أقلام وأراء
الخميس 17 أكتوبر 2024 11:11 صباحًا - بتوقيت القدس
بين التصعيد والتهدئة.. التحديات والفرص في مواجهة التطورات الإقليمية
في أيلول من العام الماضي ٢٠٢٣، وقف بنيامين نتنياهو من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ليعرض رؤيته للشرق الأوسط الجديد، محاولًا رسم ملامح مستقبل المنطقة دون أن يكون لفلسطين أي وجود في خريطته. مشيراً إلى مشاريع طاقة وشبكات نقل تربط إسرائيل بالدول العربية والأوربية. كان نتنياهو يسعى لتسويق ما أسماه بالتعاون مع الأمريكان بالسلام الاقتصادي، متجاهلًا القضية الفلسطينية التي تمثل جوهر الصراع في المنطقة والحقوق السياسية غير القابلة للتصرف. جاءت محاولاته في إطار "اتفاقيات إبراهام" التي أبرمت مع بعض الدول العربية، والتي استهدفت تجاوز القضية الفلسطينية ضمن رؤية الرئيس الأمريكي السابق ترامب الذي ينتظر عودته مجددا للبيت الابيض . ولم يُظهر جو بايدن لاحقا أي تغيير في هذا الاتجاه ، بل سعى لتدعيم هذه الاتفاقيات ومحاولة إبرام صفقة السلام السعودية الاسرائيلية، متجاهلاً حقوق الفلسطينيين ومؤكداً بذلك على أن السلام بين العرب وإسرائيل يمكن تحقيقه دونهم وبتجاوز شعبنا، وليخدم رؤيته الصهيونية في إقامة وتنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى".
ومع ذلك، فقد جاء هجوم يوم السابع من أكتوبر بما له وما عليه من وجهات نظر مختلفة يتوجب تقييمها لاحقا، كصدمة لإسرائيل والمجتمع الدولي وحتى لنا، والذي هُزمت به نظريات التفوق الإسرائيلي والجيش الذي لا يقهر، وكشف عن ثغرات قائمة ودفع إلى تصعيد أزمات اقتصادية وسياسية بالمجتمع الإسرائيلي، دفعت إسرائيل نحو حرب مفتوحة على عدة جبهات، ربما كانت تخطط لها سابقاً، لتنفيذ ملامح تلك الخريطة لنتنياهو والتي كان الرئيس المؤسس ياسر عرفات قد حذر منها بالقمة العربية في بغداد في وقت سابق. بعد عام من حرب الاقتلاع العرقي والعدوان العسكري المجنون، استمرت إسرائيل في الإبادة والحرق وتدمير البنية التحتية الفلسطينية بل وكل شيء، ما أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا.
كانت الفظائع المرتكبة كفيلة بأن تهز الرأي العام العالمي، ما أثار موجات من الاحتجاجات في العديد من الدول العربية والعالمية ومنها قوى يهودية معادية للصهيونية، دعت إلى مقاطعة دولة الاحتلال وعزلها، وتوجيهها نحو قفص العدالة الدولية.
وبينما تتزايد الجرائم الإسرائيلية في غزة خلال الايام الماضية لتنفيذ خطة الجنرالات بشمال القطاع وتكريس إعادة الاحتلال بأشكال جديدة مبتكرة.
تصاعدت بالضفة الغربية بما فيها القدس سياسة الاستيطان والأبرتهايد، وتم اقتحام المخيمات والقرى والمدن، ما أدى إلى تدمير الحياة اليومية للفلسطينيين. فجعلت هذه السياسات من السلطة الوطنية سلطة بلا سلطة وبلا مال، حيث تم إضعافها اقتصادياً واجتماعياً ما أثر على مكانتها في أوساط شعبنا، وزاد من الفجوة القائمة بالعلاقة التشاركية ومفهوم المواطنة بين شعبنا والقيادة على إثر تداعيات الانقلاب بداية ومن ثم الانقسام وغياب الانتخابات التشريعية المفترضة، ووضوح فصل السلطات إضافة إلى غياب واضح للمسوؤلية العربية والتضامن المفترض أساساً وفق مشروع قومي عربي موحد لا وجود له واقعاً واساساً، في وقت قطعت عدد من الدول وعلى وجه التحديد اللاتينية منها علاقاتها بدولة الاحتلال، واتخذ البعض الآخر قرارات بحظر تصدير الأسلحة ومنع مشاركتها في لقاءات وفعاليات دولية نتيجة الضغوط الشعبية المتزايدة في عدد من الدول الأوروبية.
في خضم هذا الواقع، بدأت المقاومة اللبنانية في تصعيد عملياتها ضد إسرائيل تضامناً ودعماً لشعبنا. لقد نفذت المقاومة هجمات مؤثرة، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف القوات الإسرائيلية والمستوطنين ودخول الملايين إلى الملاجئ لأول مرة. من الواضح أن المقاومة اللبنانية تسعى لرفع كلفة الاحتلال من خلال عمليات نوعية متصاعدة وفق قاعدة التعامل بالمثل تستهدف أساساً مواقع عسكرية للاحتلال، ما قد يساهم في إحداث تغيير في السياسات الإسرائيلية وإعادة النظر في جدوى التصعيد.
وفي قطاع غزة، ورغم تغير سيكولوجية الناس إثر حجم الإجرام الإسرائيلي المتواصل وما لحقها، وما لحق المقاومة إثر ذلك ومن محاولات القضاء عليها رغم عدم التمكن النسبي لإسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة كافة، بقيت جيوب من خلايا المقاومة تعمل وفق عقيدة حرب العصابات لمحاولة إنزال الخسائر في صفوف عسكر الاحتلال دون إمدادات كما حصل مع حركات تحرر ومقاومة في دول أخرى من العالم حققت انتصاراتها. إلا أن العديد من مظاهر الفوضى وعدم الالتزام قد بدأت تظهر في الشوارع، الأمر الذي يجب أن يدفع الكل الوطني لتجاوز أية خلافات حول شعارات وهمية أطلقها الأمريكان بخصوص ما سمي باليوم التالي بعد تعيين حاكم عسكري ومدني لقطاع غزة في إشارة لنوايا إبقاء الاحتلال وإعادة الاستيطان ربما بعد تقسيم القطاع، وضرورة أن يصل الكل الفلسطيني الوطني لرؤية من التوافق لحماية ما تبقى من شعبنا الصامد هنالك وتمكينه من الصمود الذي تحاول بعض العصابات المنتفعة الإضرار به في ظل الاحتلال الذي يجب أن ينتهي بشكل كامل ليتم التمكن لاحقاً من إعادة الإعمار.
وهنا أشير إلى مقولة هنري كيسنجر بالرغم من أنه ثعلب الدبلوماسية الأمريكية الماكر الذي قال "طالما أن الجيش التكتيكي النظامي لم ينتصر فهو يخسر، وطالما لم تنتصر حركات المقاومة فإنها لا تخسر".
فالمقاومة يجب أن تكون غير مغامرة دون حسابات، فالمطلوب منها إلحاق الضرر والخسائر والتأثير في مجتمع دولة الاحتلال لأحداث تغيير من خلال رفع كلفته، كما وحماية شعبها من الأضرار وضمان استمرار حضانته الشعبية لها.
في هذا السياق، تتزايد التهديدات الإسرائيلية تجاه إيران، كقوة إقليمية رئيسية تسعى لأن تكون لاعباً هاماً في الساحة الدولية في إطار تحالفاتها مع روسيا والصين وبجانب منها مع تركيا وفي إطار تجمع البريكس. يأتي ذلك في ظل تعزيز التعاون الاستراتيجي المستدام السياسي والعسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة مقابل الدعم الروسي لايران بأنظمة دفاع متقدمة وبرامج مساعدة بواسطة الاقمار الصناعية الصينية والروسية لتوجية الصواريخ الحديثة، ما قد يقلب موازين القوة والردع في المنطقة بما يؤدي إلى التفكير ملياً بفكرة توسعة الحرب لتكون إقليمية ولربما أوسع نظراً لأسباب عدة أخرى من أهمها الآن حرص الإدارة الأمريكية الحالية على الفوز بالانتخابات والتداعيات الاقتصادية على مكانة الدولار والمعابر والطرق الملاحية وتأثيرها على عجلة الاقتصاد العالمي من جهة، واهتمام الولايات المتحدة بأولويات أخرى في وسط أوروبا وبحر الصين وأمريكيا اللاتينية لضمان استمرار هيمنتها وتحدي التمدد الصيني والروسي رغم أهمية الشرق الأوسط لها منذ الإنزال العسكري لها في لبنان عام ١٩٥٧ وما تبع ذلك لاحقاً.
على الرغم من التحديات الصعبة غير المسبوقة في تاريخ كفاحنا الوطني، يبقى شعبنا الفلسطيني متمسكاً بحقوقه ومطلق الحرص دون تكرار تجربة الماضي من الهجرة زمن جريمة النكبة الأولى، حيث يسعى شعبنا الفلسطيني بمكوناته المتعددة لمحاولات بناء استراتيجية مقاومة تستند إلى التضامن الدولي والحراك الدبلوماسي في المنظمات الدولية لفرض مزيد من العزلة على إسرائيل كدولة مارقة فوق القانون الدولي.
لقد أظهرت الحركات الشعبية الدولية وحتى عدد من الحكومات المترددة سابقاً بالعالم دعماً متزايداً للقضية الفلسطينية، ما يعكس رغبة العالم في رؤية تغيير حقيقي في سياسات الاحتلال نحو الوصول إلى وقف لإطلاق النار تتبعه محاولة إيجاد مسار سياسي يفضي إلى معالجات جذر المشكلة بمنطقتنا.
قد تؤدي عقلية نتنياهو اليمينية المتطرفة المسيانية - الجابوتنسكية إلى جر المنطقة نحو صراعات جديدة، لكن من المستبعد أن تنجح في فرض رؤيتها للشرق الأوسط الجديد، وتنفيذ الاسم الآخر له "إسرائيل الكبرى". إن المعادلات تتغير، والقوى الإقليمية تعيد تشكيل موازينها في آليات الردع، ما يفتح المجال أمام مقاومة لبنانية وفلسطينية قوية تستند إلى حضانة الجماهير بأشكال متجددة. وعلينا نحن الفلسطينيين تعزيز حركتنا الوطنية على أسس ديمقراطية تشاركية في إطار منظمة التحرير، وتفعيل دورها كقائد لمرحلة التحرر الوطني نحو وقف حرب الإبادة وإنهاء الاحتلال على قاعدة وحدة الأرض والشعب، مع التركيز على بناء التحالفات الدولية بالمنظمة الدولية نحو إقرار فصل دولة الاحتلال أو تجميد عضويتها بالحد الأدنى رغم الحماية الأمريكية لها. إن السعي لوقف الغطرسة الإسرائيلية هو واجب عالمي إنساني وأخلاقي وقانوني يتطلب جهداً جماعياً عملياً، ولعل ضرورة وضوح دور مؤسسات السلطة الوطنية كحامية للحقوق الوطنية السياسية والمسؤولة عن تمكين شعبنا من الصمود وإدارة شوؤنه، إضافة إلى المقاومة الشعبية المتكاملة والمتنوعة وفق الوقائع والظروف والمستندة لمراجعات المرحلة السابقة وتداعياتها وإلى رؤية سياسية موحدة وواضحة لتحقيق إنجازات نوعية وحماية شعبنا من البطش به ومحاولات تهجيره، تكون هي السبيل نحو تحقيق الحقوق التاريخية السياسية لشعبنا الفلسطيني بعيداً عن السراب الأمريكي المخادع، والذي لن يختلف باختلاف الإدارات في واشنطن التي تعمل وفق مصالح واحدة واستدامة سيطرة الاحتلال.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. مطلوب تغيير آليات التضامن
فوزي علي السمهوري
اضطراب المزاج الدوري
د. ليلى بشارات
الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته على بلدان الجوار الفلسطيني
حمادة فراعنة
ترف الحوار تحت وطأة جريمتي الإبادة والتطهير العرقي
جمال زقوت
صوت الأذان سيصدح في كل مكان وكل زمان
حديث القدس
التكفيريون يضربون في سوريا تنفيذاً لتهديدات نتنياهو وأطماع أردوغان
وسام رفيدي
مصير وحدة الساحات بعد اتفاق وقف النار بين إسرائيل وحزب الله
اللواء المتقاعد: أحمد عيسى
"تعزيز الفوضى واستدامة الاحتلال" مشروع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط
مروان أميل طوباسي
أنقرة تنوب عن تل أبيب في الحرب على سوريا
راسم عبيدات
خطط الاستيطان في غزة واستمرار الإبادة
بهاء رحال
حتى لا يدفع الفلسطينيون ثمن التسويات في الإقليم
د. أحمد رفيق عوض
لسوريا ومع سوريا
حمادة فراعنة
ولا يُنبئك مثل خبير!
اعتراف من الداخل
حديث القدس
المكلومون
بهاء رحال
معركة المواجهة بين الهزيمة والانتصار
حمادة فراعنة
النموذج اللبناني.. وضوح الرؤية ووحدة القرار
د. دلال صائب عريقات
أهميـة المشـاركة في اتخاذ القـرار
أفنان نظير دروزه
غزة في خضم الحرب: إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا
ياسـر منّاع
اقتراح مقدم للأخ الرئيس محمود عباس
المحامي زياد أبو زياد
الأكثر تعليقاً
اختتام فعالية تحكيم المرحلة الثالثة من مسابقة "ماراثون القراءة الفلسطيني الأول" في الخليل
ترمب يهدد "حماس" في حال لم تطلق سراح المحتجزين الإسرائيليين
في حدث تاريخي: ملك النرويج يشارك في إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
بعد رد "حزب الله" على خروقات إسرائيل.. نتنياهو يتوعد برد "قوي"
يعلون: ننفذ تطهيرا عرقيا في شمال قطاع غزة
محدث: مصرع طفلتين وإصابة آخرين في حادث دعس جنوب الخليل
"وول ستريت جورنال": مصر تبحث مع تل أبيب إعادة فتح معبر رفح
الأكثر قراءة
حماس تعلن مقتل 33 أسيرا إسرائيليا وتوجه رسالة لنتنياهو
قصف مكثف للاحتلال على غزة وخان يونس يوقع 7 شهداء وعدد من الجرحى
"رويترز": السعودية تخلت عن التوصل إلى معاهدة دفاعية مع أميركا مقابل التطبيع مع إسرائيل
الاحتلال الإسرائيلي يغتال 4 شبان قرب جنين
بدء اجتماع حماس ومسؤولين مصريين في القاهرة
المرسوم الرئاسي.. حاجة دستورية أم مناكفة سياسية؟
هجوم هيئة تحرير الشام على حلب نسقته إدارة بايدن مع إسرائيل وتركيا
أسعار العملات
الإثنين 02 ديسمبر 2024 9:21 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.64
شراء 3.63
دينار / شيكل
بيع 5.13
شراء 5.11
يورو / شيكل
بيع 3.83
شراء 3.8
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 171)
شارك برأيك
بين التصعيد والتهدئة.. التحديات والفرص في مواجهة التطورات الإقليمية