أقلام وأراء

السّبت 25 يونيو 2022 10:06 صباحًا - بتوقيت القدس

ما بين حِلفيّن ومحاولات اسقاط المبادرة العربية للسلام

بقلم: مروان اميل طوباسي


تعود بنا الذاكرة اليوم إلى انشاء حلف بغداد عام ١٩٥٥ ، لم يكن جيلنا قد رأى الحياة حينها بعد ، لكننا كنا نسمع بعدها عن ذلك من الجيل الذي سبقنا ومن قراءات توفرت حول ذلك رغم قلتها في تلك الأيام وعن المظاهرات التي قامت في بلداننا تنديدا بهذا الحلف ولمنع انضمام دول أخرى له.


كانت الولايات المتحدة الأميركية تسعى وبعد تراجع دور قوى الاستعمار التقليدية بالمنطقة ، إلى إيجاد حلف جمع حينها العراق وباكستان وايران وتركيا إلى مواجهة صعود حركات التحرر الوطنية بالمنطقة ومواجهة الدور السوفيتي في حينه ، وتثبيت دور أميركيا السياسي والامني ومساندة قيام دولة إسرائيل الاستعمارية.


واليوم تسعى الإدارة الأميركية مرة أخرى لكن في ظروف دولية مختلفة، إعادة الروح إلى فكرة الحلف لكن بدول ومسميات جديدة ومنها قديمة. المفارقة بالامر أن إيران التي كانت تشكل العمود الفقري الأساس لحلف بغداد زمن الإمبراطورية أصبحت الآن هي المستهدفة من إقامة هذا الحلف الجديد طالما لم تصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول الملف النووي إضافة إلى موضوع قضية شعبنا الفلسطيني والموقف من دولة الاحتلال.


اما في هذا الحلف المنوي انشاءه ، فسيكون لإسرائيل الدولة الخارجة عن القانون الدولي فيه، الدور الأساس وستشكل هي العمود الفقري له بهدف استكمال بدايات مشروع الشرق الأوسط الجديد وما تبعه من تطورات غيرت وجه المنطقة، واطاحت بعدد من كيانات الدولة الوطنية ، واثارت اهتمامات جديدة واوليات قدمتها الولايات المتحدة منذ فترة على اهمية قضية شعبنا الفلسطيني لتسهيل تنفيذ هذا الحلف اليوم.


أن اتفاقيات "ابراهام" للتطبيع التي وقعت ما بين عدد من الانظمة العربية وإسرائيل برعاية أميركية جاءت على حساب المبادرة العربية ولتمهد الطريق لتوقيع اتفاقيات أخرى مماثلة جديدة وهو ما يتصدر اهتمامات بايدن في زيارته القادمة للمنطقة وهو ما زال يمارس سياسة النفاق وازدواجية معايير الادارة الاميركية المعروفة، وما مهد له من خلال الزيارات المكوكية التي يقوم بها عدد من المسؤولين الاميركيين وحتى العرب بين عواصم المنطقة التي شاب علاقاتها التوتر والتنافر خلال السنوات الماضية، بهدف تمهيد الطريق لتأسيس هذا الحلف من خلال سياسات الترغيب والتهديد في آن واحد.


ملفات متعددة يجري البحث فيها الآن ضمن سياسات المقايضة في محاولة للحد من التناقضات وإيجاد قواسم العمل المشترك لخدمة أهداف هذا الحلف الجديد.


قضايا المياه بالمنطقة، الغاز ، أوضاع شمال سوريا وعمليات الاحتلال العسكري فيها ، ترسيم الحدود المائية في الاحواض الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط. الملف النووي الإيراني وتداعياته إضافة إلى الموضوع الأهم المتعلق بحاضر ومستقبل القضية الفلسطينية وما يجري في أوكرانيا من خلال حرب الوكالة التي يشعلها الناتو هنالك استهدافا للاستقرار الروسي ، تشكل اهم محاور النقاش رغم تضارب مصالح بعض الدول المرشحة للمشاركة في هذا الحلف بخصوصها.


من الواضح أن بعض هذه الزيارات قد اثمرت عن طي صفحات من الخلافات السابقة بين عدد من دول المنطقة العربية وغير العربية بهدف تمهيد الأجواء لمزيد من التنسيق نحو انجاز هدف قيام هذا الحلف الجديد من خلال تمرير مصالح مشتركة لاطرافه المتوقعة وتخفيض حدة التناقض حول بعض القضايا المطروحة وتقديم دولة الاحتلال كرأس حربة عسكرية، أمنية واقتصادية في هذا الواقع الجديد دون انهاء احتلالها.


لقد ارتكزت استراتيجية الأمن القومي الأميركي خلال العقد الماضي على مسألتي الأمن والغاز بالمنطقة ، وكان من الضرورة لتحقيق تلك الاستراتيجية إثارة "الفوضى الخلاقة"من خلال ما سمي بالربيع العربي، وما تبعها من نتائج وتداعيات ، وخلق عدو آخر للعرب تمثل باشاعة المخاوف من ما سمي بالعدو الفارسي والمشروع الإيراني، رغم انني اعتقد أن مشروع "دولة الفقيه" بالمنطقة قد ابتدأ منذ زمن إقامة الجمهورية الاسلامية بايران وقد يكون جرى باستغلال اميركي لضرب فكر حركة التحرر الوطني العربية واستبدالها بمظاهر اسلاماوية خدمة لمصالح إسرائيل التوسعية في ذلك الوقت.


الآن وقد مضى "٧٤ عاما" على إيقاع الظلم التاريخي بحق شعبنا الفلسطيني و "٥٥ عاما" من عمر الاحتلال العسكري ذو الجوهر الاستيطاني الاستعماري لما تبقى من أرض فلسطين التاريخية دون تطبيق اي من القرارات الأممية الأساسية المتمثلة اساسا بالقرار ١٨١ بخصوص إنشاء الدولتين وغيرها من القرارات التي عملت الولايات المتحدة وحلفاؤها على منع تنفيذها حفاظا على الدور الوظيفي الاستعماري المرتبط بإنشاء إسرائيل التوسعية، فان الولايات المتحدة تسعى جاهدة بما تبقى لها من زمن الهيمنة وموقع شرطي العالم المتهاوي الآن على محاولة تنفيذ رؤيتها الجيوسياسية في منطقتي الشرق الأوسط والأدنى ، والمتمثلة اساسا في الحفاظ على دور إسرائيل الاستيطانية كيانا متفوقا في كافة المجالات وأداة لتنفيذ ما تبقى من استراتيجيات السياسية الخارجية للولايات المتحدة ومن أجل تحقيق رؤية الحركة الصهيونية بابعادها الدينية التوراتية وفق روايتهم، إضافة الى المصالح السياسية الاقتصادية التي يبحثون عن قواسمها المشتركة في هذا الحلف، الذي تتحدث عن تفاصيله التسريبات الأميركية تمهيدا لزيارة بايدن الشهر القادم.


تلك الزيارة التي تأتي في خضم أوضاع اقتصادية واجتماعية من عدم الاستقرار والتراجع عن اسس انشاء الولايات المتحدة ، وفي وقت تشن فيه هذه الاخيرة حربها الثقافية والاقتصادية والسياسية ضد الشرق المتمثل في روسيا والصين وبدايات افول تأثيرها بالقارة الأوروبية واميركا اللاتينية أمام ما يجري من متغيرات سياسية لها علاقة بتداعيات العقوبات الأميركية والناتو ضد روسيا وكذلك نتائج الانتخابات في فرنسا وكولومبيا وجاراتها التي سبقتها وما جرى في بلغاريا وغيرها من خروج الشعوب الأوروبية عن صمتها بعد كل هذا الضرر الذي يصيبها من السياسات الأميركية ، ما يدفع بالنتيجة إلى عدم استقرار وحدة الاتحاد الأوروبي الذي تحدثت عنه في مقال سابق.


هذه الزيارة وما سبقها من تمهيد بزيارة مسوؤلي الخارجية الأميركية للمنطقة بعناوين أصبحت واضحة ودون اي التزام بوعود سابقة قطعتها الإدارة الأميركية المنحازة لأسباب محددات العلاقة مع اسرائيل، سيتم خلالها ربما الإعلان عن هذا الحلف الجديد الذي لا أعرف ما سيطلق عليه من اسم ليحمل ولربما نفس أهداف "حلف بغداد" القديم الذي تهاوى أمام نهوض شعوبنا في مقاومته، لكن باحلال الدور الإسرائيلي القيادي بدلا عن الدور الإيراني في عام ١٩٥٥.


سيكون المطلوب الآن وبوضوح إنهاء ما تبقى من تاريخ وتراث وفكر الحركة الوطنية الفلسطينية والمتمثلة في منظمة التحرير ومحاولة الضغط بكل الوسائل من أجل محاولات اسقاط تمسكنا بحقوقنا الوطنية الثابتة المتمثلة اساسا بحق تقرير المصير وإقامة الدولة المتواصلة والمستقلة على كل الأراضي المحتلة عام ٦٧ بما فيها القدس، إضافة إلى حق اللاجئين بالعودة والتعويض وفق القرار الاممي ١٩٤ ، إضافة إلى محاولة الضغط أيضا من أجل تراجع أعضاء الحلف الجديد عن القرارات السابقة بالتمسك بالمنظمة ممثلا وحيدا وشرعيا لشعبنا والبحث عن من يحمل نيابة عنها الورقة الفلسطينية تمهيدا لتنفيذ مشروع تصفية القضية الوطنية القديم الجديد أو الوصاية عليها بمسميات مختلفة ويعتمد ايضا على انهاء المبادرة العربية للسلام من خلال توسيع اتفاقيات التطبيع والقفز عن ضرورة انهاء الاحتلال ، بما يتجاوب مع الإجماع الصهيوني في داخل الأحزاب الإسرائيلية حول هذا الأمر وما قدمته من رؤى لتصفية القضية وتنفيذ الترانسفير بأشكال جديدة تعتمد توسيع الاستيطان والضم والتهويد ورفع وتيرة الجرائم وإعادة طرح مشروع الوطن البديل.


كل ذلك لن يدفع شعبنا وحركتنا الوطنية والتي كطائر الفنيق تنهض دوما من بين الرماد، للقبول بما يخطط له معسكر الأعداء، فحركة التاريخ السياسي لا تعرف السكون خاصة في ظل ما يجري من نهوض لقوى دولية جديدة وما يتحقق من انتصارات لشعوب عملت الولايات المتحدة وإسرائيل على محاولات اضطهاد حرياتها وابقائها تابعة في ظل أنظمة دكتاتورية فاسدة تدور بالفلك الأميركي تتهاوى الآن. 

دلالات

شارك برأيك

ما بين حِلفيّن ومحاولات اسقاط المبادرة العربية للسلام

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%20

%80

(مجموع المصوتين 523)