يموتُ الناس في غزة على مدار الساعة. موتٌ واحدٌ، وإن تعدّدت أدواتُه، وفق ما يوصَفُ بـ"هندسة الموت"، التي يشكلُ عامل الوقت أهمّ عناصرها. إنّ إطالة أمد الحرب تسمح بمراكمة المزيد من الرّكام فوق الرّكام، مثلما تسمح بانتشار الأوبئة والأمراض الفتّاكة. أداةٌ أُخرى للقتل لا يقلّ ضحاياها عن ضحايا آلة الحرب المستعِرة.

مجلة "لانسيت" نشرت دراسةً تحت عنوان "إحصاء القتلى في غزة صعبٌ لكنه ضروريّ"، وفيها تتكشّف خيوطُ المؤامرة الكبرى على القطاع المكتظ بالسكان، حيث تتوقع موت ٢٠٠ ألف مواطن بالأوبئة، في حال توقفت الحربُ الآن.

الأرقام المرعبة تستند إلى استراتيجية غيورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، التي تقول "إنه ليس ثمة خيارٌ أمام إسرائيل سوى تحويل غزة إلى مكانٍ غير قابلٍ للعيش"، فخلقُ أزمةٍ إنسانيةٍ حادةٍ في غزة هو الوسيلةُ الضروريةُ لتحقيق الهدف... والهدفُ هو دفعُ الغزيين إلى الرحيل، وتوطينُهم في دولٍ تملك اقتصاداتٍ قوية، وهذا لا يتحقّق إلا بنشر الأوبئة و بالأحزمة النارية، وبتقليل السعرات الحرارية.

إنها التطبيق العمليّ لخطة الحسم التي أعلنها سموتريتش في حوارة قبل عامين، وكرر إعلانها قبل أيامٍ بالحكم على ما تبقى من أحياء في القطاع بالموت جوعاً.

الموت جوعاً في غزة بمراقبة السعرات الحرارية المسموح بإدخالها إلى القطاع هو السياسة ذاتها التي تعتمدها سلطات السجون بتعليمات بن غفير بحق الأسرى.

قال لي أحد الأصدقاء المفرَج عنهم، وقد خسر أكثر من ٢٠ كيلوغراماً من وزنه خلال خمسة أشهر، إن السجانين أبلغوا الأسرى بأنهم يُقدمون لهم أقل من حاجتهم، "نعرف أنكم تحرقون ١٢٠ سعراً، ونحن نعطيكم ٨٠ فقط".