أقلام وأراء
الأربعاء 13 أبريل 2022 1:47 مساءً - بتوقيت القدس
المحاسبة والإصلاح لا الفوضى والانتقام
بقلم: نهاد أبو غوش
لدينا فائض من المشكلات تكفينا لسنوات طويلة قادمة، ولا نحتاج معها إلى مزيد من وجع الرأس، فالاحتلال والانقسام يولّدان يوميا مشكلات جديدة، يضاف لهما التخبط والعشوائية والارتجال في طريقة إدارة الشأن الداخلي، ثم ما ينجم عن غياب الرقابة وتغييب السلطة التشريعية من فساد وتجاوزات، علاوة على ما يترتب على غياب الشراكة الوطنية من مظاهر للتفرّد والتسلط والاستبداد.
هذه الحالة المأزومة، فاقمها إلغاء الانتخابات التشريعية، وتعثُّر مسيرة المصالحة، وفشل لقاء الحوار الوطني الذي كان مقررا في القاهرة، ثم القصور الذي شاب تعاطي المؤسسة القيادية الرسمية مع الحرب الأخيرة على غزة وباقي المواجهات على امتداد الوطن، تلاها انفجار قضية مطاعيم الكورونا، وأخيرا اغتيال أو تصفية المعارض البارز نزار بنات التي يمكن أن تشكل نقطة انعطاف حادة في حياة شعبنا ومسيرته.
تلخص قضية نزار بنات وجريمة تصفيته البشعة، مجموعة من القضايا التي تهم ملايين الفلسطينيين، فهي بحسب الشهادات المتوفرة بما فيها شهادات أفراد الأسرة، والإفادة الأولية للجنة التحقيق، جريمة ضد الرأي الآخر وحرية التعبير، وهي إعدام معارض سياسي خارج نطاق القانون ومن دون محاكمة، كما أنها جريمة تعذيب يحرّمها القانون الفلسطيني، وهي اعتقال تعسفي تحت جنح الظلام بكل ما يشتمل عليه ذلك من ترويع للأطفال والأهل ومخالفة لإجراءات الاعتقال القانونية، وهي تنطوي على مقدار غير مفهوم من القسوة والتوحش بما لا ينسجم ابدا مع جهات يفترض أنها هيئات إنفاذ القانون، ولا مع سلطات تعلن أنها صاحبة مشروع وطني. كما أن افتقاد الشفافية، وما عهدناه من غياب المحاسبة والمساءلة يوحي بأنها مجرد واقعة أخرى يظن مرتكبوها بأن الزمن كفيل بنسيانها، ومن المؤسف ان هذه الحادثة الأليمة كشفت عن مقدار لا يمكن تصوره من الغِلّ والكراهية، وعقيدة أمنية غير مؤسسية ولا قانونية لا نريد لها أن تحكم مؤسساتنا وأجهزتنا التي تعتاش على ضرائبنا والأموال المخصصة لشعبنا.
لقد نسي القائمون على الجريمة، أو غابت عنهم حقيقة أن الوضع العام هو على درجة شديدة من الاحتقان والتوتر، وتكفي شرارة صغيرة لإشعال برميل البارود، وهكذا تحول نزار بنات من معارض إشكالي يتميز بلسانه الحاد ونقده العنيف، ولم يسبق له أن طرح رؤية متكاملة وبديلا عن الوضع الراهن، إلى أيقونة ورمز بطولي، وشهيد للنضال ضد القمع والفساد. الاحتجاجات الشعبية العارمة والألوف المؤلفة التي شاركت في تشييعه، والأهمية الوطنية والدولية التي حظي بها هي التي أسبغت عليه هذه الصفات الجليلة، أما من هيّأ لذلك فهم أولئك الذين قتلوه أو شاركوا في قتله سواء بالقرار والتوجيه أو التحريض أو التنفيذ وحتى بالصمت والتهوين من شأن الجريمة، باعتبارها مجرد حدث عرضي عابر.
كان موقف الفصائل متفاوتا في جرأته وصدقه، بعضها لاذ بالصمت أو أصدر بيانا على استحياء من باب رفع العتب، وبعضها حاول الاستثمار في القضية طمعا في مزيد من الشعبية. وكنت ممن راهنوا على كوادر حركة فتح ومناضليها في أن يقفوا أمام مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية بان يتصدروا الحراك الشعبي من أجل العدالة ليس لدماء نزار بنات فقط وإنما لكل ضحايا القمع والاستبداد ومحاولات حرف المشروع الوطني عن مساره، وأن يساهموا في تصويب الأمور بأن يعيدوا لفتح هويتها كقائدة للمشروع الوطني، لكن هذا الرهان لم يتحقق حتى الآن، مع أن الفرصة ما زالت قائمة لتدارك الأمور. بينما تميّز موقف المجتمع المدني الذي عبر عنه الدكتور ممدوح العكر بلائحة من المطالب الواقعية بدرجة عالية من الجرأة والمسؤولية، ووضع الأمور في نصابها حتى لا تفلت إلى ما لا تحمد عقباه من خلال جملة من المطالب من بينها محاسبة المسؤولين والمتورطين وتشكيل حكومة انتقالية تحضّر لانتخابات عامة شاملة.
كل من شارك في المسيرات والاحتجاجات والتشييع المهيب، ومن تابع وسائل التواصل الاجتماعي استمع إلى مطالب كثيرة بعضها غريب ومتطرف، وبعضها يغلّب المشاعر والعواطف على العقل، من هذه المطالب دعوات للانتقام وحل السلطة ورحيل مسؤوليها واتهام كل من فيها من أصغر مسؤول إلى القيادات العليا، والأسئلة التي تثيرها هذه الشعارات كثيرة من بينها: هل الانتقام إجراء قانوني وشرعي يمكن ان يعيد الحق إلى نصابه، أم ان المحاسبة هي المطلوبة، وهل ثمة بديل ثوري جاهز لحل السلطة؟ ألا تفتح هذه الشعارات والمطالب الباب أمام الفوضى العارمة التي لا تخدم أحدا سوى الاحتلال، وتعيدنا إلى أنواع من الفلتان الذي خبرناه حيث يحكم الفُتوّات والقبضايات وجُباة الخاوات الشارع بدل سلطة المؤسسات والقانون؟
ثمة نزعة نخبوية وانعزالية في هذا النمط من المطالب والشعارات تريد أن تستعدي قطاعات واسعة ومؤثرة من المجتمع، وأن تعزل الحراكات المطلبية والاحتجاجية عن الجمهور العريض صاحب المصلحة الأولى في الإصلاح.
يمكن لقضية نزار بنات ودمه المسفوح أن يقرع جرس الإنذار عاليا مدوّيا ليفتح الطريق أمام عملية إصلاح شاملة، لا تكتفي بمعاقبة المسؤولين بل توفر الضمانات لعدم تكرار ما جرى قطعيا، وتجريم التعذيب والاعتقال التعسفي وقمع الحريات، وفي هذه الحالة سوف ينام نزار قرير العين، وتطمئن روحه إلى أن دمه لم يذهب هدرا، بل روّى أرضا عطشى لإصلاحات وتغييرات تعود بالخير العميم على الشعب كله وعلى القضية الوطنية.
وفي المقابل يمكن لطريقة التعامل مع ما جرى من قبل الفصائل والحراكات أن تفتح على مزيد من الفوضى والخراب، فلنتحد لقطع الطريق على ذلك.
* عضو المجلس الوطني الفلسطيني
المزيد في أقلام وأراء
منع الدواء والطعام في غزة.. سلاح إسرائيلي قاتل
حديث القدس
رسالة فلسطين في عيد الميلاد
فادي أبو بكر
معركة المواجهة وشروط الانتصار
حمادة فراعنة
احفظوا للمخيم هيبته وعزته وللدم الفلسطيني حرمته
راسم عبيدات
مئوية بيرزيت.. فوق التلة ثمة متسع رحب لتجليات الجدارة علماً وعملاً!
د. طلال شهوان ، رئيس جامعة بيرزيت
لجنة الإسناد.. بدها إسناد!
ابراهيم ملحم
من التغريد إلى التأثير .. كيف تصنع المقاطعة الرقمية مقاومة شعبية فعالة
مريم شومان
الحسم العسكري لغة تبرير إسرائيلية لمواصلة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
سعيد جودة طبيب جراحة العظام في مشفى كمال عدوان شهيداً
وليد الهودلي
بوضوح.. الميلاد في زمن الإبادة الجماعية
بهاء رحال
ولادة الشهيد الأول
حمادة فراعنة
(الْمَجْدُ لِلّهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلامُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ)
حديث القدس
اعتقال المسيح على حاجز الكونتينر
عيسى قراقع
ما الذي يحدث في جنين، ولماذا الآن، وما العمل؟
هاني المصري
ما يجري في جنين يندى له الجبين
جمال زقوت
شرق أوسط نتنياهو لن يكون
حمادة فراعنة
في ربع الساعة الأخير للإدارة الموشكة على الرحيل!
حديث القدس
العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم
الأب إبراهيم فلتس نائب حارس الأراضي المقدسة
بلورة استراتيجيات للتعامل مع الشخصيّة المزاجية – القنبلة الموقوتة
د. غسان عبدالله
من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟ الحلقة الثانية
زياد ابحيص
الأكثر تعليقاً
اعتقال المسيح على حاجز الكونتينر
ما الذي يحدث في جنين، ولماذا الآن، وما العمل؟
دويكات: أجندات خارجية لشطب المخيمات الشاهد الحي على نكبة شعبنا
مقتل عنصر من الأجهزة الأمنية في الأحداث المستمرة بجنين
مقتل أحد عناصر الأجهزة الأمنية خلال الأحداث المتواصلة في جنين
نابلس: تشيع جثمان شهيد الواجب الوطني الرقيب أول مهران قادوس
مصطفى يبحث مع خارجية قبرص الرومية إنهاء الإبادة الإسرائيلية بغزة
الأكثر قراءة
ما الذي يحدث في جنين، ولماذا الآن، وما العمل؟
مقتل أحد عناصر الأجهزة الأمنية خلال الأحداث المتواصلة في جنين
العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم
اعتقال المسيح على حاجز الكونتينر
تحديات كبيرة وانغلاق في الأفق السياسي.. 2025 في عيون كُتّاب ومحللين
الكرملين يكشف حقيقة طلب زوجة بشار الأسد الطلاق
يسوع المسيح مُقمّطاً بالكوفية في الفاتيكان.. المعاني والدلالات كما يراها قادة ومطارنة
أسعار العملات
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 9:36 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.65
شراء 3.64
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.13
يورو / شيكل
بيع 3.8
شراء 3.77
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%57
%43
(مجموع المصوتين 305)
شارك برأيك
المحاسبة والإصلاح لا الفوضى والانتقام