
أقلام وأراء
الإثنين 26 سبتمبر 2022 10:51 صباحًا - بتوقيت القدس
لا ضياع لحق وراءه مطالِب
بقلم: زياد زهران "أبو أمل"
يدفعني الواجب للبوح بأسرار يعرفها الكل الخائف من قول حقيقة. شوقية في العام الرابع والسبعين. ما زالت تنتظر النصر الموعود منذ النكبة... تستذكر هدم البيت. لا ضياع لحق وراءه مطالِب. حديقة والدها. العيش في خيمة. تنقلها مع أشقائها برعاية أمٍ لمخيم تلو مخيم، دون الأب، لتطوعه في صفوف الثوار.
تتزوج شوقية أسيراً تحرر من قبضة إسرائيل بعد النكسة، فقد كان ضمن صفوف الجيش العربي المتألم لهزيمته، وضياع القدس أكثر. تنجب شوقية 4 أبناء وابنة. أكبرهم يحمل اسم الجد الذي استشهد إثر إصابته، وضياع الضيعة. تمتلك شوقية عزيمة لا توصف رغم ما عانت من أهوال العوز، والفقد، وزيارات لا تتوقف إلى "السجون" والمعتقلات، لأخ أوسط، وزوج يعتقل ثانية للمقايضة بتسليم الابن الأصغر، ثم ثلاثة أبناء الواحد بعد الآخر للآن، وما قد تحمله الأقدار، أما الابنة، فكانت حكمة خالق لمساعدة الأم، ولتؤنسها أيام الوحدة...
هزل الجسم، ووهن العظم، لكن الروح عملاقة لا تقهر. ما أعظمها لم تيأس. ما زالت مضيافة كما كانت دوماً. بيت مفتوح لكل مناضل. في السلم والحرب، وما بينهما. يعرفها كل مطارد حين الجوع، أو انعدام المأوى. تستذكر صبية كانوا أطفال حجارة، وأبطال الثورة، منهم من أضحى جَدّاً، ومنهم من فارق شهيداً أبداً لا ينسى، ومنهم من أعاده الاحتلال إلى الأسر منذ عقود، ومنهم أيضاً من يَفترضُ أنه مَلَكَ الوطن برتبته، ووظيفة. أفراح مرّت بزفاف الأبناء، ورؤية أحفاد، منهم من بلغ الحلم، ولم يجتمع بوالده المأسور قبل ولادته.
تجلس شوقية، وتدخن إمبريال. تمازح ابناً في الأسر يهاتفها بخفاء عن "سجانه"، فتقول له سيزورك أحفادك قبل تمام الصفقة، وفتح الصندوق الأسود، لكن لا تقلق يا ولدي، فقيادتكم تعمل ليل نهار لحريتكم، لذا لا وقت لديها حتى لأقل زيارة لبيوت الأسرى. يبتسم ولدها المأسور بحرقة. يؤكد صبره، وينقطع الخط. تقلق شوقية لحين الاطمئنان عليه بمكالمة أخرى، فزيارتها له ممنوعة لدواعٍ أمنية.
منزل شوقية بالإيجار. تدفع دنانير معدودة. تأخذها من أحد رواتب أبنائها العاملين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويكفيها ما قد يتبقى من رواتبهم لأن تحلم ببناء بيت، أو شراء أرض لزراعة نخلة واحدة في الأغوار، وأحياناً تفكر في مزرعة يعمل فيها بعض الأحفاد، لكنها تعدل فوراً عن حلم، وفكرة، خوفاً من طمع مستوطن في شجرتها، أو أن تقع بدائرة فساد.
صالح يزور شوقية في منزلها. يوقف سيارته بجانب سور حديقتها. تنظر شوقية للضيف القادم. ما أغربها الدنيا! ابن الجار كان خجولاً من فقره. كان ضعيف القلب أمام الشجعان. كان ينام كثيراً كي لا يراه الجيش قريباً من ميدان. سيارته مرسيدس، وعليها لوّاحان. تضيّفه شوقية على وجه السرعة فنجان القهوة، وتحمّله للأهل سلام، فهي موصاة بالجيران.
تؤمن شوقية بالله دون صلاة، وتخشع لقراءة القرءان. تميّز جداً بين حلال وحرام. تستذكر دوماً مقولات الزوج الراحل (القلب وعاء الإيمان. استفتِ قلبك ولو أفتوك). تنادي الخالق كل صباح. تتمنى أن يمنحها القوة لمواصلة العيش لحين لقاء يجمعها بذات الوقت مع كل الأبناء. لتحدثهم جمعاً عن تجربة. عن خبرة حياة بما فيها وعليها. لتطلب منهم تحقيق أماني مشروعة لا تتحقق في جيل، أو عدة أجيال. صبر وصمود. تحدٍ واستمرار. مفاهيم تترجمها لهم بما مرّ عليها من أحداث... تقول لهم أطفال أطفال. عملاً بوصية ياسر، قائد أقنعتها كلماته. بقاء يتحقق بالإنجاب، وبتربية أم فلسطينية تعتز وتفخر بتاريخ الأجداد، وأرضهم.
شوقية تبدي إعجاباً وسعادة، تظهر في قسمات الوجه المتعب، بسلوك البعض المسؤول الداعي للعمل، ويتقدمه. مسؤول لا يلتفت لحجم السوء، أو ما يوصف بالإحباط. يقوم بدوره، ويقدم أقصى قدرته. يسمع نقداً، فيدافع عن نفسه بسلوكه دون لسان. تراه في كل مناسبة يبحث تقديم الأفضل.
شوقية تدعو بالخير لليلى، والكل السائر نحو الهدف الوطني، بإصرار وشموخ. تدعو لموظف يتقصد مساعدة كل مواطن دون تمييز. لمعلم يجهد في إفهام الطلبة، وتطويرهم. لصحفي ينقل للعالم هماً وأملاً بصدق الصورة والتعبير. تدعو بالخير لكل فلسطيني حر يقرر تخصيص الممكن لتمكين الشعب صموداً حتى التحرير.
ليس غريباً أن تتفهم شوقية غضب رئيس ينفذ صبره. شَتَم العالم. تشاركه شوقية ذات الشتم، وتضيف ..... لندن، وتؤكد إصراره. لن نرحل. هنا باقون. تزيّن بعض عبارات شعرية للراحل درويش مع عذر التحريف (على هذه الأرض شعب يستحق الحياة، كما يستحق أن نضحي من أجله).
الأبناء، وأبناء الأبناء، سيبقون حملة لوصايا شوقية. لعمارة أرض، وصمود في وجه الصعب، وتربية صغار، وتوعيتهم، فلا ضياع لحق وراءه مطالِب.
دلالات
مشاركات القراء
لمحات من الأحداث
طقس القدس

الجمعة

السّبت

الأحد
أسعار العملات
- دولار أمريكي / شيكل شراء 3.59 بيع 3.61
- دينار أردني / شيكل شراء 5.06 بيع 5.08
- يورو / شيكل شراء 3.86 بيع 3.88
الأحد 26 مارس 2023 5:35 صباحًا
شارك برأيك على لا ضياع لحق وراءه مطالِب
شارك دون الحاجة الى التسجيل.
يرجى التعليق باللغة العربية.
فريق عمل القدس دوت كوم
جاري نشر التعليق