أقلام وأراء
الأربعاء 22 يونيو 2022 9:22 صباحًا - بتوقيت القدس
الرواية وحدها لا تكفي
بقلم:إبراهيم أبراش
كتعريف إجرائي نقصد بالرواية في سياق هذا المقال المرجعيات والمرتكزات التاريخية والدينية والسياسية والقانونية التي منها يستمد أصحاب قضية ما شرعية حقوقهم ومطالبهم بتقرير المصير الوطني والحرية والاستقلال في دولة خاصة بهم، وحول فلسطين والقدس والمسجد الأقصى تتصارع روايتان أو سرديتان وكل أصحاب رواية يوظفون ما يعتقدون أنها حقائق تاريخية ودينية لإضفاء شرعية على مطالبهم السياسية حول الأحقية في فلسطين :
1- الرواية الفلسطينية/ العربية/ الإسلامية المستندة إلى: تعاقب الوجود الفلسطيني جيلا بعد جيل على أرض فلسطين طوال أكثر من خمسة آلاف سنة وقبل أن تظهر كل الديانات السماوية، الوثائق والكتب والاتفاقات التاريخية التي تؤكد عروبة فلسطين وشعبها وتذكر أسم فلسطين والفلسطينيين، الواقع القائم على الأرض طوال قرون وقبل ظهور الحركة الصهيونية والاحتلال الصهيوني، نصوص دينية واضحة من قرآن وسنة وتواصل الحضور الإسلامي وخصوصا في مدينة القدس والمسجد الأقصى منذ بيعة عمر إلى الحروب الصليبية وصلاح الدين الأيوبي، بالإضافة إلى قرارات الشرعية الدولية الخاصة بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه وإقامة دولته المستقلة.
2- الرواية اليهودية التوراتية الإسرائيلية التي تعبر عنها العقيدة الصهيونية ومن يؤيدها، وتزعم حق اليهود في فلسطين والقدس وأن المسجد الأقصى بُني فوق الهيكل ومن حق اليهود إعادة بناء هيكلهم محل المسجد الأقصى وإعادة إحياء دولة اليهود المزعومة، وهي رواية تفتقر إلى الوثائق والشواهد والوقائع التاريخية حيث نقب علماء الأركيولوجيا الإسرائيليون والغربيون في كل أرجاء فلسطين ولم يجدوا ما يدعم هذه الرواية، والمصدر الوحيد للرواية هو الكتاب المقدس عند اليهود .
إن كانت الرواية الأولى طرأت عليها تحولات واتسمت بمرونة تتيح للطرف الآخر العيش المشترك على نفس الأرض فإن الرواية الصهيونية حدية إقصائية عنصرية لا مرونة فيها وترفض بالمطلق أي حقوق سياسية للشعب الفلسطيني كما تصر على الجانب الديني للصراع، ولأنها كذلك فقد أسست لنظام عنصري عدواني وإرهابي.
بالرغم مما تتوفر عليه الرواية الفلسطينية/العربية/الإسلامية من قوة الحق والشرعية والشواهد التاريخية وتقبُلها من غالبية شعوب ودول العالم التي اعترفت بعدالة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، إلا أنها ما زالت تتعثر في أن تصبح واقعاً متجسداً في دولة خاصة بهم، بينما الرواية الصهيونية بالرغم مما بها من تلفيقات استطاعت أن تتجسد بدولة، فكيف نفسر ذلك ؟.
ما ساعد على تحويل الرواية اليهودية الصهيونية إلى واقع سياسي ودولة ليس مضمونها الديني بل لأن الحركة الصهيونية سلحت روايتها وعقيدتها الدينية باستراتيجيات عمل و شبكة تحالفات وقدرة على توظيف أحداث ومتغيرات دولية لصالح مشروعهم السياسي، ونذكر مثلاً الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور حيث التقت مصالح بريطانيا والدول الاستعمارية الطامعة في استعمار المنطقة العربية مع تطلعات الحركة الصهيونية بإقامة دولة في فلسطين فكان اتفاق سايكس ـ بيكو لتقسيم المنطقة بين فرنسا وبريطانيا 1916 ووعد بلفور 1917، أيضاً الحرب العالمية الثانية ونتائجها ، وفي الحالتين لو كانت نتائج الحربين معاكسة ما قامت دولة إسرائيل وبقيت الرواية الصهيونية مجرد أساطير.
ولكن أيضا وللموضوعية العلمية فإن عوامل ذاتية خاصة باليهود والإسرائيليين لعبت دوراً لا يُستهان به في تحويل روايتهم غير الواقعية وغير العقلانية إلى واقع ملموس، ومنها: التفاف غالبية يهود العالم حول هذه الرواية وخصوصاً بعد قيام دولة إسرائيل وهذا ما يفسر اليوم بأن المجتمع الإسرائيلي كله يتجه نحو اليمين بل واليمين المتطرف، أخذ هذه الدولة بمقتضيات الحداثة والتقدم والعلوم والتكنولوجيا، سرعة بناء قدراتهم العسكرية التقليدية والنووية، اعتماد نظام سياسي ديمقراطي بين الإسرائيليين اليهود، أيضا قدرتهم على اختراق الرواية المنافسة وزعزعة مرتكزاتها من خلال خطاب سلام مخادع والمؤامرات وتفكيك الجبهات الفلسطينية والعربية والإسلامية بالتطبيع، حتى باتت الرواية الفلسطينية العربية الإسلامية مجرد سردية أو أيديولوجيا دون مرتكزات أو استراتيجيات واقعية وملموسة .
أما بالنسبة لروايتنا الفلسطينية العربية الإسلامية فبالرغم من أنها أكثر مصداقية وعقلانية والشعب الفلسطيني لم يقصر في نشر روايته والدفاع عنها وعن أرض فلسطين منذ ظهور الحركة الصهيونية ووعد بلفور حيث كانت المواجهات الأولى في هبة البراق 1929 ومنذ ذلك التاريخ لم يترجل الشعب عن صهوة المقاومة والمجاهدة، إلا أن الرواية وحدها لا تكفي وجهود الشعب الفلسطيني لوحدها لا تكفي لتلبية استحقاقات هذه الرواية المركبة بأبعادها الثلاثة، كما افتقدت الأدوات التنفيذية واستراتيجيات العمل لتنفيذها وقوة التماسك الداخلي لمكوناتها أو مضامينها الوطنية والقومية والدينية، حيث كان للرواية الفلسطينية مشروعها السياسي الوطني و للرواية العربية مشروعها/مشاريعها السياسي القومي والرواية الإسلامية مشروعها/مشاريعها السياسي الإسلامي، وفي أكثر من محطة من محطات الصراع تصادمت الرواية الوطنية وأدواتها التنفيذية – المشروع الوطني متجسدا في منظمة التحرير الفلسطينية- مع الرواية القومية والرواية الإسلامية وأدواتها التنفيذية من أنظمة وأحزاب، وما زال التعارض موجودا حتى اليوم .
خذلت الأنظمة العربية والإسلامية القضية الفلسطينية حيث كانت تروج لرواية حول البعد القومي والبعد الإسلامي للقضية الفلسطينية دون أن تتوفر مجتمعة أو أي منها منفردة على استراتيجية لتحويل الرواية إلى واقع، بل تآمر بعضهم على الشعب الفلسطيني وشككوا بروايته عندما طبعت هذه الأنظمة مع الكيان الصهيوني.
للأسف نقول إنه حتى على المستوى الرسمي والحزبي الفلسطيني ومنذ اعتماد نهج التسوية السياسية والمراهنة على الشرعية الدولية ومع ظهور حركتي حماس والجهاد الإسلامي وطرحهما رؤية دينية متعارضة مع رؤية منظمة التحرير ثم الانقسام، كل ذلك أثر على قوة وتماسك الرواية الفلسطينية الأصيلة والتاريخية، ونخشى مع مرور الوقت أن تبهت مصداقية هذه الرواية خصوصاً في ظل الضغوط التي تمارسها إسرائيل والغرب وعلى رأسه أمريكا لتغيير مناهج التعليم الفلسطيني والمطالبة بعقلنة الخطاب السياسي بشطب ما يشوبها من تحريض والتحريض عندهم هو التأكيد على الرواية الفلسطينية التاريخية ، وفي ظل إعلام عربي وإسلامي لم يعد في غالبيته معنياً بالفلسطينيين وروايتهم ، بل هناك في هذا الإعلام من بات يشكك بالرواية الفلسطينية ويتبنى الرواية الصهيونية، كما أن تحيز الشركات المتحكمة بالفضاء السيبراني وخصوصاً شبكات التواصل الاجتماعي لإسرائيل ومعاداتها الواضحة للمحتوى الفلسطيني سيؤثر ولا شك على الرواية الفلسطينية وخصوصاً بالنسبة للجيل الجديد .
[email protected]
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع
حديث القدس
اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟
سماح خليفة
حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة
سري القدوة
لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة
راسم عبيدات
حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
علاء كنعان
ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟
د. أسعد عبد الرحمن
التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن
جواد العناني
متى يرضخ نتنياهو؟
حديث القدس
سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة
بهاء رحال
السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024
كريستين حنا نصر
الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين
سري القدوة
المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات
وسام رفيدي
مبادرة مروان المعشر
حمادة فراعنة
سجل الإبادة الجماعية
ترجمة بواسطة القدس دوت كوم
هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة
حديث القدس
المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة
المتوكل طه
عواقب خيارات نوفمبر
جيمس زغبي
النكبة الثانية والتوطين المقبل
سامى مشعشع
They will massacre you
ابراهيم ملحم
شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين
حمادة فراعنة
الأكثر تعليقاً
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
نتنياهو: نريد أن تدفع إيران الثمن وأن نمنعها من التحول لقوة نووية
الشيخ: قرارات الكنيسيت لن تغير من حقيقة أن القدس عاصمة أبدية للفلسطينيين
مازن غنيم يؤدي اليمين القانونية أمام الرئيس سفيرا لدولة فلسطين لدى السعودية
حزب الله يعلن انتخاب نعيم قاسم أمينا عاما خلفا لنصر الله
الشرطة: مقتل مواطن بإطلاق نار جنوب الخليل
غزة والانتخابات الأمريكية
الأكثر قراءة
وزارة العمل وجمعية قدسنا توقعان اتفاقيتي تعاون لتعزيز فرص العمل في القدس
مصطفى: الاقتصاد الوطني انكمش بمقدار 35٪ بفعل استمرار عدوان الاحتلال
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
عملية دعس وإطلاق نار في القدس المحتلة
السعودية تستضيف أول اجتماع رفيع المستوى لـ"تحالف حل الدولتين" الأربعاء المقبل
إسرائيل تتحدى الكون.. اغتيال حاملة الأختام
صمدت في جباليا.. استشهاد الفنانة التشكيلية الفلسطينية محاسن الخطيب
أسعار العملات
الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.72
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 4.06
شراء 4.04
هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟
%20
%80
(مجموع المصوتين 523)
شارك برأيك
الرواية وحدها لا تكفي