أقلام وأراء

الأربعاء 31 أغسطس 2022 10:38 صباحًا - بتوقيت القدس

حماس وتركيا أردوغان:‏ مساحات للثقة وأخرى للتساؤل والحوار!!

‏ بقلم:د. أحمد يوسف


تعود معرفتي بتركيا إلى مطلع السبعينيات، حيث سافرت إلى هناك للدراسة بعد الانتهاء ‏من الثانوية العامة، إلا أنني لم استمر فيها أكثر من ستة شهور، وغادرتها بعد ذلك ‏عائداً إلى أرض الوطن.. تعلمت اللغة التركية، والتقيت العديد من القيادات الإسلامية ‏من تنظيم (مللي جوروش-فكر الأمة)، الذي أسسه البروفيسور نجم الدين أربكان عام ‏‏1969.‏


لثلاثة عقود متتابعة، غابت تركيا من مشهد الاهتمام والمتابعة بالنسبة لي، إلى أن ‏عُدنا للالتقاء بقياداتها الإسلامية في العاصمة الأمريكية واشنطن، وكانت أول تلك ‏اللقاءات مع السيد نجم الدين أربكان وعبد الله غول، حيث تسنى لي دعوتهم إلى مركز ‏الأبحاث والدراسات الذي كنت مديراً له هناك، ثم تشرَّفنا بحضور بعض الأنشطة ‏السياسية والإعلامية وكذلك لقاءات أخرى مع الجالية التركية والمسلمة قام بترتيب ‏إعدادها المجلس الإسلامي الأمريكي. ‏


طوال سنوات التسعينيات، تزايدت اللقاءات بالشخصيات الإسلامية التركية القيادية، ‏فكانت هناك مشاهدات وحوارات مع د. أحمد داود أوغلو والدكتور إبراهيم كِلن، ثم ‏سافرت إلى أنقرة مع وفد من قيادات العمل الإسلامية عام 1997 بدعوة من السيد ‏أربكان؛ وكان -حينئذ- رئيساً للوزراء، حيث التقيناه وعددٍ من نواب حزب الرفاه ‏الحاكم، ثم التقيت النائبة مروة قاوقجي في واشنطن، وبعد ذلك السيد رجب طيب ‏أردوغان؛ زعيم حزب العدالة والتنمية، والوفد المرافق له في تشرين الثاني 2001 بالعاصمة ‏واشنطن.. وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التقيت السيد أردوغان؛ رئيس ‏الوزراء، في العاصمة التركية، في أبريل 2007 كمستشار سياسي لرئيس الوزراء ‏إسماعيل هنية، وكان لنا بعد ذلك أكثر من لقاء تشاوري مع وزير خارجيته د. أحمد ‏داود أوغلو وكلك مستشاره د. إبراهيم كِلن.‏


كانت تركيا بمثابة بلدي الثاني، حيث عشقتها وعرفت الكثير من رجال السياسة ‏والإعلام فيها، إلى أن كتب الله لابنتي أن تتزوج تُركياً، ويصبح لنا فيها أحفاداً ‏وأصهاراً.‏


لذلك، عندما نتحدث عن تركيا، وخاصة تركيا أردوغان، فإن هناك الكثير مما يمكننا ‏أن نورده من المواقف وشواهد الكلام، وهذا بعضٌ منها:‏


إن تركيا أردوغان التي عرفها الشعب الفلسطيني هي التي غضب رئيس حكومتها من ‏أجل الفلسطينيين في دافوس عام 2009، وسجَّل موقفاً غير مسبوق حين احتج على ‏الانحياز الدولي لصالح إسرائيل، وجرائمها الإنسانية بحق الفلسطينيين، فقال كلمته ‏المدوية والمنددة بتلك الجرائم وغادر المؤتمر.‏


‏ تركيا أردوغان التي وقفت إلى جانب الفلسطينيين وحرَّكت أكبر حملة تضامنية لكسر ‏الحصار عن قطاع غزة، حيث حملت سفينة (مافي مرمرة) المئات من المتعاطفين ‏العرب والمسلمين، وعشرات الشخصيات الاعتبارية من الدول الغربية، وسجَّلت واقعة ‏تاريخية كنُصرة للقضية الفلسطينية، وكادت تخوض حرباً مع إسرائيل، حين تعرضت ‏تلك السفينة للاعتداء عليها في المياه الدولية، وقد أُجبرت إسرائيل أن تدفع تعويضات ‏مالية للضحايا.‏


تركيا أردوغان التي قطعت العلاقات العسكرية والأمنية مع إسرائيل، ووقفت إلى جانب ‏الحق الفلسطيني، وحسمت خياراتها بالاصطفاف خلف القضية الفلسطينية وقضايا ‏الأمة الإسلامية.‏


تركيا أردوغان التي دعمت الرئيس عباس وشجعته في الذهاب إلى مجلس الأمن ‏والمطالبة بانضمام فلسطين كدولة عضو إلى الأمم المتحدة، وسخَّرت من أجل هذا ‏التحرك دبلوماسيتها الفاعلة عربياً وإسلامياً، ونجحت في تمكين الفلسطينيين والرئيس ‏عباس من تحقيق ذلك في الجمعية العامة عام 2012.‏


‏ تركيا أردوغان التي سمحت بدعم القضية الفلسطينية مالياً، فتحركت بذلك مشاريع ‏العمل الإغاثي، وجاءت قوافل كسر الحصار تباعاً، وقامت بتقديم مساعدات مالية ‏وإغاثية عبر الكثير من المؤسسات الرسمية والشعبية الإنسانية.‏


تركيا أردوغان التي تبنت وزارة الأوقاف فيها إعادة بناء وترميم مئات المساجد التي ‏دمرتها الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة.‏


تركيا أردوغان التي انتصرت للربيع العربي ووقفت بجانب الحركات الإسلامية، كونها ‏الطريق لتحريك الزحوف من أجل تحرير فلسطين.‏


لقد كانت تركيا أردوغان أول من استقبل قيادة حماس بعد فوزها في الانتخابات، فكان ‏استقبال خالد مشعل وغيره من قيادات الحركة، حيث أضحت تركيا هي محطة مهمة ‏للدبلوماسية الفلسطينية؛ سواء الرسمية أو التي تمثل حركة حماس.‏


تركيا أردوغان بادرت بجمع كلٍّ من فتح وحماس والرئيس عباس وهنية، من أجل رأب ‏الصدع وتقريب العلاقة بين الطرفين، بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ‏الفلسطينية.‏


تركيا أردوغان الدولة التي فتحت أبوابها لاستقبال الكثيرين من أسرى صفقة (وفاء ‏الأحرار)، ومنحت الفلسطينيين حق الوصول إليها للعمل أو الاستثمار بدون قيود، كما ‏سمحت لحركة حماس وكوادرها أن تتحرك بحرية، وسهَّلت لهم الحصول على الجنسية ‏التركية، ويسَّرت للقيادات السياسية لحماس الإقامة على أراضيها، والتحرك من أجل ‏قضيتهم ومظلوميتهم كفلسطينيين، ودعمت حقهم في تقرير المصير.‏


تركيا أردوغان الساحة التي استضافت مئات المؤتمرات التضامنية مع القضية ‏الفلسطينية، وتركت أبوابها مُشرعة لكلِّ من ينتصر لفلسطين وقضيتها.‏


‏ تركيا أردوغان التي فتحت جامعاتها للطلاب الفلسطينيين على شكل منح دراسية أو ‏تسهيلات قبول للمئات منهم سنوياً من قطاع غزة والضفة الغربية، وقامت باستيعاب ‏العشرات منهم للعمل في الجامعات والمؤسسات التركية.‏


تركيا أردوغان كانت أول الصرخات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ‏والمطالبة بوقف الاعتداءات وأشكال الحرب المختلفة على الفلسطينيين خلال ‏المواجهات التي وقعت أعوام (2008، 2012، 2014، 2021م)، وكان صوتها هو ‏الأعلى أممياً في المحافل العالمية، مُطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في ‏المحكمة الجنائية الدولية.‏


تركيا أردوغان التي ما زالت تحافظ على إرثها العثماني في القدس، وتبذل كلَّ ما يلزم ‏من دعم للمحافظة على وقفياتها الإسلامية هناك.‏


ولعلَّ من الجدير ذكره، أنَّ تركيا العثمانية ولأكثر من أربعة قرون حافظت على هوية ‏فلسطين الإسلامية، وعندما خسرت في الحرب العالمية الأولى كانت فلسطين وشعبها ‏ضحية المخططات الاستعمارية البريطانية والأمريكية.‏


إنَّ هذا الجزء من المشهدية التاريخية لمواقف تركيا العثمانية وتركيا أردوغان من ‏القضية الفلسطينية، والذي يدعو للفخر والاعتزاز، يُلزمنا كفلسطينيين وحركات مقاومة، ‏وخاصة حركة حماس، الوعي بقواعد السياسة الدولية، ومنهجية السلوك الذي تُبنى ‏عليه العلاقة بين الدول والحركات، حتى لا يذهب البعض بعيداً في التوقعات، ‏وافتراض كل ما هو خارج الحسابات السياسية والأمنية للدول.‏


إنَّ تركيا أردوغان تبذل الكثير من الجهد من أجل نُصرة القضية الفلسطينية ودعم ‏الشعب الفلسطيني، إلا أن هناك ضوابط وسياسات تحكم توجهات تركيا الخارجية ‏بحكم علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ووجودها داخل حلف ‏الناتو، ومحاولاتها الانضمام للاتحاد الأوروبي. ‏


إنَّ مما يتوجب علينا فهمه كحركة حماس، هو أنَّ تركيا أردوغان مستهدفة، وهي ‏تتحرك في حقلٍ من الألغام، إذ إن الغرب – وهذا ما تعلمه تركيا أردوغان- لن يسمح ‏بإسقاط دولة الكيان الصهيوني، فالدعم الغربي لإسرائيل غير مسبوق في التاريخ.. ‏لذلك، فإن تركيا أردوغان مُدركة للمدى الذي يمكن أن تصل إليه حدود قدراتها، وما ‏يمكنها تقديمه من دعم سياسي ودبلوماسي وإنساني للشعب الفلسطيني ولحركة حماس.‏


إنَّ ثقتنا عالية بتركيا أردوغان، وإنَّ الدول كالأفراد لا يمكن تحميلها فوق طاقتها، ‏وعلينا كإسلاميين في المشهد السياسي الفلسطيني أن نترك مساحات للتساؤل والحوار ‏مع الاطمئنان بأن تركيا أردوغان لن تُخيِّب ظنون الفلسطينيين في مواقفها وتحركاتها، ‏والأمل ألا نكون نحن في سياساتنا مثاراً للتهور والنهج الخطأ. ‏

دلالات

شارك برأيك

حماس وتركيا أردوغان:‏ مساحات للثقة وأخرى للتساؤل والحوار!!

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

من سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟

%0

%0

(مجموع المصوتين 0)