أقلام وأراء
الأحد 26 يونيو 2022 9:55 صباحًا - بتوقيت القدس
نحو صيغة توافقية لإنقاذ المشروع الوطني
بقلم:نهاد أبو غوش
ربما يختلف الناس والفصائل على تعريف "المشروع الوطني"، ولكن ما استقر في الوعي العام من خلال الأدبيات السياسية وقرارات الهيئات الشرعية وفي مقدمتها المجلس الوطني الفلسطيني، تتحدث عن مشروع الحرية والاستقلال وجلاء الاحتلال من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة بعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم. كل ذلك هو حلٌّ مرحلي يقود إلى الحل النهائي المتمثل بإقامة دولة ديمقراطية واحدة لكل مواطنيها في فلسطين التاريخية، بصرف النظر عن أديانهم ومعتقداتهم وأصولهم القومية والعرقية. والسؤال الذي يطرح الآن بشكل خافت تارة، وبشكل صارخ تارة أخرى: هل ما زال المشروع الوطني بتعريفه السالف الذكر هو المُوَجِّه والناظم للأداء السياسي والكفاحي الفلسطيني؟ أم جرى تجاوز هذه الرؤية في الاتجاهين، أي في اتجاه اعتباره منقوصا ولا يحقق طموحات الشعب وبالتالي يطرح خيار الدولة الواحدة كبديل لحل الدولتين ( أو الدولة في حدود العام 1967)، واتجاه ثان يعتبره صعبا وأكبر من طاقاتنا وبالتالي يتبنى خيارات عملية تقود إلى التكيف مع واقع الاحتلال الطويل، والبحث عن أدوات وسبل لتحسين حياة شعبنا، لعلّ الزمن يُنجدنا في المستقبل بفرص أفضل.
ومهما بلغت الاختلافات فلا أحد يُسلِّم علنا بالتخلّي عن المشروع الوطني، لكن الواقع العملي شيء والقناعات النظرية شيء آخر تماما، فالمشروع الذي نتطلع إليه هو برنامج عمل موحد قبل أن يكون خيارات فكرية، وفي غياب العمل الموحد وفق استراتيجيات وخطط مُقَرّة من قبل المؤسسات الشرعية والتمثيلية، تتحول أهداف التحرر والاستقلال إلى محض رغبات وأمنيات.
نحن إذن وسط ازمة مستعصية، والدليل الدامغ هو استمرار حالة الانقسام منذ خمسة عشر عاما، وفشل جميع جلسات وقرارات الحوار الوطني في طيّ هذه الصفحة البغيضة واستعادة الوحدة الوطنية.
وليس من قبيل المبالغة ولا التجني على أحد، القول أن مسؤولية الحالة التي وصلنا إليها يتقاسمها الجميع بدءا من طرفي الانقسام الرئيسيين، وتعبيراتهما الفصائلية والمؤسسية والسلطوية في الضفة وغزة، وصولا إلى اصغر فصيل سواء كان يصنف نفسه مواليا لهذه السلطة أو تلك أو معارضا. كما تمتد المسؤولية لتشمل مؤسسات المجتمع المدني والاتحادات الشعبية والنقابات التي إما انخرطت في هذه الأزمة فكانت طرفا فيها، أو وقفت على الجدار تراقب ما يجري وتتفرج من دون أن تتمكن، أو ترغب، في تغيير المعادلة او التأثير فيها.
يتفاوت حجم المسؤولية بين طرف وآخر بحسب وزنه ونفوذه وتأثيره في صنع القرار، ولكن هل من العدل توزيع المسؤولية على الجميع بين جهات متنفذة وتملك أدوات التأثير من سلطة وأجهزة وقدرات مالية، وبين أخرى ضعيفة التأثير ولا حول لها ولا قوة؟ الجواب في غاية البساطة وهو أن هذه القوى وقياداتها تحديدا هي التي أوصلت نفسها إلى هذا الموقع الهامشي من خلال نمط أدائها، وتذيُّلها لأصحاب القرار، وعجزها عن لعب دور المعارضة الجدية وانخراطها في مناكفات ذاتية وعبثية مع القوى التي تشبهها بدلا من مبادرتها إلى استثمار الأزمة العامة في بلورة البدائل فضلا عن المشكلة الأكبر من كل ما سبق وهي أن قيادات هذه القوى والفصائل فضّلت الاحتفاظ بتنظيم صغير ومسيطرعليه من قبلها على أن تبني تنظيما فاعلا ومؤثرا ولكنه يعجّ بالآراء ووجهات النظر والاجتهادات التي تتحدى سيطرة القيادة، وبالتالي عملت هذه القيادة كل ما في وسعها ل"تطفيش" هذه الأصوات المزعجة والتخلص منها.
لم يقتصر تأثير الانقسام على إيجاد شرخ بين "جناحي الوطن"، وإضعاف الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتنافر الخيارات الكفاحية لمختلف الفصائل إلى درجة التعارض والتناقض. بل امتد أثر الانقسام ليشمل كل جوانب حياتنا الداخلية بما في ذلك تعطيل الحياة الديمقراطية وتغييب أدوات الرقابة، وتراجع الحريات العامة، وانتعاش خطاب الكراهية، واتساع الفجوة بين مؤسسات النظام السياسي المختلفة وبين الجمهور العريض، فضلا عما وفّرته هذه المناخات من بيئة خصبة للفساد والاستبداد، وتراجع المستوى المعيشي لفئات واسعة من الشعب.
إزاء هذه الأزمة المستعصية، تبدو الخيارات أمامنا واضحة وحادّة، بعضها مرفوض سلفا من الجميع كخيار القبول بالانقسام كأمر واقع ومديد، لأن في ذلك قبولا بما يريده الاحتلال ويخطط له من تدمير الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة. أو توقُّع تسليم أحد الطرفين، وبالتحديد حركة حماس في هذه الحالة، وانتقاله إلى موقع الطرف الآخر وتبني برنامجه تماما واعتذاره عن كل ما بدر منه خلال السنوات الماضية وهذا ضرب من الخيال والعبث، وخيار غير واقعي البتّة. الخيار الثالث هو الذي يتردد كثيرا في الخطابات الرسمية للفصائل عن استئناف جلسات الحوار الوطني ومسيرة المصالحة وهو اتجاه حميد يحظى بالقبول عادة ولكنه في ضوء التجربة وغياب المستجدات في مواقف الأطراف المقررة، يبدو عقيما وتجريبا للمُجَرَّب وأقرب إلى الدوران في نفس الحلقة المفرغة.
يبقى إذن خيار رابع ربما هو الوحيد الذي له فرصة التاثير، ويتلخص بالعمل بكل الطاقات الممكنة لخلق جسم ثالث ضاغط ومؤثر، ويتألف من كل القوى والشخصيات والحراكات والمؤسسات المستعدة لذلك، ويتبنى هذا الجسم برنامجا للإنقاذ الوطني يعتمد القواسم الوطنية المشتركة، ويعمل على تعظيمها، ثم يعكف على إيجاد صيغة وأدوات تأثير مؤسساتية وجماهيرية تواصل الضغط سياسيا وميدانيا على جميع مراكز القرار لتبني خطة عملية وواقعية متدرجة ومجدولة زمنيا للخروج من الأزمة المستعصية أولا، ووضع خارطة طريق وطنية تقود إلى تفعيل المؤسسات، والتوافق على صيغة جماعية للانتقال إلى الطريقة الشرعية الوحيدة لحسم الخلافات وهي الاحتكام للشعب وإعادة بناء كل المؤسسات التمثيلية عبر الانتخابات العامة.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع
حديث القدس
اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟
سماح خليفة
حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة
سري القدوة
لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة
راسم عبيدات
حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
علاء كنعان
ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟
د. أسعد عبد الرحمن
التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن
جواد العناني
متى يرضخ نتنياهو؟
حديث القدس
سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة
بهاء رحال
السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024
كريستين حنا نصر
الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين
سري القدوة
المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات
وسام رفيدي
مبادرة مروان المعشر
حمادة فراعنة
سجل الإبادة الجماعية
ترجمة بواسطة القدس دوت كوم
هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة
حديث القدس
المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة
المتوكل طه
عواقب خيارات نوفمبر
جيمس زغبي
النكبة الثانية والتوطين المقبل
سامى مشعشع
They will massacre you
ابراهيم ملحم
شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين
حمادة فراعنة
الأكثر تعليقاً
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
نتنياهو: نريد أن تدفع إيران الثمن وأن نمنعها من التحول لقوة نووية
الشيخ: قرارات الكنيسيت لن تغير من حقيقة أن القدس عاصمة أبدية للفلسطينيين
مازن غنيم يؤدي اليمين القانونية أمام الرئيس سفيرا لدولة فلسطين لدى السعودية
حزب الله يعلن انتخاب نعيم قاسم أمينا عاما خلفا لنصر الله
الشرطة: مقتل مواطن بإطلاق نار جنوب الخليل
غزة والانتخابات الأمريكية
الأكثر قراءة
وزارة العمل وجمعية قدسنا توقعان اتفاقيتي تعاون لتعزيز فرص العمل في القدس
مصطفى: الاقتصاد الوطني انكمش بمقدار 35٪ بفعل استمرار عدوان الاحتلال
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
عملية دعس وإطلاق نار في القدس المحتلة
السعودية تستضيف أول اجتماع رفيع المستوى لـ"تحالف حل الدولتين" الأربعاء المقبل
إسرائيل تتحدى الكون.. اغتيال حاملة الأختام
صمدت في جباليا.. استشهاد الفنانة التشكيلية الفلسطينية محاسن الخطيب
أسعار العملات
الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.72
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 4.06
شراء 4.04
هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟
%20
%80
(مجموع المصوتين 523)
شارك برأيك
نحو صيغة توافقية لإنقاذ المشروع الوطني