار مؤسسات المجتمع في هذه المسأله وخاصة التوعية في هضم واستيعاب وتقديم مفهوم "العقم" للافراد في المجتمع، مسألة العقم والانطباعات حولها تتعلق بالتوعيه بشكل خالص، والتغير المجتمعي يكون على صعيدين إما تغيير هرمي من الأعلى بسياسات الدولة ومنظومة الحكم، وهذا قد يغيب بشكل كامل عن السياسات وفقاً لما تراه الدول من أولويات، الا إذا كانت هذه السياسات متعلقة بالبحث العلمي وزيادة مراكز علاج العقم في بعض الحالات وهذه مساله أخرى. وعلى صعيد آخر وهو صعيد المجتمع كمجتمع بتغيير من القاعدة، وهو ما يكون بشكل كامل توعوي ولايوجد طريقة للعمل عليها غير التوعيه، وهنا دور المؤسسات الأساسية وبالتحديد في الجامعة، إذ يمكن توعية الطلاب بمفاهيم الصحة الانجابية وغيرها، وبالحديث عن ظاهرة العقم داخل المجتمع يصبح هنالك استيعاب أكبر خاصة عندما تلعب لعبة الأدوار في مرحلة الجامعة، بمعنى انك تقدم الظاهرة وتضعها مكانها، تنمي مشاعر مختلفة بدلاً من الحكم على الظاهرة من بعيد.

الدور الثاني هو دور المراكز الصحية، التي قد يتعامل بعضها مع المريضة على أنها تأخذ علاجاً فسيولوجياً للعقم دون الأخذ بعين الاعتبار الابعاد النفسية والاجتماعية، إذ يجب مراعاة أن كافة الامراض العضوية وتحديداً الأمراض التي تتعلق بالعقم ورموز الأنوثة والذكوره يصاحبها أبعاد سلبية على الصعيد النفسي، ولذلك يجب أن يكون هنالك تركيز على الرعاية الصحية النفسية للمرضى وتوعية ودعم نفسي وعدم الإقتصار على العلاج الفسيولوجي الجسدي وهنا تتدخل الحكومة من خلال تخصيص برامج في المستشفيات والمراكز الطبية، ونحن مخرجنا الوحيد هو التوعية ونعول على الوعي.

أخيراً وكمدخل في مسألة التخفيف من وطأة الألم النفسي والمعاناة الاجتماعية الناجمة عن العقم على الإناث والذكور في المجتمع، لا بد من مراجعة التشريعات المتعلقة بالاحتضان على صعيد المجتمع، إذ أن بعضها يجعل خطوات الاحتضان أصعب بكثير على الغير قادرين على الإنجاب نتيجة العقم، ففي قرار مجلس الوزراء رقم (10) لعام 2013 بنظام الأسر الحاضنة لسنة 2013م وفي المادة (8) من القانون، ينص على أنه "تعطي الأولوية في احتضان الطفل لِ: "1. الأسرة المقيمة في الأراضي الفلسطينية 2. الأسرة ذات المستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي المناسب 3. حالات عقم أحد الزوجين أو كليهما ومر على زواجهما عشر سنوات". هذا يدفعنا للتساؤل حول ما إذا كانت فعلاً التشريعات تسهل عملية الاحتضان أم تضع بعض العراقيل أمامها، إذ أن مدى ملاءمة تحديد فترة زواج الزوجين بعشر سنوات وإذا ما كان هذا الاشتراط يعيق حقاً حصول الأطفال على الحق في الرعاية، كما ولا يراعي الأسر المحرومة وغير قادرة على الإنجاب. بالإضافة إلى أنه يجب مراجعة فكرة أن تكون الأولوية للأسر ذات المستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي المناسب، حيث تطرح العبارة تساؤلات حول المعيارية في هكذا طرح، والتخوف من حرمان "الأقل حظاً" من ذلك.

دلالات

شارك برأيك

بعين سيسيولوجية.. لماذا تتحمل المرأة القدر الأكبر من المسؤولية في حال عدم قدرتها على الإنجاب؟

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 81)