أقلام وأراء
الخميس 28 نوفمبر 2024 9:25 صباحًا - بتوقيت القدس
خطورة تماهي ما يجري بالشرق الأوسط ووسط أوروبا
تشهد المنطقة العربية التي سماها الأمريكان بالشرق الأوسط قبل عقود وأوروبا الشرقية صراعات تُبرز تحوّلاً خطيراً في الاستراتيجيات الغربية الأنجلو ساكسونية، بقيادة الولايات المتحدة، التي تسعى لإضعاف الحضارتين العربية والشرقية من خلال أدواتها المختلفة، أبرزها إسرائيل في الشرق الأوسط وأوكرانيا في أوروبا الشرقية، ومحاولاتها السيطرة على تلك المنطقتين لاعتبارات جيوسياسية واقتصادية هامة أيضاً.
لقد مثّلت نشأة إسرائيل مشروعاً استراتيجياً للغرب، بل وخط دفاع أمامي لحماية أوروبا لتحقيق أهداف استعمارية في المنطقة العربية وما أبعد أيضاً في مناطق البلقان وأفريقيا وباليد الطولى بأمريكا اللاتينية. وقد ظهر ذلك بوضوح سابقاً، ومن خلال ما ينفذ منذ عقود وبالأحداث الأخيرة بغزة وحتى بالضفة بما فيها القدس، وما يجري بحق لبنان اليوم، حيث تتبع إسرائيل سياسة تهدف إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهويد، بدعم وشراكة أميركية كاملة. هذه السياسة ليست مجرد تصعيد عسكري، بل هي استكمال لدور إسرائيل كأداة لضرب مقومات الحضارة العربية ولمنع نشوء فكر قومي عربي مقاوم لمشاريعها، سواء عبر تهجير الفلسطينيين أو تدمير بنيتهم التحتية وهو ما يجري اليوم بحق لبنان أيضاً كما يمكن أن يجري بحق شعوب أخرى عربية وفق ما يجري من الحديث عن خطط التوسع من خلال رؤية إسرائيل الكبرى والتي هي إحدى مكونات الشرق الأوسط الجديد بالمفهوم الأمريكي المتوافق مع الرؤية المسيانية والمسيحية الصهيونية والفوقية القومية البيضاء بالولايات المتحدة والآخذة بالانتشار في بعض مفاصل أوروبية من خلال اليمين الشعبوي المتطرف فيها.
مؤخراً انحازت الإدارة الأميركية النيوليبرالية المتوحشة بقيادة جو بايدن، بشكل مطلق إلى إسرائيل سنداً لمحددات الشراكة الاستراتيجية معها، متجاهلة كل الدعوات الدولية لوقف العدوان الإبادي. وهي ما زالت تعمل على تعزيز الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، ما يرسّخ دورها كمشروع استيطاني يهدف إلى تقويض أي نهضة عربية وإلى تصفية الحقوق السياسية لشعبنا الفلسطيني أولاً، وهو أمر سيتصاعد أكثر مع قدوم ترامب الديني القومي الأبيض إلى البيت الأبيض بعد قرابة الشهرين.
في المقابل، تُستخدم أوكرانيا كنقطة انطلاق لمحاصرة روسيا والصين، القوتين الرئيستين في الحضارة الشرقية وهي مسألة تعتمد على نظرية مستشار الأمن القومي الأمريكي في نهاية السبعينيات ديبيغيو بريجنسكي حول المكانة الاستراتيجية القصوى لمركز أوراسيا للسيطرة على أوروبا ومنها على العالم، وهو بالمناسبة قد حذر في آخر أيام حياته عام ٢٠١٦ من اقتراب المراحل الأخيرة للهيمنة الأمريكية على العالم نتيجة أخطاء فادحة في مسيرة سياساتها الخارجية. فمنذ اندلاع الحرب بالوكالة بل والانقلاب في أوكرانيا الذي دعمته المخابرات المركزية الأمريكية عام ٢٠١٤، وعودة نشوء القوى النازية هناك، سعت الولايات المتحدة إلى البناء على ذلك من خلال شق الكنيسة الأرثوذكسية هناك، وتعزيز تلك القوى لاستنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً، مع تعزيز دور حلف الناتو في وجهها ووجه الصين من جهة أخرى. الهدف الاستراتيجي الأميركي واضح وهو منع نشوء أي نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يعارض الهيمنة الغربية.
التشابه بين القضيتين الفلسطينية والأوكرانية يكمن في النهج الغربي القائم على استغلال الحروب والصراعات وتصاعد الفكر القومي الفاشي اليميني لفرض رؤيته. فالولايات المتحدة تستخدم إسرائيل وأوكرانيا كخطوط مواجهة لإضعاف الحضارة العربية بمكوناتها الإسلامية والمسيحية المشرقية والحضارة الشرقية عموماً بمكوناتها المتعددة، وهو ما يُظهر تلاقي المصالح الغربية ضد أي مشروع ينافسها حضارياً أو سياسياً واقتصادياً بل واجتماعياً.
إن استمرار هذه السياسات يهدد بِجر العالم اليوم نحو صراعات أكبر، قد تصل إلى حرب عالمية ثالثة أو نزاعات تستخدم فيها الأسلحة النووية المحدودة، وهذا التهديد هو ما دفع بوتين لإعلان العقيدة الروسية الجديدة بالخصوص بعد سماح الغرب لأوكرانيا باستخدام الصواريخ المتطورة ضد أهداف في عمق روسيا. فتصعيد الجرائم في غزة وإعلان نوايا ضم أراضي الضفة الغربية الفلسطينية إلى إسرائيل، وتوسيع الحرب العدوانية ضد إيران ولبنان وضرب اليمن، يُنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأسرها. كما أن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل يزيد من عزلة واشنطن ويضعف مصداقيتها في العالم خاصة اليوم بعد التصاعد الكبير لحجم التضامن مع شعبنا الفلسطيني خاصة بعد الانكشاف الواضح من خلال الإعلام السريع اليومي لطبيعة إسرائيل للبعض المتردد بالغرب، وصدور تصريحات جريئة من بعض المسؤولين الأوروبيين مثل جوزيف بوريل كما وممثلي التيار التقدمي اليساري بالولايات المتحدة، وقرارات المقاطعة وحظر الأسلحة، والآن بعد صدور الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية بخصوص الاحتلال وأوامر الاعتقال لنتنياهو وغالانت باعتبارهما مجرميّ حرب من المحكمة الجنائية الدولية، واستعداد العديد من الدول لتنفيذ تلك المذكرات، رغم معارضة أمريكيا وإسرائيل لذلك واتهام هذه المؤسسات الأممية بمعاداة السامية كما جرت العادة بحق كل من يختلف مع سياساتهم الإجرامية، علما أن الصهيونية هي منهج عقائدي معادٍ للسامية أساساً، كما وصفها لينين مؤسس الاتحاد السوفيتي في حينه، الأمر الذي كرر مضمونه بوتين الذي شرع قوانين تحد من حركة منظماتهم والوكالة اليهودية بروسيا بالفترة الأخيرة.
على الجانب الآخر، تُظهر روسيا والصين مزيداً من التنسيق لمواجهة السياسات الأميركية. هذا التقارب يُبرز معالم نظام عالمي جديد يتحدى التفرد الأميركي، ما سيعيد رسم الخريطة السياسية والاقتصادية الدولية.
في ظل هذا التصعيد الأرعن، تبرز أهمية صياغة استراتيجية عربية موحدة بمبادرات فلسطينية بالشراكة مع دول إسلامية بالمنطقة لمواجهة التحديات. على الدول العربية أن تدرك أن الصراع مع إسرائيل ليس مجرد نزاع حدودي، بل هو معركة وجودية تتطلب توحيد الجهود لمواجهة المشروع الصهيوني الذي ينفذه الغرب الاستعماري بما فيه دولة الاحتلال والأبارتهايد "اسرائيل" ووعياً وبرنامجاً أوضح وأكثر جرأة للتصدي لمخاطره الجارية والقادمة. كما يجب تعزيز الشراكات مع القوى الشرقية كروسيا والصين وحلفائهما بالتكتلات الناشئة وكافة أصدقاء شعبنا من الدول المختلفة بآسيا، أفريقيا وأمريكيا اللاتينية، وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، بل وكل القوى الشعبية والتقدمية فيها، لضمان التوازن في النظام الدولي الجديد وضمان أن يكون أكثر عدالة واعتباراً لقضايا الشعوب وحقوقها وسلامة حضاراتها الإنسانية.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
غزة تبقى الوجع الأكبر
حديث القدس
اتفاق غير نهائي
حمادة فراعنة
هدأت جبهة الشمال فماذا عن الجنوب؟
بهاء رحال
تزوير جغرافيـة فلسـطين التاريخيـة !!
نبهان خريشـة
أي شرق نريد؟
عبد الله جناحي
كيف يمكن لبايدن إنقاذ السلام في الشرق الأوسط - وإرثه
Translation for "Alquds" dot com
وهم ترامب لدى إسرائيل: لماذا من غير المرجح أن تنجح طموحات نتنياهو لإعادة تشكيل الشرق الأوسط
Translation by "Alquds" dot com
دعم الصين الثابت للشعب الفلسطيني في ظل القتال والأزمة الإنسانية
بقلم السفير تسنغ جيشين مدير مكتب جمهورية الصين الشعبية لدى دولة فلسطين
إرادة لبنان
حديث القدس
رغم الهدنة السراب مع لبنان.. كلنا نحو الشر المستطير
حمدي فراج
صراع الأجيال.. من أسباب الضغوط النفسيّة والاضطرابات السلوكية
غسان عبد الله
مبادرة فتحاوية
حمادة فراعنة
وتستمر الحرب على غزة!
حديث القدس
هل ستسود العدالة في فلسطين حقاً؟!
جمال زقوت
"العداء للسَاميّة "واحتكار "صورة الضحيّة" نحن العرب ساميّون بامتياز فلماذا نُتّهم بالعداء للسامية؟
المتوكل طه
لجنة إسناد أم تشكيل جديد يعمّق الانقسام؟
هاني المصري
يا رب أوقف شتاءك على غزة
بهاء رحال
احتدام الصراع الدولي
حمادة فراعنة
الشتاء.. فصل من المعاناة في غزة
حديث القدس
أي شرق نريد؟
إياد البرغوثي
الأكثر تعليقاً
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
أي شرق نريد؟
الإمارات تكشف هوية المشتبه بهم بقتل الحاخام كوغان
القنصل الدبلوماسي في المكتب الأمريكي للشؤون الفلسطينية كاريسا غونزالز لـ"القدس": الطلاب الفلسطينيون الذين يدرسون في أمريكا يصبحون سفراء لثقافتهم ويبنون جسوراً بين الشعبين
مجلس الوزراء يصادق على التعاقد مع منظمة الصحة العالمية لإدخال مستلزمات طبية طارئة إلى مستشفيات غزة
الأورومتوسطي: تل أبيب تمنع إدخال الملابس والأغطية رغم البرد القارس في غزة
الأكثر قراءة
مهّدت له الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.."بسط السيادة" على الضفة.. أوهام التوسع والسيطرة
شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد
الرئيس يصدر إعلانا دستوريا بتولي رئيس المجلس الوطني مهام رئيس السلطة الفلسطينية حال شغور المركز
الشاباك ومصلحة السجون: هناك خطورة من زيارة الطيبي للأسير مروان برغوثي ونعارضها بشدة
الحكومة الإسرائيلية توافق على قطع العلاقات مع صحيفة "هآرتس"
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
أي شرق نريد؟
أسعار العملات
الأربعاء 27 نوفمبر 2024 10:27 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.64
شراء 3.63
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.12
يورو / شيكل
بيع 3.83
شراء 3.8
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 129)
شارك برأيك
خطورة تماهي ما يجري بالشرق الأوسط ووسط أوروبا