رحلة في نقد الموروث: لماذا أعدت اكتشاف الإسلام؟
الخميس 10 أبريل 2025 6:46 مساءً - بتوقيت القدس
في السنوات الأخيرة، أصبح من الملاحظ ازدياد الاهتمام بالإسلام، ليس فقط من أتباعه، بل من المفكرين والباحثين والناقدين من داخله أيضاً هذا الاهتمام نابع من شعور متزايد بالحاجة إلى فهم أعمق لما وصلنا من الدين، والتمييز بين جوهر الرسالة الإلهية، وما أُضيف إليها عبر التاريخ من روايات وتفسيرات بشرية.
أنا واحد ممن قادهم هذا الوعي لإعادة النظر في ما كنت أظنه مسلَّمات. بدأت رحلتي في سن السادسة والعشرين، حين كنت أتنقل بسيارة أجرة من قريتي إلى مدينة جنين. فجأة، شغّل السائق المذياع، وكان صوت شيخ يبكي تأثراً وهو يعدد فضائل الإسلام. في ذلك الحين، كنت أحمل تصوّرات سلبية عن معظم الشيوخ، معتبراً إياهم دعاة فتنة ومروّجين لأكاذيب تشوه صورة النبي.
لكن حديث الشيخ ذلك اليوم استوقفني، فقد تحدث عن علاقة النبي محمد بعائشة، وذكر أنها كانت تداعب ذقنه أثناء تناوله الطعام. هنا لم أتمالك نفسي من الغضب، إذ شعرت أن ما يُقال يتعدى حدود الخصوصية ويُقحم النبي في مشاهد لا تليق بمقامه. تساءلت حينها: من نقل هذا الحديث؟ هل هو من وحي النبي؟ أم من عائشة؟ أم من رواة لم يتحرّوا الدقة؟ مثل هذه الروايات، التي تُروى باسم "الحديث الشريف"، تسهم في تقديم صورة مغلوطة عن النبي، وتشوّه معاني العلاقة الزوجية، بل وتفتح الباب لتصويره في مواقف لا تليق بشخص أُرسل رحمة للعالمين.
من هنا بدأت رحلتي مع الأسئلة. لماذا نُقدّس الروايات أكثر مما نُقدّس كلام الله؟ لماذا نأخذ الموروث الديني كأنه جزء لا يتجزأ من الدين، بينما كثير منه من إنتاج العصور السياسية التي تلت وفاة النبي؟ خصوصاً في ظل التأسيس الفقهي الذي رافق الدولة الأموية، ثم المؤسسات الدينية الكبرى في ما بعد، مثل الأزهر والزيتونة وسواها، والتي ثبت أن كثيراً من مخرجاتها تعيد إنتاج نفس التصورات التقليدية.
في خضم هذا التساؤل، وصلني عبر فيسبوك مقطع فيديو يتناول نقد الموروث الديني، ولفتني الطرح العميق لصاحبه. بدأت أبحث عن مؤلفاته، وكان أول ما قرأته كتاب "الكتاب والقرآن" للباحث محمد شحرور. هذا الكتاب لم يكن مجرد عرض فكري، بل أطروحة علمية متكاملة تفتح آفاقاً جديدة لفهم النص القرآني بعيداً عن الروايات والمرويات.
وجدت في طروحات شحرور إجابات لكثير من الأسئلة التي كنت أطرحها سابقاً، وبدأت أكتب نقدي على صفحتي الشخصية، وأناقش هذه الأفكار مع أصدقائي في المقهى الذي أملكه. من بين الكتب المؤثرة التي قرأتها لاحقاً، كان كتاب "الدولة والمجتمع"، الذي أضاء لي كيف تم استخدام الدين لتكريس أنظمة الحكم الاستبدادية، وتقديس شخصيات مثل معاوية عبر روايات ملفقة تصوّره كصحابي مقرّب للنبي، بينما الهدف الحقيقي كان منح شرعية دينية لحكمه.
لقد أدى هذا النهج إلى انحراف خطير في فهم الإسلام، فأصبح الناس يقدّسون الأشخاص، لا القيم. وأصبحت الفتاوى تتكاثر، والروايات تتضخم، حتى بات الأصل يُطمس، والفرع يُقدّم.
أدعو من هنا كل من يهمه الأمر أن يعيد النظر في الإسلام، لا من باب التشكيك، بل من باب التحري والبحث. فالدين، في جوهره، ليس سوى رسالة أخلاقية تهدف إلى بناء مجتمع فاضل، كما حلم به الفلاسفة من قبل، من أفلاطون إلى الفارابي، وكما بشّر به الأنبياء عبر التاريخ. والقرآن واضح في دعوته إلى الخير، وتحريم الضرر، والحفاظ على إنسانية الإنسان. وهذا ما تتفق عليه البشرية كلها، إذ لا نظام قانوني في العالم يجيز المحرمات الكبرى التي حرّمها الله.
الإسلام الحق ليس ما وصلنا عبر الروايات، بل ما قاله الله في كتابه، وما يتوافق مع العقل، والضمير، والفطرة.
إقرأ المزيد لـ د. محمد محمود ياسين ...
الأكثر تعليقاً
الرئيس يستقبل المدير التنفيذي لمنظمة "كنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط"
"القسام" تعلن استهداف 3 دبابات إسرائيلية شرقي غزة
واشنطن: نستهدف الحوثيين وقدراتهم العسكرية وعرقلة تدفق الأسلحة من إيران ودول أخرى
الصحة العالمية: الحصار الإسرائيلي يحول دون صيانة "المعمداني" بغزة
الاحتلال يصعد من قصفه على قطاع غزة ونتنياهو يؤكد استمرار العمليات العسكرية

الجيش الإسرائيلي يرفض إعادة ممتلكات مصادرة من معتقلين غزيين

كاتس يهدد "حماس" ويكشف آلية جديدة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة
الأكثر قراءة
"حماس" سترد على مقترح وقف إطلاق النار خلال 48 ساعة

إصابة شاب برصاص الاحتلال واعتقال آخر شرق نابلس
الأونروا: نفاد مخزونات الغذاء التي دخلت غزة بفترة وقف إطلاق النار
إعلام عبري يكشف ما جرى باجتماع أمني في تل أبيب وسط اقتراب رد حماس على مقترح التهدئة
أطباء بلا حدود: غزة مقبرة جماعية

الجيش الإسرائيلي يرفض إعادة ممتلكات مصادرة من معتقلين غزيين

الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد كتيبة الشجاعية

أسعار العملات
الخميس 17 أبريل 2025 1:14 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.69
شراء 3.68
دينار / شيكل
بيع 5.2
شراء 5.19
يورو / شيكل
بيع 4.19
شراء 4.18
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 1078)
شارك برأيك
رحلة في نقد الموروث: لماذا أعدت اكتشاف الإسلام؟