Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 19 أغسطس 2024 9:51 صباحًا - بتوقيت القدس

حماس وخصوصية التَّصعيد القيادي

بالرغم من الخسارة الكبيرة والقاسية التي مُنيت بها حركة حماس باستشهاد قائدها ورئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، رحمه الله، فإنها استطاعت، خلال بضعة أيام فقط، انتخاب رئيس جديد، حيث تولى يحيى السنوار "أبو إبراهيم" القيادة خلفًا له.

كان هذا الانتقال السريع لافتًا للكثيرين، خصوصًا في ظل الظروف والتحديات الكبيرة التي تواجهها حماس، سواء من حيث ضخامة المعركة التي تخوضها، أو استهداف قياداتها ومؤسساتها، أو حرمانها من حرية العمل في معظم البيئات العربية والعالمية، وصعوبة التواصل والاجتماع والتحرك، والمحافظة على السرية والخصوصية؛ مما يجعل إنفاذ العملية الانتخابية الشورية أمرًا بالغ الصعوبة.

بيدَ أنّ حماس، منذ تأسيسها، تمتّعت ببناء تنظيمي وشوري متماسك، وبآلية صناعة قرار مرنة قادرة على التكيف مع الظروف المعقدة للاحتلال والحصار في الداخل الفلسطيني، وظروف التشتت والتباعد خارج فلسطين.

عوامل مؤثرة في التَّصعيد القيادي
أولًا: ساهم التكوين الديني الإيماني التربوي لكوادر الحركة وقياداتها في تسهيل العملية الانتخابية الشورية إلى حد كبير، مما خفف من حدة التدافع نحو تولي المواقع القيادية، إذ تعتبر القيادة مسؤولية وأمانة كبيرة يجب الوفاء بها، مع محاسبة المرء عليها أمام الله.


ثانيًا: كما أثرت التجربة الشورية والانتخابية الداخلية لمدرسة الإخوان المسلمين، التي تنتمي إليها حماس، في صقل تجربة الحركة والبناء عليها.


ثالثًا: وضوح المبادئ والمنطلقات العقائدية والفكرية والدعوية والسياسية والنضالية أسهم في وجود قواعد فهم مشتركة لدى معظم الكوادر والقيادات، مما جعل هوامش الاختيار والتفاضل القيادي محدودة، مركزة على الخبرة والكفاءة والتجربة، ما دام البرنامج واحدًا تقريبًا.


رابعًا: لم تقع حماس تحت وطأة "الرئيس المؤبد" ولا الرمزية القيادية "المقدسة"، وسمحت لوائحها ودينامياتها بمحاسبة الجميع، وحتى سحب الثقة إن استدعى الأمر (وإن لم يحدث ذلك عمليًا).


خامسًا: الآليات الانتخابية المعتمدة لا تسمح للقائد بتولي القيادة لأكثر من دورتين متتاليتين (ثماني سنوات)، وهي آلية تنطبق على رئيس الحركة وعلى رؤساء المناطق أو الأقاليم (غزة، والضفة، والخارج)، وحتى أعضاء القيادة أنفسهم لا يجوز لأي منهم تولي المنصب نفسه لأكثر من دورتين متتاليتين. وقد وفّرت هذه الآلية استعدادًا نفسيًا لدى القيادات للنزول عن مواقعهم، والانتقال إلى مواقع ومسؤوليات أخرى، أو إفساح المجال للتوريث القيادي، وإعداد قيادات بديلة وإظهار رموز جديدة.


سادسًا: ربما أسهم في "تنقية وتصفية" العملية الانتخابية والتَّصعيد أن العمل القيادي في حماس طوال المرحلة السابقة وحتى الآن قائم على "المغرم" وليس "المغنم". التقدم للقيادة في ظروف العمل لفلسطين والعمل المقاوم المسلح، ومجابهة المشروع الصهيوني، والمعاناة من خصومة الأنظمة العربية والنظام الدولي للتيار الإسلامي ولخط المقاومة، تعني عمليًا التضحية بالنفس والوقت والمال، وربما التحول إلى قيادي برسم "الاستشهاد"؛ ولذلك فليس ثمة ما يُتنافَس عليه من "حُطام الدنيا".


سابعًا: ومن العوامل التي ساعدت على دينامية العملية الانتخابية أن حماس تنظيم واسع كبير، زاخر بالكفاءات والكوادر في الضفة الغربية وقطاع غزة والخارج؛ وأن الكثير من قياداتها الكبيرة ظلت معروفة ومؤثرة وفاعلة على المستوى الداخلي ولها دورها في صناعة القرار، دون أن تكون بالضرورة معروفة سياسيًا أو إعلاميًا؛ مما أعطى الحركة نوعًا من صمام الأمان الداخلي، وقدرة على تقديم هذه القيادات للبروز العلني إن استدعى الأمر.


ومع ذلك، فليس أعضاء حماس مجموعة من "الملائكة"، والنقاط المشار إليها أعلاه تُخفّف التدافع القيادي لكنها لا تلغيه بالضرورة، ولا تمنع وجود اختلافات في الاجتهادات والأولويات وتقييم الرجال وأدائهم، وفي إعطاء أوزان أكبر أو أقل لبعض المعايير المرتبطة بالسابقة في الحركة، وبالعلم والكفاءة والخبرة والانسجام الشخصي والجغرافيا والاحتكاك والتعايش المشترك.

غير أن حماس تجاوزت كافة استحقاقاتها الانتخابية منذ تأسيسها وحتى الآن بقدر كبير من الانسيابية، وسرعان ما كانت تلتف حول القائد الجديد، حتى لو كان ثمة اجتهادات واختلافات في إطار الأداء الشوري في أثناء العملية الانتخابية.

ربما كانت حماس واحدة من التنظيمات والفصائل القليلة في العالم العربي التي عَبَرت كافة الاستحقاقات الانتخابية منذ تأسيسها وحتى الآن بشكل منتظم ودونما توقف، بالرغم من أنها من أكثر التنظيمات والفصائل تعرضًا للملاحقة والمطاردة. وهذا يعني أن العملية الشورية الانتخابية أصيلة في بنيتها وتكوينها.

قيادة حماس
في حماس، لم تكن الرمزية الكبيرة تعني بالضرورة تولي العمل التنفيذي. فعلى سبيل المثال، فإن شخصية الشيخ أحمد ياسين ورمزيته الكبيرة كقائد مؤسس وراعٍ للمشروع، لم تكن تعني بالضرورة توليه القيادة التنفيذية للحركة، غير أنه ظل "أبًا روحيًا" وملهمًا للحركة حتى استشهاده، رحمه الله.

وعندما أعلنت حماس عن نفسها في ديسمبر/كانون الأول 1987، كان الشيخ أحمد ياسين حاضرًا في القيادة، لكن الذي كان يتولى إدارة مكتب قيادة غزة هو الأستاذ عبد الفتاح دخان، وكان يدير أيضًا مكتب الداخل (الضفة والقطاع)، وهو مكتب كان يتبع جهاز فلسطين برئاسة الأستاذ خيري الأغا (المقيم في الخارج)، الذي كان يتبع بدوره قيادة تنظيم بلاد الشام في الأردن برئاسة الأستاذ عبد الرحمن خليفة.


منذ تشكيل حماس وحتى 1993، ظل خيري الأغا أول رئيس لها في الداخل والخارج، حتى استقال، فحلّ مكانه نائبه د. موسى أبو مرزوق، الذي تابع القيادة حتى 1995 عندما اضطر لمغادرة الأردن، ولم يجد مكانًا مناسبًا للإقامة في العالم العربي، فعاد للولايات المتحدة حيث قُبض عليه. فحلّ مكانه نائبه خالد مشعل، الذي تولى رئاسة الحركة في الاستحقاقات الانتخابية التالية، حتى 2017، حيث أُقرّ في عهده قرار الاكتفاء بولايتين متتاليتين للرئيس، وانتخب بعده إسماعيل هنية بتوافق كبير في استحقاق 2017، وفي التجديد للمرة الثانية 2021.

انتخاب السنوار
عندما استشهد هنية، كان قد بقي على انتهاء ولايته الثانية نحو عام واحد، وكان قد سبقه إلى الشهادة نائبه صالح العاروري في أوائل يناير/كانون الثاني 2024. ولذلك، لم يكن مستغربًا أن تتجه الأنظار إلى رئيسي الحركة في غزة، يحيى السنوار، وفي الخارج، خالد مشعل. ولأن مشعل كان قد عبَّر قبل طوفان الأقصى بعدة أشهر عن عدم رغبته في العودة لقيادة الحركة؛ فإن السنوار كان مرشحًا طبيعيًا متوقعًا لقيادة الحركة.


مركزية قطاع غزة في العمل المقاوم وقيادة حماس لها، ومعركة طوفان الأقصى التي أطلقتها حماس من القطاع، والنموذج الذي تقدمه غزة تحت قيادة السنوار، في مواجهة الاحتلال وتحالفٍ عالمي من قوى كبرى، وحالة الإجماع لدى حماس في الداخل والخارج على استمرار الصمود والمواجهة، ورفع درجة التحدي في وجه العدوان إثر اغتيال هنية… كل ذلك كان يصبُّ في اتجاه انتخاب السنوار. لذلك، لا غرابة في حصول توافق داخلي على اختياره.


السنوار من أصحاب السابقة، ومن القيادات الكبيرة في حماس منذ ثمانينيات القرن الماضي، فقد كان له دور أساسي في تشكيل جهاز أمن الدعوة سنة 1983 بقيادة عبد الرحمن تمراز. وفي سنة 1986، تولى السنوار رئاسة منظمة "مجد" التي تمّ تشكيلها كقوة عسكرية ضاربة تتبع الجهاز الأمني؛ وكانت مهمتها مقاومة الفساد والمفسدين، ثم تشعَّبت مهامها إلى مقاومة العملاء وغير ذلك.


اعتقل السنوار سنة 1988، وحكم عليه بالسجن أربعة مؤبَّدات، وتولى في السجن مواقع قيادية من بينها رئاسة الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس، وأُطلق سراحه في صفقة وفاء الأحرار سنة 2011. وفي السنة التالية، انتخب عضوًا في قيادة حماس في غزة، ثم انتخب رئيسًا لحماس في القطاع في دورتي 2017 و2021.


السنوار معروف بصلابته وقوة شخصيته، وطبيعته الجادة العملية وأنه صاحب قرار. وقد أسهمت ميوله وخبرته الأمنية العسكرية في اهتمامه القوي بهذا الجانب، وانسجامه مع إخوانه المعنيين بإدارة هذا العمل، وقد ظهرت تجليات هذا الانسجام بشكل واضح خلال معركة "طوفان الأقصى".


والخلاصة بشكل عام، أن حماس ستواصل عملها المؤسسي، فقد سبق لها أن فقدت قادة كبارًا مثل الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة، وإبراهيم المقادمة، وإسماعيل أبو شنب، وأحمد الجعبري، وجمال منصور، وجمال سليم، ويحيى عياش، ومع ذلك، لم تتراجع الحركة بل زادت قوة واتساعًا مع مرور الزمن.


حماس ليست حركة قائمة على الرموز أو الأفراد، وإنما على الفكرة، وقادتها الجدد يبنون على إنجازات من سبقوهم. لذا، فإن مراهنات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والاحتلال الإسرائيلي على إضعاف حماس هي مراهنات خاطئة، وقد ثبت فشلها.


وعلى الأرجح، فإن استشهاد هنية سيعطي مزيدًا من الإلهام والدفع للحركة للاستمرار في مشروع المقاومة، والسير على خطى شهدائها وشهداء شعبها وأمتها.

دلالات

شارك برأيك

حماس وخصوصية التَّصعيد القيادي

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 85)