أقلام وأراء

الإثنين 01 أغسطس 2022 10:33 صباحًا - بتوقيت القدس

أزمة الجسر: الاحتلال والقهر والكرامة

 بقلم:نهى نعيم الطوباسي" تحت شمس الظهيرة في البقعة الأكثر انخفاضا في الدنيا، كانت دموع الناس وهتافاتهم تحيل العالم إلى جمرة"، هذا الوصف الذي قدّمه الكاتب إبراهيم نصر الله في رواية "تحت شمس الضحى"، لمشهد عودة الفلسطينيين عن طريق الجسر إلى فلسطين المحتلة، بطريقة مؤثرة، وتحاكي واقع الحال وما يعيشه الفلسطيني من قهرٍ خلال السفر، وكأنه حدثٌ ومشهدٌ آنيٌّ، توقف عنده الزمن، وسُمع فيه الصراخ والألم، والأنين المخنوق الذي يكاد يتفجّر من ضلوع المسافرين.

فالأزمة التي عاشها ومازال يعيشها المسافرون الفلسطينيون على الجسر، والتي كانت حديث الناس على مدار الأسابيع الماضية، تستدعي الوقوف عندها من ظروف السفر وإجراءاته، والمعاملة التي لا ترتقي إلى الحد الأدنى من شروط معاملة البشر، ومن النادر أن تحصل مع أي مسافر عند أية تقطة عبور بين الدول في العالم، سواء كانت برية أو جوية أو بحرية. فالأزمة ليست عابرة، ولا يجب نسيانها لمجرد انتهاء الموجة الحالية، وإنما هي جزء من قضية جرى التعتيم عليها لسنوات طويلة، ومرتبطة بحق أساسي هو حق السفر بكرامة. ولكن الأزمة كانت بمثابة الشرارة لإثارة الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان وكرامته في فلسطين، عند السفر، وهو موضوع يجب إثارته على المستويات كافة، وأمام المجتمع الدولي، والضغط على الاحتلال لكي يتحمل مسؤولياته كاملة، ولكي يفي بالالتزامات المترتبة عليه وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، بتوفير الحماية للمدنيين وضمان المعاملة الانسانية لهم. فما يحصل من انتهاك لحقوق الإنسان أثناء السفر وعبور الجسر في الاتجاهين، أشبه بعقوبات جماعية ضد الشعب الفلسطيني وهو ما يخالف القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة.

فلماذا هذه الأزمة القاتلة في الوقت الحالي بالذات؟ حسب العديد من التحليلات، فإن الأزمة مفتعله، وهي تعبّر عن سياسات الاحتلال الساعية إلى تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني، بهدف تركيعه ودفعه إلى الاستسلام، فإسرائيل من خلال هذه الأزمة أرادت تحقيق عدة أهداف، من بينها إجبار المواطن الفلسطيني على استخدام مطار رامون الفاشل اقتصاديا لإنقاذه وإنعاشه من جهة، وللتخلي عن حقوقنا في مطاراتنا مطار القدس الدولي في قلنديا، ومطار ياسر عرفات في رفح الأن إسرائيل تسعى لتكريس الانقسام والانفصال بين الضفة وغزة، وأيضا لضرب العلاقات الأردنية الفلسطينية، فمطار الملكة علياء الدولي جنوب عمان لا يبعد عن مدننا الرئيسية سوى ربع المسافة التي تفصلنا عن مطار رامون المقترح، ولطالما كانت الأردن هي الأقرب إلى فلسطين، ليس فقط بالجغرافيا، بل أيضا من تجانس وانسجام وتماسك، بين الفلسطينيين والأردنيين قيادة وشعبا، فحالة الإذلال والقهر والانتظار بالساعات بالشوارع حتى الاضطرار إلى المبيت بالسيارات وعلى الأرصفة، على الجانب الأردني، لم تكن عفوية ولا طبيعية بل هي تهدف للوقيعة بين الشعبين، وخلق البلبلة والارتباك في العلاقة بين البلدين.

وهذا ما كان يجب أن يتحمل مسؤوليته كافة الجهات المسؤولة من جميع الأطراف. أولا لأن الأزمة ليست مفاجئة، والمبررات التي قدمها بعض المسؤولين من الأردن الشقيق، يفترض أنها كانت متوقعة، لكافة الأطراف التي تعمل على الجسر.والحجج والذرائع سواء من تدافع الناس على السفر بعد انقطاع طويل بسبب أزمة كورونا، وعودة المغتربين، وعطلة المدارس والأعياد، وموسم الحج، ولم شمل نحو 5000 فلسطيني، فكل ماذكر يفترض أنه معروف، فلماذا لم يتم أخذ التدابير اللازمة والضغط على اسرائيل لفتح الجسر 24 ساعة، لتفادي الأزمة قبل حدوثها وتعطيل افتعالها، ورفع حالة التأهب والاستعداد لتوفير ظروف سفر أمنة وبكرامة وإنسانية. ووضع آليات لتظيم السفر قبل الأزمة.

ما عاشه المسافرون على الجسر ذهابا وإيابا، كان كابوسا يتوقف عنده الزمن، تعرّض فيه الفلسطيني للقهر والإذلال أمام كل العالم بحجة الأعداد الكبيرة التي تدافعت على الجسر، ناهيك عن تعريض حياة الأطفال وكبار السن والمرضى للخطر.

اللافت والمثير للقهر والاستفزاز هو الدلال والاحترام الذي حظي به السائح الأجنبي على جانبي الجسر، وهو مؤشر آخر من مؤشرات اللامساواة وانتهاك مبادئ حقوق الإنسان، أمام كل العالم. فالسائح يمر سريعا، يملؤه الشعور بالاستعلاء والتفوق على جموع البشر المتكدسين في حفرة العذاب تلك، قابضين على الجمر كاظمين الغيظ في انتظار الفرج.

لقد آن الآوان لدق جدران الخزان ورفع القيود المفتعلة التي يضعها الاحتلال على الحركة والسفر بكرامة، ووقف سياسات الإذلال والقهر الممنهجة، التي تزيد مرارة العيش في فلسطين، وتُفاقم آثار الاحتلال الخطيرة على كافة مناحي حياة الفلسطينيين. وما حصل يستدعي حراكا فلسطينيا وعربيا ودوليا لرفع الحصار عن قطاع غزة وعودة العمل بمطار ياسر عرفات الدولي في رفح، ووقف الاحتلال الإسرائيلي لخططه الاستيطانية، وإعادة تسليم مطار القدس الدولي في قلنديا للفلسطينيين لإعادة تشغليه. وأيضا ضمان السفر بكرامة وبإجراءات سهلة وتكاليف معقولة، ووقف الاستغلال بحمل الفلسطينيين على دفع تكاليف سفر باهظة الثمن لمسافات قصيرة جدا، سواء عبر السفر من خلال ما يسمى VIP، أو من خلال السفر العادي. كلتا الحالتين استغلال وتعقيد لحياة الفلسطينيين، ومص لدمائهم وإرهاقهم ماديا ومعنويا.

إن مشهد الانتظار على جسر تنهال فيه كل قسوة العالم على رؤؤس الفلسطينيين وكرامتهم، مشهد يستحق الوقوف عنده، فهي معركة من معارك الوجود التي يخوضها الفلسطيني على أرضه مع الاحتلال، وربما يصعب على السائح أو المحتل وعلى كل المراقبين استيعاب كيفية احتمال الفلسطينيين لكل هذا العناء والمتاعب على طريق الآلآم، للوصول إلى أوطان أشبه بالزنزانة يتحكم فيها الاحتلال بكل مفاتيح الحياة. لكنه الحب والانتماء لوطن مُزِّق بالجغرافيا والاحتلال، وتوحد في قلوب كل الفلسطينيين، لذلك سيبقى شعبنا الفلسطيني عظيما بصموده الأسطوري، وسيبقى الاحتلال عاجزا أمام شعب أبدع في انتزاع الحياة من براثن الموت. وهذا الاحتلال والنفق المظلم سينتهي ليرى شعبنا الفلسطيني نور الحرية لا محالة.

دلالات

شارك برأيك

أزمة الجسر: الاحتلال والقهر والكرامة

-

أبو فارس قبل أكثر من 2 سنة

الله يقهر اللي كان السبب

-

فلسطيني عربي قبل أكثر من 2 سنة

انت فلسطيني انت اذن مشبوه... انت اذن مسخوط

-

مناضل متقاعد قبل أكثر من 2 سنة

يا هل ترى الرئيس يعرف بما جرى؟؟

-

ثائر أبو غوش قبل أكثر من 2 سنة

كل الحق على السلطة ليش ما تتحرك بس شاطرين يشكوا ويبكوا

-

رينا سلامة قبل أكثر من 2 سنة

الله يقهرهم

-

سامي البدوي قبل أكثر من 2 سنة

دام قلمك

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%20

%80

(مجموع المصوتين 523)