د. خليل تفكجي: التوسع الاستيطاني وهندسة جغرافية الضفة عبر مشاريع الطرق والبؤر الاستيطانية تنفيذ ممنهج لمشاريع وُضعت منذ عقود
عبد الله أبو رحمة: وتيرة متسارعة لتنفيذ مخططات استيطانية في ظل وجود حكومة يمينية ترى أن هذه المرحلة تمثل "فرصة ذهبية"
عبد الهادي حنتش: الاحتلال يستخدم عدة وسائل للاستيلاء على الأرض من بينها المصادرة تحت مسمى "أملاك الدولة"
د. حسن بريجية: "هندسة استيطانية وجغرافية" هدفها السيطرة على الأرض وتوسيع المستوطنات لخلق وقائع جديدة على الأرض
عايد مرار: التجربة التاريخية مع الاحتلال أظهرت أنه يسعى إلى فرض وقائع ميدانية ثم التفاوض لاحقًا على أساسها
تشهد الاطماع الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية تسارعًا غير مسبوق، ضمن سياسة ممنهجة قديمة تستهدف فرض واقع جديد على الأرض عبر مشاريع استيطانية بدأت منذ عقود.
ويؤكد خبراء في متابعة شؤون الاستيطان في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن هذه المشاريع ليست عشوائية، بل تأتي في سياق مخطط استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وبحسب الخبراء، فإن أبرز ملامح هذه السياسة الاستيطانية يتمثل في إنشاء شبكة من الطرق الالتفافية الاستيطانية التي تعزل المدن والبلدات الفلسطينية، إلى جانب توسيع البؤر الاستيطانية وتحويل مساحات واسعة من الأراضي إلى مراعٍ تخدم التوسع الاستيطاني، ويترافق ذلك مع تسريع وتيرة المصادقة على مشاريع استيطانية جديدة، مستغلين تغيرات إدارية داخل حكومة الاحتلال تتيح تنفيذ المخططات دون الحاجة إلى قرارات سياسية إضافية.
ويحذر الخبراء من أن هذه الممارسات تشكل جزءًا من مشروع استيطاني شامل يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجغرافية والديموغرافية للضفة الغربية، ويشمل ذلك تهجير التجمعات البدوية، وهدم المنازل الفلسطينية، وفرض قيود مشددة على حركة الفلسطينيين، ما يعكس تصعيدًا خطيرًا يهدد بمحو فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.
جزء من مخطط استيطاني طويل الأمد
يؤكد الخبير في شؤون الاستيطان، د. خليل تفكجي، أن الضم الزاحف الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من مخطط استيطاني طويل الأمد بدأ منذ احتلال عام 1967، ويستمر عبر مشاريع متعاقبة تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ويوضح تفكجي أن الاحتلال الإسرائيلي نفذ العديد من المشاريع الاستيطانية الكبرى على مدار العقود الماضية لتحقيق الضم الفعلي للأراضي الفلسطينية، بدءًا من مشروع "ألون" الاستيطاني، الذي وضعت أسسه عقب عام 1967، مرورًا بمشروع "متتياهو دروبلس" عام 1979، الذي استهدف توطين مليون مستوطن في الضفة الغربية، وصولًا إلى مشاريع رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق أرئيل شارون عام 1990، الذي سعى لإلغاء الخط الأخضر عبر ربط المستوطنات وتحويل الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة، مما يقضي على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.
ويشير تفكجي إلى أن سياسة الضم الزاحف تتجسد اليوم في مشاريع شق الطرق الالتفافية التي تهدف إلى ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.
ويلفت تفكجي إلى مشروعين رئيسيين يخدمان هذه السياسة: مشروع "شارع السيادة"، الذي طرح عام 2015، ومشروع "نسيج الحياة"، الذي تم التخطيط له عام 2007.
ويوضح تفكجي أن هذين المشروعين يهدفان إلى عزل منطقة العيزرية بالكامل، بحيث يتم توجيه حركة الفلسطينيين من خلال شارع يمر عبر منطقة جبل البابا، تحت حاجز الزعيم، وصولًا إلى رام الله عبر طريق الزعيم–عناتا–حزما.
ويؤكد تفكجي أن هذه المشاريع الاستيطانية، التي يجري تنفيذها اليوم، ليست جديدة، بل تمت المصادقة عليها قبل سنوات، ويتم تسريع تنفيذها الآن في ظل دعم غير محدود من الولايات المتحدة لكل ما يتعلق بالاستيطان وشق الطرق التوسعية.
وحول النشاط الاستيطاني المتسارع في الضفة الغربية، يشير تفكجي إلى تحويل نحو 18 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية مؤخرًا إلى مناطق مخصصة للرعي الاستيطاني، حيث ان سياسة "الرعي العبري" تُعد من أكثر السياسات فاعلية في السيطرة على الأراضي، حيث تتيح احتلال مساحات شاسعة بأقل عدد من المستوطنين، موضحاً أن هذه السياسة تتركز بشكل خاص في منطقة الأغوار، وهي من المناطق التي تسعى إسرائيل إلى ضمها نهائيًا ضمن مشاريع التوسع الاستيطاني.
وتطرق إلى عمليات ترحيل التجمعات البدوية، مثل ما يحدث في مناطق مسافر يطا والأغوار، مؤكدًا أن تهجير البدو يأتي في سياق مخطط إسرائيلي شامل للسيطرة على الأراضي الاستراتيجية، وطرد الفلسطينيين من مناطق "ج" المصنفة وفق اتفاقيات أوسلو، تمهيدًا لضمها بشكل كامل.
ويشير تفكجي إلى تغير جذري في آليات المصادقة على المشاريع الاستيطانية منذ تولي بتسلئيل سموتريتش وزارة المالية وتوسيع صلاحياته في الإدارة المدنية، حيث باتت مشاريع الاستيطان تُطرح وتُصادق عليها بشكل أسبوعي أو شهري، دون الحاجة إلى المرور عبر المستويات السياسية العليا كما كان يحدث في السابق.
ويوضح تفكجي أن هذه التغييرات شطبت الإجراءات التي كانت تتطلب في الماضي الإعلان عن المخطط الهيكلي ثم الاعتراف به رسميًا قبل تنفيذه، أما اليوم، فيتم تنفيذ المخططات الاستيطانية مباشرةً دون الحاجة إلى قرارات سياسية إضافية، مما يعكس تسارعًا خطيرًا في تنفيذ مخطط الضم الزاحف.
ويؤكد تفكجي أن إسرائيل تنفذ فعليًا مخططًا استيطانيًا شاملاً يقوم على تقسيم الضفة الغربية إلى ممرات طولية وعرضية عبر شبكة من الطرق الالتفافية العريضة، وفق الأمر العسكري رقم 55، الذي يقضي بتقسيم الضفة الغربية طوليًا من الشمال إلى الجنوب، وعرضيًا من الشرق إلى الغرب، بحيث يتم فصل المدن والبلدات الفلسطينية عن بعضها، وربط المستوطنات بشبكة طرق مستقلة وآمنة.
ويشدد تفكجي على أن الضم الفعلي للضفة الغربية بات واقعًا على الأرض ولم يعد بحاجة إلا إلى إعلان رسمي عبر الكنيست الإسرائيلي، خصوصًا في ظل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أكد خلالها أن الضفة الغربية ليست جزءًا من أي دولة فلسطينية مستقبلية، ما منح حكومة الاحتلال غطاءً سياسيًا لتنفيذ مخططاتها التوسعية دون الحاجة إلى قرارات قانونية إضافية.
ويؤكد تفكجي أن ما يحدث اليوم من توسع استيطاني وهندسة جغرافية للضفة الغربية عبر مشاريع الطرق والبؤر الاستيطانية، ليس مجرد سياسات عشوائية، بل هو تنفيذ عملي وممنهج لمشاريع وضعت على الطاولة منذ عقود، بهدف قضم الأرض وتفريغها من سكانها الفلسطينيين، وصولًا إلى تحقيق الضم الكامل للضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية.
خطورة سياسة الضم الزاحف
يحذّر مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عبد الله أبو رحمة، من خطورة سياسة الضم الزاحف التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن ما يجري على الأرض من توسع استيطاني وهندسة جغرافية ممنهجة للضفة الغربية يهدف إلى السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية وخلق واقع طارد للسكان الفلسطينيين.
ويوضح أبو رحمة أن الإجراءات الأخيرة، مثل تحويل مسار شارع مستوطنة "معاليه أدوميم" او اصدار قرارات للسيطرة على مزيد من الأراضي في الضفة الغربية، تؤكد أن الاحتلال ماضٍ في مخططاته لتضييق حياة الفلسطينيين، وتعقيد حركتهم اليومية، بهدف خلق ظروف معيشية قاسية تدفعهم إلى الرحيل القسري تحت غطاء "الهجرة الطوعية".
ويشير أبو رحمة إلى أن الاحتلال يسعى إلى إظهار هذه الهجرة وكأنها طوعية، في حين أنها نتيجة لضغوط ممنهجة وسياسات قمعية مخالفة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، التي تحظر على دولة الاحتلال استغلال الأراضي المحتلة لصالح مشاريعها الاستيطانية.
ويلفت إلى أن هذه السياسات الإسرائيلية تشمل إقامة البؤر الاستيطانية، ونصب الحواجز العسكرية، وإغلاق الطرق، وكلها أدوات تهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على الضفة الغربية وإحكام القبضة على الفلسطينيين، ما يقوّض أي إمكانية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق حل الدولتين، ويدفع بمسار العملية السياسية إلى طريق مسدود.
ويتناول أبو رحمة خطورة "هندسة جغرافية الضفة الغربية"، مشيرًا إلى أن هذه الهندسة ليست جديدة، بل تمارس على أرض الواقع منذ سنوات طويلة، لكنها باتت أكثر وضوحًا وتجليًا منذ السابع من أكتوبر 2023.
ويلفت أبو رحمة إلى أن عدد الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة وصل حالياً إلى 912 حاجزًا، إلى جانب الطرق المغلقة، ما يعيق حركة الفلسطينيين، ويضاعف معاناتهم من حيث الوقت والتكلفة، ويجعل حياتهم اليومية أكثر صعوبة.
ويسلط أبو رحمة الضوء على خطورة قرار تحويل شارع مستوطنة "معاليه أدوميم"، ما يجبر الفلسطينيين المسافرين باتجاه جنوب الضفة الغربية على سلوك مسرب ضيق، ما يزيد من معاناتهم ويؤخر وصولهم إلى وجهاتهم.
ويؤكد أن هذه التغييرات في الشوارع والطرق المشتركة المنتشرة في الضفة الغربية تمثل جزءًا من سياسة ممنهجة تهدف إلى تقييد حرية الفلسطينيين في الحركة، في مقابل توفير حرية التنقل للمستوطنين وتسهيل توسعهم الاستيطاني.
ويشير أبو رحمة إلى أن الاحتلال يواصل تكثيف الاستيطان عبر انتشار البؤر الاستيطانية، التي وصل عددها إلى أكثر من 256 بؤرة، تسيطر على ما يزيد عن 500 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، إلى جانب نحو 190 مستوطنة قائمة ممتدة على مختلف أنحاء الضفة.
ويشدّد على أن هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانية يتم ربطها بشبكة طرق ومرافق خاصة تسهل حركة المستوطنين وتوسعهم على حساب أراضي الفلسطينيين، مما يعمّق من هندسة جغرافية الضفة لخدمة مشروع الضم الزاحف.
ويحذر من خطوة غير مسبوقة اتخذها الاحتلال مؤخرًا، بتخصيص 16 ألف دونم كمراعٍ خاصة للمستوطنين في الضفة الغربية، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل تصعيدًا خطيرًا في إطار مخططات السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات تحت غطاء مشاريع زراعية ورعوية.
ويوضح أبو رحمة أن كل هذه الإجراءات تمثل جزءًا من مشروع متكامل لهندسة الضفة الغربية بما يضمن سيطرة الاحتلال على الأرض ويوفر حرية التنقل للمستوطنين، بينما يعمّق معاناة الفلسطينيين ويشل حركتهم.
ويؤكد أبو رحمة أن الهدف الأساسي من هذه السياسات هو خلق واقع معيشة صعب يدفع الفلسطينيين إلى مغادرة أراضيهم، مما يؤدي إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وتحقيق هدف الاحتلال في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية، وبالتالي إنهاء أي فرصة مستقبلية لإقامة الدولة الفلسطينية.
ويحذر أبو رحمة من أن الاحتلال يعمل بوتيرة متسارعة لتنفيذ مخططاته الاستيطانية، مستغلًا وجود حكومة يمينية متطرفة ترى أن هذه المرحلة تمثل "فرصة ذهبية" بوجود ترامب لفرض واقع جديد على الأرض.
ويوضح أبو رحمة أن هذه الحكومة تعمل على تخصيص ميزانيات ضخمة وإصدار قرارات متسارعة لتنفيذ مشاريع استيطانية كبرى، بهدف تسهيل عملية الضم الزاحف والسيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة الغربية، في سباق مع الزمن لفرض وقائع يصعب تغييرها مستقبلاً.
ثلاثة مشاريع استيطانية ضخمة
يوضح الخبير المختص بشؤون الأراضي والاستيطان عبد الهادي حنتش أن ثلاثة مشاريع استيطانية ضخمة تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن الاستيطان ليس مجرد بناء بؤر عشوائية أو توسعة مستوطنات، بل هو جزء من مخطط استراتيجي شامل يهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية وتهويدها بشكل ممنهج.
ويشير حنتش إلى أن المشروع الأول يتركز في مدينة القدس ومحيطها، حيث تسعى سلطات الاحتلال إلى إحكام السيطرة على المدينة وضمها بالكامل لتكون عاصمة لها، وفق ما أعلنته مراراً في فترات سابقة.
ويشمل هذا المشروع، وفق حنتش، إقامة مستوطنات ضخمة وتوسيع المستوطنات القائمة بهدف عزل القدس عن امتدادها الفلسطيني في الضفة الغربية، ما يُعمّق من واقع التهويد الديمغرافي والجغرافي للمدينة المقدسة.
ويشير حنتش إلى أن المشروع الثاني، يستهدف الضفة الغربية بأكملها، حيث تهدف سلطات الاحتلال إلى السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية في شمال وجنوب الضفة الغربية، ضمن خطة واضحة لتهويد المناطق الريفية والمراكز الحضرية.
وبحسب حنتش، فإن الاحتلال استغل انشغال الرأي العام العالمي بالحرب على غزة لتكثيف أنشطته الاستيطانية في الضفة، خاصة في المناطق الشمالية والجنوبية، مما أدى إلى تفاقم عمليات فصل القدس عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية، وتعزيز المستوطنات التي تقطع أوصال الأراضي الفلسطينية.
ويبرز المشروع الاستيطاني الثالث وفق حنتش، داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وتحديداً في منطقة النقب، حيث يتم تنفيذ مشروع استيطاني يعرف بمشروع "براڤر"، يهدف إلى السيطرة على أراضي الفلسطينيين في النقب وحرمانهم من حقوقهم التاريخية فيها.
ويؤكد حنتش أن هذا المشروع يمثل حلقة من مخطط استيطاني شامل يربط بين الضفة الغربية ومشاريع الاستيطان داخل الخط الأخضر، مما يشكل عملية ضم غير معلنة تتضح معالمها يوماً بعد يوم.
ويعتقد حنتش أن مخطط الاستيطان في النقب هو جزء لا يتجزأ من المخططات القائمة في الضفة الغربية، مما يعكس توجهاً استراتيجياً لسلطات الاحتلال نحو إحكام السيطرة الإقليمية وتوسيع النفوذ الاستيطاني على حساب الحقوق الفلسطينية.
ويشير حنتش إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم عدة وسائل للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، من بينها مصادرة الأراضي تحت مسمى "أملاك الدولة".
ويشرح حنتش أن هذا المفهوم ينقسم إلى نوعين: الأول هو "أراضي دولة معلنة"، والتي تصادرها سلطات الاحتلال بشكل رسمي وتنشر تفاصيلها عبر وسائل الإعلام، والثاني هو "أراضي دولة غير معلنة"، حيث تمنع سلطات الاحتلال الفلسطينيين من استغلال أراضيهم الزراعية، تمهيداً لمصادرتها مستقبلاً استناداً إلى المادة 78 من القانون العثماني، التي تنص على أن أي أرض غير مستغلة لمدة ثلاث سنوات تصبح ملكاً للدولة.
ويؤكد حنتش أن الاحتلال يتعمد منع الفلسطينيين من العمل في أراضيهم لتحقيق هذا الشرط القانوني بهدف شرعنة الاستيلاء عليها.
ويتطرق إلى عمليات الهدم التي تنفذها سلطات الاحتلال ضد منازل الفلسطينيين، مؤكداً أنها أداة ضغط إضافية تهدف إلى تهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم، مما يعد شكلاً آخر من أشكال التهويد المتواصل للضفة الغربية.
ويوضح حنتش أن الاحتلال يسعى إلى تفريغ المناطق الفلسطينية من سكانها الأصليين، تمهيداً لفرض القانون الإسرائيلي على كامل أراضي الضفة الغربية، بما يسمح له بالسيطرة على ممتلكات الفلسطينيين تحت مسمى "أملاك الدولة"، مما يحرم الفلسطينيين من حقوقهم في أراضيهم التاريخية ويحولهم إلى مجرد سكان دون حقوق ملكية.
ويؤكد حنتش أن هذه المخططات الاستيطانية تطال جميع التجمعات السكانية الفلسطينية، سواء في المدن أو القرى أو التجمعات البدوية، حيث يمارس الاحتلال ضغوطاً متواصلة لإجبار السكان على الرحيل.
ويشير حنتش إلى أن هذه الضغوط تتجلى بوضوح في مناطق مضارب البدو، مثل الأغوار، وماعين، ومعاليه أدوميم، بالإضافة إلى القرى الجنوبية مثل مسافر يطا ومسافر بني نعيم، حيث يواجه الفلسطينيون يومياً تضييقات تشمل الهدم والمنع من الرعي والزراعة.
ويؤكد حنتش أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى التوسع الجغرافي، بل تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الديمغرافية للأراضي الفلسطينية، مما يجعل من مشاريع الاستيطان الحالية جزءاً من سياسة تهويد ممنهجة تسعى لفرض وقائع على الأرض تقضي على فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
السيطرة على الأرض وتهجير السكان
يؤكد الباحث في شؤون الاستيطان د.حسن بريجية أن سياسات الضم الزاحف للضفة الغربية والتوسع الاستيطاني، بما فيها مخططات تغيير مسارات حركة السير عبر شوارع استيطانية مثل شارع مستوطنة "معاليه أدوميم"، تأتي ضمن مخطط احتلالي متواصل منذ عام 1967، هدفه السيطرة على الأرض وتهجير السكان.
ويوضح بريجية أن حكومة بنيامين نتنياهو ووزراءها المتطرفين يستغلون الحرب على غزة، إضافة إلى دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتصريحاته المؤيدة للاستيطان، لتسريع تنفيذ المخططات الاستيطانية.
ويقول بريجية: "منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في غزة، كنا نقول إن العين على الضفة الغربية، والدليل هو تصاعد الانتهاكات والإجراءات الاحتلالية بحقها".
ويؤكد بريجية وجود تصاعد غير مسبوق في اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه خلال عام 2024، إذ تم تسجيل أكثر من 16,600 اعتداء، منها نحو 13 ألف انتهاك ارتكبها جيش الاحتلال، مشيرًا إلى أن ارتفاع انتهاكات جيش الاحتلال يؤكد أن ذلك ما هو إلا "سياسة دولة منظمة وليست مجرد أفعال ميليشيات مستوطنين"، مضيفاً، "ان هذه حكومة متطرفة يقودها مجرمو حرب، تسعى إلى تهجير الفلسطينيين طوعًا أو قسرًا بهدف نهائي هو سرقة الأرض".
ويوضح بريجية أن الاحتلال ينفذ سياسة "هندسة استيطانية وجغرافية" هدفها السيطرة على الأرض وتوسيع المستوطنات، إلى جانب إقامة مستوطنات جديدة، ما يؤدي إلى تصعيد الاستيطان وخلق وقائع جديدة على الأرض.
ويشير بريجية إلى أن فتح الطرق الاستيطانية لا يؤدي فقط إلى مصادرة الأراضي لشقها، بل يمتد إلى مصادرة الأراضي المحيطة بها، ما يعني قضم مساحات إضافية لصالح المستوطنين.
ويلفت إلى أن قوات الاحتلال تخطط لبناء مستوطنة جديدة باسم "نحال حيلتس" على أراضي بلدة بتير، في موقع استراتيجي يقع على خط مستقيم مع مستوطنات "هار جيلو" و"جيلو" و"إليعازر" و"دانيال" والمجمع الاستيطاني "غوش عتصيون".
ويحذر بريجية من أنه في حال إقامة هذه المستوطنة، ستشكل جدارًا استيطانيًا يعزل القرى والبلدات المحيطة بها تمامًا عن مدينة بيت لحم، ما يؤدي إلى فصل الريف الغربي لمحافظة بيت لحم عن المدينة، ويعزل أكثر من 35 ألف مواطن فلسطيني، محاصرًا إياهم ضمن جيوب معزولة، في ظل تزايد أعداد المستوطنين في مستوطنة "بيتار عيليت"، التي باتت تضم أكثر من 80 ألف مستوطن.
ووفقًا لبريجية، فإن التوسع الاستيطاني يهدف إلى فرض سيطرة جغرافية وديموغرافية كاملة، وتحويل القرى والبلدات الفلسطينية إلى جيوب معزولة، ما يؤدي إلى تقطيع أوصالها وإعاقة التواصل الجغرافي بينها.
ويوضح بريجية أن هذه السياسة تهدف إلى الحد من وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم الزراعية، وربط المستوطنات ببعضها عبر شبكة من الطرق الاستيطانية، توفر حرية الحركة للمستوطنين وتسهل وصولهم بين المستوطنات والمدن الإسرائيلية.
ويشير بريجية إلى أن الاحتلال يسابق الزمن لتنفيذ أكبر قدر ممكن من مشاريع الاستيطان، مستغلًا الحرب على غزة كغطاء إعلامي وسياسي لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
ويعتقد بريجية أن أحد أسباب امتناع حكومة نتنياهو عن إنهاء الحرب على غزة هو الاستمرار في فرض وقائع استيطانية على الأرض بعيدًا عن الأضواء، لافتًا إلى أن هذه السياسات تحظى بغطاء كامل من الإدارة الأميركية الحالية بقيادة ترمب، التي دعمت بشكل علني مواقف الاحتلال وأهدافه التوسعية.
ويحذر بريجية من أن الاحتلال يسعى لخلق واقع جديد على الأرض يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.
استمرار إسرائيل في خرق القانون الدولي
يؤكد المستشار القانوني لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عايد مرار أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستمر في خرق القانون الدولي من خلال ممارساتها الاستيطانية في الضفة الغربية، التي تعتبرها القوانين الدولية أراضي محتلة بالقوة، ما يجعل وضعها القانوني خاضعًا لقواعد القانون الدولي الخاصة بالاحتلال.
ويوضح مرار أن القانون الدولي يحظر على أي دولة احتلال أراضي الغير بالقوة، حتى وإن اضطرت لذلك لأسباب أمنية طارئة ومؤقتة، فإنها تظل ملزمة بالتقيد بجملة من الضوابط القانونية التي تنظم سلوكها أثناء الاحتلال، وهو ما دأبت إسرائيل على انتهاكه.
ويشير مرار إلى أن إسرائيل تتبع منذ عقود استراتيجية استيطانية تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض، يترجم سياستها القائمة على مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، عبر محاولتها إحلال مستوطنين مكان السكان الفلسطينيين الأصليين.
ويشدد مرار على أن التجربة التاريخية مع الاحتلال الإسرائيلي أظهرت أنه يسعى لفرض وقائع ميدانية، ثم التفاوض لاحقًا على أساسها، على أمل أن يفرض تغييرات على القانون الدولي أو الالتفاف عليه.
ويبيّن مرار أن إسرائيل تطمع إلى ضم الضفة الغربية رسميًا إلى سيادتها، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية التي تساندها سياسيًا وتدعم مخططاتها الاستيطانية، في ظل استمرار حالة الضعف والصمت العربي.
ويلفت مرار إلى أن سلطات الاحتلال تغري المستوطنين وتقدم لهم تشجيعات للاستيطان في الضفة الغربية، بهدف توسيع المستوطنات وخلق أمر واقع يصعب تغييره مستقبلاً.
ويتحدث مرار عن ممارسات المستوطنين في السيطرة على الأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى أنهم، حتى ممن لا يعملون في الزراعة في الداخل، ينشطون في الزراعة بالضفة الغربية بهدف إحكام السيطرة على المناطق المصنفة "ج"، التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة.
ويوضح مرار أن الهدف الحقيقي هو السيطرة على الأرض دون السكان، لتفادي خلق توازن ديموغرافي، إذ يفوق عدد الفلسطينيين عدد المستوطنين.
ويؤكد مرار أن الاحتلال يسعى إلى هندسة جغرافية الضفة الغربية ضمن منظومة استيطانية محكمة بدأت منذ سنوات طويلة، حيث قُسّمت الضفة إلى مناطق إقليمية للمستوطنات، تشمل حتى القرى الفلسطينية التي باتت خاضعة ضمن مخططات المجالس الاستيطانية الإقليمية.
ويشرح مرار الفرق بين سيطرة الاحتلال الحالية على الضفة الغربية ومرحلة الضم التي تسعى إليها إسرائيل، موضحًا أن الاحتلال يسيطر حاليًا بقوته العسكرية على جميع مناطق الضفة، بما فيها المناطق المصنفة "أ"، متجاهلًا الاتفاقيات الموقعة، ومستبيحًا الأراضي الفلسطينية عبر فرض سلطة عسكرية كاملة.
أما الضم، وفق مرار، فيعني أن تصبح الضفة الغربية جزءًا رسميًا من دولة الاحتلال، بحيث يتم فرض القوانين الإسرائيلية المدنية عليها بدلًا من الأوامر العسكرية الحالية.
ويحذر مرار من أن فرض القانون الإسرائيلي سيؤدي إلى تغييرات جذرية على الصعيدين القانوني والإداري، فضلاً عن تطبيق قوانين الاحتلال على كافة مناحي الحياة في الضفة.
ويؤكد مرار أن القانون الدولي ينص بوضوح على أن إدارة الأراضي المحتلة يجب أن تكون تحت سلطة الجيش فقط، ولأغراض أمنية مؤقتة، على أن تنتهي هذه السيطرة بانتهاء الضرورة الأمنية، غير أن إسرائيل تسعى إلى فرض سيطرة مدنية كاملة، بما يتجاوز الإطار الأمني، تمهيدًا للضم الرسمي.
ويلفت مرار إلى أن هناك العديد من المؤشرات التي تعكس شروع الاحتلال في تنفيذ ضم تدريجي للضفة الغربية، بالرغم من أن السيطرة العسكرية لا تزال السمة الأبرز.
ويحذر مرار من أنه في حال الضم الرسمي للضفة الغربية، ستنتقل مسؤولية إدارة الأراضي ضمن قانون حارس أملاك الغائبين مباشرة إلى الدولة الإسرائيلية، مما يعني أن نحو 50% من أراضي الضفة ستصبح مصادرة بشكل رسمي بموجب هذا القانون، ما يعكس أبعاد المخطط الاستيطاني الذي يسعى الاحتلال إلى فرضه تدريجيًا على أرض الواقع.
شارك برأيك
الاستيطان في الضفة.. هندسة الجغرافيا والديمغرافيا