Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

مدينة القدس من منظور مسيحيي الأرض المقدسة

السّبت 19 أكتوبر 2024 9:28 صباحًا - بتوقيت القدس

الأب سيمون بيترو حرّو

مدينة القدس من منظور مسيحيي الأرض المقدسة.
بقلم الأب سيمون حرّو
مدينة القدس ليست مجرد موقع جغرافي هام أو مدينة تاريخية أثرية، بل هي جوهر التفاعل الروحي والتاريخي بين الله والإنسان في الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية، المسيحية، والإسلام. بالنسبة لمسيحيي الأرض المقدسة، تمثل القدس نقطة محورية في الهوية الروحية والإنسانية حيث عاش السيد المسيح له المجد وعمل المعجزات ومات من أجل خلاص البشرية جمعاء وقام من بين الأموات ليعطي الحياة للذين يؤمنون به وبرسالته السماوية؛ فهي ليست فقط موطناً للمواقع المقدسة مثل كنيسة القيامة أو غيرها من الكنائس، بل هي رمز لعلاقة أزلية بالتراث الديني المسيحي والقيم الإنسانية. عبر هذا المقال، سيتناول الباحث الأوضاع الراهنة في القدس من منظور مسيحيي الأرض المقدسة، مع التركيز على الأبعاد الروحية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على حياتهم اليومية.

الأهمية الدينية والتاريخية للقدس بالنسبة للمسيحيين
تحتل مدينة القدس مكانة خاصة لدى جميع مسيحيي الأرض المقدسة باعتبارها المدينة المقدسة بامتياز التي شهدت أحداثاً محورية في حياة السيد المسيح، بدءًا من ميلاده في مدينة بيت لحم القريبة، إلى صلبه وقيامته وصعوده في القدس. كنيسة القيامة، التي تعتبر أم الكنائس قاطبة، من أهم المعالم المسيحية في العالم، تجسد جوهر الإيمان المسيحي المبني على رسالة المحبة بآلام المسيح وقيامته.
عبر التاريخ، ظلت مدينة القدس مركزاً هاما للحج المسيحي، حيث يتوافد الحجاج من جميع أنحاء العالم للصلاة والعبادة وطلب المغفرة وزيارة الأماكن المقدسة على خطى آثار السيد المسيح. هذه الروابط الروحية العميقة المرتبطة برسالة الخلاص الآتية من علُ تربط مسيحيي الأرض المقدسة بجذورهم التاريخية وتعزز من تعلقهم بالمدينة المقدسة، ليس فقط كجزء من هويتهم الدينية، بل أيضاً كجزء أساسي من كيانهم الوطني.
الأوضاع الراهنة لمسيحيي القدس
في العقود الأخيرة، شهدت مدينة القدس العديد من التحولات السياسية والاجتماعية التي أثرت على مسيحيي المدينة. تتراوح التحديات التي يواجهونها بين الأبعاد السياسية المعقدة التي تتمثل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت العديد منهم إلى الهجرة والتشتت في بلدان عديدة بحثا عن الأمان والعيش بكرامة، فصدق قول السيد المسيح في الإنجيل المقدس: لا يوجد كرامة لنبي في وطنه.
الصراع السياسي والتوترات:
تواجه القدس توترات سياسية مستدامة نتيجة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يلقي بظلاله على كل جوانب الحياة في المدينة. مسيحيو القدس، مثلهم مثل غيرهم من السكان، يعانون من تبعات هذا الصراع المرير. على الرغم من أنهم يشكلون أقلية في المدينة، إلا أنهم يعانون من سياسات الاستيطان، وتقسيم المدينة، والتحديات المتعلقة بحرية الحركة والوصول إلى أماكنهم المقدسة من أجل العبادة والصلاة والشعور بالأمن والأمان.
الهجرة والتناقص السكاني:
يُعاني التواجد المسيحي في القدس من تراجع مستمر في أعداده نتيجة للهجرة. الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع متعددة، من بينها الوضع الاقتصادي الصعب، وقلة فرص العمل ومشاكل السكن، والتعرض لممارساتهم الروحية من قبل بعض المتشددين دينيا من الطوائف الأخرى بالشتم والبصق والضرب أحيانا، والصعوبات الناجمة عن التوترات السياسية المتزايدة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. في ظل هذه الظروف القاسية، اضطر العديد من المسيحيين للبحث عن فرص حياة أفضل خارج المدينة، مما يشكل تهديداً لاستمرارية وجودهم التاريخي في القدس.
العيش المشترك مع الطوائف الأخرى:
رغم التحديات، تمكن مسيحيو القدس، متمسكين بتعاليم السيد المسيح، من الحفاظ على علاقات طيبة مع الطوائف الأخرى في المدينة. العيش المشترك مع المسلمين واليهود يشكل جزءاً من الحياة اليومية في المدينة، حيث تتداخل الطوائف في نسيج اجتماعي معقد. مع ذلك، هناك تحديات تتعلق بتعزيز هذه العلاقات، خاصة في ظل التوترات السياسية المتزايدة وظهور جماعات دينية متطرفة تحاول أن تخنق هذا النسيج الاجتماعي وتبث الزؤان والتفرقة في الأجواء.
التحديات الاجتماعية والاقتصادية:
بالإضافة إلى التحديات السياسية، يواجه مسيحيو مدينة القدس تحديات اقتصادية واجتماعية. فرص العمل محدودة، والعديد من المسيحيين يعتمدون على السياحة والحج، وهما قطاعان تأثرا بشدة بسبب التوترات السياسية والإجراءات الأمنية المشددة. يضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن وأسعار الأراضي ورخص البناء في القدس، مما يزيد من الأعباء على الأسر المسيحية.
دور الكنائس والمؤسسات المسيحية:
لعبت وما تزال جميع الكنائس والمؤسسات المسيحية في الأرض المقدسة ولا سيما حراسة الأراضي المقدسة للآباء الفرنسيسكان في القدس تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الهوية المسيحية والوجود المسيحي من خلال دعم المجتمع المحلي. تقدم الكنائس، وخاصة كنيسة القيامة، خدمات روحية واجتماعية للسكان وللحجاج على حد سواء. كما تعمل المدارس الخاصة والمستشفيات والمؤسسات الخيرية المسيحية على تقديم خدمات هامة للسكان بتوفير السكن - بقدر المستطاع - والمنح الدراسية في الجامعات المحلية، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية.
إلى جانب ذلك، تعمل المؤسسات المسيحية جاهدة على دعم مساعي السلام والعيش المشترك بكرامة أبناء الله، من خلال حوار الأديان والمبادرات الاجتماعية التي تهدف إلى تعزيز التواصل والتفاهم بين مختلف الطوائف في المدينة.
مستقبل مسيحيي القدس:
المستقبل بالنسبة لمسيحيي القدس يظل غامضاً في ظل التحديات السياسية والاقتصادية المتزايدة وتعاظم التطرف الديني من قبل بعض الفئات المتشددة التي تحاول أن تنسب القدس لها، وكأن لا وجود للمواطن المسيحي من حق فيها. مع ذلك، هناك جهود مستمرة للحفاظ على وجودهم وتعزيز دورهم في المدينة. مبادرات الحوار بين الأديان ودعم المجتمع المحلي من قبل الكنائس والمؤسسات المسيحية تظل أمراً حاسماً في الحفاظ على الوجود المسيحي في مدينة القدس.
تتطلب هذه الجهود من جميع أبناء المجتمع المحلي من إعادة صياغة الثقافة العامة لهذه المدينة من خلال تعزيز القيم الإنسانية والعيش المشترك وتقبل الآخر، هذا يتطلب دعم المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية لضمان استمرار الحضور المسيحي في المدينة وتحقيق هذا العيش المشترك بكرامة وحرية ومساواة وسلام.
وفي الختام، من وجهة نظر الباحث، تمثل مدينة القدس بالنسبة لمسيحيي الأرض المقدسة رمزاً للهوية الروحية والتاريخية. على الرغم من التحديات الراهنة، لا يزال هؤلاء المسيحيون ملتزمين بالحفاظ على وجودهم ودورهم الفاعل في المدينة كمواطنين أصليين. من خلال تعزيز الحوار بين الأديان، ودعم المجتمع المحلي، والعمل جنبا إلى جنب بروح الكتب السماوية التوراة والإنجيل والقرآن من أجل العيش المشترك وتقبل الآخر باحترام ومساواة، يمكن أن تستمر القدس في أن تكون مدينة تجمع الأديان وتحتضن التنوع الثقافي والديني، وبهذا تصبح مدينة القدس رمزا للتعايش السلمي.

إقرأ المزيد لـ الأب سيمون بيترو حرّو ...

أسعار العملات

الإثنين 02 ديسمبر 2024 9:21 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.64

شراء 3.63

دينار / شيكل

بيع 5.13

شراء 5.11

يورو / شيكل

بيع 3.83

شراء 3.8

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 177)