نابلس – "القدس" دوت كوم - عماد سعادة – لم يكن الممرض في مستشفى النجاح الجامعي، الياس الأشقر (24 عامًا) من مخيم عسكر الجديد، يعرف أن الجريح برصاص الاحتلال الذي وصل المستشفى للتو وقلبه متوقف، وحاول مساعدة الأطباء في انعاش قلبه هو والده عبدالهادي عبدالعزيز الأشقر (65 عامًا) إلا بعد دقائق من استشهاده بين يديه.

كان اقتحام جيش الاحتلال لبلدة نابلس القديمة لا يزال مستمرًا ظهر الأربعاء، وكانت سيارات الإسعاف تنقل الشهداء والجرحى تباعًا إلى مستشفيات المدينة الحكومية والخاصة، ومن ضمنها مستشفى "النجاح" الذي استقبل 15 جريحًا بعضهم استشهد لاحقا.

وقال الممرض الياس (نجل الشهيد عبد الهادي) لـ"القدس" دوت كوم: "كنت صباح الأربعاء في دوامي الاعتيادي في المستشفى، وكنت منشغلاً بتدريب عدد من الطلبة الذين يدرسون الطب في جامعة النجاح، وفجأة قرع جرس الإنذار إيذانًا ببدء وصول جرحى الأحداث في نابلس إلى المستشفى".

وأضاف: "توجهت إلى غرفة الطوارئ من أجل المساعدة في اسعاف الجرحى، وفي الغرفة كان هناك جريحان على سريرين متقابلين، وكان الأطباء يحاولون انعاش قلبيهما المتوقفين، قمت بالمساعدة من أجل انقاذ الجريح الأول لكنه ما لبث أن فارق الحياة".

ويتابع عن اللحظة الصادمة: توجهت حينها للمساعدة في انقاذ حياة الجريح الثاني من دون أن أنظر لوجهه، وقام الأطباء بمحاولة انعاشه، ثم تركتهم لمساعدة حالات أخرى، ولكن شعور غريب كان ينتابني بأن الجريح الثاني يخصني، فعدت مسرعًا وسألت عنه فأخبروني أنه استشهد، فأزحت الستار لا شعوريًا، واكتشفت أن الشهيد والدي، وبدأت أصرخ "أبوي.. أبوي".

وتابع الممرض الياس: "كنت في حال صدمة ولم أكن مصدقًا لما رأته عيناي، وأخذني زملائي جانبًا وبدأوا بمواساتي، وما هي إلا لحظات حتى جاء صديقي ورئيس قسم العناية القلبية المكثفة في المستشفى، أحمد الأسود، ببطاقة هوية والدي وجواله وسألني إن كانت هذه هوية والدي، وعندها تيقنت أن الشهيد الذي كان بين يدي هو والدي رحمه الله".

وفي روايته لما حصل، كتب رئيس قسم العناية القلبية المكثفة في مستشفى النجاح الجامعي، أحمد الأسود، على صفحته الشخصية في موقع "الفيس بوك": "تم استدعاء نداء (code blu) إلى قسم الطوارئ، فتوجهت أنا وصديقي الياس إلى القسم لانعاش من وصل من الإصابات، وقد وجدنا اصابتين قد توقف القلب لديهما، وبدأنا بانعاش المصابين دون أن نلتفت إلى وجوههم".

وتابع الأسود: "استدعينا جراح القلب وقام بفتح صدر المصاب وحاولنا بكل جهدنا انعاشه، و كان الياس بين الطاقم المشارك في انعاش ذلك المصاب، ولكن الجراح توقف وأعلن وفاته".

وأضاف: "التفت الياس لوجه المصاب وصرخ بأعلى صوته وسط الطوارئ.. "أسود، هاد أبوي".

وأردف الأسود: "هوية المصاب كانت للصدفة في جيبي، فأشهرت الهوية في وجه الياس وسالته: هاد أبوك؟، فأجاب "صحيح هاد أبوي". واختتم قائلاً: "صمت رهيب عم قسم الطوارئ فلا نعلم ماذا نقول أو نتصرف".

والشهيد الأشقر هو موظف متقاعد في وكالة الغوث الدولية، ويعمل حاليًا كمدرب سياقة، وزوجته معلمة متقاعدة، وله أربعة أبناء (4 ذكور وبنت واحدة)، ومعروف بسيرته الطيبة في المخيم.

وأصيب الأشقر خلال تواجده صدفة في مدينة نابلس بالتزامن مع اندلاع المواجهات والاشتباكات مع قوات الاحتلال والتي اسفرت عن استشهاد 11 مواطنًا واصابة أكثر من مائة آخرين بجروح بعضهم بحالة خطرة، في أكثر الأيام دموية تشهدها نابلس منذ سنوات.

وشيع الأشقر مع الشهداء الاخرين مساء الأربعاء، ومن ثم ووري الثرى في مقبرة المخيم.

ونعت قوى وفعاليات مخيم عسكر الجديد الشهيد الأشقر، وأشادت بمناقبه وسيرته العطرة، فيما شهد المخيم،الخميس، اضرابًا شاملاً أسوة بالمدينة ومخيماتها الأخرى وبقية أرجاء الوطن حدادًا على أرواح مجزرة نابلس.