أقلام وأراء
الخميس 08 أغسطس 2024 9:43 صباحًا - بتوقيت القدس
كيف دعمت أم كلثوم النضال الفلسطيني منذ بداياته؟
تلخيص
لم تكن أم كلثوم (1898 - 1975) مطربة عادية، بل كانت رمزاً وأيقونة. لكن السنوات التي تلت هزيمة العام 1967، كانت حداً فاصلاً بين كونها مجرد فنانة، وبين أخرى أخذت على عاتقها تسخير رمزيتها ومكانتها الفنية وصورتها خدمة للمعركة ضد إسرائيل، إذ لم تكتف بدعم الجيش المصري وحسب، بل دعمت كذلك المقاومة الفلسطينية إثر انطلاقتها أواخر ستينيات القرن الماضي.
شكل اليوم الذي ألقى فيه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خطاب التنحي في 9 حزيران/ يونيو 1967، يوماً تاريخياً في حياة الملايين من المصريين والعرب. حينها، شاهد جميع من آمنوا، مثل عبد الناصر، الحلم بوطن عربي يملك إرادة مستقلة، لحظة انكسار هذا الحلم في عيني الرئيس المصري الذي قد لا يبرئه البعض من المسؤولية عن هزيمة حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧.
من بين هؤلاء الحالمين بوطن عربي موحد وقوي كانت "كوكب الشرق"، أم كلثوم، التي انخرطت بصفتها فنانة ومواطنة وعربية في الترويج لهذا الحلم والعمل على تحقيقه. إذ انخرطت، لمدة شهرين في الإذاعة المصرية، مع مجموعة من المطربين والملحنين والمؤلفين في الشهرين اللذين سبقا الحرب لتجهيز أغنيات حماسية تناصر مصر في معركتها. حتى أن الملحن محمود الشريف، لحن في يوم واحد 3 أغنيات، وكان لأم كلثوم نصيب من الأغنيات الوطنية التي لحنت وألفت في تلك الأيام، كأغنية "الله معك"، و"راجعين بقوة السلاح".
ولم يتوقف دور أم كلثوم في الإذاعة المصرية على تقديم الأغاني الحماسية، إذ راحت توجه نداءات بوصتها إلى الجنود على الجبهة لرفع معنوياتهم، معربة عن أمنيتها بالغناء في تل أبيب بعد تحرير فلسطين.
لكن في اللحظة التي أنهى فيها عبد الناصر خطابه، انسحبت أم كلثوم من وسط عائلتها وهي تبكي متجهة إلى غرفة نومها التي سبق وأعدتها للتدرب على أغانيها. عاشت أم كلثوم عزلة شبه صامتة، حيث كان باب غرفتها مغلقاً والأنوار مطفأة، وكانت تربط رأسها بقطعة قماش لعلها تخفف الصداع الذي عانت منه حينها. لأيام عدة، رفضت أم كلثوم الخروج من غرفتها أو التحدث إلى أحد، ووصفت حالتها بأنها ألم يحرق القلب ويمزقه إلى قطع صغيرة.
هزيمة الروح أخطر.. أم كلثوم ولحظة التحول
وسط الألم واليأس وضباب الهزيمة وقسوة الحلم الذي تحول إلى كابوس فكرت أم كلثوم في مخرج لأزمة مصر ومخرج لأزمتها الشخصية أيضاً، بعدما أدركت أن حلمها بوطن قوي منتصر إنهار في لحظة. بعد أسبوع من خطاب عبد الناصر، فكت أم كلثوم عزلتها، إذ خلصت إلى استنتاج حول الدور الذي يمكن أن تلعبه في ترميم النفوس المهزومة. وذلك لأن هزيمة الروح المصرية، كما اعتقدت، أخطر بكثير من الهزيمة العسكرية، وأن المعركة على المدى البعيد وتحقيق انتصار يمحو آثار الهزيمة يتطلب استعادة المصريين لثقتهم بنفسهم وتجديد إيمانهم بحقهم.
منذ تلك اللحظة، شعرت أم كلثوم أن صوتها يجب أن يخصص لهدف عظيم، وهو تحويل الهزيمة إلى انتصار. هكذا تحولت إلى شخص لا يهدأ، وضربت عرض الحائط بالقواعد الصارمة التي وضعتها لحياتها الفنية. بعد أيام قليلة من صباح يوم الهزيمة، أطلقت أم كلثوم حملة غير مسبوقة لدعم المجهود الحربي، في وقت كانت مصر على وشك خسارة 459 مليون دولار من إيرادات السياحة والشحن في قناة السويس، وحقول النفط التي استولت عليها إسرائيل في سيناء وأدى إلى نقص حاد في العملة الصعبة، في وقت كانت فيه البلاد بحاجة ماسة إلى الأموال لإعادة بناء الجيش.
خلال 18 شهراً، طافت أم كلثوم بحفلاتها عدد من المحافظات المصرية ودول عربية، كالمغرب وتونس وليبيا والكويت ولبنان والسودان، ثم غنت في قلب أوروبا، على مسرح الأوليمبيا بباريس، لتحول إيرادات حفلاتها بالكامل إلى المجهود الحربي. لكن هدفها الأهم هو إعادة الروح إلى الكرامة العربية التي كسرتها الهزيمة، أو بحسب تعبير المستشرق دينيس جونسون ديفيز، الذي علق على تفاعل السودانيين في حفل أم كلثوم بالخرطوم: "شعب يغني للحب وهو يعيش في جو المعركة، لا يمكن أبداً أن يكون شعباً ضعيفاً، بل هو شعب لديه القدرة على أن يواجه أعدائه بقوة".
كانت هزيمة عام 1967 إذن هي اللحظة التي حولت أم كلثوم من مطربة خارقة إلى أيقونة تحشد كل فنها لخدمة بلادها وقضية الوطن العربي، وشهدت الهزيمة ميلاداً جديداً للمقاومة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات والتي أنشئت عام 1965، إذ أولاها جمال عبد الناصر أهمية أكبر بعد حرب الأيام الستة.
"أصبح عندي الآن بندقية"
بخلاف هدفها في المساهمة في إعادة بناء الجيش المصري، كان دور أم كلثوم في دعم القضية الفلسطينية وحركة "فتح" الوليدة واضحاً. إذ أدت حفلتين موسيقيتين واحدة منها في ليبيا خصصت عائداتهما لدعم "فتح"، فيما خصصت عائدات نصف حفلها في الكويت عام 1968 لدعم المقاومة الفلسطينية بشكل عام.
بعد انتخاب ياسر عرفات لقيادة "منظمة التحرير الفلسطينية"، كشفت أم كلثوم عن نص أغنية جديدة للفدائيين وهي "أصبح عندي الآن بندقية" من كلمات نزار قباني وألحان محمد عبد الوهاب، وأشادت في مقابلاتها وتصريحاتها بالنضال الفلسطيني، ولم تتوان عن مدح المقاومة، وأن بداية العمل الحقيقي لتحرير فلسطين هو ظهور الفدائي الذي يحمل البندقية والقنبلة ويعبر الأسلاك الشائكة والحدود التي أقامتها إسرائيل ولا يكتفي بالأمل في تحرير فلسطين.
كما وصفت ياسر عرفات بأنه "قدوة للآخرين"، مشيرة إلى أنه "كان بإمكانه أن يصبح مليونيراً لكنه اختار أن يترك الثروة وراءه ليكرس حياته لتحرير وطنه".
عززت أم كلثوم قناعاتها السياسية من خلال تصريحاتها المتكررة عن الفدائيين. وعندما سُئلت عن هدف مهم لم تحققه بعد، لم تجب بهدف فني، بل هدف سياسي: "تحرير الأراضي المحتلة وتطهير فلسطين من الصهيونية، وإعادة الفلسطينيين إلى وطنهم".
التقت أم كلثوم بياسر عرفات وروجت له، معبرة عن رغبتها في أن تكون هناك انتفاضة مسلحة لتحرير فلسطين. وربطت بين حركة "فتح" وبين حركات التحرر في كل جميع أنحاء العالم، وليس فقط في فلسطين، مؤكدة على كرامة الموت من أجل قضية التحرير، بل وصرحت عن نيتها للغناء لدعم فيتنام في نضالها ضد الغزو الأميركي.
وكذلك روجت للرموز البصرية وشعارات حركة المقاومة الفلسطينية في عروضها في ليبيا. إذ علقت شارة حركة "فتح" على الجدار الخلفي للمسرح، ورفعت خلفها لافتات تحمل الشعارات النضالية للحركة.
شكّلت هزيمة العام 1967 لحظة مفصلية في حياة أم كلثوم. فكيف تحوّلت من مطربة إلى داعمة مباشرة للجيش المصري ثمّ حركات النضال الفلسطيني؟
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
في ربع الساعة الأخير للإدارة الموشكة على الرحيل!
حديث القدس
العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم
الأب إبراهيم فلتس نائب حارس الأراضي المقدسة
بلورة استراتيجيات للتعامل مع الشخصيّة المزاجية – القنبلة الموقوتة
د. غسان عبدالله
من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟ الحلقة الثانية
زياد ابحيص
احتفالات الميلاد.. تغيب للسنة الثانية عن أرض الميلاد
راسم عبيدات
جحيم الإبادة في شمال القطاع
بهاء رحال
قيادات قيد التحقيق لدى المستعمرة
حمادة فراعنة
تصريحات بابا الفاتيكان وجيك سوليفان
د. أحمد رفيق عوض
يمكننا تحقيق حل الدولتين ولكن ذلك يتطلب تغيير طريقة تفكيرنا وقيادة الشعبين
جرشون باسكين وسامر سنجلاوي
عندما تصبح جثامين الشهداء هياكل عظمية
حديث القدس
الرضيعة عائشة القصاص تجمد جسدها حد الموت
بهاء رحال
ترامب.. الرئيس القوي
د. ناجي صادق شراب
نحن لا نتضامن مع جنين.. نحن لسنا إلا جنين نفسها!
د. رمزي عودة
الأمن العربي في خطر.. البداية فلسطين والدول المحيطة
فوزي علي السمهوري
الاستيطان والاحتلال والفكر البراغماتي
د. دلال صائب عريقات
دولة الزينكو...
حسام أبو النصر
الذكاء الاصطناعي: أداة ربات البيوت الفلسطينيات في إدارة المنزل وتدريس الأبناء
بقلم : صدقي ابوضهير " باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
من أنا؟ الذكاء الاصطناعي يجيب!
عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
أنفاسٌ مكتومةٌ تحت الركام!
ابراهيم ملحم
أكبر كارثة في العالم ..تحصل في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
رجب: عملية "حماية وطن" تتقدم وتحقق نجاحات وإنجازات في حماية أهلنا بمخيم جنين
مقتل أحد عناصر الأجهزة الأمنية خلال الأحداث المتواصلة في جنين
واشنطن ترفض تقرير "هيومان رايتس ووتش" بشأن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بغزة
تشييع جثمان المناضل الوطني اللواء فؤاد الشوبكي
الغارات الإسرائيلية على اليمن.. "بروفة" بالذخيرة الحية استعداداً لضرب المفاعلات النووية
"هآرتس": الاحتلال دمر 70% من مباني مخيم جباليا وحوله إلى "مدينة أشباح"
صحيفة:الولايات المتحدة دعمت مجموعة مسلحة لإطاحة النظام في سوريا
الأكثر قراءة
وقف إطلاق النار في غزة "أقرب من أي وقت مضى"
رحيل الأسير فؤاد الشوبكي بعد 21 عاما في سجون الاحتلال
"حماس" و"إسرائيل" تقتربان من الصفقة
وصفوه بالإيجابي.. وفد امريكي يلتقي "الشرع" في دمشق
صحيفة:الولايات المتحدة دعمت مجموعة مسلحة لإطاحة النظام في سوريا
عملية استشهادية في مخيم جباليا لأول مرة منذ بداية الحرب
رجب: عملية "حماية وطن" تتقدم وتحقق نجاحات وإنجازات في حماية أهلنا بمخيم جنين
أسعار العملات
الخميس 19 ديسمبر 2024 9:56 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
يورو / شيكل
بيع 3.76
شراء 3.76
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%57
%43
(مجموع المصوتين 291)
شارك برأيك
كيف دعمت أم كلثوم النضال الفلسطيني منذ بداياته؟