أقلام وأراء
الثّلاثاء 06 سبتمبر 2022 10:58 صباحًا - بتوقيت القدس
"طارق أبو زياد" فارس حملة استرداد جثامين الشهداء
بقلم :جمال زقوت
في إطار فعاليات اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء، خصصت الحملة الوطنية واحدة من فعالياتها الأساسية لتكريم فارسها وأحد المبادرين لتأسيسها المناضل المرحوم سالم خلة "طارق أبو زياد"، كما أطلقت كتاباً عن سيرته الوطنية.
جرى ذلك بحضور وطني واسع، تقدمه ذوو الشهداء الذين نجحت الحملة في استرداد جثامينهم، وأولئك الذين ما زالوا يناضلون لاستردادها من أجل تكريمهم ودفنهم بما يليق بهم وبكرامتهم الإنسانية كأبطال للحرية التي تستحقها فلسطين.
"أبو زياد" قامة عالية من قامات فلسطين التي تحتل العقل والوجدان من أول لقاء ودون مقدمات، وهي غير قابلة للرحيل من الذاكرة حتى بعد رحيله عن الدنيا. اقترن أبو زياد في ذاكرتي بدايةً من خلال صديقه ورفيق دربه شقيقي الشهيد بشير زقوت، وتوطدت هذه العلاقة لتصبح علاقة خاصة بين أسرتينا، ومثل كثير من العائلات التي انخرطت في النضال أصبحت علاقة مصاهرة شكلت امتداداً عضوياً لعلاقة الصداقة. ولم يكن لوالدتي رحمها الله أن تصل دمشق في طريقها لزيارة ضريح الشهيد بشير في مقبرة الشهداء في بيروت دون أن تمر ببيتهم في مخيم اليرموك .
ظل أبو زياد دوماً في ذاكرتي، وقبل أن ألتقيه، واحداً من الكبار الذين ملأوا الدنيا بتفانيهم، وبالمهمات الكبرى التي كانوا يتحملون مسؤولياتها، وفي سنوات متأخرة، بعد عودته للوطن، ربطتني به علاقات عمل على أكثر من صعيد. لن يحتاج الإنسان لكثير من الوقت كي يتعرف وبسرعة على سماته القيادية واختياره لمهمات ذات طبيعة خاصة. مبدعاً كان، ومتنوراً مرناً، ولم يكن إطلاقاً أسيراً لفكر أو أيديولوجيا عندما يكتشف حاجتها للتطوير أو التغيير. فقط فلسطين ومستقبل حريتها وانتصار العدالة لشعبها هي ما كانت تشغل باله، وتحتل اهتماماته المباشرة وبعيدة المدى، والفكر بمكوناته السياسية والتنظيمية مجرد وسيلة لاشتقاق أشكال النضال التي تجعل فلسطين حقيقة وحريتها ناجزة. ولم تكن مجرد صدفة أن يتحمل أبو زياد بكل مسؤولية ودفء إنسانيين لمهمات الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين المحتجزة لدى قوات الاحتلال أو ما تسمى بجثامين شهداء الأرقام.
لقد ظل هذا الملف كصندوق أسود، وظلت قضية الشهداء المحتجزة جثامينهم واحدة من العثرات الكبرى في مسيرة الثورة، حيث لم تحظ هذه القضية الوطنية والإنسانية بما تستحقه من اهتمام، حتى انطلاق تلك الحملة التي اقترن اسم المناضل الكبير سالم خلة "طارق أبو زياد" بها منذ انطلاقها، منسقاً لأعمالها وأنشطتها.
تعزز تواصلي بهذا الرجل الاستثنائي في خضم إنجازات هذه الحملة وامتلاكها مساحة جدية ملموسة في الرأي العام الفلسطيني، بما يستحق هؤلاء الشهداء من أعلى درجات التكريم الإنساني والبطولي في آن، عملنا معاً في مكتب رئيس الوزراء الأسبق، والحملة التي احتضنها مركز القدس للمساعدة القانونية، والذي شغل أبو زياد أيضاً عضوية هيئته العامة ثم مجلس إدارته. وقد أقرت الحكومة وقتها اعتماد "اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء" بقرار من مجلس الوزراء في الثالث من آب 2008، باعتبار يوم السابع والعشرين من آب من كل عام يوماً وطنياً لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب. فاستمرار احتجاز سلطات الاحتلال الإسرائيلي لهذه الجثامين، وعدم الكشف عن المفقودين تعتبر مخالفة واضحة، وانتهاكاً جوهرياً لمعاهدة لاهاي لسنة 1907، والتي تتعلق بقوانين وأعراف الحروب، وأيضًا مخالفة لاتفاقية جنيف الأولى في البند 15 و17 والتي تلزم سلطات الاحتلال بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم الدينية والاجتماعية.
وقد نجحت الحملة باسترداد العديد من الجثامين، ولكن مع تصاعد بطش الاحتلال وعمليات القتل والاغتيال في السنوات الأخيرة، فقد استمرت أعداد الشهداء المحتجزة جثامينهم في ازدياد، و ظل اسم أبو زياد مقترناً بهذه الحملة التي تواصل عملها ومتابعة مهامها حتى اليوم.
مع اشتداد أثر الانقسام ومخاطر تحوله لانفصال يهدد مستقبل ومكانة القضية الوطنية وحقوق شعبنا، وتداعياته الخطيرة على المجتمع الفلسطيني سيما الفئات الكادحة والفقيرة، كان أبو زياد أحد أبرز المبادرين لإطلاق حملة "وطنيون لإنهاء الانقسام" وقد عملنا معاً في هيئة متابعة وتنسيق أنشطة هذه الحملة، حيث كان أبو زياد دوماُ يمثل ضميراً وطنياً مدركاً ليس فقط للمخاطر السياسية لأبعاد الانقسام، بل وأيضاً ما يلحقه من أذى وأثر عميقين على حياة أهلنا في قطاع غزة، وفي الريف والمناطق المهمشة والمهددة بالاستيطان في الضفة الفلسطينية، والتي باتت بمجملها فريسة لأطماع ومخططات المشروع الاستعماري الصهيوني التوسعي، تستفرد بها منظومة الاحتلال العسكري والاستيطاني. وقد كان أبو زياد دوماً صوت الضمير لهذه الفئات التي تدفع ثمن الانقسام من قوت يومها ومن مصادر رزقها ومن أرضها المستباحة والمهددة بالمصادرة، واستمر الراحل الكبير في متابعة هذه الحملة بكل طاقته رغم أوجاع المرض الذي داهمه بقسوة.
أدرك الرفيق سالم مبكراً ضرورة تكريس الجهد لبناء تيار ديمقراطي عريض، وقد أتى الانقسام الذي شكل ضربة قاصمة للمشروع الوطني، محصلة لحالة الاستقطاب وصراع القوى المهيمنة على المشهد الفلسطيني، بعيداً عن مصالح الأغلبية الساحقة من أبناء وبنات شعبنا، كما أدرك أن هذا الاستقطاب الانقسامي لا يمكن أن يوضع له حد دون إحداث تغيير جوهري في توازن القوى الاجتماعية وتعبيراتها السياسية من خلال الإخلاص لضرورة بلورة تيار وطني ديمقراطي عريض يكسر حلقة الانقسام الجهنمية، ويكون قادراً على إعادة الحياة للمؤسسات الوطنية الجامعة في إطار حكومة وطنية أولويتها العليا مصالح الأغلبية الساحقة وتوفير متطلبات صمودها، واستنهاض وتوحيد الطاقات الوطنية في إطار مؤسسات منظمة التحرير القيادية، وإعادة الاعتبار لطابعها الائتلافي كجبهة وطنية عريضة.
في لحظات مرضه الصعبة لم تفارق الابتسامة وجه "سالم اليافاوي" كما يسميه الشاعر سامي الكيلاني، نسبة لمسقط رأسه مدينة يافا الجميلة، والتي هُجّر منها في طفولته، ليستقر وأسرته في يعبد القسام التي نشأ وشق منها أولى خطوات درب كفاحه الطويل في ساحات ومجالات النضال المختلفة.
ستظل ذكراك عطرة ندية رفيقنا صاحب الابتسامة السحرية، ولن تفارقني ذكراك وذكرى بشير وأبو ربيع، والتي جمعتكم معا حياة كفاحية وشخصية مميزة، ولن أنسى مقولة أبو ربيع وهو يودع رفاقه قبل وفاته بأيام، "الحياة كانت حلما جميلاً"، وكأنه يرسم نهاية رجل شجاع بابتسامة المقاتل الذي يطوي صفحة الحياة بإرادة الشهداء، وأظنها كانت أيضا كلماتك الأخيرة في وداع رحلة الحياة التي لن تغيب عنها بصماتك وأعمالك الخالدة وذكراك وذكراهم وكل الشهداء.
كلمة أخيرة لابد منها، وهي أن تكريم الأبطال في حياتهم وفي غيابهم يجب أن ينطلق دوماً من احترام خياراتهم ومآلاتها، فحق الاختلاف والتنوع سمة الثورات الحية، والإقرار به شرط لمواكبة روح العصر في عالم متغير.
دلالات
عصام العاروري قبل حوالي 2 سنة
أتفق مع كل كلمة كتبتها عن رفيقنا وصديقنا المشترك، وقد عايشت دورك الشخصي من خلال تقديرك لشخص ابي زياد في دفع والتسجيل لعمل الحملة الوطنية في الفترة الصعبة لانطلاقتها. عهدا لأبي زياد وكافة
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
"طارق أبو زياد" فارس حملة استرداد جثامين الشهداء