فلسطين
السّبت 14 ديسمبر 2024 9:19 صباحًا - بتوقيت القدس
"القدس" ترصد حكايا وقصص المواطنين مع المتسولين... متسوّلون يجوبون الطرقات ويغزون الفضاء الإلكتروني
رام الله - تحقيق خاص بـ"القدس"-
"ے" ترصد حكايا وقصص المواطنين مع المتسولين
متسوّلون يجوبون الطرقات ويغزون الفضاء الإلكتروني
تعددت الأشكال.. وتمدّدت الشبكات
العقيد لؤي ارزيقات: قانون مكافحة التسول بحاجة لتحديث.. والشرطة تعمل بشكل مستمر على مكافحة هذه الظاهرة من خلال التوعية والإرشاد
د.محمد العبوشي: يجب اتخاذ خطوات عملية لمحاربة ظاهرة التسول وكذلك تفعيل "صندوق الرعاية والحماية" لتقديم المساعدات اللازمة لمن يستحقها
الشيخ إبراهيم عوض الله: التسول من غير حاجة يُعدّ من المحرمات ويجب العمل على الحد من الفقر وسد حاجات الفقراء والمحتاجين بوسائل كريمة وناجعة
د.سماح جبر: اللجوء للتسول قد يكون نتيجة مباشرة لتراكم ضغوط نفسية واجتماعية شديدة ومن الضروري تعزيز التكافل الاجتماعي لمواجهة هذه الظاهرة
لم تكن حادثة إلقاء الشرطة في الثالث من الشهر الجاري على متسولة (خ.ح) يُشتبه بقيامها بالتسول، وإيذاء المواطنين والسائقين ومضايقتهم والاعتداء على مركباتهم، وذلك بعد انتشار فيديو لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في رام الله، ثم التحفظ عليها، لإحالتها للنيابة العامة، هي الحادثة الوحيدة، بل إنها تعيد قضية التسول وخطورته على المجتمع الفلسطيني إلى الواجهة بعد تزايده بشكل لافت خلال الاشهر الماضية.
في هذا التحقيق الصحفي الذي أجرته "ے" على مدار الأشهر الماضية، تتكشف حكايا وقصص عدة عن أولئك المتسولين الذين أصبح التسول لديهم مهنة تكسبهم الأموال أكثر من العمل بحد ذاته، ويمتلك عدد منهم أموالاً طائلة، ومنهم من بات إيذاؤه للمواطنين أسلوباً، فيما تسلط "ے" أيضاً الضوء على ظاهرة التسول من خلال خبراء ومختصين، في محاولة لإيجاد حل لوقف هذه الظاهرة.
أشكال عدة من التسول
في ظل تنامي ظاهرة التسول في المدن الفلسطينية، باتت بعض هذه الممارسات تأخذ أشكالاً منظمة تستغل عواطف الناس ودوافعهم الإنسانية والدينية، كما يوضح المواطن عبد الله سمعان، أحد سكان بلدة الرام شمال القدس، مؤكداً أن كثيراً من المتسولين باتوا يعملون ضمن مجموعات منظمة تهدف لجمع الأموال بطرق ملتوية.
يروي سمعان قصة جرت في بلدة الرام، حين لاحظ أهالي البلدة تصرفات مشبوهة لمجموعة من المتسولين، حيث إنه وفي أحد أيام الجمعة، شوهدت حافلة تقل أكثر من 20 شخصاً توزعهم على مساجد المنطقة في: الرام، وكفر عقب، ومخيم قلنديا، لاحقاً، تم ضبط بعض أفراد هذه المجموعة من قبل لجنة أحد المساجد، ليتبين أنهم مجموعة منظمة تقوم بجمع الأموال وتقسيمها فيما بينهم.
استخدم هؤلاء المتسولون وفق سمعان، ذرائع متعددة لجذب التبرعات، مثل ادعاء الحاجة لزراعة كلى أو لعلاج مرضى السرطان.
ويشير سمعان إلى أن الناس في المجتمع يتميزون بالكرم والخير، ولكن هذه المجموعات المنظمة تستغل تلك العواطف الدينية والإنسانية لتحقيق مصالح شخصية، فيما ينصح الأهالي بضرورة توجيه تبرعاتهم إلى جهات مختصة تعمل بشكل قانوني لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين.
ويشير سمعان إلى أن ظاهرة التسول شهدت تطوراً في الآونة الأخيرة، حيث لم يعد المتسولون يكتفون بطلب الأموال فقط، بل باتوا يتوسلون باسم غزة، مطالبين أيضاً بالتبرعات العينية مثل الملابس والأغذية، وهو ما يزيد من تعقيد المشكلة ويزيد من ضرورة توخي الحذر في التعامل مع هؤلاء المتسولين.
بقاء المتسولين بهذا الشكل يهدد بانهيار الثقة بالمساعدة
يوضح المواطن هيثم نعنع أن ظاهرة التسول باتت مشكلة اجتماعية وأخلاقية في المجتمع الفلسطيني، مشدداً على أن التسول محرم شرعاً لأنه يتضمن أخذ الأموال من الناس بغير حق.
ويعتقد نعنع أن الكثير من المتسولين ينتمون إلى مجموعات منظمة هدفها الأساسي جمع المال بطريقة غير مشروعة، ما يشكل إساءة واضحة للقيم الاجتماعية.
ويشير نعنع إلى أن العديد من المتسولين يفضلون الاستمرار في التسول بدلاً من البحث عن عمل لان التسول يحقق لهم جمع أموال اكثر، مستغلين تعاطف الناس مع حالاتهم المزيفة.
ويتذرع بعض المتسولين وفق نعنع، بحاجات ملحة مثل العلاج أو الفقر المدقع، إلا أن هذه الادعاءات باتت تثير الشكوك لدى الكثيرين، مما أدى إلى تراجع الثقة بشكل كبير بين أفراد المجتمع فيمن يستحق المساعدة حقًا من عدم ذلك.
ويؤكد نعنع أن وجود هؤلاء المتسولين لا يضر فقط بالخير الذي يقدمه الناس، بل يضرب في جوهر التكاتف الذي لطالما ميز المجتمع الفلسطيني.
ومع استمرار هذه الظاهرة، يشدد نعنع انه بات من الضروري على الجهات المختصة التدخل بفعالية لوقف هذه المجموعات عند حدها، حيث ان بقاء المتسولين بهذا الشكل يهدد بانهيار الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع ويقوض من المبادرات الشخصية في التكافل الاجتماعي.
حالات تسول استفزازية
عيسى الطويل، صاحب محل تجاري في مدينة رام الله، يعتقد أن هناك اتساعاًلظاهرة التسول في المدينة، مؤكداً أن المتسولين ينقسمون إلى نوعين: المحتاجون الحقيقيون الذين يطلبون المساعدة بطريقة متعففة، وهناك الذين يلجأون للتسول بشكل مستمر رغم عدم حاجتهم الحقيقية.
ويؤكد الطويل أن المحتاجين الحقيقيين غالباً ما يظهر عليهم الخجل عند طلب المساعدة، ونادرًا ما يكررون هذا الطلب بشكل يومي، ما يعكس حاجتهم الفعلية وعدم استغلالهم للمواقف.
في المقابل، يشير الطويل إلى وجود حالات تسول استفزازية في المدينة، مستشهدا بحالة فتاة معروفة لدى الناس وخاصة السائقين في شوارع رام الله، تتبع أسلوبًا عدوانيًا للحصول على المال، حيث تقوم بضرب سياراتهم أو كسر زجاجها ومراياها إذا لم يستجيبوا لطلباتها.
ويعتبر الطويل أن هذه الفتاة تمثل نموذجاً للتسول العدواني الذي يتطلب تدخلاً فوريًا من الجهات المختصة، مشيراً إلى أن الشرطة قبضت على تلك المتسولة أخيراً بعد العديد من الشكاوى بحقها.
في حين، تؤكد المواطنة غدير عاهد أن ما أثار الغضب تجاه تلك الفتاة انها القت بحجر كبير تجاه زجاج احدى المركبات المارة لسيدة من شوارع مدينة رام الله والتي كان برفقتها اطفالها.
البيع المقرون بالتسول..
تتحدث المواطنة سناء عبد الحق عن ظاهرة التسول المقنع في الأسواق التي تشهدها مناطق مختلفة في فلسطين، حيث يستخدم بعض الأفراد أساليب التسول بطريقة مموهة على هيئة بيع بضائع بسيطة.
وتروي سناء تجربتها قائلة: "في أحد الأيام كنت أتجول في السوق، فاقترب مني شاب يحمل بعض الحاجيات في يديه، وبدأ يطلب مني أن أشتري منه قائلاً: اشتري مني، أنا بحاجة لدفع قسط جامعي لشقيقتي".
وترى سناء أن هذا النوع من التسول بات شائعاً، حيث يعرض البعض بضائعهم البسيطة للبيع، بينما يطلبون في الواقع المال بحجة الحاجة، وتقول: "منهم من يطلب منك شراء سلعة، لكن الحقيقة أنهم يريدون النقود فقط بأسلوب جديد للتسول".
وتعتقد سناء أن المشكلة أعمق من مجرد تصرفات فردية، معتبرة أن التسول بات مهنة للبعض وليس مجرد حاجة ماسة.
وتؤكد سناء ضرورة تدخل السلطة الوطنية الفلسطينية لمعالجة هذه الظاهرة، ليس فقط من خلال العقوبات أو السجن، بل من خلال البحث عن حلول جذرية لهذه المشكلة التي تصفها بأنها "مرض اجتماعي" يحتاج إلى علاج.
تزايد الظاهرة أكثر من أي وقت مضى
يعرب المواطن فؤاد عليان من رام الله عن قلقه من تزايد ظاهرة التسول في المدينة، مشيرًا إلى أنها باتت تنتشر بشكل أكبر من أي وقت مضى، حيث يرى أن العديد من المتسولين لا يحتاجون إلى المساعدة بالفعل، بل أصبحت ممارسة التسول "مرضًا" لدى البعض.
ويؤكد عليان أن هذه الظاهرة تبرز بشكل خاص على الإشارات الضوئية، حيث يلاحظ انتشار المتسولين بشكل لافت، ويستخدم البعض منهم أساليب جديدة مثل ادعاء بيع سلع بسيطة لاستجداء المال.
ويؤكد عليان أن الناس في المجتمع الفلسطيني معروفون بكرمهم وحرصهم على مساعدة المحتاجين، إلا أن هؤلاء المتسولين أصبحوا يسيئون إلى قيم الخير والتكاتف، مشيراً إلى أن المحتاجين الحقيقيين غالباً ما يُبحث عنهم في بيوتهم، بينما المتسولون في الشوارع أو أمام المساجد غالبًا لا يمثلون حالات الفقر الحقيقية، ولذا على الناس ان لا تعطيهم بل تبحث عن المحتاجين في منازلهم.
ومن أبرز الأمثلة التي يستشهد بها عليان، حالة احدى المتسولات الذي التي كانت تتواجد يوميًا على الإشارات الضوئية، لكن تم القبض عليها قبل اشهر، حيث انها تمتلك سيارة جيب "سكودا" فاخرة تبلغ قيمتها حوالي 190 ألف شيقل، ما أثار استياء الكثيرين وهو ما يقلل من المصداقية بأولئك المتسولين.
ويشير عليان الى ان بعض المتسولين يجمعون مبالغ كبيرة من المال ويقومون باستبدال العملات النقدية الى الورقية، مما يدل على حجم الأرباح التي يحققونها من هذه الممارسات.
الترويج لجرائم خطيرة..
يعرب المواطن محمد خميس عن استيائه من ظاهرة التسول المتزايدة في رام الله، مشيراً إلى أن العديد من المتسولين باتوا يستغلون مهنة التسول لتحقيق أرباح شخصية كبيرة.
ويلفت خميس الى حالة لمتسولة تقود سيارة "جيب سكودا" فاخرة، والتي تبلغ قيمتها مبلغًا مرتفعًا، مما يؤكد أن التسول أصبح مهنة للبعض وليس مجرد وسيلة للحصول على لقمة العيش.
ويتطرق خميس إلى أنه سمع قصصًا حول بعض المتسولين الذين يستغلون مواقعهم في الشوارع ليس فقط لجمع الأموال، بل أيضًا لترويج المخدرات وبيعها، وهو ما يزيد من خطورة هذه الظاهرة.
غالبية المحتاجين الحقيقيين لا يلجأون للتسول
يبدي علي أبو أحمد، صاحب محل تجاري في رام الله، قلقه من تفاقم ظاهرة التسول في الشوارع، مشيراً إلى أن غالبية المحتاجين الحقيقيين لا يلجأون إلى التسول، بينما يظهر المتسولون يومياً في الشوارع، مما يثبت عدم حاجتهم الفعلية.
ويوضح أبو أحمد أن أصحاب المحال التجارية يعرفون جيداً أن العديد من هؤلاء المتسولين يجمعون مبالغ مالية كبيرة يومياً من خلال هذه الممارسات، ويدركون أنهم غير محتاجين.
ويشير أبو أحمد إلى ظاهرة جديدة وغريبة على المجتمع، حيث يلجأ بعض الشباب القادرين على العمل إلى التسول تحت غطاء بيع المحارم أو المياه، مستخدمين أساليب تستعطف الناس للحصول على المال، والبعض منهم يبيع حتى الشوكولاتة بطريقة توحي بالتسول أو الإحراج.
ويؤكد أبو أحمد أن الحل يكمن في تعزيز دور الجهات المختصة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين، مشيرًا إلى أن الثقة بين المواطنين وهذه الجهات قد تراجعت بشكل ملحوظ، ما أدى إلى عزوف الكثيرين عن تقديم التبرعات لها.
ويرى أبو أحمد أن استعادة هذه الثقة وتوجيه المساعدات بشكل صحيح سيسهم في الحد من ظاهرة إعطاء الأموال للمتسولين في الشوارع، مما يضمن تقديم العون لمن يستحقه بعد تزويد تلك الجهات بالمساعدات كجهة ذات ثقة ومصداقية.
ويشدد أبو أحمد على أن تقديم الأموال للمتسولين في الشوارع يضر بالمحتاجين الحقيقيين، ويمنعهم من الحصول على الدعم اللازم.
ويشير ابو أحمد إلى أن ظاهرة التسول دخيلة على المجتمع الفلسطيني الذي عرف بتكاتفه الاجتماعي، داعيا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انتشارها.
إساءة للشعب الفلسطيني
يؤكد المواطن محمد فائق أن ظاهرة التسول المتزايدة تُعد إساءة كبيرة للشعب الفلسطيني وقيمه الاجتماعية.
ويوضح فائق أن العديد من المواطنين يشعرون بالإحباط عندما يكتشفون أن المتسولين الذين يقدمون لهم المال لا يحتاجون فعليًا للمساعدة، بل يستغلون التعاطف لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
هذه الممارسات، بحسب فائق، تضعف التكافل الاجتماعي، وتؤدي إلى تراجع الثقة بين أفراد المجتمع، حيث يتردد الناس في تقديم العون خوفًا من الاستغلال.
ويدعو فائق الجهات الحكومية المختصة، بما في ذلك الشرطة وكافة الأجهزة القانونية، إلى تحمل مسؤولياتها في متابعة هذه الظاهرة والحد من انتشارها. وأكد أن التدخل الحكومي الفعّال ضروري لضبط الوضع وحماية المجتمع من تأثيرات هذه الممارسات السلبية.
ويشدد فائق على أن بقاء الأمور على حالها سيؤدي إلى تفاقم مشكلة التسول وتشويه صورة التكافل الفلسطيني.
خطورة التسول على الإشارات الضوئية
هبة فالح، مواطنة من مدينة رام الله، تعبر عن انزعاجها من التزايد الكبير في ظاهرة التسول التي أصبحت منتشرة بشكل ملحوظ في المدينة.
وتشير هبة إلى أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على طلب المال بشكل مباشر، بل تطورت لتأخذ أشكالاً جديدة، مثل بيع المناديل الورقية وقوارير المياه.
تقول هبة: "منهم من يبيع فعلاً ما يحمله، لكن هناك آخرين يستغلون هذه البضائع كواجهة لطلب المساعدة المالية، خصوصاً كبار السن، الذين باتوا يستخدمون أساليب جديدة للتسول، وغالبيتهم يتواجدون على الإشارات الضوئية، وهو ما قد يسبب حوادث سير وخطورة على الحياة والمركبات".
وتروي هبة حادثة شاهدتها في رام الله، حيث كانت هناك سيدة مسنة تتسول في احد شوارع مدينة رام الله، واقترب منها أحد الأشخاص وعرض عليها المساعدة بأن يقوم باستقبالها في منزله وتوفير الرعاية اللازمة، لكنها رفضت العرض وأصرت على طلب المال بدلاً من ذلك.
وتؤكد هبة ان "هذا الموقف يعكس مدى عمق المشكلة، حيث أن البعض ليسوا بالضرورة بحاجة إلى الطعام أو المأوى، وإنما يركزون فقط على الحصول على المال لأنه يحقق لهم أرباحا اكثر".
وتشدد هبة على أن هذه الظاهرة باتت مزعجة للكثيرين، وتحتاج إلى معالجة جذرية، خصوصاً مع ظهور أساليب جديدة للتسول تجعل من الصعب التمييز بين من يحتاج فعلاً للمساعدة ومن يستغل الآخرين لتحقيق مكاسب مالية، مشيرة إلى أن هناك متسولين فعلا بحاجة للمال وفي اخر النهار شاهدت مثلا امراة متسولة تقوم بشراء حاجيات منزلها برفقة ابنتها المريضة، ما يدل على أنها بحاجة فعلاً.
تسول عبر وسائل التواصل الاجتماعي
يعرب المواطن محمد مصلح عن قلقه من انتشار ظاهرة التسول التي انتقلت كذلك الى وسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن بعض الأصدقاء أخبروه عن فتيات وشبان يستخدمون منصة "فيسبوك" لطلب المساعدة المالية، اما بشكل شخصي او من خلال مشاركاتهم على المجموعات.
ويوضح مصلح أن هؤلاء الأفراد غالباً ما يتذرعون بحاجتهم إلى تسديد الأقساط الجامعية او حاجتهم لعدم وجود طعام أو يختلقون ذرائع أخرى لاستعطاف المواطنين والحصول على الأموال، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة أصبحت مصدر إزعاج.
ويدعو مصلح إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فاعلة لمتابعة هذه القضية والحد من انتشار التسول الإلكتروني، مؤكداً أن التدخل السريع والمراقبة من قبل الجهات المختصة يمكن أن يسهم في تقليص هذه الظاهرة ومنع استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق مكاسب شخصية بطرق غير مشروعة.
متسول بسيارة "لاندروفر"
يوضح سليم عبد الرحمن، وهو سائق يعمل في مدينة رام الله، أن هناك حادثة شاهدها بنفسه في بلدة كفر عقب شمال القدس، حيث أن أحد المتسولين الذي تكرر ظهوره في المنطقة بشكل يومي يستخدم عبارات دينية مثل "صلاة للنبي مساعدة" لجذب تعاطف الناس، إلا أن العديد من المواطنين أكدوا أنهم رأوه يقود سيارة فاخرة من طراز "لاندروفر"، مما يؤكد عدم حاجته للمساعدة.
ويلفت عبد الرحمن إلى أن ظاهرة التسول لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تمتد إلى عائلات كاملة تمتهن التسول.
ويشير عبد الرحمن إلى أن بعض هذه العائلات تتألف من الأب والأم والأبناء وأحيانًا بعض الأقارب، وجميعهم يمارسون التسول كمصدر رئيسي للرزق، وغالبية هذه العائلات يعيشون في بلدة الرام شمال القدس، حيث يعتمدون على التسول كوسيلة لتحقيق دخل ثابت بدلا من العمل في مهن مختلفة يحققون فيها دخلا لقاء اجر، وهو ما يشير إلى أن التسول لم يعد مجرد حالة فردية أو عابرة، بل أصبح مهنة تعتمد عليها أسر كاملة.
ويؤكد عبد الرحمن أن هذه الممارسات تسيء إلى قيم المجتمع الفلسطيني وتضعف من روح التكاتف الاجتماعي، مطالبًا الجهات المختصة بتكثيف الرقابة واتخاذ إجراءات حازمة للحد من هذه الظاهرة التي تهدد النسيج الاجتماعي وتعتمد على استغلال مشاعر الناس وتعاطفهم.
التسول من مدينة إلى أُخرى
يشير المواطن علام صادق إلى حادثة لامرأة مسنة كان يشاهدها بانتظام تجلس عند سوق الحسبة في مدينة رام الله، موضحاً أن هذه المرأة، التي لم تكن تسبب الأذى لأحد وكانت تكتفي بالدعاء للناس أثناء تسولها، لفتت انتباهه عندما صادفها مرة أخرى على دوار نابلس الرئيسي خلال زيارته للمدينة.
ويلفت صادق إلى أنه سأل المرأة كونه يعرفها عن سبب انتقالها من رام الله إلى نابلس، فأخبرته بأنها جاءت إلى نابلس "لتطلب الرزق".
ورغم أنه لم يكن متأكداً ما إذا كانت صادقة في نواياها أو تستغل التعاطف لتحقيق مكاسب شخصية، إلا أن هذه الحادثة تثير لدى صادق تساؤلات حول مدى انتشار ظاهرة التسول، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الضفة الغربية.
ويعتقد صادق أن هذه الظاهرة باتت تتفاقم بشكل ملحوظ، خاصة بعد الحرب على قطاع غزة وما تشهده الضفة الغربية من تدهور اقتصادي وزيادة معدلات البطالة.
متسولة بملابس رثة أصبحت بملابس جميلة
يروي المواطن أحمد خالد تفاصيل واقعة شهدها قبل سنوات في فصل الشتاء بمدينة البيرة، والتي أثارت شكوكه حول مدى حاجة بعض المتسولين للمساعدة. ويوضح خالد أنه كان ينتظر قبالة مسجد البيرة الكبير في إحدى الأمسيات الممطرة بعد صلاة المغرب، عندما شاهد امرأة ترتدي ملابس مهترئة وهي تتسول عند بوابة المسجد، تتسول وتطلب المساعدة من المصلين الخارجين.
ووفق خالد، فإنه بينما كان ينتظر في المكان بعد انتهاء المطر ولم يتبق احد من المصلين وكان الشارع شبه فارغ، لفت انتباهه أن المرأة ذاتها دخلت إلى مصلى النساء في المسجد، وبعد دقائق قليلة، خرجت من المصلى وقد بدلت ملابسها بالكامل، وكانت تحمل حقيبة على كتفها، وهو ما أثار شكوكه حول مدى صدق حاجتها للتسول.
ويؤكد خالد أن هذه الحادثة دفعته للتفكير في مدى انتشار ظاهرة التسول في المجتمع، مشيراً إلى أن مثل هذه الممارسات تستغل تعاطف الناس، خاصة في الأماكن الدينية مثل المساجد، داعياً إلى ضرورة مراقبة هذه الظاهرة واتخاذ الإجراءات اللازمة، معتقدا ان هذه الممارسات جريمة يعاقب عليها القانون.
لا يُرضيهم القليل..
عبير عبد الغني، من رام الله، تسلط الضوء على تجربة شخصية مع إحدى المتسولات المسنات في المدينة، والتي كشفت لها جانباً آخر من ظاهرة التسول المتزايدة وبطريقة فجة مزعجة.
وتروي عبير أنها عندما سألت سيدة مسنة عن سبب تسولها، أخبرتها بأنها تحتاج المال للإنفاق على بناتها، في تلك اللحظة، قررت عبير إعطاءها خمسة شواقل، ولكن المفاجأة جاءت عندما رفضت المتسولة الاستمرار في الحديث إلا إذا منحتها مبلغاً آخر من المال.
وتشير عبير إلى أن هذه الحادثة ليست فردية، بل تعكس نمطاً متزايداً بين بعض المتسولين الذين لا يرضون بالمبالغ الصغيرة التي تقدم لهم.
تقول عبير: "هناك الكثير من المتسولين الذين يظهر عليهم عدم الرضا إذا قدمت لهم شيقلاً أو خمسة أو حتى عشرة شواقل، بل يصل الأمر إلى أن يطلقوا عبارات تهكمية ويطلبوا المزيد بشكل وقح".
يستغلون أمراضهم وأطفالهم
يعرب المواطن مجد صالح عن قلقه من انتشار ظاهرة التسول، خصوصًا بين أولئك الذين يستغلون حالاتهم الصحية أو أوضاع أطفالهم لكسب التعاطف وجمع الأموال.
ويشير صالح إلى أنه كثيرًا ما يشاهد متسولين يعانون من أمراض خطيرة أو إعاقة جسدية، مثل بتر القدم، وآخرين يجلسون طوال اليوم تحت أشعة الشمس الحارقة ومعهم أطفال مرضى، يطلبون المساعدة من المارة.
ويشدد صالح على أنه بالرغم من أن بعض هؤلاء المتسولين قد يكونون بحاجة فعلية إلى المساعدة، إلا أن هناك نسبة لا بأس بها منهم تستغل أمراضها أو أطفالها، مما يجعل من الصعب على الناس التمييز بين المحتاج الحقيقي والمحتال.
ويوضح صالح أن هذه الممارسات تؤدي إلى تراجع التعاطف والتكافل الاجتماعي، حيث يتردد الناس في تقديم المساعدة خوفًا من أن يتم استغلالهم، وهو ما يضر بالنسيج الاجتماعي ويضعف الثقة بين المواطنين.
ويؤكد صالح على ضرورة وضع خطة فعالة من قبل الجهات المختصة لمكافحة هذه الظاهرة المتزايدة، مشددًا على أن إنهاء هذه الممارسات المسيئة للشعب الفلسطيني يتطلب تدخلًا حكوميًا ومجتمعيًا، للحفاظ على روح التكافل والتعاطف التي طالما ميزت المجتمع الفلسطيني.
يوظفون معاناة غزة لكسب عطف الناس
يوضح المواطن سائد فريتخ أن ظاهرة التسول تتنوع بين فئتين: فئة تتخذ التسول كمهنة وفئة أخرى محتاجة فعلاً، وهو ما يجعل من الصعب التمييز بينهما.
ويشير فريتخ إلى أن المواطنين غالباً ما يجدون أنفسهم في موقف مخير، إما أن يقدموا المساعدة أو يمتنعوا عنها، لافتًا إلى أنه شخصيًا يفضل أن يعطي المحتاجين بناءً على نيته الحسنة، دون الحكم على المتسولين.
ويروى فريتخ حادثة حدثت معه مؤخراً، حيث اقترب منه رجل في الشارع يرتدي ملابس تبدو جديدة وليست قديمة، وادعى أن ابنه يرقد في المستشفى، طالباً منه مساعدة مالية بمقدار 50 شيكلاً، ووعد بإعادة المبلغ بعد بضع ساعات.
لكن، كما يروي فريتخ، مر شهر كامل دون أن يعود ذلك الشخص أو يعيد المال، مما أثار شكوكه حول مدى صدق المتسول وحاجته الحقيقية.
من جانب آخر، يشير سائد فريتخ إلى انتشار ظاهرة جديدة في التسول بعد الحرب على غزة، حيث لاحظ ازدياد عدد المتسولين الذين يدّعون أنهم من قطاع غزة، ويستخدمون أوضاع أبنائهم هناك لاستعطاف الناس وجمع الأموال.
ويوضح فريتخ أن الناس تدرك تماما ان هؤلاء الأشخاص كانوا يتسولون في المناطق نفسها حتى قبل اندلاع الحرب، وهو ما دفعه وأفراد المجتمع المحلي إلى الشك في صحة ادعاءاتهم، وانهم ليسوا من غزة.
يتقمصون شخصيات أسرى محررين
إبراهيم حمدان، مواطن من مدينة رام الله، يروي حادثة حدثت أمامه في أحد المحال التجارية بالمدينة، حيث اقترب شاب في أواخر الثلاثينات من عمره وطلب مساعدة مالية بحجة أنه أسير محرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي ومقطوع من المال ويريد العودة إلى عائلته في محافظة أخرى.
يقول إبراهيم: "إن صاحب المحل صديقي قرر منحه 20 شيقلاً، رغم أنه كان مقتنعاً أن الشاب ليس بحاجة حقيقية للمال".
ويشير إبراهيم إلى أن صديقه تحدث معه لاحقاً عن الأساليب التي يستخدمها بعض المتسولين للحصول على المال، "بعضهم يجوب الشوارع، يتصيد المارة بأساليب احتيال وانتحال شخصيات مختلفة للحصول على المال".
ومن بين تلك الأساليب بحسب ما يرويه ابراهيم عن صديقه، ادعاء البعض بأنهم أسرى محررون يعيشون أوضاعاً مالية صعبة بعد الافراج عنهم ويريدون العودة إلى عائلاتهم، أو أنهم من غزة ويأتون إلى الضفة الغربية لتلقي العلاج ولا يملكون المال.
ويشير إلى أن "هناك أيضاً من يدعي أنه عامل اعتقلته شرطة الاحتلال وألقت به عند أحد الحواجز دون مال، ويطلب مساعدة للعودة إلى عائلته في محافظة أخرى".
ويلفت إلى أن بعض عمال النظافة يستغلون ظروف عملهم الصعبة، ويلجؤون إلى طلب المال من المواطنين بدافع الشفقة والتعاطف معهم.
ويرى إبراهيم أن هذه الظاهرة تستدعي معالجة جذرية من خلال التوعية والرقابة لمنع انتشار مثل هذه الأساليب التي تهدد الثقة بين المواطنين والمحتاجين الحقيقيين.
ضرورة تغيير أسلوب تقديم المساعدات وأهمية زيادة الدخل
يعتقد المواطن علاء سالم أن هناك تزايداً ملحوظاً في ظاهرة التسول بعد أحداث السابع من أكتوبر، مشيراً إلى أن العديد من المواطنين دخلوا في دائرة الفقر، خصوصاً بعد الحرب التي اندلعت قبل نحو عام، والتي تسببت في فقدان الكثيرين لوظائفهم وأعمالهم، داعيا الى اهمية إعادة النظر ودراسة زيادة الاجور في ظل غلاء المعيشة.
ويقول سالم: "التسول ظاهرة غريبة، لكنها آخذة في التزايد بشكل واضح، فالكثيرون باتوا عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية بعد أن فقدوا مصادر دخلهم، رغم ذلك فإن التسول امر غير مبرر ومنبوذ".
ويرى سالم أن المؤسسات الرسمية والأهلية التي تعنى برعاية الفقراء والمحتاجين بحاجة إلى إعادة النظر في أساليبها لتقديم المساعدة.
ويقول سالم: "البعض قد يلجأ للتسول لأن المساعدات التي تقدمها تلك المؤسسات لا تفي بالحاجة، فهي شحيحة جداً ولا توفر حلاً كافياً للمشكلات الاقتصادية التي يواجهها الناس".
ويطالب سالم بضرورة إيجاد حلول أكثر فاعلية، سواء من خلال تحسين برامج الدعم الاجتماعي أو تقديم مساعدات مستدامة او تنموية توفر حلولاً طويلة الأمد للفقراء بدلاً من اضطرارهم إلى اللجوء لأساليب مثل التسول للحصول على ما يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، رغم أنه غير مبرر، لكنه قد يصبح ملاذاً أخيراً لبعض العائلات في ظل غياب الدعم الكافي.
هكذا أُلقي القبض على متسولة لديها سيارتان
يوضح المتحدث باسم الشرطة العقيد لؤي ارزيقات، كيفية إلقاء القبض على متسولة في مدينة رام الله، قبل اشهر، حيث تبيّن أنها تمتلك سيارتين فارهتين.
ويؤكد العقيد أن عملية القبض جاءت بعد أيام من التحري والبحث، وذلك عقب انتشار مقطع فيديو يُظهر السيدة وهي تتسول في الشارع، ثم تتوجه إلى سيارتها الفارهة وتغادر بها.
ويقول العقيد ارزيقات: "كان لا بد من متابعة هذه المرأة لمعرفة طبيعة نشاطها، وبعد إحضارها والتعرف على هويتها وشخصيتها، تم التوجه إلى منزلها حيث تبين أنها تمتهن التسول من أجل تحسين مستوى معيشتها، وخلال التفتيش، ضبطنا معها سيارتين فارهتين".
ويؤكد ارزيقات أن الشرطة تقوم بجهود مستمرة لمكافحة ظاهرة التسول، حيث يتم بشكل يومي إحضار متسولين، سواء أكانوا أطفالاً، أم نساءً، أم رجالاً، بعضهم يتظاهرون بأنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة أو بحاجة ماسة للمال.
ويشير ارزيقات إلى أن الظاهرة لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تشمل أحياناً شبكات منظمة، ويوضح "قبل عدة أشهر، ألقينا القبض على شقيقين كانا يديران شبكة تسول تشمل أطفالاً ونساء، وتبين أنهما يمتلكان العديد من المركبات والشقق في رام الله، وهما من خارج المدينة".
ويؤكد ارزيقات أن هناك حالات مشابهة في مناطق أخرى، حيث تبيّن أن التسول أصبح لدى البعض مهنة لجمع أموال طائلة.
ويرى العقيد ارزيقات أن القانون الحالي لمكافحة التسول ضعيف وبحاجة إلى تحديث، ويقول: "القانون بحاجة إلى تعديل، سواء بقرار بقانون أو إجراءات أخرى، من أجل تمكين القضاة من اتخاذ عقوبات رادعة بحق المتسولين ومن يمتهنون التسول لبناء ثروات على حساب الآخرين".
التسول الإلكتروني الاحتيالي
بالإضافة إلى التسول التقليدي، يشير العقيد ارزيقات إلى وجود ما يسمى بـ"التسول الإلكتروني"، وهو شكل من أشكال الاحتيال المالي عبر الإنترنت.
ويقول ارزيقات: "بعض الأشخاص يستخدمون الإعلانات الممولة مستندة إلى الشعارات المرتبطة بالبنوك والشركات الكبرى، أو حتى بعض المشاهير، ليدعوا أنهم بحاجة إلى المال وهم في الواقع يقومون بالنصب والاحتيال".
ويلفت العقيد ارزيقات إلى أن هناك فئة من المتسولين قد تكون فعلاً بحاجة إلى مساعدة، لكنه يؤكد أن ذلك لا يبرر التسول، خاصة مع وجود مؤسسات وجهات رسمية تعنى برعاية المحتاجين.
التوعية المهمة
ويوضح ارزيقات أن الشرطة تعمل بشكل مستمر على مكافحة التسول من خلال التوعية والإرشاد، ويقول: "نحن نعمل مع العديد من الشركاء، مثل إدارة حماية الأسرة والأحداث، ووزارة التنمية، ووزارة الصحة، وشبكات حماية الطفولة، لتنفيذ ورش عمل وجولات توعوية مع أولياء الأمور والمجتمع، للتصدي لظاهرة التسول ومنع استغلال الأطفال في عمليات البيع والتسول، والتي قد تتطور إلى جرائم أخرى".
ويشدد العقيد ارزيقات على أهمية دور الإعلام في نشر التوعية بين أفراد المجتمع، مؤكداً: "نأمل أن نتمكن من تحقيق إنجازات ملموسة للحد من ظاهرة التسول، وإيجاد حلول جذرية للتعامل معها".
أهمية تشكيل لجنة لمحاربة ظاهرة التسول
يدعو رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية د.محمد العبوشي إلى اتخاذ خطوات جدية وعملية لمحاربة ظاهرة التسول التي باتت تشكل تحديًا متزايدًا في المجتمع الفلسطيني.
ويؤكد العبوشي أن الحل يكمن في تشكيل لجنة خاصة تضم جميع الجهات المختصة للتعامل مع هذه الظاهرة بشكل فعال.
ويشدد العبوشي على أهمية تفعيل "صندوق الرعاية والحماية" لضمان تقديم المساعدات اللازمة لمن يستحقها بالفعل، مطالبًا وزارة التنمية الاجتماعية بتحمل مسؤولياتها الكاملة تجاه ذلك.
ويشير إلى ضرورة أن تقوم وزارة الداخلية بدور أكبر في منع انتشار ظاهرة التسول في الشوارع والأماكن العامة، مؤكداً أهمية تفعيل نظام الحماية الاجتماعية بشكل واضح.
ويلفت العبوشي إلى أن القوانين الحالية قد تحتاج إلى تعديل لتتماشى مع متطلبات مكافحة هذه الظاهرة بفعالية أكبر، كما ان مواجهة ظاهرة التسول تتطلب تعاونًا مجتمعيًا ومؤسساتيًا شاملاً.
من يلجأ للتسول دون مبرر يعاقب في الدنيا والآخرة
يوضح نائب المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية ومفتي محافظة رام الله والبيرة الشيخ إبراهيم عوض الله أن التسول، بمعناه الشامل، هو طلب المساعدة المالية من الآخرين، سواء أكان ذلك لحاجة مشروعة أم لا، ومن الناحية الدينية والأخلاقية والمجتمعية، يجب أن لا يلجأ أي شخص لهذا الأسلوب لجمع المال إلا في حالات الضرورة القصوى، وهناك أحاديث نبوية وآيات قرآنية تتحدث عن ذلك.
ويشير عوض الله إلى أن التسول لغير حاجة ماسة يعد من المحرمات، وأن من يلجأ إليه دون مبرر سيعاقب في الدنيا والآخرة.
ويوضح الشيخ عوض الله أن الإسلام حث على الاستعفاف والبحث عن العمل الذي يغني الإنسان عن طلب المساعدة من الآخرين، مؤكداً على أهمية السعي لكسب الرزق بشرف وكرامة.
ويؤكد عوض أن الإسلام أعطى اهتماماً بالغاً لسد حاجات الفقراء والمساكين، حيث فرض الزكاة وجعلها من أركان الإسلام الخمسة، وحدد مصارفها لتشمل الفقراء والمحتاجين، وحث على الصدقات الأخرى، مشيراً إلى أن الإسلام يشجع على إخفاء الصدقة لصون كرامة المنتفعين.
أهمية التمييز بين المتسول والمحتاج
وفيما يتعلق بموقف الناس من ظاهرة التسول، يشدد الشيخ عوض الله على أهمية التفريق بين المتسولين المحتاجين والممتهنين للتسول، مشيراً إلى ضرورة تجنب التعامل بغلظة مع المتسولين من حيث المبدأ الى جانب متابعة الذين يتسولون دون حاجة ومعاقبتهم من قبل الجهات المسؤولة.
ويدعو عوض الله الجهات المسؤولة في المجتمع، مثل الشرطة والشؤون الاجتماعية، إلى متابعة ظاهرة التسول والعمل على توفير سبل كريمة للمحتاجين الحقيقيين، لتجنب استغلالهم أو تعرضهم للظلم.
ويشير عوض الله إلى أن ظاهرة التسول موجودة في أنحاء شتى من العالم، بين المسلمين وغيرهم، لكن المتحضرين من الناس يجدون لها حلولاً جذرية، بالعمل على الحد من الفقر وسد حاجات الفقراء والمحتاجين، بوسائل وأساليب كريمة وناجعة، والإسلام أولى سد حاجات الفقراء والمساكين عناية فائقة، ففرض الزكاة وجعلها من أركان الإسلام الخمسة، وحدد من مصارفها الرئيسة الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين، وحث على الصدقات الأخرى، بل جعل بعضها فرضاً يؤدى لصالح هذه الشريحة من الناس، كصدقة الفطر، وكفارات الأيمان والظهار، ومن عناية الإسلام بحفظ كرامة المنتفعين من الزكاة والصدقات، تشجيعه على سترها.
الإسلام حذر من عواقب التسول..
ويؤكد الشيخ عوض الله أن الإسلام حذر من عواقب الجشع والطمع، داعياً إلى الحذر من استغلال عواطف الناس لتحقيق مكاسب غير مشروعة، فيما يؤكد أهمية التوبة من ذلك الذنب والرجوع إلى الله.
ويشدد عوض الله على أن التسول سلوك غير سوي إن لم يكن للقائمين به حاجة ماسة إليه، وانحصر قضاؤها به، وأن على الجهات المسؤولة في المجتمع مكافحته بالأساليب والوسائل التي تضع حداً لمستغلي عاطفة الناس وخاصة الدينية والإنسانية، حتى لا يقع في حبال الحيل والخداع أبرياء يقصدون المساعدة لمد اليد للمحتاجين، فيضعون نفقاتهم وصدقاتهم عند محتالين.
الضغوط النفسية والاجتماعية قد تدفع إلى التسول
توضح مديرة الصحة النفسية في وزارة الصحة د.سماح جبر أن تكسير حاجز الخجل واللجوء إلى التسول يمكن أن يكون نتيجة مباشرة لتراكم ضغوط نفسية واجتماعية شديدة.
وتشير جبر إلى أن هذه الضغوط قد تشمل الفقر المدقع، فقدان العمل، أو عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية للعائلة، مما يدفع الإنسان إلى مرحلة يصبح فيها الحفاظ على الكرامة أقل أهمية من البقاء.
التسول يعزز الوصمة الاجتماعية
من الناحية النفسية، توضح د. سماح جبر أن التسول يولد مشاعر قوية من العار، والذنب، وانعدام القيمة، ما يؤدي إلى آثار نفسية سلبية مثل الاكتئاب والقلق وفقدان الثقة بالنفس، كما أن التسول يمكن أن يعزز الوصمة الاجتماعية، مما يؤدي إلى انعزال المتسول عن مجتمعه وزيادة شعوره بالاغتراب والإقصاء.
وفيما يتعلق بالأثر الاجتماعي للتسول، تبين جبر أن العائلات قد تعاني من مشاعر الخجل إذا أصبح أحد أفرادها متسولًا، ما يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية وقد يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية، كما أن انتشار ظاهرة التسول على نطاق واسع يمكن أن يخلق شعورًا بعدم الأمان داخل المجتمع، ويؤدي إلى تدهور الثقة بين أفراده.
التبلد العاطفي..
وتتطرق د. جبر إلى ظاهرة "التكيف العاطفي" أو التبلد العاطفي كآلية دفاع نفسية تظهر لدى المتسولين في مواجهة الإهانات والإحراج، موضحة أن الضغوط النفسية والاجتماعية المستمرة قد تدفع الإنسان إلى فقدان حساسيته تجاه هذه المواقف المؤلمة، كوسيلة لحماية نفسه.
وتشير جبر إلى أن التسول قد يكون مصحوباً بحالة من الاستسلام واليأس، حيث يدرك المتسول أن المواقف المحرجة هي جزء من واقعه اليومي، مما يقلل من تأثيرها عليه بمرور الوقت.
وتنوه جبر إلى أن التعرض المستمر لمواقف التسول يمكن أن يؤدي إلى "تبلد الوجدان" لدى بعض المواطنين، حيث يصبحون أقل حساسية تجاه مشاهد الفقر والمعاناة، ما يزيد من مشاعر الانفصال بين أفراد المجتمع ويؤثر سلبًا على التماسك الاجتماعي.
هكذا نتعامل مع المتسولين
وفيما يتعلق بكيفية التعامل مع المتسولين، تشدد جبر على ضرورة التوازن بين الرحمة والحكمة، فيما توصي بالتعاطف مع المتسولين ومعاملتهم بكرامة واحترام، مع تجنب تقديم المال مباشرة لهم، مشيرة إلى أنه من الأفضل تقديم المساعدة بطرق أخرى، مثل شراء الطعام أو توجيههم إلى المؤسسات التي تقدم الدعم الاجتماعي.
وتؤكد جبر على أهمية المساهمة في حلول طويلة الأمد من خلال دعم المشاريع والجمعيات التي تعمل على القضاء على جذور الفقر والتسول.
بعضهم يعاني اضطرابات نفسية
وتلفت جبر إلى أن بعض المتسولين قد يعانون من اضطرابات نفسية مثل الفصام والإدمان، ما يجعلهم غير قادرين على العمل أو الاندماج في المجتمع، مؤكدة على مسؤولية الحكومة والمؤسسات المختلفة في تقديم الخدمات اللازمة لمعالجة هذه الاضطرابات ودعم الأفراد المتأثرين بها.
وتشدد جبر على ضرورة تعزيز التكافل الاجتماعي والعمل الجماعي في المجتمع الفلسطيني لمواجهة ظاهرة التسول، مشيرة إلى أن المبادئ الإسلامية مثل الزكاة والصدقات ورعاية الأيتام تلعب دوراً أساسياً في تقوية التماسك الاجتماعي والتكافل والحد من ظاهرة التسول.
دلالات
الأكثر تعليقاً
الأجهزة الأمنية تعلن بدء حملة لبسط القانون في مخيم جنين
خداع ففرار... الأسد قال لمساعديه إنه ذاهب لمنزله لكنه توجه للمطار
نتنياهو يشدد المراقبة لمنع نشر تفاصيل "صفقة غزة"
لتقييد حركة المواطنين: الاحتلال يعتزم نشر منظومات إطلاق نار آلية في الضفة
استشهاد مصور قناة الجزيرة أحمد اللوح في قصف إسرائيلي على غزة
أونروا تحذّر من معاناة الأطفال في غزة بسبب سوء التغذية
مقبرة جماعية في سوريا تحوي 100 ألف جثة على الأقل
الأكثر قراءة
البيان الختامي لاجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا
إسرائيل تبحث عن رفات الجاسوس إيلي كوهين في سوريا
هل تندرج في إطار الضغوط المرتقبة؟.. ما الحلول الأُخرى التي يُفضلها ترمب غير "حل الدولتين"؟
رغم "النبرة المعتدلة".. الجولاني يقلق إسرائيل
"القدس" ترصد حكايا وقصص المواطنين مع المتسولين... متسوّلون يجوبون الطرقات ويغزون الفضاء الإلكتروني
الأجهزة الأمنية تعلن بدء حملة لبسط القانون في مخيم جنين
تفاصيل جديدة بشأن صفقة إسرائيل وحماس.. 5 نقاط رئيسية
أسعار العملات
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:06 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.59
شراء 3.58
دينار / شيكل
بيع 5.06
شراء 5.04
يورو / شيكل
بيع 3.6
شراء 3.66
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%56
%44
(مجموع المصوتين 254)
شارك برأيك
"القدس" ترصد حكايا وقصص المواطنين مع المتسولين... متسوّلون يجوبون الطرقات ويغزون الفضاء الإلكتروني