أقلام وأراء
الإثنين 10 أكتوبر 2022 11:05 صباحًا - بتوقيت القدس
وقفة مع ميلاد خاتم النبيين: عندما تجتمع المودة والمحبة
بقلم:الأمير الحسن بن طلال
لم يكن ميلاد المصطفى كميلاد سائر العظماء وإنما كان ميلاده ميلاد حضارة امتد عطاؤها من طنجة إلى جاكرتا ومن غانا إلى فرغانة. وطالت إشعاعاتها العلمية والروحية ما جاورها من ثقافات وتلاها من مدنيات.
تتجلى عبقرية المصطفى في قدرته على الجمع بين أنوار العرفان ومكارم الأخلاق، وبين الرحمة والسماحة والقوة والعدل، فكان مثالا للإنسان الكامل الذي وصفه الخالق عز وجل بأنه «رحمة للعالمين» واستحق بكل جدارة أن يكون «خَاتَمَ النَّبِيِّينَ».
لم تتوقف دعوة المصطفى على تقديم أفكار إصلاحية نظرية وإنما سعى بكل وسعه الى إقامة مجتمع إنساني عادل وقوي ومتراحم. فكانت دعوته أنموذجا للإيمان «الفاعل» الذي يجمع بين الايمان والعمل، ويسعى إلى تزكية النفس وبناء المجتمع، واخلاص العبودية لله وتحرير العقل والارادة، وإشعال جذوة الروح وتحفيز الهمم والعزائم.
لقد قدم المصطفى للبشرية أنموذجين مترابطين، أولهما على المستوى الفردي حيث كان مثالا حيّا للايمان بالله والعمل الصالح، والسعي في مناكب الارض والضرب في أرجائها بكل عزم وقوة وإصرار.
والانموذج الثاني يتمثل بالمجتمع الانساني الذي أقامه النبي في المدينة المنورة، وهو أنموذج يجعل المسلم أكثر ايمانا بإمكانية النهوض والتغيير ومواجهة التحديات والصعوبات التي تعيق بناء المجتمعات واصلاحها.
ما نريد استحضار من ميلاد المصطفى هو بناء «الشخصية المؤمنة» التي تفقه الواقع ومشكلاته وتنتقد الافكار والمقولات الخاطئة التي يتوارثها الناس عن آبائهم دون تدبر ولا تفكر، وهي كذلك شخصية تواصل العمل والبناء وتقبل كل ما هو صحيح ونافع وترفض كل ما هو خاطئ وضار.
من نعم الله على البشرية أنه جعل الأنبياء من بني البشر، يمشون على الارض يأكلون ويشربون ويتحدثون بلسان أقوامهم ويعيشون ويتألمون ويموتون، فقد أرسلهم الله إلينا من أنفسنا ومن داخل مجتمعاتنا حتى يكونوا أسوة حسنة لنا جميعا {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128) ومن لطائف المعاني التي اشتملت عليها الآية السابقة ما جاء في كتب التفسير أنه «قرأ: من أَنفَسِكُم، من النفاسة أَي: من أشرفكم وأفضلكم». وقَوْله تعالى: (عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم) أَي: يعز عَلَيْهِ مَا يشق عَلَيْكُم، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث: بعثت بالحنفية السمحة».
لقد اجتمعت المودة والمحبة في ذات واحدة وهي شخصية المصطفى عليه الصلاة والسلام، فمحبته تتوسط محبة الله تعالى ومحبة أهل البيت الأطهار، كما يقول عليه الصلاة والسلام: «أحِبوا اللهَ لما يغْذوكم من نعَمِه، وأحِبُّوني بحُبِّ اللهِ، وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي"(رواه الترمذي).
يعلمنا القرآن أن المودة تبدأ من ذوي القربى «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (الشوى:23) والمعنى الأول للقربى هم آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، الذين يمثل حبهم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة، كما يقول الإمام الشافعي:
يا آل بيت رســول الله حبـكـم فرض مـن الله فـي القرآن أنزلـه يكفيكم من عظيم الشأن أنـكـم من لم يصلِ عليكم لا صلاة لـه.
ومن مظاهر عظمة المصطفى «عالمية رسالته» فهو لم يخاطب مجموعة عرقية أو أقلية قومية أو فئة طائفية وإنما خاطب الناس أجمعين، ولذلك نجد اليوم قوميات كبيرة قد آمنت برسالة الاسلام واتبعت تعاليمه كالعرب والفرس والترك والكرد والبربر وكثير من القوميات في شرق آسيا وفي إفريقيا، وهؤلاء جميعا يمثلون «أمة الاستجابة» الذين تقع عليهم مسؤولية الدعوة الى الايمان وفضائل الاخلاق جنبا الى جنب مع مسؤولية النهوض بالمجتمعات وتطوير العلوم والمعارف. فالحديث عن الهداية الايمانية، دون بناء مجتمع عادل ومنتج يسهم في تطوير الحضارة الانسانية، لا يجسد حقيقة الرسالة الاسلامية التي جاءت لإعمار الأرض وتحقيق «الحياة الطيبة» للجميع بكل ما تشتمل عليه هذه الحياة من معانٍ ومجالات اجتماعية واقتصادية وعلمية وبيئية.
تستوجب مسؤولية الأمة التي تتصدر مهمّة الدعوة أن تعبّر عن رسالة الاسلام ورقي تعاليمه وأن تعتصم بحبل الله ولا تستبيح التنازع والفرقة والانقسام. ولعل ما يحدث اليوم من نزاعات وانقسامات بين أبناء الأمة الاسلامية يمثل أكبر إساءة الى صورة الاسلام وروحه التوحيدية.
إن ما تعانيه أجيالنا اليوم من ابتعاد عن روح الايمان وقيمه الجوهرية هو نتيجة ما جناه الجهل والغلو والتعصب وما فرضته العولمة من مشكلات واختلالات، كالنسبية الاخلاقية وضياع الهويات الثقافية، وتهميش الشأن الديني وما نتج عن ذلك من «إلحاد صامت» لا يسهل علاجه.
إننا نعيش اليوم في ظروف صعبة تحتاج إلى إعادة توجيه البوصلة بحيث تكون روحانية ووجدانية، خاصة ونحن أمام تصاعد الخوف من حروب كونية جديدة وكوارث وأوبئة تدمر الحياة على كوكبنا. وهذا ما يجعلنا بحاجة الى شجاعة أكبر من أجل الوجود والدفاع عن كرامة الجميع وحقهم في الحياة الكريمة.
من أجمل تعاليم الرسالة التي جاء بها خاتم النبيين تركيزها على بناء الإيمان المشترك بالله الواحد الذي يمثل صلب العقيدة، ولذلك جاءت دعوة القرآن الكريم لكل اتباع الشرائع السماوية بأن يبحثوا عن الكلمة السواء والتي تبدأ من عبادة الله الواحد خالق كل شيء ورب كل شيء. «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ» (ال عمران 64) فالدعوة الى الاجتماع حول قاعدة الايمان تؤكد انفتاح المسلمين على اتباع الاديان وسعيهم في كل عصر للتحاور والتلاقي على كلمات «سواء» جديدة ترتقي بعلاقاتهم الدينية وتسهم في التعاون على كل ما فيه خير للبشرية جميعا.
عن "الرأي الاردنية"
دلالات
محمد قبل حوالي 2 سنة
صلى الله على خير البشر لو اتبعنا سنته لما تطاولت علينا الامم وحوشها وذءابها
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 82)
شارك برأيك
وقفة مع ميلاد خاتم النبيين: عندما تجتمع المودة والمحبة