في عصر الثورة الرقمية، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منصة رئيسية للفاعلين السياسيين، إذ وفرت فضاءً افتراضيًا للتعبير الحر عن الأفكار بعيدًا عن هيمنة الإعلام التقليدي وأجنداته. فقد سهّلت هذه المنصات الوصول إلى المعلومات ونشرها، مما مكّن القوى السياسية من التأثير في الرأي العام وإثارة قضايا حيوية. لكن يبقى السؤال: هل نجح هذا الهروب من الإعلام التقليدي بالكامل، أم أن المستخدم أصبح خاضعًا لأجندات سياسية ودعائية جديدة؟
بين الديمقراطية الرقمية والتحديات المقيدة
في البداية، ساد الاعتقاد بأن الفضاء الرقمي يعزز الديمقراطية التشاركية، حيث يمنح الأفراد فرصة للمشاركة السياسية والتعبير عن آرائهم بحرية. لكن الممارسات العملية كشفت عن عوائق تحول دون تحقيق بيئة رقمية مثالية للمشاركة الفعالة، مما يحد من التأثير السياسي الرقمي ويجعل نجاحه مرهونًا بعوامل عدة.
قيود الفعل السياسي الرقمي
فخ الخوارزميات وتأثيرها تعتمد منصات التواصل الاجتماعي على خوارزميات ذكية تحدد ما يراه المستخدمون، مما يؤثر في تدفق المعلومات. فهذه الخوارزميات، المستندة إلى الذكاء الاصطناعي، قد تؤدي إلى تضخيم بعض الأحداث على حساب أخرى، أو تُستخدم في حملات تضليل أو تقييد حرية التعبير عبر حذف منشورات أو تعليق حسابات. وهكذا، تتحول هذه المنصات إلى أدوات مسيّسة تخضع لضغوط سياسية أو اقتصادية.

تسيس القوانين وتأثيره على الحريات الرقمية تلعب القوانين المنظمة للإنترنت دورًا مزدوجًا؛ فمن جهة، تضمن حماية بيانات المستخدمين، ومن جهة أخرى، قد تستغلها بعض الحكومات كأداة للرقابة والتضييق على حرية التعبير. ففي بعض الدول، تتحول هذه القوانين إلى وسائل للسيطرة على النشاط الرقمي، مما يقوّض استقلالية الفعل السياسي الرقمي ويحد من تأثيره.

سياسات المنصات الاجتماعية وأثرها على المحتوى السياسي بالإضافة إلى تحكم الخوارزميات، تضع منصات التواصل الاجتماعي سياسات داخلية تنظم المحتوى، مثل حذف المنشورات التي تحض على العنف أو تتعارض مع سياساتها. ورغم أهمية هذه القوانين في ضبط السلوك الرقمي، فإنها قد تُستخدم بطرق مسيّسة، مما يستوجب تعزيز الشفافية لضمان عدم تقييد النشاط السياسي الرقمي بصورة غير مبررة.

الفعل السياسي الرقمي المضاد وتأثيره على الحراك الرقمي يتميز الفضاء الرقمي بتعدد الأصوات والآراء، مما يؤدي إلى نشوء أفعال سياسية مضادة تشمل حملات التأييد أو التشويه أو التضليل. وبالتالي، فإن نجاح الفعل السياسي الرقمي يعتمد على مدى قوته وقدرته على الصمود أمام هذه التحديات الرقمية المتنوعة.

محدودية الأثر وضرورة الارتباط بالواقع يظل الفعل السياسي الرقمي محدودًا إذا لم يُترجم إلى تأثير واقعي. فبقاء النشاط السياسي ضمن حدود الفضاء الرقمي دون انعكاسه على أرض الواقع يشكل نقطة ضعف كبيرة. ورغم بعض النجاحات، كما حدث في العالم العربي عام 2011، فإن تحقيق تأثير سياسي مستدام يتطلب ارتباطًا وثيقًا بين الفعل الرقمي والواقع السياسي والاجتماعي.

هل يمكن أن يصبح الفعل السياسي الرقمي قوة تغيير حقيقية؟
يجب أن يُقرأ أي فعل سياسي رقمي في سياق ظروفه الخاصة، إذ يعتمد نجاحه على طبيعة الحدث ومدى ارتباطه بالواقع. فبينما يمكن أن يكون الفضاء الرقمي أداة فعالة للتعبئة السياسية، يبقى تأثيره مرهونًا بقدرته على تجاوز العقبات التقنية والسياسية، وتحقيق استجابة فعلية في الواقع. لذا، فإن أي تحليل للفعل السياسي الرقمي ينبغي أن يأخذ في الاعتبار العلاقة بين الجهة المستخدمة والجمهور المستهدف ومدى قوة الروابط بينهما. فإذا لم يكن لهذا الفعل امتداد واقعي ملموس، فإنه يظل مجرد صدى رقمي لا يحقق التغيير الحقيقي المطلوب