Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

منوعات

الأحد 02 فبراير 2025 10:56 صباحًا - بتوقيت القدس

وثائقي "حالة عشق" لكارول منصور يُشارك ذاكرتَه مع العالم

بيروت ٠ "القدس" - دوت كوم - الشرق الأوسط

الرجل الذي أعطى كثيراً، يُكمل من خلال السينما ما بدأه. يتوجّه إلى العالم ليُخبره أنه رأى الفظاعة وظلّ متماسكاً من أجل المتألّمين. أبٌ مثلاً خسر عائلته ونجت له ابنةٌ نازفة. استغاث وهو ينظر إليه سائلاً إنقاذها من اللحاق بالمُغادرين. لا ينسى رجفة الصوت. ولكم عذَّبه أن يُفاضل بين حياةٍ وأخرى وإرجاء جراحات إلى يوم مقبل لم يأتِ. عطاءُ طبيب التجميل الفلسطيني المقيم في بريطانيا، غسان أبو ستة، حوَّله بطلاً في غزة.


يطلّ على هيئة جبال تتشبَّت بثباتها وتُعاند الارتماء. ولعلّه لم يشعر باكتماله المهني وجدواه الإنساني قبل بذل المهنة للموجوعين. فالتجميل الذي يمتهن أساليبه ويتفرّد ببعض تقنياته، لم يُشبع داخله المثقل. لملمة جراح غزة، فعل. تُلاحقه كاميرا المخرجة اللبنانية كارول منصور ليُشارك ذاكرته. فيلمها "حالة عشق" (عرضته سينما "متروبوليس" في بيروت)، يوثّق خيار التطوُّع رغم النار. لا بدّ من دمع يزور عينيه لفَرْط ما شهد على القسوة وفرض على النفس التحمُّل.


يعيد الفيلم تعريف العدالة والإنسانية، فيسأل بطله عما كان ليحدُث لو قُتل آلاف الأطفال الفرنسيين أو الأميركيين أو البريطانيين مثلاً. بطرحه إشكالية الجلّاد والضحية، وهل يتضاءل وَقْع الجريمة إن غُطّيَ الفاعل بقوى تتواطأ، يُبيّن وحشية عالم رخو المعايير، مُتلوّن، متعدّد الوجه.


كلّما أُلقي عليه ضوء، صوَّب غسان أبو ستة النظر نحو فلسطين. مع ذلك، ظلَّ بطل الحكاية ومُحرّكها؛ والفيلم تحية له. فالمُخرجة مع مساعدتها منى خالدي، تُظهر الوفاء لتضحياته، ولا تكتفي بتعقّبه في المستشفيات والمؤتمرات، وإنما في غرف منزله وأوقاته الخاصة. تمتنّ لِما قدَّم، وتشاء شُكره نيابة عن كثيرين رأوا فيه النخوة الإنسانية والعطاء الصادق. بالنبش في ذاكرته، ومَنْحه فرصة أخرى لرَفْع الصوت، تشعُر بأنها تُسدِّد "دَيناً" لمَن عالج ورمَّم، لا الأجساد فحسب، وإنما الأرواح والنفوس.


تتداخل حياته الشخصية بمساره المهني، فنراه في ثوب النوم وفي رداء المستشفى؛ ومستلقياً على كنبة البيت ومرتمياً على أرض غرفة الطوارئ يغلبه التعب. يُريد الفيلم إظهار الجانب الخفي لرجل تحت الضوء. هو طبيب مشهور، لكنه أبٌ أيضاً.


 وبطل في غُرف العمليات وأقسام الطوارئ المزدحمة بالصراخ والدماء والويلات البشرية، لكنّه يستيقظ باكراً، يحضّر الفطور لأولاده، يكوي قمصان المدرسة، ويرتشف القهوة مع زوجته التي تُشكّل له الأمان الحقيقي. ويُخبر أنه دائم الاستجابة لنداء المعدة في أوقات الجَمعة العائلية، فلا يردُّ لذائذ الطعام، خصوصاً ما تعدّه حماته. الجانب الشخصي يمنح العمل حميمية، فيُهدّئ قسوة مَشاهده، وكونه فقط شهادات فلسطيني في الحرب، رغم أهمّيتها.


تعلو صرخته ضدّ تمادي ارتكاب العنف في غزة خلال سرد مُشاهداته. وهي ليست بالضرورة صرخة الحنجرة، وإنما الضمير. إنْ هَمَس، ظلَّت صرخة. وإنْ تكلّم بنبرة متماسكة، حافظت الصرخة على هدفها واتّجاهها، وهما قول الحقيقة والضمير العالمي. وبحديثه عن "عدم إسكات" هذه الحقيقة، يُصوِّب المسار نحو الاعتراف بها لتحقيق العدالة. وأمام انسياب الصور العالقة في ذاكرته، منها المريع مثل المقابر الجماعية لجثث مجهولة وأشلاء أطفال، ومنها إرغام فلسطينيين على التعرّي بتهديد السلاح، والسير معصّبي العيون في مشهدية الذلّ الإنساني، يشعر الشاهد على الإبادة بقوة لم يسبق أن أدركها، وبحرّية الخيار. فالأولى منبعها اكتشافه نفسه في الأوقات الصعبة، والثانية مردُّها العلاقة بالمكان المُلقى باللهب، وهي تصبح خلاصاً إنسانياً وملاذاً للشفاء، وإن توافرت احتمالات أخرى تتيح الأمان والرفاهية.


آلمه إحساسٌ بالعجز أمضى حياته يفرّ منه. رؤية الظلم البشري مُجسَّداً في بقعة جغرافية، عمَّق شعوره باستحالة الاكتفاء مهما أعطى. فالرجل بتر أطراف أطفال، وأجرى جراحات بغياب المُخدّر، وشمَّ رائحة جثث، وشهد على مجازر، وودَّع أحبّة؛ وإنما العجز ظلَّ يُباغته. ولعلّه بسرد الحكاية، يحيل بعض الأعماق على الاستراحة، فيجعلها تتقبَّل وضعية أخرى، غيرها التقلُّب في الجمر ورقص المذبوح من الألم.


والدته وزوجته، امرأتا العُمر، تُخفّفان الأنّات وتُهدّئان الروح. تطلّان أمام كاميرا كارول منصور بدورَي بطولة. لا يهمّ عدد مَشاهدهما، ما دام وَقْعهما مدوّياً في حياته. الأم اختزال الحبّ والخوف، تدرك معدن الابن وتخشى أن يُكلّفه غالياً. والزوجة رفيقة الأيام وحلاوتها، والأم لـ3 أبناء، لم يتصوَّر له أحدهم نهاية مأساوية؛ لإحساسهم بأنّ العناية الإلهية تحوطه وتردّ كلَّ شرّ.


لكنّ غسان أبو ستة لمح الموت مرات، وراح يبعث برسائل صوتية للعائلة، لعلّها تُشكّل الرابط الأخير بين وجوده وغيابه. يروي كلّ هذا. وفعل السرد هنا يملك سُلطة المجاهَرة، ويستهدف العالم بأسره، ليُخبر عن الظلم والحقّ بالعدالة، وأنّ الضحايا ليسوا أرقاماً، وعدّاد الموت ينبغي أن يتوقّف. "حالة عشق"، هي فلسطينه. بأنفاسها ينجو من الاختناق.


عن "الشرق الأوسط"


.......

هو طبيب مشهور، لكنه أبٌ أيضاً. وبطل في غُرف العمليات وأقسام الطوارئ المزدحمة بالصراخ والدماء والويلات البشرية، لكنّه يستيقظ باكراً، يحضّر الفطور لأولاده، يكوي قمصان المدرسة، ويرتشف القهوة مع زوجته التي تُشكّل له الأمان الحقيقي.

دلالات

شارك برأيك

وثائقي "حالة عشق" لكارول منصور يُشارك ذاكرتَه مع العالم

المزيد في منوعات

أسعار العملات

الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

يورو / شيكل

بيع 3.77

شراء 3.76

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 547)