أقلام وأراء
الأحد 26 يونيو 2022 9:55 صباحًا - بتوقيت القدس
كباسيل ...لن نتوب عن أحلامنا مهما تكرر انكسارها
بقلم: عيسى قراقع
كباسيل جمع كبسولة ، عنوان الدراسة الجديدة للكاتب والصحفي والاسير المحرر عمر نزال ، وهي دراسة خرجت في كبسولة بعد ان كتبت فصولها داخل السجن ، ربما الكبسولة هي ابداع فلسطيني بامتياز ، ورق شفاف وناعم يكتب الاسير عليه ويلفه بشكل متقن ، تحفظ بأماكن سرية في الجسم وتهرب الى الخارج ، وهذه الكباسيل كانت الكنز الثقافي والفكري والرسل التي حملت افكار ومواقف واراء وبيانات الاسرى ، ولعبت دورا كبيرا في عملية التواصل داخل السجون وخارجها .
من يحمل كبسولة داخل السجن كأنه يحمل قنبلة ، يتعرض للملاحقة والضرب والعزل والمحاكمة اذا ما القي القبض عليه متلبسا بحمل كبسولة ، تحولت الكباسيل الى شهادات ووثائق وحملت في طياتها ادبا وكنوزا ثقافية من دراسات ودوواين شعر وروايات وخواطر ومسرحيات ورسائل وغيرها ، ووصل الامر أن تحمل الكباسيل نطف الحياة ، حيوانات منوية خرجت من الظلمات الى النور ليولد الاولاد والبنات وتتكون العائلات في أكبر معجزة انسانية .
للكباسيل حكاية طويلة منذ بداية الاحتلال الاسرائيلي ، هي رمز لإصرار الاسرى على التواصل وكسر عزلة السجن وجنون الفراغ ، وقد استعرضت دراسة الكاتب عمر نزال اكثر من 20 اسلوبا للتواصل بين الاسرى مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي بطرق مواربة وسرية ، وكان ذلك تحديا لمنظومة القمع الاسرائيلية والاجراءات الوحشية التي تطبق بحق الاسرى منذ ان كان القلم والكتاب والورقة والصحيفة والمذياع من الممنوعات .
الكبسولة هي التي اشعلت الاضرابات والمواجهات داخل السجون وانتزعت الحقوق الانسانية والمعيشية للمعتقلين ، والكبسولة هي التي نظمت حياة الاسرى في وحدة جماعية وسلطة ثورية بديلة لسلطة السجان ، والكبسولة هي المرشد والمعلم في مدرسة واكاديمية السجن وانتظام الحياة الثقافة وتخريج الطاقات والكادرات المبدعة ، والكبسولة هي التي حملت مشاعر الحب والحنين والاشواق للأهل والاحباء ورممت المسافة بين البعيد والقريب ، كسرت سياسة تجريد الانسان من انسانيته وهويته الوطنية ، الكبسولة هي الرواية الفلسطينية المضادة لرواية الاحتلال ، المحكمة الانسانية الفكرية والوجدانية التي تحاكم جرائم المحتلين خلف القضبان ، انها توثق الشجاعة والكرامة والبطولات والاصرار العنيد على الحرية والحياة .
دراسة الاسير والصحفي عمر نزال كشفت أهمية الاتصال والتواصل كحاجة انسانية واجتماعية وثقافية ونفسية وتربوية للمعتقلين ، واستغلال ادارة السجون لهذه الحاجات لجعل السجن ليس فقط مجرد احتجاز وانما لتقويض وتهديم الحياة البشرية للأسرى ،واعدام الروح والنفس والمشاعر بالعزل الزماني والمكاني عن الحياة والمجتمع ، فالكبسولة تحدت نظام ادارة السجون الذي يهدف الى الموت الاجتماعي والانفعالي للأسرى والتسبب بالألم النفسي والاحساس بالعدم واللايقين والسبات الثقافي والاغتراب والانقطاع عن تطورات الحياة .
الكبسولة المحشوة بمدارك العقل ونبضات القلب تحدت نظام التدجين وصهر الوعي وسياسة خلق مجتمع اسرى انضباطي وبليد من خلال السيطرة والتحكم بوسائل الاعلام وتجفيف مصادر المعرفة وتقنين وصول المعلومات الى الاسرى من اجل صنع الاسير الجديد بالتأهيل والاعداد واعادة هندسة عقله بنشر ثقافة الاستسلام وغسل الادمغة وافراغها من المحتوى الوطني .
الكبسولة فيها روح وبارود انساني متمردة عصية مصرة على التحليق في الفضاء واخراج الاسرى من خلف الجدران الى الرأي العام والمحاكم الدولية وكافة مؤسسات حقوق الانسان ، الكبسولة مصرة ان يكون للأسرى مقعد جامعي وشهادة وكتاب ورواية واغنية وقصيدة ،ليبقى الاسير حاضرا ومشاركا وهو العنوان في كل مكان ، الكبسولة لاهوت الحرية والحجاب الذي يكشف الغيب لكل المعذبين والمقهورين والرازحين تحت نير الظلم والاحتلال .
ما يميز دراسة كباسيل للكاتب عمر نزال انها اعدت من خلال استمارة بحث ميداني وزعت على الاسرى في سجن عوفر خلال وجود الكاتب في السجن في الفترة الواقعة بين عامي (2016-2017) وقد استخرجت منها عينة عشوائية منتظمة من 53 اسيرا اجابوا على اسئلة الاستمارة حول علاقتهم بوسائل الاعلام والاتصال وكيفية تعاملهم مع مضامينها ، ومدى اهتمامهم بها وتأثيراتها المختلفة عليهم ، وقد عزز الكاتب دراسته بمقابلات مع اسرى محررين ومراجع وابحاث ذات صلة .
كباسيل هي الدراسة الاولى التي تركز بشكل خاص على جانب التواصل والاتصال بين الاسرى ووسائل الاعلام بأشكالها المتعددة ، وما يعطيها الاهمية انها دراسة علمية وبحثية ونقدية سلطت الضوء على واقع الاسرى الحالي بعد مرحلة اتفاقيات اوسلو وفي ظل الانقسام الفلسطيني الفلسطيني وغياب الافق السياسي وتفاقم معاناة الاسرى في السجون .
ما لفت انتباهي هي النتائج الخطيرة التي توصلت اليها الدراسة ، فالكاتب عمر نزال والمخضرم في تجربته الاعتقالية يقرع الجرس عندما يعلن ان اكثر من 50% من الاسرى يقضون أكثر من 15 ساعة اسبوعيا في التسلية والترفيه مع وجود فوارق بسيطة بين فصيل واخر ، وأن 36%من الاسرى في مرحلة التعليم الاساسي يهدرون اكثر من 21 ساعة في التسلية وليس في التعلم وصقل الوعي والحصول على المعرفة والمعلومات والأخبار ، فحسب اعتقاد الكاتب أن هذا لا يتفق مع ما ذهب اليه قادة الحركة الاسيرة الذين يؤكدون دائما على اهمية وسائل الاعلام كونها مصدرا للمعرفة والاخبار .
الكاتب يطلب من قادة الحركة الاسيرة دراسة هذه الاستنتاجات المتعلقة بتعامل الاسرى مع وسائل الاعلام والبحث عن السبل الكفيلة لتحقيق تعاطي أكثر فائدة وايجابية تسهم في تحصين الاسرى من التأثيرات السلبية لوسائل الاعلام وإعادة تنظيم الحياة التربوية والثقافية للأسرى بطرق تنمي لديهم الوعي التحرري .
المفارقة في الدراسة التي تحتاج الى وقفة جدية هي انه في الوقت الذي لم تكن وسائل الاعلام متاحة للأسرى ، وتمارس بحقهم سياسة الطمس والعزل والتجهيل الثقافي والفكري والحرمان ، استطاع الاسرى ان ينتزعوا بنضالاتهم وابداعاتهم انجازات كثيرة على صعيد الاتصال والتواصل ويؤسسوا سلطة ثورية مضادة لسلطة السجون ، بينما في الوقت الراهن حيث وسائل الاعلام والاتصال متاحة بنسبة كبيرة ويفترض استثمارها من اجل التنمية الثقافية للأسرى وتعميق الوعي الوطني نجد التراجع والتشرذم وغياب الوحدة الوطنية والنكوص عن الاهتمام بالثقافة والقيم الوطنية الجامعة .
كباسيل دراسة تحذر من مخطط سياسي صهيوني يطبق على الاسرى في السجون ، الرفاهية الشكلية والامتيازات والوفرة المادية اصبحت جزءا من مقومات السيطرة والالهاء في السجون على حساب القضايا الوطنية ، السيطرة على الاسرى كرموز لحركة التحرر الوطني لم يعد من خلال سلاسل الحديد وانما عن طريق افكارهم ونمط حياتهم واغراقهم في المصالح الفردية والجهوية والشللية .
كباسيل دراسة كأنها تطلب من كل السياسيين والباحثين ومن كل القادة والمسؤولين ان يفتحوا كباسيل الشهداء والاسرى علي الجعفري واسحاق مراغة وقاسم ابو عكر وميسرة أبو حمدية وفاضل يونس وحافظ ابو عباية ومعين بسيسو وتيريز هلسة وغيرهم الكثيرون ليقرأوا ما كتبه الاسرى :
لن نتوب عن احلامنا مهما تكرر انكسارها .
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع
حديث القدس
اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟
سماح خليفة
حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة
سري القدوة
لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة
راسم عبيدات
حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
علاء كنعان
ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟
د. أسعد عبد الرحمن
التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن
جواد العناني
متى يرضخ نتنياهو؟
حديث القدس
سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة
بهاء رحال
السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024
كريستين حنا نصر
الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين
سري القدوة
المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات
وسام رفيدي
مبادرة مروان المعشر
حمادة فراعنة
سجل الإبادة الجماعية
ترجمة بواسطة القدس دوت كوم
هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة
حديث القدس
المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة
المتوكل طه
عواقب خيارات نوفمبر
جيمس زغبي
النكبة الثانية والتوطين المقبل
سامى مشعشع
They will massacre you
ابراهيم ملحم
شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين
حمادة فراعنة
الأكثر تعليقاً
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
نتنياهو: نريد أن تدفع إيران الثمن وأن نمنعها من التحول لقوة نووية
الشيخ: قرارات الكنيسيت لن تغير من حقيقة أن القدس عاصمة أبدية للفلسطينيين
مازن غنيم يؤدي اليمين القانونية أمام الرئيس سفيرا لدولة فلسطين لدى السعودية
حزب الله يعلن انتخاب نعيم قاسم أمينا عاما خلفا لنصر الله
الشرطة: مقتل مواطن بإطلاق نار جنوب الخليل
غزة والانتخابات الأمريكية
الأكثر قراءة
وزارة العمل وجمعية قدسنا توقعان اتفاقيتي تعاون لتعزيز فرص العمل في القدس
مصطفى: الاقتصاد الوطني انكمش بمقدار 35٪ بفعل استمرار عدوان الاحتلال
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
عملية دعس وإطلاق نار في القدس المحتلة
السعودية تستضيف أول اجتماع رفيع المستوى لـ"تحالف حل الدولتين" الأربعاء المقبل
إسرائيل تتحدى الكون.. اغتيال حاملة الأختام
صمدت في جباليا.. استشهاد الفنانة التشكيلية الفلسطينية محاسن الخطيب
أسعار العملات
الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.72
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 4.06
شراء 4.04
هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟
%20
%80
(مجموع المصوتين 523)
شارك برأيك
كباسيل ...لن نتوب عن أحلامنا مهما تكرر انكسارها