Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

في بناء استراتيجية موحدة لفلسطينيي فرنسا

الإثنين 19 أغسطس 2024 9:59 صباحًا - بتوقيت القدس

محمد عاطف عريقات

                                                  في بناء استراتيجية موحدة لفلسطينيي فرنسا

تتزامن كتابة هذه الورقة مع دخول حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني شهرها الحادي عشر، وتتضمن دراسة معمقة لطبيعة الحراك الفلسطيني على الساحة الفرنسية بشكل خاص، والساحات الغربية بشكل عام.
منذ بداية الحراك الجماهيري في فرنسا، استطاعت الحركات الداعمة لفلسطين حشد الدعم بصورة طردية للقضية الفلسطينية رغم العديد من التحديات الفعلية التي واجهها النشطاء، والتي وصلت في بداية الحرب إلى منعهم من الاحتجاج أو حتى التلويح بالعلم الفلسطيني في الأماكن العامة. وقد تبع ذلك توقيف أو اعتقال البعض، لكن سرعان ما تغير الوضع بعد أن أقر المجلس الدستوري الفرنسي بعدم صلاحية وزارة الداخلية الفرنسية في الامتناع عن إصدار التراخيص التي تسمح بالمظاهرات في الشوارع الفرنسية. وهكذا، أصبح القرار الصادر بتاريخ 18-10-2023 نقطة تحول في طبيعة الحراك في الشارع الفرنسي، وسرعان ما بدأت المظاهرات المناهضة للحرب الإسرائيلية تتصاعد بشكل حاد، حيث وصل الحشد في كبريات المدن الفرنسية مثل باريس وليون ونانت إلى عشرات الآلاف من المتظاهرين.

ومما يمكن ملاحظته في تلك الفترة هو رفع سقف المطالب الموجهة للحكومة الفرنسية، التي بدأت بالمطالبة بوقف إطلاق النار - وهو ما أقرت به الحكومة الفرنسية وباتت هي الأخرى تنادي به - وصولًا إلى المطالب التي تضمنت مقاطعة إسرائيل، وإنهاء الاحتلال، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل والمناداة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
وإذا ما أردنا التعريج على القوى الفاعلة التي قادت هذا الحراك، فيمكن إجمالها بداية في جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية (AFPS)، بالإضافة إلى العديد من الأحزاب اليسارية الفرنسية، وعلى رأسها حزب "فرنسا الأبية"، والعديد من النقابات الفرنسية، وعصبة حقوق الإنسان في فرنسا (LDH)، بالإضافة إلى تكتل فلسطيني فتيّ عرف لاحقًا بـ "Urgence Palestine".
عموماً، يمكن القول إنه في بدايات الحرب استطاعت هذه الجهات التنسيق فيما بينها لقيادة المظاهرات في الشوارع الفرنسية رغم الاختلافات الجوهرية فيما بينها، لكن لم تتمكن هذه الجهات حتى اللحظة من بناء استراتيجية موحدة تُمكّنها من التوجه بخطاب مشترك واحد يمكن من خلاله تشكيل ضغط سياسي وقانوني على الجهات الفاعلة في الدولة الفرنسية.

تتبنى جمعية التضامن الفرنسي الفلسطيني حل الدولتين كخيار وحيد من شأنه أن يعيد للفلسطينيين بعضًا من حقوقهم، باعتباره الحل الواقعي الوحيد. ويشترك معها في هذه الرؤية حزب "فرنسا الأبية"، مع وجود بعض الأصوات داخله التي تنادي بفكرة الدولة ثنائية القومية، مثل البرلمانية الفرنسية من أصول فلسطينية ريما حسن. بينما تتباين الرؤى في تكتل "Urgence Palestine" بين حل الدولتين، وحل الدولة الواحدة، وحل التحرير الكامل المتماثل مع فكرة تحرير فيتنام من أمريكا وتحرير الجزائر من فرنسا، وما يتبع ذلك ضمنًا من طرد المستعمر بالكامل من الأراضي المحتلة.

استطاع تكتل "Urgence Palestine" بالإضافة إلى أبناء الجالية الفلسطينية عامةً خلق حالة نضالية جديدة وفريدة، نظرًا لكونه تكتلًا فلسطينيًا خالصًا ونقيًا جاء من الأراضي المحتلة. فهو يشكل في هيكله الخريطة الفلسطينية الكاملة، حيث يضم جميع أطياف الشعب الفلسطيني من لاجئين ومواطنين فلسطينيين وفرنسيين من أصول فلسطينية من غزة وحيفا ونابلس والقدس. ومن شأن هذا الحراك، إذا استطاع الصمود لما بعد الحرب الحالية على الشعب الفلسطيني، أن يشكل قوة ضغط صاعدة قادرة على تغيير قواعد اللعبة على الصعيدين الفرنسي والأوروبي عامةً، لا سيما إن أخذنا بعين الاعتبار ضمه للعديد من النخب السياسية والأكاديمية والثقافية التي تستطيع كل منها، من موقعها، التأثير على الحيز الجغرافي المتواجدة فيه.

لكن هذا لن يتحقق إلا بعد بناء خطاب سياسي واحد يجتمع عليه كل من ينضوي تحت هذا التكتل. خطاب سياسي واقعي لا يتنازل عن حق أي فلسطيني، بغض النظر عن مكان تواجده في هذا العالم، لكنه خطاب واقعي يمكن تقبله من المجتمعات الغربية، وهو ما يعني خطابًا براغماتيًا يسمح للفلسطينيين باستخدام كافة الوسائل القانونية والسياسية التي تمكنهم من انتزاع بعض حقوقهم المشروعة، والتي تخولهم أيضًا حشد أكبر قدر ممكن من التضامن على الصعيدين الشعبي والحزبي.

صحيح أن الفلسطينيين استطاعوا في البداية حشد العديد من أطياف الشعب الفرنسي لصالحهم، لكن لا بد من القول إن طبيعة الخطاب الفلسطيني أحيانًا، وبدون تعميم، انعكست سلبًا على الفئات المتضامنة معه. فالمناداة مثلًا بالتحرير الكامل من البحر إلى النهر بالصورة الدارجة حاليًا أدت إلى خسارة الفلسطينيين للعديد من الفئات المرتبكة من هذا التوجه خشية الوقوع في فخ اللاسامية. إذ يعتقد البعض أن المناداة من هذا النوع قد تعني طرد اليهود من فلسطين، وهو ما تلقفته وسائل الإعلام الفرنسية لخلق حالة مضادة أساسها الترهيب الفكري وكيل الاتهامات للعديد من القوى المؤثرة التي يمكنها إحداث تغيير نوعي في المجتمع الفرنسي.

ولهذا، لا بد من التفريق بعناية بين طبيعة الجماهير التي يتواجد الفلسطيني بينها وخلق خطاب متوازن موجه إلى جمهور بعينه. فما يمكن تفهمه في جنين أو نابلس ليس بالضرورة هو ذاته ما يجب قوله في باريس أو لندن.

هل يعني تغيير طبيعة الخطاب التنازل عن فلسطين؟
ما من شك أنه لا يوجد فلسطيني عاقل يتمتع بأدنى حس من الوطنية سيقوم برسم خريطة فلسطين ويقصرها على الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ أن فلسطين في الوجدان الفلسطيني هي ذلك الكيان الذي تحده لبنان وسوريا من الشمال، والأردن من الشرق، والبحر المتوسط من الغرب، والبحر الأحمر من الجنوب. وما من شك أيضًا أن حتى الحلول التي توصف من قبل البعض بالانهزامية، مثل حل الدولتين، هي حلول مؤقتة في نهاية المطاف، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بريطانيا هي إنجليزية طالما تواجد الإنجليز فيها وشكلوا الأغلبية، وفرنسا هي فرنسية طالما طغى فيها الفرنسي ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا على بقية الطوائف والشرائح المتواجدة هناك، وكذلك فلسطين هي فلسطينية طالما ظل الفلسطيني فيها وعاد إليها.

صحيح أن هناك العديد من الجهات الفلسطينية التي تعارض الكيانية الفلسطينية بشكلها الحالي، لكن في الوقت ذاته من المشروع التساؤل: هل من الممكن الآن هدم العقود الأربعة الماضية والعودة للبناء من الصفر مجددًا لخلق حل سياسي جديد بغض النظر عن طبيعته؟

لقد اعترفت أغلب دول العالم بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك معظم دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، واعتراف إحدى عشر دولة من أصل سبع وعشرين دولة أوروبية بفلسطين، بالإضافة إلى العديد من القرارات الحديثة الصادرة لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني، لا سيما قرار محكمة العدل الدولية الأخير الذي جرد العالم من أسنان اتفاقية أوسلو التي لطالما تذرع بها كحجة لعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلا بعد المفاوضات المباشرة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. كما أعطى الفلسطينيين الحق في التمسك بالمعاهدات الدولية وسموها على أي اتفاقية ثنائية بين فلسطين وإسرائيل. وهذه الإنجازات، بدلاً من تجاهلها أو محاولة هدمها، لا بد من البناء عليها، لا سيما بعد أن صار من الملاحظ وجود خطاب سياسي جديد لمنظمة التحرير الفلسطينية يتم بناؤه على قرار التقسيم بدلاً من قرار 242 الذي يقتصر على الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.

ما المطلوب إذاً؟
يُعتبر التمسك بقرار التقسيم والمطالبة بتنفيذه أحد أكثر الحلول الواقعية في الظروف الراهنة، لا سيما وأن إسرائيل نفسها قد خطت بيد وزير الخارجية السابق آبا إيبان إقراراً بالتزامها بقرار التقسيم وقرار عودة اللاجئين 194 في مقابل عضويتها في الأمم المتحدة عام 1949. والوثيقة ما زالت حتى الآن موجودة في أروقة الأمم المتحدة ويمكن الاطلاع عليها.

ومن المهم ملاحظة أن المطالبة بتنفيذ هذين القرارين تعني عودة جميع اللاجئين إلى ديارهم السابقة وأماكن تواجدهم السابقة، بمعنى أن اللاجئ الفلسطيني الذي كان يقيم في حيفا سيعود إلى حيفا وليس إلى رام الله، وهكذا دواليك، بالإضافة إلى إقامة الدولة الفلسطينية على الحدود المتمثلة بقرار التقسيم والواضحة كتابةً في القرار بأسماء المدن والقرى. وهذا يعني أنه لا حاجة للتفاوض على رسم الحدود أو محاولة التكهن بها إلا بما قد تقتضيه الحاجة من تبادل بالقيمة والمثل شريطة الانسحاب المسبق قبل التفاوض من الأراضي المحتلة عام 1967، وهو ما تقتضيه قواعد المسؤولية الدولية التي توجب على الطرف المحتل الانسحاب وجبر الضرر قبل الشروع في عملية التفاوض وليس العكس الذي تمثل في الذهاب إلى التفاوض قبل الإقرار بالمسؤولية الدولية الواقعة على إسرائيل.

وإذا ما افترضنا جدلاً أنه تم تبني قرار التقسيم مجددًا، فإن عودة جميع اللاجئين إلى فلسطين من شأنه أن يخلق حالة ديمغرافية جديدة تتمثل بتكوين أغلبية فلسطينية ساحقة في فلسطين التاريخية، وهو ما يعني زمنياً، وبسياسة النفس الطويل، استرداد فلسطين شيئاً فشيئاً بشكل ديمقراطي عادل وإنساني أو على الأقل تسهيل المهمة على الأجيال اللاحقة.

هل ستقبل إسرائيل أو العالم الغربي بذلك؟
ما من شك أن إسرائيل بأهدافها التوسعية تعارض أي حل، بغض النظر عن طبيعته، إن لم يتمثل في طرد الفلسطينيين من أراضيهم أو إخضاعهم للعيش كمقيمين من الدرجة العاشرة في أراضي فلسطين التاريخية، وهذا بطبيعة الحال هو سلوك أي نظام استعمار استيطاني. ولدينا في جنوب أفريقيا تجربة سابقة. ومن المهم القول أيضًا إنه حتى بالنسبة لجنوب أفريقيا، فقد ظلت العديد من القوى الغربية المهيمنة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم حكم البيض حتى عهد رونالد ريغان، بل وكانت تعتبر وجود حكم البيض مصلحة حيوية لأمريكا، تمامًا كما تعتبر إسرائيل مصلحة حيوية لها في هذا العصر. ولهذا، فما من شك أن بعض الدول ستقوم بمعارضة هذا التوجه، لكن فلسطين ليست بدعاً من الأمم، وكما تم القضاء على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، سيتم القضاء عليه في فلسطين، لا سيما أن هذا التوجه لا يمكن معارضته ولا يمكن اتهامه بمعاداة السامية، نظرًا لتمسك الفلسطينيين بما أقره العالم ذاته الذي أنشأ إسرائيل. إذ تتمثل مطالبهم في التمسك بقرارات الأمم المتحدة وتطبيقها، وهي: عدم جواز احتلال أراضي الآخرين بالقوة، الحق في تقرير المصير، والحق الشرعي للشعوب الخاضعة للاحتلال بمقاومة محتلها.

وأخيرًا، يمكن القول إن بناء خطاب سياسي فلسطيني واحد، عقلاني، وقابل للتحقيق هو أفضل من التمني، وعمليًا يمكنه التأثير بشكل أكبر على العديد من الفئات في المجتمعات الغربية التي يقيم فيها الفلسطينيون. وهذا يتطلب بناء استراتيجية فلسطينية يمكن مناقشتها بشكل أعمق في مواضع لاحقة.

إقرأ المزيد لـ محمد عاطف عريقات ...

أسعار العملات

الإثنين 02 ديسمبر 2024 9:21 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.64

شراء 3.63

دينار / شيكل

بيع 5.13

شراء 5.11

يورو / شيكل

بيع 3.83

شراء 3.8

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 177)