يعد التعليم في الوقت الحالي جزءا لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي لأي دولة، ولا يقل دوره عن دور الجيوش للحفاظ على قوة الدولة وأمنها واستقرارها، حيث تعد السياسة التعليمية جزء لا يتجزأ من أجزاء السياسة العامة للدولة، لذلك تدرك الحكومات أنها بحاجة لدعم شعوبها فيما تتخذه من قرارات وما تنفذه من أعمال، بتمرير ذلك من خلال تبنيها لسياسات تربوية متوائمة مع الاتجاه العام للدولة ورؤيتها وتطلعاتها. كما تعد السياسات التربوية الخطوط العامة التي تقوم عليها التربية والتعليم لتلبية حاجات المجتمع وتحقيق أهداف الأمة، وهي تشمل حقول التعليم ومراحله المختلفة، والخطط والمناهج والوسائل التربوية والنظم الإدارية والأجهزة القائمة على التعليم وسائر ما يتصل بها وإعداد مواطنين أكفياء مؤهلين علميا وفكريا.
وفي هذا الإطار فإن السياسات التربوية تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الوعي الوطني لدى الشعوب، وتسهم في نقل القيم والمعرفة وتشجيع التفاهم والانفتاح على الهوية والتراث الوطني، وهذا يتجلى في:
-تضمين مفاهيم الهوية الوطنية والتراث الثقافي للدولة ضمن المناهج المدرسية، مما يسهم في نقل المعرفة بين الأجيال، وتعزيز ثقافة الدولة ورؤيتها وسياستها. ولهذا في حالات الاحتلال والاستعمار، أول ما تتوجه له الدول الغازية هو النظام التعليمي للدولة المحتلة وتعمد إلى تغيير مناهجها، لإدراكها دور المنهاج في تثبيت الفكر الاستعماري.
-تعزيز استخدام اللغة الوطنية في التعليم، مما يعزز التواصل والتفاهم، ويعزز الهوية الوطنية، وهو يفسر ما نلاحظه من فرض المحتل دوماً لغته كلغة للدولة المحتلة، وخير مثال على ذلك تأثر دول المغرب العربي باللغة الفرنسية نتيجة الاحتلال الفرنسي.
-تشجيع الحوار والتفاهم بين الأجيال المختلفة، مما يعزز الوعي الوطني والتلاحم الوطني.
-سياسات التعليم يمكن أن تشجع على تضمين قيم وأخلاقيات وطنية في التعليم، ذلك يساعد في بناء الوعي حول القيم الوطنية والمبادئ التوجيهية. وتضمين مكونات تعليم المواطنة في المناهج، مما يعزز الوعي بالحقوق والمسؤوليات المدنية. كما تشجع على مشاركة الأهالي والمجتمعات المحلية في توجيه التعليم، من خلال نشر ثقافة المسؤولية المجتمعية، بهدف تطوير المنظومة التعليمية في أي بلد.
-تشجع السياسات التعليمية على تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليلية، مما يمكن الأفراد من فهم القضايا الوطنية بشكل أفضل واتخاذ قرارات مستنيرة. ويشجع على المشاركة الفعالة في الحوارات واتخاذ القرارات.
ولذا تدرك الدول الاستعمارية هذا الدور للسياسات التربوية في تشكيل الوعي الوطني، وتستخدمه بمسارين متوازيين، فهي تعمل على رفع ثقافة الوعي وتمرير ثقافتها الاستعمارية وفكرها الاستعماري من خلال مؤسساتها التربوية والتعليمية، فينشأ الفرد لديها على الحقد والكره ويتعزز في ذهنه حقه الباطل في مقدرات الدولة التي يحتلها، فتعمل على توجيه مناهجها وبرامجها التربوية في هذا الاتجاه، وتعمد لتحريف الحقائق، وتزوير التاريخ وتضمين ذلك في مناهجها، والاستثمار في الجيل الصاعد للمحافظة على استمرار ثقافة المحتل. فهو على هذا النحو يستخدم التعليم كوسيلة لتجنيد الشباب والمعلمين لدعم أجندته السياسية.
أما المسار الثاني فهو المسار المتعلق بالدولة التي يتم احتلاها، فيحاول بدءا فرض مناهجه الخاصة وإن لم يستطع فيقف حاجزاً دون تقديم مناهج وطنية واعية، والترويج للغته، وتغيير مسميات المدارس وهويتها وخصوصيتها بهدف تعزيز ثقافته، ويفرض قيودًا على حركة البحث والتعليم الحر، مما يقيد حرية الأفكار والتعبير، ويمنع الدراسات والأبحاث التي تعارض رؤيته. بالإضافة للاعتداء بأساليب مختلفة على جمهور التربويين والمعلمين والطلبة، والتركيز على هدم القدوات في أذهان الطلبة، بحثاً عن تحويلهم إلى كائنات مسخ ليس لديها أي شكل من أشكال الانتماء، والوعي والثقافة الوطنية.
في ظل الواقع الأليم الذي نعيشه هذه الأيام، تقفز إلى الذهن مجموعة من التساؤلات، التي قد تكون إضاءة على حاجتنا لتعزيز سياسة تعليمية مختلفة، ما السياسة التربوية التي ينفذها الاحتلال لتربية هذه العقلية التدميرية لدى أبنائه، وكيف وصل بهم إلى هذه المرحلة؟ وهل نعد لسياسة تربوية مواجهة على نفس المستوى من المواجهة؟ وما السياسة التربوية التي نشأ عليها الأحرار في جميع أنحاء العالم، للدفاع عن أوطانهم في كل بقعة محتلة. فحركات التحرر في جميع أنحاء العالم في أغلبها قادها تربويون ومعلمون وأفراد على درجة عالية من التعليم.
أقلام وأراء
السّبت 28 أكتوبر 2023 11:08 صباحًا - بتوقيت القدس
السياسات التربوية وتوجيه الوعي الوطني

دلالات
نصار يقين قبل أكثر من سنة
مقال مشرف جدا
المزيد في أقلام وأراء
هل آن أوان الانصياع للإرادة الشعبية؟
بقلم: جمال زقوت
قمتا الاهتمام
حمادة فراعنة
المال بين التوظيف للتحرير والاستثمار في المأساة
أمين الحاج
ترامب ونتنياهو في مواجهة الإنسانية
بهاء رحال
هل ستنجح مخرجات قمة القاهرة الثلاثية لوقف الحرب في غزة؟
كريستين حنا نصر
الفلسطينيون أمام مفترق طرق
علي الجرباوي
لا للبلطجة والهيمنة الاقتصادية
بقلم السفير تسنغ جيشين مدير مكتب جمهورية الصين الشعبية لدى دولة فلسطين
كيفية تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني
د. غيرشن باسكن
حرب المستوطنين في الضفة
بهاء رحال
مجزرة سيارات الإسعاف:عندما يدفن الجنود الجثث في مقبرة جماعية فهذه ليست فوضى بل سياسة
اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى
سري القدوة
هل ستغير "حرب غزة" وجه السياسة الفلسطينية؟
أمين الحاج
الاستيطان.. أداة إبادة سياسية في الضفة
د. دلال صائب عريقات
الشرق الأوسط الذي نحن نريد
عطية الجبارين
فاضل الربيعي وتفكيك السردية التوراتية
نبهان خريشه
اتفاق قسد و دمشق ضمانة لسيادة سوريا جديدة موحدة
كريستين حنا نصر
“حين يستيقظ الذكاء: يوم في حياة موظف يقوده الذكاء الاصطناعي”
تريند جيبلي وكنز المعلومات الصورية
إعادة ضبط ساعتك الحيوية بعد رمضان: دليلك لاستعادة التوازن الصحي
بقلم: د. سماح جبر
الرواية القناع.. توازي السرد في "ذاكرة في الحجر" لـ كوثر الزين
الأكثر تعليقاً
الاستيطان.. أداة إبادة سياسية في الضفة

فضحت دعم مايكروسوفت لإسرائيل.. مواقع التواصل تحتفي بالمغربية ابتهال أبو السعد
تشييع جثمان الطفل عمر ربيع شرق رام الله

ماكرون من العريش: غزة ليست مشروعًا عقاريًا

الطلبة الصحفيون الأميركيون يختفون خوفًا من حملة ترامب الشرسة ضد الخطاب المؤيد للفلسطينيين

المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي يتجول جنوبي سوريا
مبعوث حاكم السودان زار إسرائيل سرا وطلب دعما عسكريا
الأكثر قراءة
استشهاد فتى برصاص الاحتلال في ترمسعيا شمال شرق رام الله
نتنياهو يصل واشنطن وسط سعيه لإعادة احتلال غزة والتصعيد مع إيران

"الأغذية العالمي" يعلن إغلاق مخابزه بغزة إثر نقص الوقود والدقيق
المؤتمر السابع لنقابات العمال... تشريعات للحماية ومعركة مفتوحة ضد الاحتلال
فضحت دعم مايكروسوفت لإسرائيل.. مواقع التواصل تحتفي بالمغربية ابتهال أبو السعد
سموتريتش يقر باستخدام التجويع: لن يدخل غزة حبة قمح

رفع دعوى ضد بشار المصري في واشنطن بتهمة مساعدة حماس

أسعار العملات
الأربعاء 09 أبريل 2025 12:30 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.79
شراء 3.78
دينار / شيكل
بيع 5.35
شراء 5.33
يورو / شيكل
بيع 4.18
شراء 4.17
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 1015)
شارك برأيك
السياسات التربوية وتوجيه الوعي الوطني