أقلام وأراء

الجمعة 13 سبتمبر 2024 3:55 مساءً - بتوقيت القدس

أطفال غزه بين الركام: الأولوية للصحة النفسية والتعليم



تستمر الحرب في غزة في تدمير حياة الآلاف يوميًا، لكن وسط الدمار وفقدان الأرواح، هناك جانب يتم تجاهله كثيرًا: الصحة النفسية والتعليم للأطفال. هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقام في إحصاءات الضحايا، بل هم مستقبل شعب بأكمله، ومع ذلك، يُحرمون من أبسط حقوقهم الأساسية التي يمكن أن تمنحهم فرصة للحياة الطبيعية وسط هذه الفوضى.


إلى جانب القصف والموت، يعاني العديد من الأطفال في غزة من فقدان الاستقرار العائلي. فالبعض فقد آباءهم، والبعض الآخر انفصل عن أسرته. هذا الانفصال يولّد شعورًا بالضياع والضعف، ويجعل من الصعب على الأطفال التعافي نفسيًا. ومع استمرار العنف، يصبح الأطفال أكثر تأقلمًا مع مشاهد العدوان، مما يهدد بجعل العنف جزءًا طبيعيًا من حياتهم اليومية، ويُسهم في خلق جيل جديد محمل بالندوب العاطفية التي قد تستمر معهم طوال حياتهم.



بالنسبة لأطفال غزة، المدرسة ليست فقط مكانًا يتعلمون فيه القراءة والكتابة. في ظل الحروب والنزاعات، تصبح المدرسة ملاذًا آمنًا يستحث التطور الذهني والاجتماعي للطفل. لكن مع تدمير المدارس وتشرد العائلات، لم يعد هناك مكان يستعيد فيه الأطفال شعورهم بالحياة الطبيعية. إن فقدانهم للمدارس لا يعني فقط فقدان فرصة التعليم، بل فقدان جزء من مستقبلهم وأحلامهم التي كانت تعطيهم الأمل في غد أفضل.


من خلال عملي كطبيبة نفسية مع الأطفال الفلسطينيين، لمست بشكل مباشر التأثير النفسي العميق الذي تتركه هذه الصدمات. القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة أصبحت واقعًا يوميًا يعيشه أطفال غزة. وبينما قد يتوقف القصف في لحظة، تبقى الجروح النفسية حية لفترات طويلة، تترك أثرًا في كل جانب من حياتهم. كل يوم يمضي دون تقديم الرعاية النفسية لهؤلاء الأطفال يعني أن الجروح ستتعمق، وستكون قدرتهم على التعافي أصعب مع مرور الوقت.


 التعليم: مفتاح النجاة المفقود


التعليم كان ولا يزال رمزًا للمقاومة والصمود في فلسطين. ورغم الظروف القاسية، كانت فلسطين من بين الدول ذات أدنى معدلات الأمية في العالم. ولكن الآن، ومع تدمير المدارس وتشرد الأطفال، تُسلب منهم أقوى أدواتهم – المعرفة. إن غياب التعليم لا يؤثر فقط على التحصيل الأكاديمي، بل يضعف الأمل والطموح ويؤدي إلى حالة من اليأس والانكسار. هؤلاء الأطفال كانوا يحلمون بأن يصبحوا أطباء ومهندسين ومعلمين، ولكن الحلم الآن مهدد بالاختفاء في ظل الحرب. 


أهمية الدعم النفسي الاجتماعي: استعادة الروح


لقد نجحت غزة في الماضي في جعل خدمات الصحة النفسيه والاجتماعيه جزءا لا يتجزأ من الخدمات التربويه التي تقدم في المدارس وكان هناك وحدات صحة نفسية ومرشدون في معظم المدارس الغزية.  الدعم النفسي الاجتماعي ليس رفاهية للأطفال في مناطق النزاع، بل هو ضرورة قصوى. الفنون، الموسيقى، والرياضة تقدم للأطفال وسائل للتعبير عن آلامهم ومشاعرهم بطرق غير تقليدية. لقد رأيت تأثير هذه الأنشطة في عملي؛ حيث تمنحهم الفنون والرياضة فرصة لاستعادة جزء من حياتهم الطبيعية، لتجاوز الصدمات وإعادة بناء ثقتهم بأنفسهم. لكن هذه الأنشطة حاليا نادرة في غزة، ويجب أن يكون هناك استثمار حقيقي في توفيرها بشكل واسع النطاق.


إعادة بناء المدارس ليست كافية لوحدها. يجب أن يتم دمج الدعم النفسي داخل المدارس ليتمكن الأطفال من مواجهة ما تعرضوا له. نحتاج إلى نظام تعليمي يتفهم تأثير الصدمات ويضع الأطفال في قلب عملية التعافي. كما أن دعم الأسرة والمجتمع يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من هذه الجهود.  



 أطفال غزة يستحقون أكثر من مجرد البقاء


أطفال غزة هم المستقبل الذي يجب أن نحميه ونستثمر فيه. إن تدمير منازلهم ومدارسهم ليس نهاية القصة. هؤلاء الأطفال يستحقون فرصة للحياة الكريمة، للتعلم، وللشفاء. إذا لم يتحرك العالم الآن لدعمهم، فإن الأثر المدمر للحرب سيستمر لعقود. لكن إذا عملنا معًا، يمكننا إعادة بناء ليس فقط المباني، بل أيضًا أرواح هؤلاء الأطفال وأحلامهم، فإنهم يعتمدون علينا.

دلالات

شارك برأيك

أطفال غزه بين الركام: الأولوية للصحة النفسية والتعليم

المزيد في أقلام وأراء

الاعتراف المزعوم والهراء المعلن

أمين الحاج

إسرائيل على مفترق طرق.. احتلال، إبادة جماعية، وموت رؤية

ألون بن - مئير

انكشاف الغرب الاستعماري وتعريته

حمادة فراعنة

الإدارة على مفترق طرق.. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل دور القادة والمؤسسات؟

د. عمر السلخي

بين خطاب فريدمان ومصالح ترامب.. فلسطين قضية تحرر وطني وليست ورقة على طاولة الصفقات

مروان إميل طوباسي

شكوك حول نوايا وجدوى خطة المساعدات الأمريكية لغزة !

نبهان خريشة

كل الجهود لوقف حرب الإبادة وإفشال مخططات التهجير والترحيل

وليد العوض

في جدلية التناقض الرئيسي والثانوي

محسن أبو رمضان

تجارة لا تبور

إسماعيل الشريف

جائحة الركود التضخمي الجديد

حسام عايش

عائلة بأكملها في قبضة الغياب... حين تُقصف السماء الذاكرة

بن معمر الحاج عيسى كاتب وباحث جزائري

رفح.. سنة في درب المعاناة وسبع محطات من الصبر الجميل المقدّس

حلمي أبو طه

الهجمة على القدس تشتد وتمتد وتتسع

راسم عبيدات

اصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات (3)

غسان عبد الله

قراءة في مذكرة التفاهم الثنائية بين الحكومتين الفلسطينية والبريطانية

د. دلال صائب عريقات

أوروبا تحتفل.. ونحن ننتحب

أمين الحاج

كُـنْ مســاعداً...!

د. أفنان نظير دروزه

حين تُمنع الكلمات.. تكميم البحث العلمي وطمس المعرفة في زمن الإبادة

د. سماح جبر/ استشارية الطب النفسي

بعد ٨٠ عاماً من الانتصار على النازية.. شعبنا بإرادته وإتقان شروط المواجهة سينتصر أيضاً

دروز سوريَة بين نار داعش ونار إسرائيل!

أسعار العملات

الأربعاء 07 مايو 2025 11:16 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.62

شراء 3.61

دينار / شيكل

بيع 5.11

شراء 5.1

يورو / شيكل

بيع 4.11

شراء 4.1

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 1215)