د. أحمد يونس: دون تفاهم دولي حقيقي وضمانات سياسية وأمنية متبادلة لن يخرج إعلان ماكرون عن كونه ورقة ضغط دبلوماسية مؤقتة في لعبة أمم
د. أمجد أبو العز: فرنسا تسعى للعب دور في الشرق الأوسط وتحاول العودة إلى المنطقة عبر البوابة الفلسطينية بعد فشل البوابة اللبنانية
د. جمال الشلبي: الجائزة التي قد تحصل عليها إسرائيل مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومقابل الشرط السعودي بقيام دولة فلسطينية ستكون كبيرة
د. أمجد شهاب: خطوة جيدة من الناحية الدبلوماسية والقانونية لكنها تبقى بعيدة كل البعد عن تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية
د. طارق زياد وهبي: ماكرون يحاول أن يقود حملة مختلفة عما يفعله ترامب الذي ذهب بعيداً في حماية إسرائيل وحكامها حتى من الجنائية الدولية
رغم أن الموقف الفرنسي ليس جديداً، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون مؤخراً نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال شهر حزيران، لكن مستشار ماكرون خرج وأعلن أن الاعتراف بدولة فلسطينية مشروط بوقف الحرب، وتحرير الرهائن، وإنهاء حكم حركة حماس في قطاع غزة."
وجاء إعلان ماكرون في ذروة حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، وتنكرها للقوانين الدولية والاتفاقات السياسية الموقعة مع الجانب الفلسطيني ورفضها المعلن لقيام دولة فلسطينية، وفرضها وقائع على الأرض تجعل من قيام دولة فلسطينية هدفاً صعب المنال.
كتاب ومحللون وأكاديميون تحدثوا لـ"القدس" دوت كوم، قالوا أن فرنسا تسعى للعب دور في الشرق الأوسط وتحاول العودة إلى المنطقة عبر البوابة الفلسطينية بعد فشل البوابة اللبنانية، مؤكدين أنه دون تفاهم دولي حقيقي وضمانات سياسية وأمنية متبادلة لن يخرج إعلان ماكرون عن كونه ورقة ضغط دبلوماسية مؤقتة في لعبة أمم.
إعلان ماكرون النية للاعتراف بدولة فلسطين ليس نهائيًا
ويقول الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي اللبناني الدكتور أحمد يونس "إن من يدقق في صيغة الإعلان الذي صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول عزم بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال شهر حزيران المقبل، ورغم البعد الرمزي والسياسي لهذا الإعلان، لكنه يكشف أنه ليس قرارًا نهائيًا، بل مقترن بشروط سياسية معقدة، في مقدمتها اعتراف دول عربية بإسرائيل. و بإشارة واضحة إلى السعودية، التي ترفض التطبيع قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة. "
ويؤكد يونس أن التصريح الفرنسي جاء في وقت حساس، مع تصاعد التوتر الإقليمي والحرب المستمرة في غزة، وفي ظل تراجع الثقة بالمسار الدولي لحل الدولتين. من حيث الشكل، يبدو ماكرون وكأنه يسعى إلى إعادة إحياء هذا الحل السياسي، لكن من حيث المضمون، فإن شروط الاعتراف التي طرحها تثير أسئلة حول الجدية والتوقيت والدوافع.
ويشير يونس إلى أن ربط ماكرون اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، باعتراف دول عربية بإسرائيل، هو شرط لا ينسجم مع الواقع السياسي للمنطقة، خصوصاً أن المملكة العربية السعودية وهي الدولة التي يبدو أن ماكرون يلمّح إليها صراحة تشترط إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية قبل أي خطوة تطبيعية مع إسرائيل. فهل يكون ماكرون هنا يضع شرطًا يعلم مسبقًا أنه لن يتحقق، ليمنح باريس مخرجًا دبلوماسيًا من اتخاذ قرار فعلي.
مؤتمر دولي مرتقب في نيويورك
ويرى يونس أن تصريح ماكرون جاء أيضًا قبيل مؤتمر دولي مرتقب في نيويورك، ترئسه فرنسا بالمشاركة مع السعودية، بهدف "إحياء" حل الدولتين. وقال: ماكرون أشار بوضوح إلى رغبته في أن يكون الاعتراف الفرنسي جزءًا من "حركية جماعية"، أي صفقة سياسية متكاملة تتضمن تطبيعًا عربيًا مع إسرائيل، واعترافًا دوليًا بفلسطين، وضمانات أمنية إقليمية، خصوصاً ضد إيران التي وصفها بأنها "ترفض وجود إسرائيل".
وأضاف: "إذا عدنا إلى الوراء قليلاً نرى أن فرنسا لم تكن يومًا بعيدة عن دعم حل الدولتين. فمنذ خطاب الرئيس فرانسوا ميتران في الكنيست عام 1982، إلى دعمها لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين، تبنّت باريس دائمًا الموقف الكلاسيكي الأوروبي القائم على إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967. بل إن فرنسا رفعت في عام 2010 مستوى التمثيل الفلسطيني لديها، وسمّت رئيس بعثته بـ"السفير".
وتابع يونس: "لكن الجديد في إعلان ماكرون ليس التوجه، بل ربط الاعتراف الفلسطيني بمكاسب لإسرائيل. وهذا تحول في اللغة السياسية الفرنسية، يعكس إما تراجعًا عن استقلالية الموقف الأوروبي التقليدي، أو محاولة للعب دور الوسيط المتوازن بين الشرق والغرب، العربي والإسرائيلي، الأمريكي والإيراني."
الاعتراف الفرنسي لن يغيّر الكثير
ولفت إلى أن هذا التصريح وهذا الاعتراف الفرنسي لن يغيّر الكثير. فوفق اتفاقية مونتيفيديو لعام 1933، لا يحتاج وجود الدولة إلى اعتراف خارجي لتكون قائمة من حيث القانون الدولي. لكن من الناحية السياسية، فإن إعلان فرنسا وهي عضو دائم في مجلس الأمن ومن أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل عام 1949 يحمل رمزية كبيرة قد تفتح المجال أمام موجة اعترافات أوروبية أخرى.
وقال: مع أن الولايات المتحدة لا تزال تعارض الاعتراف الأممي بفلسطين، كما ظهر جليًا في استخدامها الفيتو ضد مشروع القرار الجزائري في مجلس الأمن عام 2024، فإن تحركات أوروبية من هذا النوع قد تزيد الضغط السياسي على واشنطن، وتعيد الزخم للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
محاولة لتموضع دبلوماسي في لحظة دولية مضطربة
ويشير بهذا الصدد إلى أن تصريحات الرئيس ماكرون لن تؤسس لتغيير جذري في السياسة الفرنسية، بقدر ما تعكس محاولة لتموضع دبلوماسي في لحظة إقليمية ودولية مضطربة. وقال: إنه إعلان يبعث برسائل متعددة الأطراف: للفلسطينيين والعرب، بأن باريس لا تزال تدعم دولتهم؛ ولإسرائيل، بأن الاعتراف لن يأتي مجانًا؛ ولأمريكا، بأن فرنسا تريد دورًا في صياغة مستقبل الشرق الأوسط؛ ولإيران، بأن باريس ستقف بوضوح ضد رفضها لوجود إسرائيل.
ويؤكد د. يونس في ختام تصريحه لـ "القدس"دوت كوم، أن الاعتراف المشروط، كما هو مطروح، يبقى إعلان نية لا أكثر. وقال "دون تفاهم دولي حقيقي وضمانات سياسية وأمنية متبادلة، لن يخرج هذا الإعلان عن كونه ورقة ضغط دبلوماسية مؤقتة في لعبة أمم مفتوحة على كل الاحتمالات."
"أسمع جعجعة ولا أرى طحينًا"
من جانبه، قال المختص في الشؤون الأوروبية في الجامعة العربية الأمريكية د. أمجد أبو العز: "كالعادة، تنطبق على فرنسا المقولة الشهيرة: "أسمع جعجعة ولا أرى طحينًا". اليوم، نشهد تراجعًا في الحماسة الفرنسية تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، نتيجة لضغوط مارستها تل أبيب بعد اتصال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ونتيجة لهذا الاتصال، صرّح مستشار الرئيس الفرنسي أن الاعتراف بدولة فلسطينية مشروط بوقف الحرب، وتحرير الرهائن، وإنهاء حكم حركة حماس في قطاع غزة."
وأضاف أبو العز: منذ عام 1980، وفرنسا تُعلن أنها تدعم قيام دولة فلسطينية، لكنها لم تنفّذ ما تدعو إليه، لا على المستوى الفردي الفرنسي، ولا على المستوى الأوروبي. وفي عام 1980، لم تكن حركة حماس موجودة، ولم يكن هناك لا سلاح ولا أسرى، ومع ذلك، لم تعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية.
ويؤكد أبو العز أن هذا الموقف ليس جديدًا، بل هو استمرار لمواقف سابقة. منذ إعلان البندقية عام 1980، وما تبعته من مواقف للاتحاد الأوروبي – والذي تقوده ألمانيا حاليًا – تواصل الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، التأكيد في بياناتها على ضرورة إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل. لكن هذه التصريحات لم تتجاوز الورق، وهي تتكرر في كل بيانات المجلس الأوروبي ووزارة الخارجية، دون أثر فعلي على أرض الواقع.
فرنسا غير جادّة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية
أما بالنسبة لفرنسا، يقول أبو العز فإنها تسعى للعب دور في منطقة الشرق الأوسط، وتحاول العودة إلى المنطقة عبر عدة بوابات، كانت إحداها البوابة اللبنانية في السابق، من خلال محاولة رعاية اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، لكنها همّشت لاحقًا.
ويضيف: الآن، تحاول فرنسا العودة عبر البوابة الفلسطينية من خلال طرح فكرة الاعتراف بالدولة. هذه المبادرة، بالمناسبة، طرحها مستشار الرئيس الفرنسي خلال زيارته إلى رام الله قبل نحو ثلاثة أسابيع، وقد التقيت به شخصيًا. كان الهدف طرح "رؤية شاملة" على غرار الطرح الأمريكي، وهناك نوع من التنافس الفرنسي-الأمريكي حول هذا الملف. وقد تجلى ذلك في الاتصال بين الرئيس ماكرون وكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله في أثناء وجودهم في القاهرة.
وتساءل أبو العز : هل ستُبصر هذه المبادرة النور؟ معربا عن اعتقاده أن التحديات كبيرة جدًا.
ويقول: لو كانت فرنسا جادّة فعلًا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لما ربطت الاعتراف بشروط تعجيزية لا يمكن تحقيقها في المدى القريب، مثل وقف الحرب أو إنهاء حكم حماس. في الواقع، هذه الشروط تمثّل نوعًا من الهروب من الواقع، واستجابة للضغوط السياسية الإسرائيلية.
لماذا لا يعترفون الآن؟!
وتابع: الفرنسيون اليوم يقولون إنهم "سوف يعترفون"، لكن السؤال هو: لماذا لا يعترفون الآن كما فعلت إسبانيا والنرويج وبلجيكا وسلوفينيا وإيرلندا؟ لماذا ربط الاعتراف بشروط معقدة؟
ويرى أن فرنسا تبيع وهمًا سياسيًا. معربا عن الأمل في أن يكون ماكرون قادرًا على تحقيق ما يطرحه، وقادرًا على إقناع شركائه في الاتحاد الأوروبي بتبني هذا الموقف.
ويؤكد أبو العز في ختام تصريحه لـ "القدس" أن التعامل مع السعودية كبديل عن إقناع الأوروبيين هو دليل على ضعف القدرة الفرنسية على التأثير داخل الاتحاد، مضيفاً: كان الأجدر بالرئيس الفرنسي أن يبدأ أولًا بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، بدلًا من الاكتفاء بالتصريحات. وكان عليه أيضًا أن يقنع شركاءه في الاتحاد الأوروبي بتبنّي الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
فرنسا تحاول إيجاد موطئ قدم في المنطقة
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية في عمان د. جمال الشلبي إن فرنسا تحاول العودة إلى الشرق الأوسط، ليس عبر البوابة اللبنانية فقط، كما حدث عندما توسطت في الاتفاق الإسرائيلي-اللبناني لوقف إطلاق النار، بل أيضًا من خلال القضية المركزية في الشرق الأوسط، وهي القضية الفلسطينية.
وأضاف: " في ظل الهيمنة والسيطرة الأمريكية على مفاتيح هذه القضية، تحاول فرنسا إيجاد موطئ قدم بالتعاون مع إحدى ركائز الملف الفلسطيني الحالية، وهي المملكة العربية السعودية. ويعتقد أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية يُعد الإنجاز الأكبر والأهم إذا ما تحقق."
وتابع الشلبي: "صحيح أن هناك موجة تطبيع إبراهيمية، وهي مهمة بالنسبة لإسرائيل، لكنها لا تضاهي في أهميتها السعودية، التي تمتلك الحرمين الشريفين، ولها دور إقليمي فاعل على مستوى الشرق الأوسط والخليج، إلى جانب دور اقتصادي مهم في مجالات الطاقة والنفط والغاز، فضلًا عن موقعها الجيوسياسي."
ويرى أن الهدف الرئيسي للرئيس ماكرون اليوم هو دعم القضية الفلسطينية، ليس فقط عبر البوابة الأوروبية، بل من خلال البوابة العربية التي تقودها المملكة العربية السعودية.
وقال: "من هنا جاءت فكرة الرئيس ماكرون بالدعوة إلى مؤتمر دولي، تم الإعلان عنه خلال لقائه في السعودية في ديسمبر الماضي، حيث أُكدت فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن من خلال مؤتمر دولي يُعقد في نيويورك في 15 حزيران من هذا العام."
لجنة دبلوماسية وأكاديمية مرتبطة بالخارجية الفرنسية
ولفت إلى أن هذا المؤتمر يُعد محاولة فرنسية - سعودية أولًا لإثبات أن قوتين أساسيتين، هما العالم العربي وأوروبا، تعملان في الاتجاه ذاته، وثانيًا لإظهار وجود رغبة حقيقية لدى هاتين الدولتين في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وقال: إن فرنسا قامت بتشكيل "لجنة دبلوماسية وأكاديمية" مرتبطة مباشرة بوزارة الخارجية الفرنسية، أوكلت إليها مهمة التحضير التفصيلي للمؤتمر والذي من المتوقع أن يشهد مشاركة عربية وأوروبية وعالمية واسعة. تتألف هذه اللجنة من ثمانية أعضاء بارزين، يمثلون مزيجًا من الخبرة الدبلوماسية العميقة والرؤية الأكاديمية التحليلية، وهم: ثلاثة سفراء فرنسيين سابقين، شغلوا مناصب حساسة في دول معنية بالصراع: إسرائيل، وسوريا، وليبيا. وخمسة أكاديميين مختصين في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية، وفي موازاة ذلك، عملت اللجنة على بناء شراكة استراتيجية قوية مع مركز الخليج للأبحاث في السعودية، ممثلاً بالدكتور عبد العزيز بن صقر، الذي يُعد من أبرز الشخصيات البحثية والفكرية في المنطقة، ويترأس أحد أهم المراكز البحثية السعودية التي تعكس بعمق الرؤية السعودية وتوجهاتها السياسية الخارجية.
ويرى الشلبي أن اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، إذا ما تحقق، سيقود إلى اعتراف أوروبي شامل. وأضاف: صحيح أن دولًا مثل إسبانيا وسلوفينيا وإيرلندا اعترفت بالدولة الفلسطينية، لكن اعتراف فرنسا سيكون له وزن أكبر، تمامًا كما هو الحال مع أهمية السعودية في مسار التطبيع.
فرنسا تسعى إلى تحقيق توازن في مواقفها
ويرى أن هذا التطور سيمثل إنجازًا سياسيًا كبيرًا للقضية الفلسطينية بعد أحداث غزة الأخيرة.
من جانب آخر، يعتقد د. الشلبي أن فرنسا تسعى إلى تحقيق توازن في مواقفها، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، لا سيما تجاه إسرائيل. إذ تضم فرنسا حوالي 500 ألف يهودي، يشكلون شريحة مؤثرة تمتلك قوى اقتصادية وثقافية وإعلامية، وتلعب دورًا بارزًا.
وتابع: "بالتالي، فإن هذه الخطوة الفرنسية تأتي أيضًا كرسالة إلى هذه الشريحة، مفادها أن مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ستحصل إسرائيل على الأمن، والتطبيع، وضمانات مهمة، وبالتالي يجب المضي قدمًا في هذا الاتجاه."
وأوضح أيضاً أن هذه الخطوة توجه رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيقابله تطبيع، وهو تطبيع ثمين، لأنه لا يعني السعودية وحدها، بل يشمل العالم العربي والإسلامي، من إندونيسيا وماليزيا، إلى الكويت، وعُمان، وموريتانيا، والجزائر، وتونس وغيرها.
وأكد الشلبي أن الجائزة التي قد تحصل عليها إسرائيل مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومقابل الشرط السعودي القاضي بقيام دولة فلسطينية، ستكون كبيرة. سواء كانت هذه الدولة وفق قرارات الأمم المتحدة (مثل القرار 242 أو 338)، أو وفق تطلعات الشعب الفلسطيني، فإن المهم هو وجود دولة تستطيع أن توحّد الشعب الفلسطيني، وتثبت للعالم أنها قائمة فعليًا.
اعتراف فرنسي مشروط بالدولة الفلسطينينة
أما المحلل والمختص بالشان الفرنسي د. أمجد شهاب فقال إن طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية – أي أن فرنسا قد تعترف بدولة فلسطين في شهر حزيران المقبل لا يزال مشروطًا، إلا أنه في الوقت ذاته يعبر عن معارضة الرئيس الفرنسي لسياسة القضاء على الفلسطينيين في غزة، ومعارضته للسياسة الإسرائيلية عمومًا. ويُعدّ هذا الإعلان تراجعًا في الموقف الفرنسي المؤيد لإسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر.
وأشار إلى أن الموقف الفرنسي لا يزال يتسم بالحذر، إذ يتأرجح بين الرغبة في الالتزام بالبعد الإنساني، والتردد في اتخاذ مواقف حاسمة على الصعيد السياسي.
وأضاف: "تُعدّ هذه التصريحات خطوة مهمة جدًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، صادرة عن أول دولة غربية رئيسية، إذ تُعدّ فرنسا الدولة الأهم سياسيًا على المستوى الأوروبي."
وتابع: رغم أن الحديث عن الاعتراف بدولة فلسطينية لا تزال غير قائمة فعليًا على أرض الواقع حيث إن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية فإن الدولة المعنية هنا تبقى "افتراضية"، وتودّ فرنسا الاعتراف بها بشكل مشروط، في تعبير واضح عن رفضها لتصفية القضية الفلسطينية، والتخلّص من الفلسطينيين في قطاع غزة، ورفض إعادة تشكيل الشرق الأوسط عبر العدوان والمجازر والتدمير. بل على العكس، تؤكد فرنسا من خلال هذا الموقف دعمها للحل السلمي.
مؤتمر حول فلسطين بالأمم المتحدة في نيويورك
وأشار شهاب إلى أن فرنسا تنوي، بالشراكة مع المملكة العربية السعودية، تنظيم مؤتمر حول فلسطين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، في محاولة للتوصل إلى صيغة "اعتراف متبادل": أي أن تعترف فرنسا ودول أوروبية أخرى بدولة فلسطين (الافتراضية)، في مقابل اعتراف السعودية ودول عربية أخرى – لم تعترف حتى الآن بإسرائيل – بدولة الاحتلال.
لكنه لفت الى ان المحاولات الدبلوماسية الفرنسية تبقى صعبة التنفيذ. وقال قبل عام، قامت عدة دول أوروبية مثل إسبانيا، وإيرلندا، والنرويج، بالاعتراف المشترك بدولة فلسطين، بينما بقي الموقف الرسمي الفرنسي في عهد ماكرون يقول: "سنعترف في الوقت المناسب"، رغم دعوات عديدة داخل فرنسا للاعتراف المتزامن مع هذه الدول الأوروبية.
ماكرون والدبلوماسية الديغولية
وتساءل شهاب: ما الذي دفع الرئيس الفرنسي إلى اتخاذ هذه الخطوة، في وقت تعارض فيه الولايات المتحدة – خلال رئاسة ترامب – حل الدولتين؟ وقال: هناك تفسير لذلك وهو أن استمرار الصمت كان سيجعل الموقف الرسمي الفرنسي حرجًا، بل متواطئًا، ويخالف الموقف الفرنسي التاريخي المعروف بـ"الدبلوماسية الديغولية"، التي تعتبر فرنسا الغربية الحليف الأفضل للدول العربية. ويبدو أن هذه الخطوة تمثل محاولة لإحياء السياسة الفرنسية -العربية التقليدية التي اختفت منذ نهاية رئاسة جاك شيراك عام 2007.
ونوه إلى ان الرئيس ماكرون يحاول لعب دور متوازن حسب مفهومه السياسي: من جهة، ضد حركة حماس، ومن جهة أخرى، مع إسرائيل. فقد دعا دولًا عربية إلى التطبيع مع إسرائيل، مقابل اعتراف فرنسا وربما دول أوروبية أخرى بدولة فلسطينية افتراضية، بدلًا من اتخاذ إجراءات أو فرض عقوبات فرنسية وأوروبية فورية على إسرائيل لوقف المجازر في غزة ووقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس.
وختم شهاب تصريحه بالقول: "من هذا المنطلق، تُعدّ هذه الخطوة جيدة من الناحية الدبلوماسية والقانونية، لكنها تبقى بعيدة كل البعد عن تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية."
إعلان كان يجب أن يأتي منذ حقبة شيراك
بدوره، قال الباحث اللبناني في العلاقات الدولية د. طارق زياد وهبي إن إعلان الرئيس ماكرون الاعتراف بالدولة الفلسطينية كان يجب أن يأتي منذ زمن طويل وخصوصاً مع الخوض الإيجابي الفرنسي بالقضية الفلسطينية منذ حقبة الرئيس شيراك الذي بدأ مع الرئيس الراحل عرفات بشق طريق أمام عدد من الدول الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ويرى أن ما أراده ماكرون هو العودة إلى قرارات الجامعة العربية لمؤتمر بيروت للعام 2002 حيث كان شعار "السلام مقابل الأرض" أي بمعنى آخر الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل التطبيع مع إسرائيل.
وأكد وهبي أن الأيام التي مضت مع الحضور الامريكي الزائد في هذا الملف وغير المنصف بحق الفلسطينيين أوصل إلى مسارات عربية اسرائيلية مختلفة أوصلت إلى ما سمي بالاتفاقيات الإبراهيمية والتي قضت بالتطبيع مع عدد من الدول العربية المؤثرة في الملف الفلسطيني ولم يبقَ إلا المملكة العربية السعودية التي ربطت تسوية علاقاتها مع اسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
حل الدولتين بات حلماً صعب المنال
وأشار الى ان الكل أمام مأزق وهو أن حل الدولتين مع الممارسات الاسرائيلية بات حلماً صعب المنال لطالما الولايات المتحدة وحتى الاتحاد الأوروبي لم يأخذوا قرارات ضد الاستيطان في الضفة الغربية وأثبتت حرب غزة ان إسرائيل في اي وقت تستطيع ان تغير الخارطة الجغرافية واقتطاع أراض فلسطينية وجعلها حزاماً امنياً حامياً لإسرائيل.
وأوضح وهبي أن ماكرون بعد اجتماعه مع الرئيس السيسي والملك عبدالله اراد ان يدفع بدولته والاتحاد الاوروبي لفتح باب الاعتراف كأداة ضغط دبلوماسية رغم ان الشطر الثاني للاعتراف يرتبط بالاعتراف العربي بإسرائيل، والملفت بهذا الأمر عدم وجود اي رسمي فلسطيني في اجتماع القاهرة والذي كانت معظم بنوده تخص فلسطين والشعب الفلسطيني.
واعتبر ان هذه دلالة أخرى عن ان خيارات فرنسا تذهب أيضاً بنهج بعض الصهاينة المتشددين الذين لا يعترفوا بوجود فلسطين.
وأشار الى ان المملكة العربية السعودية قيّمت جيداً مخرجات الصلح الإبراهيمي والذي شكل لدول الصلح نوعا من الانفتاح التجاري مع دولة إسرائيل دون محاسبتها مثلاً عمّا ترتكبه في غزة وفي الضفة بحق المدنين بعد السابع من أكتوبر.
وخلص وهبي للقول: " يجب ان نقر بأن الرئيس ماكرون يحاول أن يقود حملة مختلفة عما يفعله الرئيس ترامب الذي ذهب بعيداً في حماية اسرائيل وحكامها حتى من المحكمة الجنائية الدولية بعد الضغط على قضاتها من قبل الولايات المتحدة الامريكية، فرنسا تسلك والاتحاد الأوروبي طريق الدبلوماسية المرنة التي لا تزعج اسرائيل وتطمئن العرب انها قادرة ان توفق بين كل الأطراف."
شارك برأيك
هل تعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية ؟ أم أنها تبحث عن موطئ قدم في المنطقة من البوابة الفلسطينية