أقلام وأراء

الخميس 16 مارس 2023 10:30 صباحًا - بتوقيت القدس

ملاحظات حول التقارب السعودي الإيراني

بقلم: الدتور اياد البرغوثي

ليس من الحكمة الاعتماد على خطوة واحدة، أو كما هو حتى الآن، مجرد الاعلان عن تلك الخطوة، ونقصد بها الاعلان عن الاتفاق السعودي الايراني المتعلق بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، للكتابة في أثر ذلك على التغيرات الاستراتيجية في المنطقة. لكن اهمية هذه الخطوة التي تحدث بين طرفين أساسيين في الإقليم، كانا يبدوان في حالة عداء مستعصية، جعلت الأمر يستحق المغامرة (الكتابة)، ليس فقط من أجل أن نعرف وتعرف شعوبنا ما يجري، بل من أجل أن نساهم نحن وشعوبنا في جعل ما يجري حقيقيا، وبالاتجاه الصحيح الذي نريد، وهو اتجاه المساهمة الإيجابية في التغيرات العالمية الجارية الآن، والمتمثلة برفض الهيمنة الامبريالية بكل اشكالها، والعمل على جعل الشرق- شرقنا - سيدا وحرا وموحدا كما تتمنى غالبية شعوبه.


مدى جدية الخطوة السعودية
ما يبعث على شيء من الاطمئنان، بأن هذه الخطوة السعودية "للتطبيع" مع إيران، ليست خطوة معزولة ومتفردة، وجود ارهاصات سابقة عليها، يجب قراءتها وأخذها بعين الاعتبار، دون مبالغة في تأثيرها، مثل الموقف السعودي من الحرب في اوكرانيا، حيث اتخذت موقفا أقرب الى عدم الانحياز، منه الى الاصطفاف التقليدي الى جانب امريكا، فتبرعت لاوكرانيا بما يقارب النصف مليار دولار، وفي نفس الوقت لم تمتثل للعقوبات الأمريكية على روسيا، ولم تخفض سعر النفط، أو تضغط على الاوبك للقيام بذلك.


مؤخرا قامت السعودية ايضا بترتيب علاقتها مع تركيا ومع قطر، ولم تعد معنية باستمرار الحرب في اليمن، وغيرت ولو جزئيا من مقارباتها للعلاقة مع دول أخرى في الإقليم، أو حتى مع الدول المؤثرة في العالم.


الواضح لدينا، ودون الذهاب بعيدا - على الأقل حتى الآن - للحديث عن انزياح كامل للسعودية بعيدا عن المظلة الأمريكية، أن السعودية التي ربطت مصالحها، بل وجودها كله، بأمريكا منذ قيام العلاقات الدبلوماسية بينهما في العام 1933، اخذت ترى أن ذلك التموضع لم يعد حكيما، وأن مصلحتها تتطلب إبقاء أبواب أخرى مفتوحة، الى جانب البوابة الأمريكية بالطبع.


لقد قدمت السعودية "خدمات" لامريكا لا تقدر بثمن، ومنذ وقت مبكر. فمن أجل امريكا والمشروع الامبريالي، حاربت السعودية مشروع الأمة العربية المتمثل في القومية الناصرية، ماديا وفكريا. ومن أجلها وضعت المشروع الاسلامي الوهابي الذي تزعمته، الى جانب امريكا وضد الاتحاد السوفياتي والعالم الاشتراكي، في أفغانستان وغيرها، وساهمت في تفرد امريكا في السيادة على العالم. وقبل كل ذلك، وأهم من كل ما سبق، الدور السعودي في موضوع ربط سعر النفط بالدولار الامريكي، حيث كانت السعودية صاحبة "الفضل" الأول في جعل الدولار العملة الأهم في العالم، وجعله القوة الأساس في يد الولايات المتحدة للهيمنة على الآخرين.


كل هذه "الخدمات" التي قدمتها السعودية، وغيرها كثير، لم تقابل "بالامتنان" الامريكي. وبرأيي أن "الصدفة" التي جاءت برئيس مثل ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة، كشفت للسعودية أن "الغرام" بأمريكا هو من الطرف السعودي فقط، وأن ما يفترض أنه الحليف الأمريكي لا يقدر للسعودية كل ما قدمت، وأن هذا الحليف ممعن في ابتزازها، سياسيا عندما تم الضغط عليها للدخول في مشروع القرن، الذي يتطلب التطبيع مع إسرائيل، فكان أن أعطت السعودية الضوء الأخضر للبحرين والإمارات وغيرها للقيام بذلك. وكذلك الابتزاز المادي عندما "حصل" ترامب على ما يقارب نصف تريليون دولار من الملك السعودي.


شعرت السعودية ليس فقط بكل هذا الابتزاز، بل بما صاحبه من استهتار وإهانة. ترامب يقول للملك السعودي "عليك أن تدفع المال، فأنت لا تملك شيئا غيره... ولن تبقى في الحكم اسبوعين بدوننا". ونتنياهو يعد الاسرائيليين بالتطبيع الكامل مع السعودية كأمر مفروغ منه، بمعنى أن السعودية لا تستطيع أن ترفض ذلك.


من المعروف، أن السيادة لدى الدول، مقترنة ايضا بالكرامة لدى انظمتها. هذا الأمر بالطبع، متفاوت ونسبي من دولة لأخرى، ومن نظام لآخر، خاصة في منطقتنا. باعتقادي أن النظام السعودي المتمثل في جيل جديد من القيادة، والمترافق مع بعض التغيرات الاجتماعية والفكرية لدى الشعب السعودي، يملك حساسية أكثر لمفهومي السيادة والكرامة، من الاجيال الحاكمة السابقة، وبالتالي كان لا بد له من التفكير في شيء من "التمرد".


ترافق هذا، مع طرح النظام السعودي الجديد نفسه، كقائد للمشروع "العربي" بنسخته الجديدة. فالسعودية الآن ترى نفسها زعيمة للعالم العربي، فهي من ناحية لا تنقصها الامكانيات المادية لذلك، وهي لديها ايضا أمير شاب طموح، يرى نفسه زعيما اقليميا إن لم يكن اكثر من ذلك.


ان من يطرح نفسه زعيما لمشروع إقليمي بهذه الضخامة، لا يمكن أن يرضى على نفسه أن يكون "تابعا" بكل هذا الوضوح الذي تريده امريكا، ولا يمكن أن يقبل على نفسه، أن يتبنى مشروعا "طائفيا"، يضعه ليس فقط في مواجهة الكثيرين داخل أمته، بل وحتى في مواجهة جزء ليس بسيط من شعبه. ذلك ما جعل الأمير السعودي يستثمر في الفرصة التاريخية التي اتاحتها الحرب في اوكرانيا، إن هو فعل ذلك حقا، وكذلك قيامه بتحجيم المؤسسة الدينية الوهابية العميقة الجذور، التي أعطت للسعودية "شكلا" لم يعد مقبولا في وقتنا الراهن.


من خطوة الى نهج
من حق شعوب المنطقة، أن تبقى في حالة انتظار لكيفية تطور تلك الخطوة السعودية الجديدة، فالأمور ما زالت في سطرها الأول. ستكون خيبة أمل كبيرة اذا ما كان ذلك السطر الأول بها، هو سطرها الأخير. وأن تكون الخطوة، ليس أكثر من مجرد محاولة لخروج السعودية من المشاكل التي علقت بها خاصة في اليمن، وكذلك في نهج السعودية الجديد في تطبيع علاقاتها مع الجوار.


هناك بالطبع اشتراطات لمدى جدية هذه الخطوة، منها ضرورة التوجه المختلف تجاه قضايا المنطقة البينية، وحل الخلافات بالحوار وليس بتحويله الى حروب، وبالذهاب الى الأقصى واستدعاء التاريخ والايديولوجيا وكل شيء. وهذا يتطلب دخول السعودية في حوار جاد، ليس فقط مع إيران، بل وايضا وأولا مع ممثلي شعوب المنطقة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ولبنان، من أجل حل مشاكل تلك الدول والمساهمة الإيجابية في إعادة بنائها، وتثبيت وحدتها الوطنية، وضمان استقرارها.


ولكي تكون الخطوة جدية ايضا، ينبغي توسيع دائرة المعنيين بها، بمعنى ضرورة عدم اقتصارها على مستوى الأنظمة الحاكمة، بل امتدادها لتشمل النخب والمثقفين والشعوب، ليس فقط في السعودية وإيران، وإنما ايضا في كل دول المنطقة. ذلك يعطيها زخما ومناعة أمام التقلبات التي قد تجري.


لكن أهم دليل على مصداقية الخطوة السعودية تجاه إيران، هو إزاحة كل الشكوك التي علقت بموقفها من التطبيع مع إسرائيل، وبرؤيتها للقضية الفلسطينية، القضية المعيار لكل ما يجري في منطقتنا - على الأقل-. والقضية التي بدون الموقف الجذري منها ومعها، لا يمكن لأية جهة مهما بلغت مصادر قوتها، أن تصبح زعيمة للمنطقة، بل لا يمكنها أن تدعي الحق في هذه الزعامة.


ضمن ذلك، سيكون مهما أن تتخذ السعودية موقفا جديا ضد التطبيع مع إسرائيل، حيث أن ادعاء الضغط الأمريكي عليها من أجل ذلك، لم يعد كافيا لتفسيره، ولم يعد مقنعا لأحد، خاصة للشعوب العربية، وأولها للشعب السعودي نفسه.


يبدو ان السعودية قد لاحظت بذكاء وبإيجابية ما يجري في العالم من تحولات، فالنظام العالمي الذي تتسيده امريكا، والذي اعتقد كثيرون أنه "نهاية التاريخ"، آخذ في التغير. فلم تعد الولايات المتحدة سيدة العالم بلا منازع. ولم تعد قبضتها المهيمنة تمسك بكل تفاصيل العالم دولا وشعوبا، بنفس القوة التي كانت خلال العقود الثلاث الأخيرة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وعلى ما يبدو فإن النظام العالمي المتعدد القطبية، والذي تلعب فيه الصين وروسيا، وكذلك إيران دورا اساسيا، آخذ بالتبلور بسرعة أكبر مما كان يتوقع كثيرون. لذلك، فإن على السعودية، ان تمضي قدما في استثمار هذه الفرصة التاريخية لصالح شعبها وشعوب المنطقة، وللمساهمة في ايجاد عالم أكثر استقرارا وعدلا... كما أن على النخب وخاصة المثقفين في العالم العربي والشرق عموما، أن يعملوا على ترسيخ الوعي بقيم التضامن والوحدة بين شعوبها، لأن في ذلك الضمان الأساس لنجاح مشروعها التحرري.


"عن الأخبار اللبنانية"
* أكاديمي فلسطيني مقيم في رام الله

دلالات

شارك برأيك

ملاحظات حول التقارب السعودي الإيراني

نابلس - فلسطين 🇵🇸

فلسطيني قبل حوالي سنة

لا يفلح من يعتمد على امريكا او يحبها أو يجري في فلكها ولا اعتماد على زاءل قريبا انشاء الله

المزيد في أقلام وأراء

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أميركا إذ تقف عارية أمام المرآة

أسامة أبو ارشيد

إنكار النكبة

جيمس زغبي

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

أسعار العملات

السّبت 04 مايو 2024 11:31 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.3

شراء 5.27

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 214)

القدس حالة الطقس