أقلام وأراء
الخميس 30 يونيو 2022 9:50 صباحًا - بتوقيت القدس
الغول الذي أكل تلك المرأة
بقلم: عيسر قراقع
إذا كان الغول خرافة شعبية أو خرافة أسطورية للتخويف والرعب، استخدم في الحكايات كمصدر تهديد للبشر، أو وظف في السياسة ونظام السيطرة لقهر الشعوب المسكينة، فإنه موجود في الحقيقة والواقع، موجود على الأرض وفي الأفكار والثقافة.
الغيلان كثيرة وتعيش في غابات الشرق، غيلان بشرية وذات مستويات وطبقات ونفوذ ومصالح وشبكات وعلاقات، لكنها في النهاية هي غيلان متوحشة، صورها ظلامية، تفترس كل شيء، الجسد والأحلام والمستقبل والضعفاء والفقراء، وتظل دائماً كابوساً حاضراً ومستنسخاً وسداً منيعاً أمام التطور الحضاري والإنساني.
وهذه المرة الغول الشرقي يفتك بالنساء، تحول على هيئة رجل أو شيخ أو راهب أو شبح، غول على هيئة مسؤول ومؤسسة له نظام وعادات وتقاليد وأنماط راسخة، غول له مملكة وقبيلة وعشيرة ودولة، غول يحمل السكاكين والرصاص والمخدرات والمسكنات والتعويذات.
ما هذا الغول؟ الرجل الذكوري الذي لا يفنى ولا يموت، يستفرد برجولته ويقتل المرأة ويحتال على القانون، يذبح النساء باسم العار والشرف والعيب والمحرمات، يرتكب الجريمة العلنية من أجل تصحيح الضلع الأعوج وإكمال العقل الناقص للمرأة، يكره جمال الأنثى ويغطيها بأكياس سوداء، يسكتها ويخنقها فلا يطيق صوت الهديل في بحة النساء.
الروائي والكاتب خالد أبو عجمية قادني في روايته التراجيدية التي جاءت بعنوان "جبينة أكلها الغول" إلى خاتمة مفجعة، أوصلني عبر روايته إلى بركة دم تسبح في وسطها امرأة اسمها جبينة مذبوحة ومطعونة بعشرات الطعنات، ذبحها الغول (عطية أبو حديد) الرجل المتسلط والبلطجي، الفاسد وصاحب السطوة والمال، المتنمر ذو النشوة المجرمة.
عندما تدفن المرأة في البيت وتحاصر بسياج الرجل وشتائمه وتهان تحت ضرباته وسوطه ويسأل عنها الناس، يقال أن الغول أكلها، وعندما تدفن المرأة وتوأد وتحاصر وتمنع من المشاركة وإبداء الرأي والخروج من العتمة إلى الضوء ويسأل عنها يقال أن الغول أكلها، وعندما تدافع المرأة عن كرامتها وحقها في المساواة وعدم التمييز وتبحث عن دور لها وحيز في الاختيار والقرار يقال أن الغول أكلها.
الروائي أبو عجمية وضع عنواناً لروايته المأساوية من خلال سؤال وجهه إلى الجميع! لماذا تبقى الفراشات تحوم حول الفانوس حتى تحترق؟ هل هي عقدة الجنس والطبيخ والأخلاق والدين، عقدة الثقافات والحضارات؟
كل النساء في الرواية خائفات مرتعبات خادمات للرجال، أنفاسهن محبوسة، نساء مطيعات مستسلمات لأقدارهن التي تحددها الخرافات، كل النساء مصابات ومريضات ويجب إخراج الجن من داخلهن، ويجب شفائهن بضربات البلطات والاستعانة بوحوش الغيبيات.
المؤسسات الحقوقية والنسوية في فلسطين قرعت جرس الإنذار، عبرت عن قلقها الشديد إزاء تنامي ظاهرة العنف المبني على النوع الاجتماعي وازدياد جرائم قتل النساء في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الآونة الأخيرة، فمنذ بداية عام 2022 وصل عدد النساء المقتولات إلى أكثر من 28 امرأة، وحسب هذه المؤسسات لا زال ذلك الغول الذي يفترس النساء طليقاً وحراً ومدعوماً وبلا قيود وروادع.
جبينة قتلت، المرأة قتلت، ويسأل الكاتب في النهاية من قتلها؟ ربما قانون العقوبات الذي يخفف الجرم على الرجل وتوفر له أسباب مخففة تحت قناع الدفاع عن الشرف فيصير القانون وما يسمى العذر المخفف هو الغول، وربما الفكر الداعشي المتطرف والمتعصب الذي يكره الجمال والأنثى هو الذي قتلها، يصير هذا الفكر المتحجر هو الغول القاتل الذي يصون المرأة ويحفظ المجتمع من الفتن وتحصين الشباب من الوقوع في الفاحشة، هذا الفكر الذي يخاف على المجتمع من رائحة عطر المرأة، فإن كانت رائحتها جميلة فهي زانية، وكل عين زانية، الجمال والحب من المحرمات والمفاسد وكل ما في هذه المرأة يثير الشهوات ويخدش الحياء في ملبسها وكلامها ومشيتها.
الغول في رواية أبو عجمية أكل جبينة، لأنه رآها سريراً ومتعة وغثاء وحيض ونجاسة، يستبيحها في الليل والنهار، لا ينقذها القانون ولا البيت الآمن ولا الحركات النسوية المدافعة عن حقوق المرأة، جبينة قتلت بلا رحمة، وما أكثر المبررات والتسويغات والإشاعات، جبينة قتلت لم ينقذها الشعر الرومانسي وقصص الحب والعشق والروايات والخطابات الكاذبة التي تجعل النساء أخوات السماء.
غول أبو عجمية لا يعترف أن الرجال ولدوا في أحضان النساء، لا يعترف بالاتفاقيات والمواثيق الدولية والإنسانية، لا يعترف أن الله سبحانه وتعالى أوصى على النساء، الغول هو التربية والعقل والثقافة والمحكمة والسياسة والقاضي والجلاد.
الغول في هذه الرواية هو سيد المجتمع، يجرنا كما القطيع في صفحات الرواية إلى ساحة الإعدام، لم أجد أملاً في هذه القصة، لم أجد امرأة قوية ومقاومة، وفي فلسطين هناك نساء رائعات، مناضلات وشهيدات وأسيرات ونشيطات ومبدعات، في فلسطين يوجد ملكة جمال، وكرة طائرة للنساء وفرق فنية نسوية، معلمات وصحفيات وفلاحات ونائبات ومرابطات لولاهن لمات الرجال عطشاً من الجفاف.
الغول أكل نصف المجتمع، لم يتحرك النصف الآخر في نصوص الرواية، الغول أكل جبينة، أكل الجميع، أغلق الباب على جبينة، وترك كل الناس مجرد مشاهدين أو مستمتعين أو خائفين.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع
حديث القدس
اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟
سماح خليفة
حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة
سري القدوة
لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة
راسم عبيدات
حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
علاء كنعان
ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟
د. أسعد عبد الرحمن
التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن
جواد العناني
متى يرضخ نتنياهو؟
حديث القدس
سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة
بهاء رحال
السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024
كريستين حنا نصر
الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين
سري القدوة
المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات
وسام رفيدي
مبادرة مروان المعشر
حمادة فراعنة
سجل الإبادة الجماعية
ترجمة بواسطة القدس دوت كوم
هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة
حديث القدس
المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة
المتوكل طه
عواقب خيارات نوفمبر
جيمس زغبي
النكبة الثانية والتوطين المقبل
سامى مشعشع
They will massacre you
ابراهيم ملحم
شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين
حمادة فراعنة
الأكثر تعليقاً
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
نتنياهو: نريد أن تدفع إيران الثمن وأن نمنعها من التحول لقوة نووية
الشيخ: قرارات الكنيسيت لن تغير من حقيقة أن القدس عاصمة أبدية للفلسطينيين
مازن غنيم يؤدي اليمين القانونية أمام الرئيس سفيرا لدولة فلسطين لدى السعودية
حزب الله يعلن انتخاب نعيم قاسم أمينا عاما خلفا لنصر الله
الشرطة: مقتل مواطن بإطلاق نار جنوب الخليل
غزة والانتخابات الأمريكية
الأكثر قراءة
وزارة العمل وجمعية قدسنا توقعان اتفاقيتي تعاون لتعزيز فرص العمل في القدس
مصطفى: الاقتصاد الوطني انكمش بمقدار 35٪ بفعل استمرار عدوان الاحتلال
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
عملية دعس وإطلاق نار في القدس المحتلة
السعودية تستضيف أول اجتماع رفيع المستوى لـ"تحالف حل الدولتين" الأربعاء المقبل
إسرائيل تتحدى الكون.. اغتيال حاملة الأختام
صمدت في جباليا.. استشهاد الفنانة التشكيلية الفلسطينية محاسن الخطيب
أسعار العملات
الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.72
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 4.06
شراء 4.04
هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟
%20
%80
(مجموع المصوتين 523)
شارك برأيك
الغول الذي أكل تلك المرأة