أقلام وأراء
السّبت 11 يونيو 2022 10:15 صباحًا - بتوقيت القدس
الأسير علاء البازيان والأربعين سنة؟!
بقلم: وليد الهودلي
من كان ذو حظ عظيم فإنه يحظى بأن يرافق علاء البازيان في رحلته الفكرية العميقة والسياسية الفسيحة والاجتماعية الانسانية الجميلة زمن فورة عسقلانية، ستجد نفسك وقد حلّق بك عاليا وقد طفت ميادين عديدة وهو يأخذ بيد قلبك وعقلك بكل سلاسة وروعة لتعود بالنزهة والفائدة والعلم الوفير، سيتوقّف أحيانا ويسألك عن فلان: هل هو في الساحة؟ فتمعن النظر وترجعه مرتين وثلاثا لتقول له أنه غير موجود ولكنه يقول لك انظر ثانية إنه موجود، لقد التقط طيفه بحاسته السابعة بينما فاتك ان تراه ببصرك الثاقب.
اذا كان الناس يعيشون ليلا واحدا في اليوم فالضرير يعيش ليلان ،واذا كان الأسير البصير يعيش ظلمة السجن والسجّان فالاسير الضرير يعيش ظلمات بعضها فوق بعض، هل لنا أن نتخيّل أو نستوعب كيف مرّت الأربعين سنة على علاء البازيان وهو يمدّ بصيرته ليرسم معالم السجن وحياته المريرة بكلّ مفرداته القاسية، ما أعظم هذه الإرادة التي تسكن هذه الشخصية الفذّة.
كيف رسم الزنزانة وحدّ حدودها في مخيلته، هل طابقت الصورة التي رسمها حقيقة الامر أم كانت أكثر قتامة وأشدّ ضراوة؟ هذه مساحة السجّين الضيقة التي حدّدت حركته وثبّتت اركانه وقزّمت خطواته، كيف قطع زمن السجن الطويل بخطوات قصيرة جدا عرضها وطولها طول زنزانة كئيبة تلقي بظلالها السوداء على نفسيته الابيّة الحرّة المرهفة الإحساس.
وإذا علمنا أن أسيرنا الضرير لم يولد ضريرا وإنما كان ذلك عندما انفجرت بين يديه عبوة ناسفة في عملية فدائية كان فيها علاء فارسها الاوّل، فإن لنا أن نتصوّر قدراته على رسم الحيّز المكاني بناء على ما في مخزونه القديم من صور.
وبهذا فإنه يحاول رسم زنزانته بصورة مطابقة للواقع ثم الانطلاق الى كلّ مفردات هذا الواقع برسم يحاول فيه الاقتراب من صورته طبق الأصل، فالبرش تحدّد أنامله معالمه، زوايا حديدية تجعل من فضاء نومه محدودا وترسل له رسائل فظة قاسية، حتى في مرقدك ومنامك ليس لك منا الا الحديد والقسوة. ثم لا يجد في هذه المساحة الضيقة الا تلك الابراش الحديدية ذات الطابقين لتتسع كما بشريا يفوق طاقة المكان وتجد في احدى الزوايا دورة المياه التي لا تفي باحتياجات عدد ضاقت عليهم هذه الزنزانة بما رحبت! هنا في هذه المسافة بين الابراش الحديدية المكتظة ودورة المياه تمارس الحياة بكلّ أنشطتها المتعدّدة: فهي غرفة طعام وصلاة ونادي ثقافة وحركة ورياضة وصالون ضيافة ومكان لممارسة كل الهوايات ادناها النقاش واعلاها فنون نسج قبة الصخرة الحريرية واللوحات الفنيّة.
وله من الحركة خطوات عندما يفتح باب الزنزانة مرّتين في النهار ليقوده احد الرفاق للفورة (ساحة السجن) فتتحرّك قدماه في ذات الظلمات التي لا تنفكّ عنه لا ليلا ولا نهارا، لا داخل زنزانته ولا في فورة متنزهه، يحاول السباحة في ميدان هذه الظلمات في ميادين الفكر والسياسة هاربا من عالم ظلماته، ويحاول بما ينسج من علاقات طيبة أن يفتح مساحات من نور يكسر حدّة الظلمات المحيطة به من كلّ جانب، الحياة المعنوية رفيقته في درب الظلمات والتي تشكّل عماد حبسته الطويلة والتي تبدو ان لا نهاية لها إلا بأمل يرى وميضه نهاية النفق.
هي المسافة ما بين الفورة والبرش التي تشكّل مدى حركته ويريد السجان أن يحشره فيها ويسدّ عليه الأفق وليجعل منه قزما لا قيمة له ولا معنى لحياته، ولكن علاء يجيد فتح آفاق واسعة إيمانا وعلما وأملا يمنحه لنفسه ولغيره من الاسرى، ليحيل السجن الى معقل حرية ومصنعا للرجال، فيزرع الفكرة ويوسّع مدارك العقل ويطوّر الخبرة ويجدّد الروح، كلّ من يلتقي بعلاء يسمو ويعلو وترتقي جوانب شخصيته وتتملّكه روحا عالية وعنفوانا لا يلين أبدا مهما تكالبت عليه دواهي السجن.
لقد نجح "علاء" ومن معه من أفذاذ الحركة الاسيرة في تجاوز كلّ الظلمات التي أراد لهم السجان ان يغرقوا فيها، وإذا كان هذا النجاح يحسب لكل من تجاوزه فإنه يحسب لعلاء مرتين لانه يواجه ظلام ليلين بينما غيره يواجه ظلام ليل واحد.
هذا غيض بسيط من فيض هذه الشخصية الحرة المثقفة الموسوعة ذات القدرة على المنح والعطاء والبناء، بقي أن نقول أنه ليس من المعقول أن تترك هذه الشخصيات العظيمة في السجون لتصل الأربعين سنة، بل هذه جريمة بحقنا جميعا نحن الذين نوصف بالأحرار وكلّ الذين يوصفون بالسيادة والقيادة، ماذا فعلنا وماذا نحن فاعلون؟ وماذا ننتظر؟ هل ننتظر لهم النصف قرن في السجون أم نقف وقفة صدق لنضع حدا لهذه الارقام الفلكية في سجون هذا الاحتلال البغيض؟؟
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع
حديث القدس
اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟
سماح خليفة
حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة
سري القدوة
لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة
راسم عبيدات
حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
علاء كنعان
ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟
د. أسعد عبد الرحمن
التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن
جواد العناني
متى يرضخ نتنياهو؟
حديث القدس
سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة
بهاء رحال
السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024
كريستين حنا نصر
الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين
سري القدوة
المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات
وسام رفيدي
مبادرة مروان المعشر
حمادة فراعنة
سجل الإبادة الجماعية
ترجمة بواسطة القدس دوت كوم
هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة
حديث القدس
المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة
المتوكل طه
عواقب خيارات نوفمبر
جيمس زغبي
النكبة الثانية والتوطين المقبل
سامى مشعشع
They will massacre you
ابراهيم ملحم
شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين
حمادة فراعنة
الأكثر تعليقاً
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
حزب الله يعلن انتخاب نعيم قاسم أمينا عاما خلفا لنصر الله
نتنياهو: نريد أن تدفع إيران الثمن وأن نمنعها من التحول لقوة نووية
مازن غنيم يؤدي اليمين القانونية أمام الرئيس سفيرا لدولة فلسطين لدى السعودية
الشيخ: قرارات الكنيسيت لن تغير من حقيقة أن القدس عاصمة أبدية للفلسطينيين
حظر الكنيست لـ"الأونروا" ... إسرائيل حاكمة الكون انتدبت نفسها لشطب قرارات الأمم المتحدة ومؤسساتها
مصطفى: الاقتصاد الوطني انكمش بمقدار 35٪ بفعل استمرار عدوان الاحتلال
الأكثر قراءة
مصطفى: الاقتصاد الوطني انكمش بمقدار 35٪ بفعل استمرار عدوان الاحتلال
الأردن تدعوا إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
أميركا و7 من حلفائها يحذرون نتنياهو من انهيار الاقتصاد الفلسطيني
عملية دعس وإطلاق نار في القدس المحتلة
السعودية تستضيف أول اجتماع رفيع المستوى لـ"تحالف حل الدولتين" الأربعاء المقبل
إسرائيل تتحدى الكون.. اغتيال حاملة الأختام
صمدت في جباليا.. استشهاد الفنانة التشكيلية الفلسطينية محاسن الخطيب
أسعار العملات
الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.72
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 4.06
شراء 4.04
هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟
%20
%80
(مجموع المصوتين 523)
شارك برأيك
الأسير علاء البازيان والأربعين سنة؟!