منوعات
الإثنين 03 فبراير 2025 9:31 صباحًا - بتوقيت القدس
الفسيفساء الجينية: دور الحمض النووي البشري في الصحة والمرض
"القدس" - دوت كوم - الشرق الأوسط
الفسيفساء الجينية هي واحدة من المفاهيم الحديثة في علم الوراثة التي تغير الطريقة التي ننظر بها إلى جسم الإنسان وكيفية عمله. وتشير هذه الظاهرة إلى أن جسم الإنسان ليس وحدة متجانسة من الخلايا، بل هو مزيج معقد من الخلايا التي تحتوي على اختلافات طفيفة في الحمض النووي (دي إن إيه).
وسنتناول هنا مسارات الفهم الحديث للفسيفساء الجينية بناءً على أبحاث ودراسات جديدة، ونتحدث عن أهميتها العلمية والتطبيقات المحتملة لتحسين حياة البشر:
الفسيفساء الجينية
• ما هي الفسيفساء الجينية؟ تبدأ الفسيفساء الجينية منذ اللحظة الأولى لتكوين الجنين. فعندما يلتقي الحيوان المنوي بالبويضة يبدأ الحمض النووي (دي إن إيه) DNA الخاص بهما في الاتحاد لتشكيل جينوم جديد. وفي هذه المرحلة تبدأ الخلية الأولى في الانقسام لتكوين جسم الإنسان، وخلال هذه العملية تحدث أخطاء صغيرة في نسخ الحمض النووي. ثم مع مرور الوقت تتراكم هذه الأخطاء الجينية في خلايا الجسم؛ ما يؤدي إلى تكوين فسيفساء جينية معقدة.
وحسب دراسة نشرت في مجلة Genes في 24 سبتمبر (أيلول) 2024 برئاسة روري تينكر، قسم علم الوراثة الطبية والطب الجينومي المركز الطبي لجامعة فاندربيلت ناشفيل تينيسي الأميركية وآخرين، فإن هذه الأخطاء ليست دائماً ضارة. فقد يكون بعضها غير ضار تماماً، بينما يمكن أن يكون لبعضها الآخر آثار إيجابية أو سلبية على الصحة. ويوضح هذا الفهم الحديث أن الجسم البشري يتكون من خلايا ليست متطابقة تماماً، بل تختلف في جيناتها بشكل طفيف.
• أهمية الفسيفساء الجينية في الصحة. من المعروف أن الأخطاء الجينية قد تكون مرتبطة بالكثير من الأمراض مثل السرطان. ولكن الفهم الجديد للفسيفساء الجينية يظهر أن بعض هذه الطفرات الجينية يمكن أن تكون مفيدة. ففي دراسة نشرتها مجلة The Atlantic في 2 يناير (كانون الثاني) 2025 برئاسة جيسون ليبوفيتز، الطبيب والأستاذ المساعد في الطب بجامعة كولومبيا الولايات المتحدة، وجد الباحثون أن بعض الطفرات الجينية التي تحدث في خلايا الدم قد تكون مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسة أن خلايا الدم التي تحتوي على طفرات معينة قد تكون أكثر كفاءة في إزالة البروتينات السامة المرتبطة بمرض ألزهايمر. وهو ما يشير إلى أن الطفرات الجينية ليست دائماً ضارة، بل قد تلعب دوراً إيجابياً في بعض الحالات.
الطفرات الجينية والأمراض
• الطفرات الجينية في الدماغ. قد تعتقد أن الدماغ باعتباره أحد أكثر الأعضاء تعقيداً خالٍ من الطفرات الجينية، خصوصاً أن خلاياه تتوقف عن الانقسام بعد الولادة. لكن الأبحاث الحديثة مثل الدراسة المنشورة في Neuroscience Bulletin في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 برئاسة مارتن بروس، قسم علم الوراثة السريرية والتمثيل الغذائي كلية الطب بجامعة كولورادو الولايات المتحدة الأميركية وآخرين، أثبتت أن الدماغ أيضاً يحتوي على طفرات جينية تتراكم مع الوقت، حيث وجد الباحثون أن هذه الطفرات قد تكون مرتبطة ببعض الحالات العصبية مثل التوحد والصرع والفصام. كما أن فهم هذه الطفرات يساعد العلماء على تطوير علاجات جديدة لهذه الحالات. فعلى سبيل المثال، إذا تم اكتشاف طفرة جينية معينة تسبب مرضاً معيناً يمكن استخدام هذه المعرفة لتطوير أدوية تستهدف هذه الطفرة بشكل مباشر.
• الفسيفساء الجينية والشيخوخة. واحدة من النظريات المثيرة للاهتمام هي أن الفسيفساء الجينية قد تكون مرتبطة بعملية الشيخوخة. فمع تقدم العمر تتراكم الطفرات الجينية في الخلايا؛ ما يؤدي إلى تغيرات في وظائف الجسم. وقد أظهرت دراسة نُشرت في 13 أبريل (نيسان) 2022 في مجلة Nature بمساهمة مشتركة من أليكس كاجان وأدريان بايز أورتيجا، من قسم السرطان والشيخوخة والطفرة الجسدية معهد ويلكوم سانجر هينكستون المملكة المتحدة وآخرين، أن الحيوانات ذات العمر القصير مثل الفئران تتراكم لديها الطفرات الجينية بسرعة أكبر مقارنة بالكائنات الأطول عمراً مثل البشر.
وهو ما يشير إلى أن تراكم الطفرات الجينية قد يكون جزءاً من العملية الطبيعية للشيخوخة. وإذا ما تمكن العلماء من فهم كيفية تقليل هذه الطفرات أو إصلاحها، فقد يكون من الممكن تأخير الشيخوخة أو تحسين نوعية الحياة في سنوات العمر المتقدمة. وبناءً على ذلك؛ يمكن أن يساعد الفهم الأعمق للفسيفساء الجينية في تطوير اختبارات تشخيصية أكثر دقة. فبدلاً من الاعتماد فقط على عينات الدم لتحليل الحمض النووي يمكن أيضاً تحليل أنسجة أخرى مثل اللعاب أو الجلد لاكتشاف الطفرات الجينية.
تطوير علاجات جديدة
ويمكن استهداف الطفرات الجينية التي تسبب أمراضاً معينة باستخدام التكنولوجيا الحديثة. على سبيل المثال، تمت الموافقة أخيراً على علاج يستهدف طفرة جينية معينة مرتبطة بمرض التصلب الجانبي الضموري Amyotrophic lateral sclerosis ويرمز له اختصاراً (ALS) (هو شكل من أشكال أمراض الأعصاب الحركية سريع الانتشار قاتل يسبب ضمور الجهاز العصبي نتيجة ضمور الأعصاب الحركية والخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي التي تتحكم في حركة العضلات الإرادية)، ولكن البيانات الجديدة حول الفسيفساء تشير إلى أن الكثير من الأشخاص قد يكون لديهم طفرات في جينات هذا المرض في أدمغتهم أو في النخاع الشوكي حتى لو لم يكن لديهم في بقية أجسامهم.
وهذا مهم لأن العلماء يعملون على علاجات تستهدف بعض الجينات التي تزيد على 40 جيناً والتي تسبب التصلب الجانبي عند تحورها. وفي عام 2023، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول علاج من هذا القبيل والذي يوقف جين التصلب الجانبي الضموري المتحور بشكل شائع. ولكي يكون المرضى مؤهلين لمثل هذه العلاجات سيحتاجون إلى معرفة طفراتهم، وإذا كان تراكم الطفرات الجينية مرتبطاً بالشيخوخة، فإن تقليل هذه الطفرات قد يساعد في إطالة العمر أو تقليل الآثار السلبية للشيخوخة.
تصورات المستقبل
يمثل الفهم الجديد للفسيفساء الجينية خطوة كبيرة نحو تحسين صحة الإنسان. فمن خلال دراسة الطفرات الجينية يمكننا فهم الأسباب الجذرية للكثير من الأمراض وتطوير علاجات أكثر فاعلية. بالإضافة إلى ذلك، قد يفتح هذا الفهم الباب أمام تقنيات جديدة لتأخير الشيخوخة وتحسين نوعية الحياة.
كما أن هذا المجال لا يزال في مراحله الأولى. ويقول العلماء إننا قد بدأنا فقط في فهم جزء صغير من هذه الظاهرة ومن المتوقع أن نشهد تطورات مذهلة في السنوات المقبلة، حيث إن الفسيفساء الجينية ليست مجرد مفهوم علمي، بل هي مفتاح لفهم أعمق لجسم الإنسان وصحته. ويمكن أن يغير هذا الفهم الطريقة التي نشخّص بها الأمراض ونعالجها، وقد يساعد في تحسين حياتنا بشكل كبير. كما يبدو أن المستقبل مليء بالإمكانيات الواعدة لتحسين صحة البشرية مع التقدم المستمر في هذا المجال.
دلالات
الأكثر تعليقاً
من أين جاؤوا بنظرية "الضعيف إذا لم يُهزم فهو منتصر" ؟
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
الزبيدي: حريتي منقوصة والهجمة على الشعب كبيرة
الترامبيّة المُتحوّرة!
الاحتلال يفرج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار
أبو عبيدة يعلن رسمياً استشهاد محمد الضيف ومروان عيسى
ترامب يصر أن مصر والأردن ستستقبلان المهجرين الفلسطينيين من غزة
الأكثر قراءة
الجيش الإسرائيلي ينسحب من معبر رفح الحدودي
أبو عبيدة يعلن رسمياً استشهاد محمد الضيف ومروان عيسى
ترامب يبحث الثلاثاء مع نتنياهو سيناريوهات التهجير لغزة واحتمال العودة للحرب
ترامب يصر أن مصر والأردن ستستقبلان المهجرين الفلسطينيين من غزة
زكريا الزبيدي... «التنين» الذي عذّب إسرائيل يُفرج عنه في إطار الهدنة
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
الزبيدي: حريتي منقوصة والهجمة على الشعب كبيرة
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 547)
شارك برأيك
الفسيفساء الجينية: دور الحمض النووي البشري في الصحة والمرض