Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

فلسطين

الخميس 17 أبريل 2025 12:44 مساءً - بتوقيت القدس

المجتمع العربي في أراضي 48 ينزف بصمت... إسرائيل تسعى لهدم القلعة من الداخل بعد فشل الإخضاع

رام الله - خاص ب "القدس" دوت كوم

د. أحمد الطيبي: الشرطة الإسرائيلية قادرة على مواجهة منظمات الإجرام كما فعلت في نتانيا ونهاريا وتل أبيب لكنها لا تفعل ذلك في البلدات العربية

د. يوسف جبارين: تواطؤ الشرطة مع عناصر الإجرام يتماشى مع السياسات العنصرية والاستعلائية لـ بن غفير الذي يجاهر بعدائه للعرب

سوسن سرور: على مر السنين تزعزت الثقة تجاه جهات إنفاذ القانون بسبب تعامل الشرطة مع المجتمع العربي على أنّه جهة معادية

أمير مخول: ما يحصل يصب في مشروع استراتيجي إسرائيلي هدفه النهائي "التهجير الطوعي" للفلسطينيين في الداخل

وديع عواودة: : نحن أمام تهديد كارثي غير مسبوق منذ عام 1948 وأراه التهديد الاستراتيجي الأخطر الذي يواجه كل العرب في الداخل


يتعرض المجتمع العربي في أراضي 1948 لحرب شرسة وصامتة، تحصد أرواح الكثيرين من المواطنين العرب، دون أن تحرك المؤسسة الرسمية الإسرائيلية ساكناً بمختلف أذرعها ووزارتها لا سيما الشرطة لوضع حد لهذا النزيف الذي أفقدهم السكينة والأمان، وبات يهدد تماسك ووجود العرب في مدنهم وقراهم.

عمليات قتل يومية أو شبه يومية حصدت أرواح العشرات منذ بداية العام، حدث الكثير منها في وضح النهار ودون مقدمات ودون فهم الأسباب، يذهب ضحيتها شبان ونساء وفتيات دون وجود رابط مشترك بين كل الضحايا، بحيث تبدو وكأنها عمليات قتل من أجل القتل. لكن اللافت في الأمر أن الشرطة الإسرائيلية تتعامل مع هذه الجرائم بنوع من التجاهل المريب، وكأنها لا تقع ضمن مناطق تخضع لها، بحيث سجلت معظم الجرائم قيد مجهول، علماً أنها تتعامل بطريقة مغايرة وبفعالية كبيرة عندما تقع الجرائم داخل المجتمع اليهودي.

كتاب ومحللون وحقوقيون وسياسيون تحدثوا لـ"القدس" أكدوا أن الشرطة الإسرائيلية قادرة على مواجهة منظمات الإجرام كما فعلت في نتانيا ونهاريا وتل أبيب لكنها لا تفعل ذلك في البلدات العربية، منوهين إلى أن تواطؤ الشرطة مع عناصر الإجرام يتماشى مع السياسات العنصرية والاستعلائية لـ بن غفير الذي يجاهر بعدائه للعرب.

وقالوا: إن ما يحصل يصب في مشروع استراتيجي إسرائيلي هدفه النهائي "التهجير الطوعي" للفلسطينيين في الداخل، مضيفين: نحن أمام تهديد كارثي غير مسبوق منذ عام 1948 وهو التهديد الاستراتيجي الأخطر الذي يواجه كل العرب في الداخل.

  

إجرام غير مسبوق في المجتمع العربي بالداخل


وقال النائب الدكتور أحمد الطيبي رئيس الحركة العربية للتغيير إن ما يحدث مؤخرًا في المجتمع العربي يُعدّ غير مسبوق وخطير، ويشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن الشخصي للفلسطينيين في الداخل الفلسطيني".

وأشار إلى أن المنظمات الإجرامية أصبحت تتحكم في الأمور، دون اكتراث من الشرطة التي وصفها بأنها متواطئة وفاشلة في أفضل الأحوال.

وأوضح الطيبي أنه خلال أيام قليلة قُتل 11 شخصًا، بينما صرّح المفوض العام للشرطة بأنه لا يعدّ الجثث، ما يعكس تجاهلًا لقيمة الإنسان والألم والفقدان في المجتمع العربي.

وأشار إلى أن السلاح متوفر بكثرة لدى منظمات الإجرام، وأن هناك نوعين من الجريمة: الأولى منظمة تقودها عصابات ومافيات، وهذه مسؤولية الدولة والشرطة وليس رئيس سلطة محلية ولا عضو كنيست ولا رجل دين ولا مدرس؛ والثانية عنف مجتمعي ناتج عن خلافات بين الجيران أو في الملاعب أو داخل العائلات، وهو مسؤولية مجتمعية تتطلب تدخل الجميع.


إخراج لجان إفشاء السلام من القانون


وانتقد الطيبي إخراج المؤسسة الإسرائيلية للجان إفشاء السلام من القانون، معتبرًا أن تصريحات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير حول نجاحه في منصبه تعني ضمنيًا أن قتل العرب لبعضهم البعض يُعدّ نجاحًا في نظره.

وأكد أن الشرطة الإسرائيلية قادرة على مواجهة منظمات الإجرام، كما فعلت في مدن مثل نتانيا ونهاريا وتل أبيب، لكنها لا تفعل ذلك في البلدات العربية، مما يشير إلى أن هذه سياسة حكومية تمتد من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى بن غفير وقيادة الشرطة.

وشدد الطيبي على ضرورة إعادة تثقيف الشباب والانتباه لتصرفاتهم، خاصة إذا ظهرت عليهم علامات الثراء المفاجئ، داعيًا إلى مواصلة جهود الإصلاح ومنع سفك الدماء في ظل غياب دور حقيقي للشرطة.



تخاذل الوزارات الحكومية المسؤولة عن معالجة العنف


من جانبه، قال الحقوقي والنائب السابق عن القائمة المشتركة د. يوسف جبارين "إن تفاقم العنف والجريمة في مجتمعنا لم يأت من فراغ، بل هو أساسًا نتيجة لتخاذل الوزارات الحكومية المسؤولة في التعامل مع الموضوع وفي أخذ دورها، سواء من ناحية انفاذ سلطة القانون أو من ناحية الميزانيات والموارد التي يجب تخصيصها للتعليم والخدمات الاجتماعية وشريحة الشباب". 

ويرى جبارين أن هذا التفاقم الخطير يرتبط بداية بسياسات الشرطة تجاه المواطنين العرب، فالشرطة الإسرائيلية ترى في المواطنين العرب جزءًا من "الاعداء" على أساس انتمائهم القومي وبالتالي فالشرطة شريكة في سياسات القمع والعنصرية ضد أهلنا وشبابنا في الداخل. هذا التواطؤ الشرطي مع عناصر الإجرام يتماشى بالطبع مع السياسات العنصرية والاستعلائية للوزير الحالي ايتمار بن جفير، الذي يجاهر باجندته المعادية للمواطنين العرب.

وأضاف: "إننا نتهم الشرطة بالمسؤولية الأساسية عن تفاقم الجريمة في بلداتنا فهي المسؤولة عن فوضى السلاح وعن عدم جمع السلاح وعدم ملاحقة مستعملي السلاح، وعدم تنفيذ القانون عندما ترتبط الأمور بالساحة الجنائية العربية. نحن نتهم الشرطة بأنها معنية باستمرار هذه الجريمة في مجتمعنا لأن الجريمة تشغلنا وتمنعنا من التفرغ لقضايا التمييز والعنصرية التي تمارسها مؤسسات الدولة، وكذلك قضايا الاحتلال والحرب."


مطلوب ضغط جماهيري ممنهج على الشرطة


وقال جبارين: "ينبغي علينا تكثيف الضغط الشعبي والجماهيري الممنهج على الشرطة وسلطات تنفيذ القانون، حتى تقوم بدورها بجمع السلاح ومكافحة العنف وعناصر الإجرام بصورة حازمة ورادعة. في كل مجتمع، فإن أدوات تنفيد القانون وردع الجريمة هي في أيدي من يمنحها القانون الصلاحيات لذلك: وهي جهاز الشرطة والوزارات الحكومية المسؤولة. 

لكنه أشار إلى أن المسؤولية ليست عند الشرطة فقط، فوزارة المعارف مثلًا تتخاذل بتخصيص برامج ومواد تربوية وإرشادية باللغة العربية لمواجهة ظاهرة العنف والجريمة ولا توفّر البرامج المهنية التربوية والإرشادية اللازمة. أما وزارة الرفاه الاجتماعي فتتخاذل في تخصيص الأخصائيين الاجتماعيين وفي تخصيص الموارد المادية من أجل أن تتمكن السلطات المحلية العربية من مواجهة الظاهرة. هذا إلى جانب تضييق الخناق على بلداتنا العربية عمومًا وحرمانها من التطور العمراني والاقتصادي.

وقال: من هنا فإننا نناضل من أجل تخصيص الميزانيات الملحّة لسلطاتنا المحلية من أجل  متابعة قضايا الشباب في ضائقة وقضايا الفقر ومن أجل إقامة المنشآت المجتمعية والرياضية التي تفتقر إليها بلداتنا.

وأكد الحقوقي جبارين أنه أمام تفاقم الجريمة في مجتمعنا بمقاييس عالمية تشابه تلك في البلدان المنكوبة بالجريمة مثل المكسيك وكولمبيا، فان تدويل قضية العنف والجريمة أصبح حاجة ملحّة أيضًا. 

وأوضح أنه من المفارقة أن استفحال الجريمة بهذا الشكل الخطير سيتيح لنا فرصة عرض مخاطرها على المحافل الدولية والضغط على هذه المحافل للتدخل لدى الحكومة الإسرائيلية والضغط عليها للتحرك بالموضوع، لافتاً إلى أن  هذه المحافل تشمل مؤسسات الأمم المتحدة، والاتحاد الاوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والبنك الدولي، وغيرها من المؤسسات الوازنة. 


مخطط عنصري يهدد المجتمع الفلسطيني بالداخل


وقال إنه حين يفقد المواطن العربي حقّه الأساسي بالأمن والأمان بسبب تواطؤ السلطات الحكومية، ويفقد أيضًا حقّه بالحياة، فهي ليست "قضية داخلية" بل هي مخطط عنصري يهدد المجتمع الفلسطيني في الداخل يحتّم تجنيد الساحة الدولية في مواجهته والتصدّي له.

أما على المستوى المجتمعي الداخلي، فقد أكد جبارين أن علينا المبادرة الذاتية إلى حملة جماهيرية تثقيفية ممنهجة تتفاعل مع فئة الشباب تحديدًا، وتهدف إلى تسييد خطاب الحوار والاحترام المتبادل، والى نبذ عقلية الثأر والهيمنة واستبدالها بعقلية التسامح والتكافل المجتمعي. بالتوازي، علينا تنفيذ حملة جماهيرية توعوية تنادي بعدم اللجوء للسلاح وعدم اقتنائه.

وختم جبارين حديثه لـ "القدس" بالقول: إن النجاح في التصدّي للعنف وللجريمة يستلزم تعزيز وتقوية المشروع الوطني الوحدوي البديل: مشروع الانتماء الى شعب واحد يعاني التمييز والإضطهاد، مشروع النضال الوطني الوحدوي لتحصيل الحقوق ومن أجل حياة كريمة وآمنة.


11 ضحية قتل خلال خمسة أيام !


بدورها، قالت الصحافية سوسن سرور مراقبة وناقدة للمشهد السياسي في إسرائيل إن "أحد عشر قتيلاً سقطوا في غضون خمسة أيام فقط، ست وسبعون قتيلاً منذ مطلع العام، ثلثهم وقع في تسع حالات قتل، في بلدات عدة، من الشمال مروراً بالمركز وحتى الجنوب، والضحايا ليس هم القتلى فقط وإنما عشرات المصابين أيضاً، وعشرات الآلاف ممن فقدوا الأمن والأمان، والحديث ليس فقط عن أرقام، وإنما عن واقع سياسي، إجتماعي، إقتصادي وإنساني يتعلق بحوالي مليوني فلسطيني يعيشون داخل دولة إسرائيل."

وأضافت " لا نقول العنف في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل وإنما سيطرة عصابات الإجرام على أجزاء في دولة إسرائيل، دون وازع أو رادع، ومعها نحو نصف مليون قطعة سلاح غير مرخصة، جلها يصل من الجيش الإسرائيلي، بحسب التقارير المختلفة."

وأكدت سرور أن جهاز الشرطة في إسرائيل يتابع مختلف القضايا المتصلة بإنفاذ القانون وعالم الجريمة في المجتمع اليهودي، بينما جهاز" الشاباك" الذي يفترض به أن يركز اهتمامه على القضايا التي تمثل خطراً أمنيًا ذا خلفية قومية، هو الذي يتولى متابعة شؤون المجتمع العربي، ما يعني ان الدولة ترى بالعرب مشكلة أمنية خالصة.


عصابات الإجرام تملأ الفراغ على طريقتها


ونوهت سرور إلى أنه وبغياب الشرطة وتراجع دورها في البلدات العربية، وصلت عصابات الإجرام لملء الفراغ، لكن بأسلوبها الإجرامي الخاص وبشروطها المتداولة بين أقطاب العصابات المتنوعة والمتناثرة وبموجب حجمها وتأثيرها على المستويات المختلفة، وحتى على المؤسسة. 

وأوضحت أنه خلال العقدين الأخيرين تصاعدت معدلات الجريمة داخل المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل بشكل لافت ومقلق.

وأشارت سرورة إلى أن نسبة ارتكاب الجرائم في المجتمع العربي كانت دائماً أعلى منها لدى المجتمع اليهودي في إسرائيل، لكن اللافت أن هذه النسبة ارتفعت بشكل متسارع خلال العقد الأخير، من نحو الضعف إلى ثلاثة أضعاف ثم ما يزيد عن أربعة اضعاف بدءًا من العام 2016 وحتى أيامنا هذه. 

وقالت: إذا ما عدنا إلى البداية، فقد تطرقت لجنة أور – وهي لجنة التحقيق الرسمية التي حققت في هبة القدس والأقصى، أحداث أكتوبر 2000 والذي استشهد فيها ثلاثة عشر شاباً من عدة بلدات – في تقريرها سنة 2004 إلى مسببات الجريمة في المجتمع العربي، وبيّنت، من بين جملة أمور أخرى، أنّ التمييز الممنهج الممارس منذ عقود في التربية والتعليم، والرفاه الاجتماعي، والتشغيل وسائر مجالات الحياة المدنية، وخلق فجوات عميقة بين البلدات العربية والبلدات اليهودية هي الطريق إلى دائرة الجريمة والعنف.


عوامل اقتصادية - مادية وازنة


وأضافت سرور: في حقيقة الأمر، وبالإضافة إلى العوامل السياسية والاجتماعية، تتأثر ظاهرة العنف والجريمة بعوامل اقتصادية -مادية وازنة أيضًا. إذ تحتل الغالبية العظمى من البلدات العربية أدنى درجات السلم الاجتماعي-الاقتصادي، ويتواجد %40 من الشباب العرب في الفئة العمرية 18-22 عامًا خارج إطار العمل والدراسة (وفقًا لمعطيات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية). ويعيش %43 من الشباب العرب في الفئة العمرية 18-24 عامًا في فقر- ضِعفا معدل الفقر لدى الشباب اليهود (وفقًا  لتقرير وزارة المساواة الاجتماعية، 2020). 

وكشفت سرور النقاب عن أن العديد من البلدات العربية تعاني من سوء تطوير، ومعدلات بطالة مرتفعة، ومنظومات تربوية وصحية ضعيفة وبنى تحتية مادية متردية – كل هذه العوامل تشكّل أرضًا خصبة لاستفحال ظاهرة الجريمة والعنف في المجتمع العربي.

وقالت: "إن قيادة الجماهير الفلسطينية في إسرائيل استخدمت وسائل احتجاج مختلفة ضد تقاعس الدولة في حل مشكلة تفاقم الجريمة في البلدات العربية، إن كان ذلك بالمسيرات والمظاهرات وأيام الحداد وحتى الإضرابات ومن الرؤساء من هدد بالإستقالة من رئاسة السلطة المحلية، كل ذلك لم يجدِ نفعاً.



"المتعاونون مع (الشاباك)" يتمتعون بحصانة


وأشارت إلى أنه وعلى مر السنين تزعزت الثقة تجاه جهات إنفاذ القانون بسبب تعامل الشرطة مع المجتمع العربي على أنّه جهة معادية، كما لو أنّ أفراد المجتمع العربي ليسوا مواطنين يجب حمايتهم، وذلك نتيجة تقصير الشرطة في مواجهة ظاهرة العنف والجريمة. يضاف إلى كل ذلك انعدام الثقة الناجم عن تعاون جهاز الأمن العام (الشاباك) مع جهات إجرامية في المجتمع العربي. اقتُبست في السابق  أقوال أحد كبار المسؤولين في الشرطة والذي ادعى أنّ "مصدر الجريمة الخطيرة في المجتمع العربي هو "المتعاونون مع جهاز الأمن العام (الشاباك)" الذين يتمتعون بحصانة، ولذلك "فإنّ أيدي الشرطة مكبلة".

ووصفت سرور المشهد السياسي العام في الدولة بأنه غاية في التعقيد لا سيما في ظل استمرار الحرب على غزة وما يواكب هذه الحرب من انشقاقات وتفكك في البنية الأمنية والسياسية والاجتماعية وتردي الوضع الاقتصادي، الذي يضع معالجة الجريمة في المجتمع العربي على الهامش، وليس في أولويات هذه الحكومة اليمينية المتطرفة.

وقالت: لعل القرار الحكومي رقم 549 لحكومة التغيير(لبيد- بينت) بدعم حزب عربي، كان قراراً رائداً ومبتكراً فهو لم ينظر الى الجريمة في المجتمع العربي في السياق الضيق لتطبيق القانون، بل تناولها في سياقها الأوسع من حيث المعالجة والمنع. لكن الحكومة الحالية قامت بتجميده دون الإستفادة من تحولاته الإيجابية على أرض الواقع.

واختتمت الصحافية سرور تصريحها لـ "القدس" بالقول: "إنه لا يبقى أمام الجماهير الفلسطينية إلا النضال وعدم البقاء في الساحة الخلفية، وتكثيف المظاهرات والإحتجاجات ضد الجريمة في البلدات العربية وحتى الوصول إلى العصيان المدني، إذا وجب الأمر، إلى حين الوصول إلى صندوق الإقتراع، والمشاركة بقوة وفاعلية لتغيير وجه الخارطة السياسية في دولة إسرائيل، وسلم أولوياتها."



تدمير ممنهجي لكل شعور بالأمان 


وأكد الكاتب والسياسي، أمير مخول أن هناك ظاهرة متفاقمة تعصف بالمجتمع الفلسطيني في الداخل وتهدد كيانيته. 

وأوضح أن القضية لا تتعلق فقط بانتشار العصابات وجرائم القتل وإطلاق النار، بل إن ما يحدث هو بفعل عصابات منظمة تمتلك ما يشبه الجيوش، قوامها آلاف الأفراد، سواء من داخل الخط الأخضر (فلسطينيو 48) أو من الضفة الغربية، وهم من ينفذون هذه الأعمال.

وأشار مخول إلى أن غالبية الأسلحة المستخدمة في هذه الجرائم مصدرها إسرائيلي، بما في ذلك الذخيرة، التي تُهرب من قواعد عسكرية وتُباع في السوق الإسرائيلية. وأضاف أن هناك تدميرًا ممنهجًا لكل شعور بالأمان داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل، سواء في المدن أو القرى، حتى تلك التي كانت تُعرف بهدوئها.

ولفت إلى أن ما يجري هو سيطرة منظمة، ليست فقط على شكل "زعرنات"، بل هي منظومة متكاملة تشكّل مشروعًا اقتصاديًا، حيث تدر الجريمة مليارات الشواقل من خلال جباية "الخاوة"، والسيطرة على عطاءات السلطات المحلية، والمحال التجارية، وغيرها.


استعداد الناس للهجرة وتفكك المجتمع


واعتبر مخول أن كل ذلك يصب في مشروع استراتيجي إسرائيلي هدفه النهائي هو ما يسمى بـ"التهجير الطوعي" للفلسطينيين في الداخل، مؤكدًا أن هذه السياسة لا تقتصر على غزة أو الضفة الغربية، بل تُمارس بشكل منهجي ضد فلسطينيي 48.

 وأشار إلى أن هذا التهجير جارٍ بالفعل، وخاصة بين فئة الشباب، لا سيما المتعلم والمتخصص في مجالات مثل الطب والتكنولوجيا.

وأشار إلى ظواهر غير مألوفة بدأت بالظهور، مثل استعداد الناس للهجرة وتفكك المجتمع، بما في ذلك هجرة داخلية نحو المدن الكبرى كحيفا، تل أبيب، يافا، الناصرة، و"نوف هجليل" التي أُنشئت لتهويد الجليل، لكنها تحولت إلى بلدات مختلطة بفعل الظروف الاقتصادية والجريمة المتفشية.

وأوضح أن كل فلسطيني في الداخل يشعر اليوم بأنه مهدد يوميًا، ما يتكامل مع سياسة الكبت والملاحقات السياسية لكل القوى السياسية، حيث تُخصص ميزانيات الشرطة تحت عنوان "محاربة الجريمة"، بينما تُستخدم فعليًا لقمع من يناهضها. 


ما يجري يتجاوز حدود المجرمين ليصبح مشروع دولة


وضرب مثالًا لجنة "إفشاء السلام" التي أُخرجت عن القانون وتم حظرها قبل أسابيع، رغم أنها فاعلة في لجنة المتابعة العليا. كما صدرت أوامر اعتقال إداري بحق قيادات سياسية، من بينها رئيس حركة أبناء البلد رجا اغباربة الذي تم تحويله إلى الاعتقال الإداري. 

وأكد مخول أن العشرات يتعرضون لملاحقات سياسية، وأن كل هذه الإجراءات تندرج في إطار واحد: القضاء على الكيانية الفلسطينية في الداخل. 

وأضاف أن من بين أهداف هذه السياسات فرض نوع من الهندسة السياسية تهدف إلى دفع فلسطينيي الداخل للعزوف عن القضايا العامة، بما في ذلك الابتعاد عن العمل السياسي والوطني، وحتى الامتناع عن التصويت.

وأكد مخول في نهاية تصريحه لـ "القدس" أن اليمين الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو، يخطط بشكل منهجي لدفع الفلسطينيين في الداخل إلى اليأس والتيئيس، لأنهم يشكلون كتلة انتخابية تهدد استمراره السياسي، وإن لم تكن كتلة حاكمة، إلا أنها قادرة على منعه من تشكيل أي ائتلاف حكومي. وعليه، فإن ما يجري يتجاوز حدود المجرمين ليصبح مشروع دولة.



هدم القلعة من الداخل بعد فشل الإخضاع


من جانبه، أشار الخبير بالشأن الأسرائيلي وديع عواودة إلى ضرورة التمييز بين العنف وبين الجريمة المنظمة. 

وقال إن عصابات الإجرام، التي بدأت بالظهور منذ أكثر من عشرين سنة، تختلف تمامًا عن حالات العنف التي تحدث بين الجيران أو العائلات أو الأفراد، مشيرًا إلى أن الجريمة المنظمة أخطر بكثير.

وأوضح أن ما نسبته 70 إلى 80 بالمئة من جرائم القتل في السنوات الأخيرة نُفذت على يد عصابات إجرام منظمة، وغالبية الضحايا هم من أفراد هذه العصابات نفسها. وبيّن أن هناك نحو ست أو سبع عصابات إجرامية تنشط في المجتمع العربي ، وتنتشر في جميع المناطق.

واستند عواودة إلى دراسة أجريت في جامعة حيفا، أشارت إلى أن عدد جرائم القتل قبل عام 2000 كان محدودًا، ويشبه الوضع في المجتمعات الفلسطينية الأخرى، إلا أن الانفجار الحقيقي بدأ بعد عام 2000. 

وأشار إلى أن العديد من القوى الوطنية في الداخل تتهم السلطات الإسرائيلية بتعمد ترك الجريمة تتفاقم بعد مشاركة فلسطينيي الداخل في هبة القدس والأقصى (الانتفاضة الثانية)، بهدف هدم القلعة من الداخل، بعد أن فشلت الضغوط الخارجية في إخضاعهم.

وأضاف أن الفلسطينيين في الداخل كانوا، وما زالوا، يحاولون الحفاظ على هويتهم الوطنية، وعلى ارتباطهم بشعبهم ورفضهم للأسرلة، ولذلك أُطلقت يد الجريمة والمجرمين. 


90% من الأسلحة مصدرها الجيش


ولفت إلى أن 90% من الأسلحة الموجودة بين أيدي الناس والعصابات مصدرها الجيش الإسرائيلي، وتُهرّب من القواعد العسكرية، بحسب تقارير رسمية إسرائيلية.

وأشار إلى أن 80 إلى 90 بالمئة من جرائم القتل في السنوات الأخيرة بقيت بدون كشف للفاعلين، حيث لا يوجد ردع أو اعتقالات، ما أدى إلى تفاقم المشكلة. وأضاف أن عدد الجرائم التي تم حلّها قليل جدًا، في وقت نشهد فيه تصعيدًا خطيرًا يتمثل في جرائم قتل جماعية؛ يُقتل فيها عدة أشخاص دفعة واحدة، كما حدث في يركا، ويافة الناصرة، والناصرة ذاتها أكثر من مرة.

وتحدث عن جريمة وقعت قبل سنتين، حين اقتحم مجرمون منزلًا وهم متنكرون بزي الشرطة، وادّعوا أنهم من الشرطة الإسرائيلية كي يتمكنوا من تنفيذ جريمتهم. 

وأشار إلى أن مثل هذه الجرائم لا تصل إلى المجتمع اليهودي، إلا نادرًا، كما حدث قبل أيام في مدينة العفولة، حين أُطلق النار بين مجرمين عرب، فتم اعتقالهم خلال ساعة واحدة، ولاقى ذلك صدى واسعًا، في حين أن الجرائم في المجتمع العربي تمر دون محاسبة.


يأس وإحباط وضعف الفعل الشعبي


وتحدث عواودة عن مظاهرة ضخمة نظمت في مجد الكروم عام 2018 شارك فيها عشرات الآلاف احتجاجًا على الجريمة، لكنه أشار إلى أن الاحتجاجات تراجعت في السنوات الأخيرة نتيجة لليأس والإحباط وضعف الفعل الشعبي، وأصبح معظم الناس يكتفون باتهام الحكومة والشرطة وهو اتهام محق  دون وجود فعل احتجاجي ممنهج وفعّال لفضح السياسات ومواجهتها محليًا ودوليًا.

وأضاف أن المجتمع العربي ارتكب خطأً فادحًا حين استخف بتصريحات إيتمار بن غفير وغيره من رموز اليمين المتطرف، الذين أظهروا عداءً واضحًا للعرب. 

واختتم بالقول: نحن أمام تهديد كارثي غير مسبوق منذ عام 1948، أراه التهديد الاستراتيجي الأخطر الذي يواجه كل العرب في الداخل، ويهدد مكاسبهم، ومكانتهم، والعمل السياسي والجماعي.

 وأضاف عواودة : لا أتردد في القول إن هناك ظاهرة هجرة حقيقية بين الشباب العرب في الداخل، الذين يتركون البلاد بحثًا عن الأمان، ويهاجرون إلى دول مثل اليونان، الإمارات، تركيا وغيرها، في ظل انسداد الأفق والمأزق الذي نعيشه.






دلالات

شارك برأيك

المجتمع العربي في أراضي 48 ينزف بصمت... إسرائيل تسعى لهدم القلعة من الداخل بعد فشل الإخضاع

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

الأربعاء 07 مايو 2025 11:16 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.62

شراء 3.61

دينار / شيكل

بيع 5.11

شراء 5.1

يورو / شيكل

بيع 4.11

شراء 4.1

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1217)