أقلام وأراء
الثّلاثاء 11 يونيو 2024 9:38 صباحًا - بتوقيت القدس
تداعيات صعود اليمين الشعبوي على الاتحاد الأوروبي والقضية الفلسطينية
تلخيص
انتهت يوم أمس انتخابات البرلمان الأوروبي لعام ٢٠٢٤ والتي جرت بعد خمس سنوات من الانتخابات الماضية لإشغال ٧٢٠ مقعداً، في أجواء مشحونة بالتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجه دول الاتحاد الأوروبي الـ٢٧. النتائج الأولية أظهرت تقدم وصعود انتخابي للأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، ما يعكس تغيرات كبيرة في المشهد السياسي الأوروبي. هذا التغيير يمكن أن يؤثر بشكل كبير على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه العديد من القضايا العالمية، بما في ذلك القضية الفلسطينية، وعلى استقرار ووحدة الاتحاد الأوروبي نفسه.
فقد حقق اليمين الشعبوي والقومي مكاسب في هذه الانتخابات في أجزاء كثيرة من الاتحاد الأوروبي، مستغلين قلق الناخبين بشأن الهجرة والتضخم والفقر وتكلفة الإصلاحات البيئية. لكن من غير الواضح ما إذا سيكونوا قادرين على التأثير حقاً على سياسة الاتحاد الأوروبي في المستقبل بشان تلك القضايا.
إن بروز قادة من اليمين الشعبوي اليوم في أوروبا مثل مارين لوبان في فرنسا وفيكتور أوربان في المجر، وفي النمسا وبلجيكا وإيطاليا يتشابهون مع ترامب في خطابهم اليميني الشعبوي الذي استغله سابقا ترامب، ما أثار دعما من الناخبين الأميركيين. وبالتالي يمكن لنجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا أن يشجع حركات مماثلة في الولايات المتحدة من خلال إظهار أن هناك دعما وتوافقا كبيرا مع هذه الأفكار. قد يحفز هذا ترامب وأنصاره على تكثيف خطابهم الشعبوي المتطرف في الحملة الانتخابية الجارية هناك، ورغم اختلاف الأنظمة السياسية في أوروبا والولايات المتحدة بشكل كبير، إلا أنه قد يشكل عاملا من عوامل مختلفة قد تساعد ترامب في وصوله إلى البيت الأبيض، وهو ما سيشكل حينها زوايا المثلث اليميني الشعبوي العالمي بين واشنطن، وبروكسل وتل أبيب، خاصة مع تمكن نتنياهو من الاستمرار، وهو ما سيدفع بالعالم إلى مزيد من الحروب والجرائم بحق الشعوب والقيم الإنسانية.
من جانب آخر، فإن نتائج أحزاب اليسار في انتخابات البرلمان الأوروبي في هذه الدورة أظهرت أداءً متفاوتا عبر دول القارة، حيث تراجعت أحزاب في بعض الدول وتقدمت أخرى، إلا أن اليسار بشكل عام مقارنةً بالانتخابات السابقة لم يحقق تقدماً ملموساً رغم مستويات الدعم التي كانت تتمتع بها هذه الأحزاب سابقاً، وحتى في مرحلة الدعاية الانتخابية التي كانت فلسطين هي الحاضر الأول في حملاتها وبرامجها، والذي ربما كان على حساب القضايا الاجتماعية للأوروبيين أنفسهم، الأمر الذي لم يساهم في حصد عدد أصوات أكبر.
وتبقى غالبية المقاعد تحت قبة برلمان الاتحاد الأوروبي الذي تتم فيه مناقشة قوانين الاتحاد والتشريعات بتعديلها أو إقرارها أو رفضها، في أيدي أحزاب الوسط من اليمين المحافظ واليسار التقليدي إلى حد كبير.
وللتأثير على سياسة الاتحاد الأوروبي، سيتعين على الأحزاب اليمينية المتطرفة أو الشعبوية من جميع أنحاء دول الاتحاد أن تتحد في كتلة واحدة تحت البرلمان كي تمنح نفسها النفوذ بعد ما حققته أحزابها من تقدم بالعديد من الدول المشاركة في الانتخابات.
صعود اليمين المتطرف
في فرنسا، حقق حزب "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبان مكاسب كبيرة، ما يعكس تغيرات في المزاج السياسي الفرنسي نحو اليمين المتطرف. وفي ألمانيا، شهد حزب "البديل من أجل ألمانيا" زيادة في عدد المقاعد، وفي بلجيكا، تقدم حزب "فلامز بيلانغ" بشكل ملحوظ، وكذلك في النمسا والمجر وإيطاليا. لذلك فمن المتوقع أن تصبح كتلة "الهوية والديمقراطية" اليمينية الشعبوية ثالث أكبر مجموعة في البرلمان الأوروبي بنحو مئة مقعد، ما يعزز من نفوذ اليمين المتطرف الشعبوي في صناعة القرارات الأوروبية والتوصية بالسياسات العامة التي تتولى تنفيذها المفوضية الأوروبية وفق نظام الاتحاد، كما يعزز من تأثير اليمين في السياسات الأوروبية الخارجية المستقبلية.
تراجع اليسار
نتائج أحزاب اليسار في انتخابات البرلمان الأوروبي لعام ٢٠٢٤ أظهرت أداءً متفاوتا عبر القارة. فقد تراجعت أحزاب اليسار بشكل عام مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث لم تحقق نفس مستويات الدعم التي كانت تتمتع بها سابقاً. وشهدت هذه الأحزاب في أوروبا تراجعاً عاماً في هذه الانتخابات. فكتلة حزب اليسار الأوروبي وكتلة حزب الاشتراكيين الديمقراطيين لم يتمكنا من تحقيق مكاسب كبيرة، رغم بعض النجاحات في دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيرلندا واليونان وإسبانيا. هذا التراجع يجعل من الضروري على الأحزاب اليسارية تشكيل تحالفات واسعة مع كتلة أحزاب الوسط من اليمين المحافظ لتحقيق أي توجهات بالسياسات الأوروبية الداخلية والخارجية، إلا أن كتلة الشيوعيين حافظت على عدد مقاعدها وسط هذه المتغيرات.
اليمين المحافظ يحتفظ بمكانته
بالنسبة لأحزاب اليمين المحافظ التقليدي، فقد حافظت كتلة حزب الشعب الأوروبي اليميني بالبرلمان على مكانتها كأكبر مجموعة برلمانية، رغم فقدان أحزابها في دول مختلفة بعض المقاعد وتراجع قوتها.
وعلى الرغم من هذه التراجعات، يمكن لتحالف يضم أحزاب اليمين واليسار الاشتراكي أن يحتفظ بالأغلبية في البرلمان، ما يعزز دور القوى التقليدية اليسارية واليمينية في صنع القرار.
مستقبل الاتحاد الأوروبي
زيادة قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية يمكن أن تؤدي إلى تغييرات جوهرية في سياسات الاتحاد الأوروبي، خاصة في مجالات مثل الهجرة والأمن والسياسة الاقتصادية والبيئة. هذه الأحزاب غالبا ما تتبنى مواقف قومية متطرفة أو ما تسميه "المسيحية الأوروبية ومعاداة الهجرة"، ما قد يزيد من التوترات داخل دول الاتحاد ويؤدي إلى صعوبة أكبر في تحقيق توافق حول السياسات المشتركة.
أما فيما يخص مستقبل ووحدة الاتحاد الأوروبي، فإن هذا التحول نحو اليمين المتطرف قد يؤدي إلى تعزيز المواقف المناهضة لاستمرار الاتحاد الأوروبي وزيادة النزاعات السياسية داخل البرلمان الأوروبي.
القضية الفلسطينية
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فإن تأثير الأحزاب اليمينية المتطرفة على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه فلسطين قد يكون ملموساً ، حيث من المعروف أن معظم هذه الأحزاب تتبنى مواقف داعمة لإسرائيل وسياسات الاحتلال. هذا قد يؤدي إلى تراجع دعم دول الاتحاد الأوروبي التقليدي لحل الدولتين حتى ولو كان لفظيا أو لسياسات تدعم حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية، وبانخفاض تقديم مساعدات مالية للسلطة الوطنية للخزينة أو من خلال برامج تنموية، وكذلك ممارسة ضغوط وفرض شروط على المؤسسات الفلسطينية، وتمرير مصالح إسرائيل في البرلمان ومؤسسات الاتحاد الأوروبي.
القضايا الرئيسية التي أثرت على توجه الناخب الأوروبي في الانتخابات هي: الأزمة الاقتصادية وقضيتي الفقر والبطالة وتداعيات الدعم الأوروبي لأوكرانيا على حساب الشعوب الاوروبية، والتغيرات المناخية والبيئة، والصحة وأمن الطاقة، والهجرة. ورافق ذلك القلق في مسألتي الدفاع والأمن والذي كان حاضراً بشكل كبير في البرامج، خاصة في ظل الحرب التي تقوم بها الولايات المتحدة بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا.
مرشحون فلسطينيون يفوزون
من ضمن النتائج اللافتة للنظر في هذه الانتخابات، فإن ترشُّح وفوز مرشحتين من أصول فلسطينية، الأولى فرنسية من أصل فلسطيني والثانية إسبانية من أصول فلسطينية أيضاً بمقعدين في البرلمان الأوروبي ضمن قوائم أحزاب اليسار. هذا الحدث يعكس التنوع المتزايد في التمثيل العرقي والإثني داخل برلمان الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يكون له تأثير إيجابي في تعزيز الوعي بالقضايا الفلسطينية وفضح جرائم الاحتلال داخل البرلمان الأوروبي.
مستقبل السياسات الأوروبية
بالنسبة لفرنسا فقد أدت هذه النتائج إلى دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون ليلة أمس لإجراء انتخابات وطنية مبكرة، وإلى استقالة رئيس الوزراء البلجيكي بسبب الضغط السياسي المرافق لهذه النتائج، وبالتأكيد سيكون لتلك النتائج أيضا تأثيرات واضحة على السياسات العامة بالمانيا بعد أن حقق اليمين المتطرف فيها صعودا انتخابيا كما في النمسا وغيرها. هذا قد يؤدي إلى تغييرات سياسية كبيرة في البلدين وربما في الاتحاد الأوروبي بشكل عام، حيث يتزايد نفوذ الأحزاب اليمينية التي تتبنى سياسات قومية متشددة تجاه الاتحاد الأوروبي، ما يشير إلى أننا أمام مرحلة تاريخية وسياسية جديدة ستشهدها القارة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخطة مارشال وقد يعتمد ذلك أيضا على نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية.
.........
حقق اليمين الشعبوي والقومي مكاسب في هذه الانتخابات في أجزاء كثيرة من الاتحاد الأوروبي، مستغلين قلق الناخبين بشأن الهجرة والتضخم والفقر وتكلفة الإصلاحات البيئية.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
5 إصابات وحرائق في تل أبيب جراء سقوط صاروخ من لبنان
الأكثر قراءة
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 78)
شارك برأيك
تداعيات صعود اليمين الشعبوي على الاتحاد الأوروبي والقضية الفلسطينية