أنا أعتقد أن كل ما يصيب المرء من سوء، أو كوارث، أو أزمات أو نكبات يرجع إلى نفسه وسوء تصرفه، إن لم يرجع إلى محدودية عقله وإدراكه، وذلك انطلاقاً من قاعدة توصل لها عالم النفس "سكنر" في تجاربه في المختبر مفادها، "أن السلوك محكوم بنتائجه". وهذا يعني أن ما تزرعه تحصده، وما تعمله ترتد عليك نتائجه، فإن كان الزرع جيدا سيكون الحصاد جيداً، وإن كان الزرع سيئاً سيكون الحصاد سيئاً.
من هنا، فالذي يريد أن ينجح ويحصل على نتائج طيبة في حياته، عليه أن يتصرف تصرفاً حسناً مضبوطاً محكوماً بالمنطق والقانون والعقلانية وخاصة في الأمور الخطيرة التي تتعلق بحكم الشعب وإدارة دولة وتقرير مصير ومستقبل الأمة. أما الذي يريد أن يفشل وتذهب ريحه، فيتصرف تصرفاً عشوائياً عاطفياً أهوجاً لا يضبطه منطق ولا يحكمه قانون أو شريعة تسّيره.
إلا أن الذي يحصل على أرض الواقع وخاصة في البلاد المتأخرة هو العكس تماماً، فلا أحد يراقب تصرفه، ولا أحدث يكترث بالنتائج، ولا أحد يهمه القانون، ولا أحد تهمه المصلحة العامة، وحتى لا أحد يفكر في مصلحة الشعب وحقوقه، وإنما الذي يهمه مصلحته الشخصية، وملء جيوبه، وإشباع شهواته، وركوب السيارات الفاخرة، والسياحة في أنحاء العالم والنزول في الأوتيلات الفاخرة على حساب الشعب وماله وحقوقه، فهو لا يعرف من الحكم والمسؤولية إلا أن يكون الآمر الناهي على الموظفين، يحكمهم بالتهديد والوعيد، منتهجاً سياسة فرّق تسد، غير مدرك أنه ما وجد في مركزه إلا لخدمتهم، ولا أنيطت له المسؤولية إلا ليحمي حقوقهم، ويطور أداءهم، ويستثمر كفاءاتهم، ومن ثم ليخدم المؤسسة التي يرأسها، والمجتمع الذي يعيش فيه، والشعب الذي ينتمي له.
وهذا يقودنا إلى إدراك أهمية انتهاج للديمقراطية، حتى يعيش الشعب حياة كريمة، وأهمية أن يختار الشعب المسؤولين بحكمة وموضوعية على أساس الكفاءة والنزاهة وخدمة الصالح العام لا الصالح الخاص، وأن تكون نظرتهم للمسؤولية تكليفاً وليس تشريفاً، وهذا يستلزم من الجميع تطبيق القانون بعدل ونزاهة على جميع الموظفين والمرؤوسين، وألا يذعنوا للواسطة والمحسوبية والرشاوى والحزبية، سواء أكان في التعيينات، أو الترقيات، أو تنصيب المراكز، وما عدا ذلك سيخلّف بين الناس القهر، والظلم، وتدني الأداء، وقتل الانتماء، ونشر الفساد، وضياع الحقوق.
من هنا، فيجب على المسؤولين من حكام ووزراء ومدراء وإداريين أن يعملوا من أجل شعوبهم وموظفيهم ومؤسساتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم ودولهم، لا من أجل أنفسهم وملء جيوبهم والتشبث بمراكزهم؛ وعليهم أن ينظروا إلى الموظفين الذين يعملون معهم كزملاء في أسرة واحدة، هدفهم أداء العمل على خير ما يرام، والعمل على تطويره، وصون الحقوق والأتعاب، وتوفير الرضى الوظيفي عن طريق توفير الضمان الاجتماعي والصحي والحياتي، لا أن يناصبوهم العداء ويتسلطوا عليهم ويسحبوا منهم الامتيازات. عليهم أن يتعاملوا معهم كإخوة وأصدقاء لا غرباء يحيكوا لهم المؤامرات خوفاً منهم على مراكزهم. عليهم أن يدركوا أن الانتماء للمؤسسة والوطن هو الذي يوحدهم ويصهرهم في بوتقة واحدة يكون هدفهم واحد، ومصيرهم واحد، وانتماؤهم لشعب واحد، يقاسمونه أفراحه وأحزانه، وانتصاراته وانكساراته؛ وتطوره وكبواته، سيما وأن المجتمع يحتاج إلى جميع أبنائه وخاصة المؤهلين النادرين سواء في المجال التعليمي، أو الصحي، أو القضائي، أو السياسي، أو التقني، أو الزراعي، أو الصناعي، وذلك حتى يسير الركب بهذا الشعب إلى الأمام، ويحافظ على بقائه وتطوره وازدهاره.
ونعود فنقول، إن السلوك محكوم بنتائجه، والتصرف الحسن لا يؤدي إلاّ النتيجة الخيرة، والتصرف السيئ لا يؤدي إلاّ إلى الشر، وكما تزرع تحصد، وكما تعمل تجد، ولكل امرئ ما سعى، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
...............
يجب على المسؤولين من حكام ووزراء ومدراء وإداريين أن يعملوا من أجل شعوبهم وموظفيهم ومؤسساتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم ودولهم، لا من أجل أنفسهم وملء جيوبهم والتشبث بمراكزهم؛ وعليهم أن ينظروا إلى الموظفين الذين يعملون معهم كزملاء في أسرة واحدة.
شارك برأيك
السلوك محكوم بنتائجه