بقلم: واصف عريقات /خبير ومحلل عسكري
كان السبب المباشر لنشوب الحرب العالمية الاولى حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته ‏من قبل طالب صربي يدعى غافر يلو برينسيب في 28 حزيران 1914 اثناء زيارتهم لسراييفو، اما الاسباب ‏الثانوية فتتمثل بالتنافس الاستعماري والصراع حول المستعمرات والسيطرة على البحار بين المانيا وفرنسا ‏وبريطانيا وتوتر الاوضاع داخل اوروبا بسبب النزاعات على الحدود والنزعات القومية المطالبة بالاستقلال. ‏والسبب المباشر للحرب العالمية الثانية هو قيام المانيا بغزو بولندا في 1 ايلول 1939 ، اضافة الى اعلان ‏بريطانيا وفرنسا الحرب على المانيا في 3 ايلول 1939 ، على اثر دعوات التيارات الالمانية للانتقام بعد ‏معاهدة فرساي التي وقعت بعد هزيمة المانيا في الحرب العالمية الاولى عام 1918 . ‏
‏ العملية العسكرية الروسية على اوكرانيا الحالية تعتبرها امريكا والدول الاوروبية السبب المباشر لحرب ‏عالمية ثالثة او شبيهة لها، علما بان هذه العملية جاءت بسبب تحريض امريكي اوروبي لاوكرانيا لمواجهة ‏روسيا وعدم الالتزام بتنفيذ (صيغة نورماندي) اتفاقية مينسك 2014 ومن خلال ادارة ظهرهم للمطالب ‏الروسية المتمثلة بالضمانات الامنية التي تشمل حياد اوكرانيا وعدم انضمامها لحلف الناتو وتوقف توسع ‏الناتو تجاه الاراضي الروسية وان لا تشكل الاراضي الاوكرانية خطرا على روسيا، اما الاسباب غير المباشرة ‏فهي اصرار ادارة الرئيس الامريكي بايدن بقيادة بعض الدول الاوروبية على انهاك روسيا واضعافها من ‏خلال استنزاف عناصر قوتها ومقومات صمودها ضمن حرب شاملة عسكرية اقتصادية اعلامية ثقافية ‏اجتماعية والقتال حتى اخر جندي اوكراني بهدف اطالة امد العملية، لذلك يسعون لانضمام كل من فنلندا ‏والسويد لحلف الناتو ويواصلون تزويد اوكرانيا بالسلاح والمعدات القتالية اضافة لتجييش بولندا وتحريضها ‏على السيطرة على جزء من غرب اوكرانيا تحت شعار الحماية من العدوان الروسي بامل انقسام اوكرانيا. ‏
كثيرة هي الاسباب التي تؤدي الى توسع الحرب واستمرارها ومن بعض المؤشرات: تصريحات رئيس هيئة ‏اركان الجيش الامريكي مارك ميلي في جلسة استماع امام مجلس الشيوخ لاقرار ميزانية الدفاع الثلاثاء ‏‏5 ايار بان جيش الولايات المتحدة على اهبة الاستعداد وان الهجوم الروسي على اوكرانيا "يهدد الامن ‏العالمي" وانه لا يوجد مكان للمرتبة الثانية في المنافسة الاستراتيجية بين الجيش الامريكي والخصوم، كما ‏قال نشهد اكبر تحد لامننا وامن اوروبا ونحن في مواجهة مع قوتين عالميتين هما الصين وروسيا، كما هدد ‏وزير الدفاع البريطاني بن والاس روسيا( في معرض رده على تاكيد الرئيس الروسي بوتين بسحق بريطانيا ‏بعشر دقائق) قائلا من يمس الاراضي سنرد عليه الصاع صاعين، واكد ان قوات المملكة المتحدة النووية ‏قابعة بالبحر بانتظار لحظة الانطلاق لتدمير روسيا وحماية حلف الناتو، وقبله صرحت وزيرة الخارجية ‏البريطانية ان قواتها ستدخل اوكرانيا بشكل رسمي، تتزامن هذه التصريحات مع مضاعفة الحصار باشكاله ‏كافة على روسيا(علما بان اوروبا تضررت ايضا من هذا الحصار كما ان هناك انقسام اوروبي حول فرض ‏عقوبات على قطاع الطاقة) والاصرار على الاستمرار بتزويد اوكرانيا بالسلاح والمال والمرتزقة.‏
سيناريوهات الحرب المحتملة على ضوء التصريحات والمواقف المعلنة:‏
السيناريو الاول: اعلان روسيا الحرب على اوكرانيا بشكل رسمي قبل يوم النصر 9 ايار القادم( وهذا ياتي ‏بناء على معلومات استخبارية روسية على النوايا الامريكية والاوروبية وحجم تدخلهم المباشر وغير المباشر ‏في الحرب)، يتيح للرئيس بوتين اعلان التعبئة العامة ودعوة الاحتياط والتجنيد، وهذا يعني توسيع اهداف ‏العملية العسكرية باتجاه ميكولايف اوديسا واقليم ترانسنيستريا الانفصالي في مولدافا. مما يرفع من احتمال ‏التدخل العسكري الخارجي المباشر. ‏
السيناريو الثاني : يفسره الاعلان المفاجئ عن المناورات البلاروسية( ولو انه ياتي في سياق الرد على ‏المناورات البولندية الا انه مؤشر آخر على التصعيد) تؤدي الى دخول بلا روسيا الحرب الى جانب روسيا. ‏وهذا ياتي ايضا بناء على معلومات استخبارية عن نوايا امريكية اوروبية بالتدخل المباشر.‏
السيناريو الثالث: بدعم غربي امريكي دخول الجيش البولندي الى الجزء الغربي من اوكرانيا بحجة حمايته ‏من روسيا، وهذا الاحتمال تحدث عنه مدير الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين ونسبه الى ‏نقاش جرى بين وارسو وواشنطن. ما سيؤدي الى مشاركة اطراف عدة في الحرب.‏
السيناريو الرابع: اتهام اوكرانيا بدعم من امريكا والغرب لروسيا بارتكاب "مجزرة" بحق المدنيين في مصانع ‏ازوفستال داخل ماريوبول (علما بان روسيا تعمل على اخراجهم عبر ممرات آمنة)، للتاكيد على ما تدعيه ‏اوكرانيا من مجازر سابقة في مدن وقرى اوكرانية خاصة في بوتشا التي زارها الامين العام للامم المتحدة ‏انطونيو غوتيريش اثناء تواجده في اوكرانيا. واهمية هذا الاتهام تكمن بوجود ضباط من الناتو وربما امريكان ‏ايضا ضمن المجموعات المحاصرة في انفاق المصانع ويريدون اخفاء الامر وانقاذهم، واستخدام هذا الاتهام ‏ذريعة للتدخل العسكري باشكاله المتعددة.‏‎ ‎
السيناريو الخامس: يفسره تركيز الغرب وامريكا على نية روسيا استخدام اسلحة كيماوية اوابادة جماعية ‏لتبرير تدخلها المباشر في الحرب ضد روسيا، وكانت امريكا قد استخدمت هذا الاتهام ضد الجيش السوري ‏تمهيدا لضربه. والسيناريو الامريكي الهوليودي جاهز للاخراج لا سيما وان وزير الدفاع الامريكي اوستن في ‏مقدمة هؤلاء وهو من قال الحرب في اوكرانيا تتغير والاسابيع المقبلة ستكون حاسمة .‏
السيناريو السادس: اتهام الغواصات الروسية باستهداف كابلات الانترنت العالمية التي تمر من خلالها كل ‏معلومات النظام المالي العالمي تحت سطح البحر وكذلك الحرب الرقمية والفضاء السيبراني الممتد من ‏الارض الى اعماق البحار يؤدي الى صدام وتدخل عسكري امريكي غربي مباشر.‏
السيناريو السابع: مع حرص كل الاطراف على عدم وقوع اي صدام الا ان احتمال تطور الموقف الميداني ‏نتيجة استمرار امريكا واوروبا تدريب الاوكرانيين وتزويدهم بالسلاح والمعدات القتالية الفتاكة وتحريضهم على ‏القتال او تزويدهم بالمعلومات الاستخبارية الحساسة للاهداف الروسية من خلال الاقمار الصناعية وتحوله ‏الى مجابهة بين الطيران الروسي والطيران الامريكي اوالاوروبي او بين الغواصات البحرية يبقى قائما.‏
اما عن نمط الحرب فهذا يتوقف على الاهداف منها، وهل هي في سياق ردع روسيا ام في سياق دعم ‏اوكرانيا لاستعادة اراضيها، اوحرب متدحرجة تبعا للتطور الميداني، ومن هي الدول التي ستشارك فيها على ‏سبيل المثال دول حلف الناتو بدعم امريكي؟ يقابلها الصين وكوريا الشمالية ودول اخرى؟، وهل سيرافقها ‏اجتياحات برية واجتياز حدود؟ فالتوقع انها ستكون مختلفة عن الحروب التقليدية النمطية باستخدام ‏التكنولوجيا الحديثة واستهداف الاتصالات والاقمار الصناعية ومراكز السيطرة والقيادة والمطارات والنقاط ‏الحيوية والاستراتيجية وطرق الامداد للدول وشل قدراتها الدفاعية والهجومية عبر استخدام الضربات ‏الاستباقية من خلال الطائرات الحديثة والاسلحة المتطورة من المدفعية الثقيلة بعيدة المدى، والصواريخ ‏الروسية فرط الصوتية مثل "سارمات " العابر للقارات الذي يزن 200 طن ويدمر دول بمساحة فرنسا اوولاية ‏تكساس، اضافة الى الصواريخ الروسية الباليستية المسلحة نوويا التي تحدث الاشعاعات المدمرة مثل ‏صاروخ "بوسيدون" الذي اعلن عنه مؤخرا، بالمقابل هناك اسلحة ومعدات قتالية حديثة مماثلة في الجيش ‏الامريكي والغربي يمكن استخدامها ايضا. ‏
يقابل سيناريوهات الحرب المحتملة سيناريو انفراج محتمل عبر اكتفاء روسيا بما حققته من شل قدرات ‏الجيش الاوكراني وسيطرة عسكرية على اقليم الدونباس وماريوبول وخيرسون وشبه جزيرة القرم والممر البري ‏وتعزيز هذا التواجد والاعلان عن ضمهم لروسيا يوم الاحتفال بالنصر في 9 ايار. وهذا يعتمد على مواقف ‏امريكا واوروبا وقدرتهم على التأثير خاصة ماكرون _ بوتين، الرئيس الصيني بينغ _ بوتين، مع الاخذ ‏بعين الاعتبار الكلفة عالية الثمن التي دفعتها روسيا واوكرانيا ومعهما العالم من وراء هذه الحرب، لذلك ‏التوقعات صعبة والحسابات معقدة والمطامع كثيرة وحسابات الربح والخسارة والمصالح وانتهاز الفرص ممتدة ‏وواسعة.‏
‏ ويبقى الجواب في عهدة بوتين وبايدن؟؟؟ ‏