أقلام وأراء

الجمعة 04 أكتوبر 2024 8:44 صباحًا - بتوقيت القدس

حزب الله والتحدي الوجودي

يروج الاحتلال بأن ضرباته المتتالية كانت "حاسمة"، وأنها تمكنت من "إنهاء الهيكل التنظيمي القيادي" لحزب الله، وأنها تمكنت من "ضرب معظم مخزونه من الصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى" في مواقع تخزينها ومنصاتها، وبأن قدرات حزب الله البرية قد تراجعت إلى حد يجعل الاحتلال هو من يلوح بعملية برية، ولا شك أن مثل هذه التصريحات مليئة بالادعاء المعهود عن نتنياهو كشخص وعن الجيش في هذه الحرب تحديداً مبالغ فيها، ولا شك بالمقابل أن الضربات كانت متتالية وموجعة لأية بنية تنظيمية، وأنها تفتح تساؤلات عن اختراق واسع وعن أخطاء متكررة تسمح للاحتلال بجباية ثمن عجز عن جبايته من حزب الله طوال 42 عاماً، ولا شك أن قادة الحزب وكوادره هم أكثر المعنيين بالاستجابة لهذا التحدي الوجودي اليوم، فالاحتلال ليس آتياً هذه المرة لإحراز النقاط بل ليخوض حرب تصفية يظن أن ضرباته المتتالية مهدت الأرضية لها.

 

ومع هذا التحدي الوجودي الذي لا يستهان به لا بد أيضاً من البناء على ما تقدم في إدراك مقومات قوة حزب الله، حتى لا نقع تحت سطوة الخطاب الدعائي الصهيوني أو خطاب التشفي المدفوع بالثأر:

 

أولاً: حزب الله تنظيم واسع عريض له أذرع مدنية وسياسية وعسكرية، له مؤسسات تعليمية وشبابية وكشفية وصحية كما أن له جهازاً سياسياً وقوات عسكرية، وإذا كانت مصادر الاحتلال تقدر قوته العسكرية بنحو ستين ألفاً فإن الحجم الإجمالي لكادره يفوق ذلك بمراحل وهذا معلوم لكل المطلعين على الشأن اللبناني، وإمكانية زوال هذه البنية من الوجود بضربات فجائية متعذرة وإن كانت قابلة للإضعاف.

 

ثانياً: لحزب الله تجربة تاريخية ممتدة طوال 42، وكما أنه حالة إنسانية قد تسري عليها ظواهر الشيخوخة أو الترهل التي إن سادت تضعف إمكانية الاستجابة لتحدٍّ وجودي، فإن هذه التجربة من الممكن أيضاً أن تراكم خبرة وثقة، وهو ما قد يزيد من فرص استجابته للتحدي الوجودي.

 

ثالثاً: يرتكز حزب الله إلى بيئة بشرية عريضة من جمهوره قوامها مئات الآلاف على الأقل في لبنان، وعمقها الجغرافي يمتد من الضاحية الجنوبية إلى جنوب لبنان، وعلى امتداد البقاع اللبناني، ولا يقف في هذا منفرداً بل تؤازره فيه قوى لبنانية وفلسطينية مثل حركة أمل والجماعة الإسلامية وسرايا القدس وكتائب القسام في لبنان وسائر فصائل المــقـاومة الفلسطينية، وهو ما يزيد من عمق حاضنته وتكاتفها وإمكاناتها، ولذلك بدأ الاحتلال يوزع صواريخ الاغتيال على تلك القوى كذلك.

 

رابعاً: يرتكز حزب الله إلى إرث أيديولوجي عقائدي، قد تختلف معه فيه الأكثرية السنية للأمة إلا أن هذا لا يعني أنه ليس إرثاً عقائدياً متماسكاً، وهو الإرث الذي قاد كوادره وجمهوره إلى التصالح مع الفقد والإقبال على الشهادة والصبر في مختلف المحطات والمراحل، وكأي إرث عقائدي فإن ظواهر تفشي النفعية والاسترزاق تشكل عبئاً عليه إن تفشت؛ لكن لا شك أن التمساك به والعودة إليه كانت كفيلة باستحضار عناصر إرادة ماضية وقوة متنامية على مدى أربعين عاماً مضت.

 

خامساً: تحالف حزب الله مع إيران حالة عضوية، تجعل أمينه العام وكيلاً للولي الفقيه الخامنئي في لبنان، وعلى هذا الأساس تمكن الحزب من توسيع إمكاناته المالية والبشرية والتسليحية، وهي ليست حالة تقاطع مصالح عابرة، وقد أسست إيران هذا التحالف بعد الحرب العراقية-الإيرانية لتضمن أن الحرب لن تعود إلى إقليمها المباشر، وأن استراتيجيتها الدفاعية تبدأ في مواقع متقدمة بآلاف الأميال، إضافة إلى اعتبارات مذهبية وأيديولوجية، وهو ما يجعل الحزب كحركة دون الدولة تتمتع بدعم سياسي من دولتين: دولة حاضنة هي الدولة اللبنانية، ودولة داعمة هي إيران، وهي ميزة قلما تحظى بها حركة سياسية، رغم أنها معرضة للتقلبات. 

في المحصلة يواجه حزب الله تحدياً وجودياً، لكنه يمتلك عناصر قوة كبيرة تسمح له باستعادة التماسك والاستجابة لهذا التحدي إذا ما وجدت الإرادة واستعادة التمسك بالإرث العقائدي الأيديولوجي.

دلالات

شارك برأيك

حزب الله والتحدي الوجودي

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%20

%80

(مجموع المصوتين 523)