أقلام وأراء
الجمعة 08 يوليو 2022 11:03 صباحًا - بتوقيت القدس
عصا الجنرال ابو السعدي وقاتل زياد أبو عين
بقلم : عيسى قراقع
يجلس أمام مدخل البيت على كرسيه المتحرك كأنه ينتظر قدوم أحد ، شفتاه ترتجفان ويجد صعوبة في اشعال السيجارة ، جسمه يرتعش بسبب تدهور حالته الصحية ولكن في عينيه الخافتتين بصيرة حارس ، يجلس كأسد يضيئ بجمر سيجارته حدقات العتمة، ينظر حوله، يشرب قهوته المرة، يتفقدنا، كنا ناقصين، سأل عن الكثير من الاصدقاء والاحباء الشهداء والاحياء، دمعت عيناه كأنه تذكر ذلك اليوم الثقيل في قريته ترمسعيا عندما استشهد المناضل زياد أبو عين وزير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان يوم 10-12-2014 خلال الاعتداء عليه من قبل جنود الاحتلال واستهدافه بقنابل الغاز خلال فعالية شعبية بزراعة أشجار الزيتون في أراضي قرية ترمسعيا المهددة بالمصادرة .
محمد صدوق أبو السعدي الرجل الثمانيني وابن قرية ديربان المهجرة لا زال يحمل تلك العصا العتيقة ، عصا العودة والامل ،عصا يحارب بها زمن اليأس والضجر، عصا يضرب بها حتى ينفلق الحجر، عصا تفتح الطريق المغلق بالحواجز العسكرية والمستوطنات، عصا العابرين الى حريتهم وكرامتهم وسط هذا الليل الحالك ،عصا الشهداء والاسرى والفقراء التي تصير احيانا علما ذو الوان اربعة ،تصير شجرة وارفة، تصير يدا ومقاومة ، تصير بندقية وجذع منتصب القامة ، عصا تنبش الماضي لتصنع الحاضر في جدلية التراث والاصالة والهوية والحضارة .
هجم أبو السعدي بعصاه على قاتل زياد أبو عين، ضرب الجنود المتوحشين ،كان ابو السعدي غاضبا ،غضب الكهل الصخري الذي انفلق كالزلزال ،غضب الخميرة والزيت والبراهين، غضب الارض المسروقة وقد استعادت جذورها وعظامها الدفينة ، رأى ابو السعدي الشهيد زياد يختنق ، قنابل غاز ورصاص، انفاس زياد تحترق وعيناه تحدقان في وجه القاتل ، عينان مفتوحتان على الطوفان، عينان تتموجان بتراب الارض، عينان حادتان كشفرة السكين، عينان فيهما الرفض والبصيرة البعيدة، عينان تجمعان كل الصور، عينان ترسمان افقا اخر ابعد من الموت وأقرب الى عطش الحياة .
أبو السعدي يضرب الجنود بعصاه ، لا ينسحب ولا يتراجع ، الجميع شاهد أبو السعدي يحرك بعصاه أرواح الصامدين واجنحة الهواء المخنوق ، العصا والكوفية الرقطاء والوجه العنيد ، الجنرال ابو السعدي يقود بعصاه تلك الكتيبة ، يصرخ ويزمجر ويبرق كرعد سماوي ألقى على المحتلين ناره الحامية ، هذه العصا عمرها 74 عاما ، العصا هي التاريخ ، عصا ابو السعدي هي الارادة عندما يخنقك الموت والجدران وصمت العدالة الكونية .
عصا أبو السعدي هي كل مدينة وقرية وحارة ، الرمز والدعوة والرسالة، العصا فيها دماء وشرايين ، فسلام على تلك العصا الصلبة المقاتلة ، فاحملوا عصيكم ايها الناس واخرجوا ، المستوطنون قادمون ، المستوطنون ينهبون الارض ويعربدون ويقتلون ، اخرجوا ، عصا ابو السعدي ارسلت الاشارة ، اعلنت النفير، فمن رأى عصا ابو السعدي فالينهض الان ويكسر هذا الصقيع ، يضرب بعصاه الارض حتى ينفجر الصخر قرارا ومصير.
سلام على تلك العصا السحرية ، لا تضعوها في متحف للنسيان او للذاكرة ، هي عصا الاعمى اذا ضل الطريق ، هي عين ثالثة ، وهي عصا المقرور اذا اصابه البرد لينبش الجمر ويشعل الحريق ، عصا الفدائي الذي لا يرفع يديه مستسلما في غرف التحقيق ، عصا تقود الى الامام ، جيل وراء جيل يفيق ويفيق ، عصا ابو السعدي هي الباقية ، عجوز يتعكز عليها ويقاتل بها رغم كبر سنه ، لا زال يمشي ، يقول نستطيع أن نمشي ، العمر لا يشيخ في فلسطين ، العمر يتجدد ويتوالد وينهض عندما تناديك الحياة الحرة القادمة .
عصا ابو السعدي هي ابنة الارض، ابنة كل الاشجار والنباتات البرية، العصا التي منعت بني اسرائيل من عبور البحر واحتلال الارض ، عصا مذكورة في كل الكتب السماوية ، عصا مقدسة لان الذي يحملها عجوز نجا من النكبة عام 1948، حمل عصاه وجلس فوق الجبل يرقب عودته الى قريته المنهوبة .
عصا الجنرال ابو سعدي تهاجم قاتل الشهيد زياد ابو عين ، تتصدى لكل هؤلاء الغزاة الذين لا زالوا يلاحقوننا بالقتل والنهب والسجن والاستيطان ، يتصدى للغزاة الذين يكرهون البشر ، يحملون البنادق والمجارف ويتغولون بالجرافات ، لعلهم يجدون في الارض لهم هيكل او اله ، يصابون بجنون الفاشية والعنصرية عندما لا يجدوا سوانا تحت التراب وفوق التراب .
استشهد زياد ابو عين وما زال الجنود ينقضون على ابي السعدي ، هي عصا في مواجهة السلاح ، هي عصا مصنوعة من عضلات القلب ، لا تنكسر ، عصا اسطورية تحرك الشمس حيث تشاء ، عصا من ارادة تحطم حديد الزنازين عندما ينتفض الاسرى خلف القضبان ، عصا شهيد جعل من الارض سجادة للرحمة والصلاة .
عصا الجنرال ابو السعدي هي تلك العصا التي تنبأ بها العالم الفيزيائي اينشتاين عندما قال : انا لا أعرف السلاح الذي سيستخدمه الانسان في الحرب العالمية الثالثة ، لكني اعرف انه سيستخدم العصا والحجر في الحرب العالمية الرابعة ، وربما هي تلك العصا التي تحدث عنها محمود درويش عندما قال : هي مسلتي وهويتي الاولى ومعدني الصقيل ، ومقدسي العربي في الصحراء ،يعبد ما يسيل من القوافي كالنجوم على عباءته ويعبد ما يقول ، عصا لها دلالات في القول وفي النسغ والعقل وتاريخ يكتبه الشهداء .
سلام على تلك العصا ،ربما هي من زيتونة مزروعة في جبل الطور في القدس ، عصا تشق الغيب ،ربما هي يد الملاك تقرأ الضوء، ربما هي من نخلة ولدت تحتها مريم العذراء ، ربما هي مطرقة الحرية ، انها تعليمات العصا ، تعليمات ابو السعدي، لا تذهب الى القدس الا حاملا عصاك، القدس تكره الفراغ، خذ عصاك واستغفر، فالمياه العذبة والرياح اللوافح تخرج من تحت صخرة ببيت المقدس، قال ذلك ابو هريرة عندما التقى بأبي السعدي في باب العامود وتحت قبة السماء.
الجنرال ابو السعدي هو اول من حمل الصافرة لتنظيم المركبات في الشوارع وفي دوار المنارة في رام الله بعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1995 ، اول شرطي فلسطيني متطوع، اول من شعر بالحرية ، استعاد حياته المصادرة، الجميع سمع الصافرة ، مرحلة جديدة تحتاج الى صافرة فلسطينية ، يخرج صوتها من اعماق الصدر ، زفير رجل كان يحلم ان الدولة الفلسطينية قادمة لها رئة وأرض وحدود وعلم وهوية وسيادة .
ابو السعدي يحمل عصاه في كل اعتصام للاسرى خلال فعاليات التضامن معهم ،يلوح بها،يكتب بها، يرفع صور الاسرى عليها، يشير بها الى المعسكرات والسجون ، العصا تتجاوز الحدود والاسلاك الشائكة ، عصا الوعي يطل على المعتقلين من خلف الجدار ومن كل نافذة .
لا زالت سلطات الاحتلال تفتش عن عصا ابو السعدي ، العصا التي ضربتهم وهددتهم عندما استشهد زياد ابو عين ، العصا مطاردة ومطلوبة ، العصا هي الشاهد وهي المحكمة ، العصا هي الغابة الجماهرية تكتبها الارض وترويها الفصول ، العصا زنود تقذف الحجارة ، فمن العصا كانت النقافة والقوس والرمح والفأس وعمود البيت وعمود الشعر ، العصا تتحول الى حية ، من يحمل عصا ابو السعدي لا يعرف الخوف ، عصا لا تتردد ولا تعرف الشك والمساومة ، عصا اللحظة الحاسمة .
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
منع الدواء والطعام في غزة.. سلاح إسرائيلي قاتل
حديث القدس
رسالة فلسطين في عيد الميلاد
فادي أبو بكر
معركة المواجهة وشروط الانتصار
حمادة فراعنة
احفظوا للمخيم هيبته وعزته وللدم الفلسطيني حرمته
راسم عبيدات
مئوية بيرزيت.. فوق التلة ثمة متسع رحب لتجليات الجدارة علماً وعملاً!
د. طلال شهوان ، رئيس جامعة بيرزيت
لجنة الإسناد.. بدها إسناد!
ابراهيم ملحم
من التغريد إلى التأثير .. كيف تصنع المقاطعة الرقمية مقاومة شعبية فعالة
مريم شومان
الحسم العسكري لغة تبرير إسرائيلية لمواصلة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
سعيد جودة طبيب جراحة العظام في مشفى كمال عدوان شهيداً
وليد الهودلي
بوضوح.. الميلاد في زمن الإبادة الجماعية
بهاء رحال
ولادة الشهيد الأول
حمادة فراعنة
(الْمَجْدُ لِلّهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلامُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ)
حديث القدس
اعتقال المسيح على حاجز الكونتينر
عيسى قراقع
ما الذي يحدث في جنين، ولماذا الآن، وما العمل؟
هاني المصري
ما يجري في جنين يندى له الجبين
جمال زقوت
شرق أوسط نتنياهو لن يكون
حمادة فراعنة
في ربع الساعة الأخير للإدارة الموشكة على الرحيل!
حديث القدس
العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم
الأب إبراهيم فلتس نائب حارس الأراضي المقدسة
بلورة استراتيجيات للتعامل مع الشخصيّة المزاجية – القنبلة الموقوتة
د. غسان عبدالله
من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟ الحلقة الثانية
زياد ابحيص
الأكثر تعليقاً
ما الذي يحدث في جنين، ولماذا الآن، وما العمل؟
دويكات: أجندات خارجية لشطب المخيمات الشاهد الحي على نكبة شعبنا
اعتقال المسيح على حاجز الكونتينر
مصطفى يبحث مع خارجية قبرص الرومية إنهاء الإبادة الإسرائيلية بغزة
مقتل أحد عناصر الأجهزة الأمنية خلال الأحداث المتواصلة في جنين
مقتل عنصر من الأجهزة الأمنية في الأحداث المستمرة بجنين
من التغريد إلى التأثير .. كيف تصنع المقاطعة الرقمية مقاومة شعبية فعالة
الأكثر قراءة
مقتل أحد عناصر الأجهزة الأمنية خلال الأحداث المتواصلة في جنين
العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم
اعتقال المسيح على حاجز الكونتينر
تحديات كبيرة وانغلاق في الأفق السياسي.. 2025 في عيون كُتّاب ومحللين
السماح بنشر تفاصيل محاولة إنقاذ فاشلة لأسيرة في غزة
الكرملين يكشف حقيقة طلب زوجة بشار الأسد الطلاق
يسوع المسيح مُقمّطاً بالكوفية في الفاتيكان.. المعاني والدلالات كما يراها قادة ومطارنة
أسعار العملات
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 9:36 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.65
شراء 3.64
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.13
يورو / شيكل
بيع 3.8
شراء 3.77
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%57
%43
(مجموع المصوتين 305)
شارك برأيك
عصا الجنرال ابو السعدي وقاتل زياد أبو عين