في قلب شمال شرق الهند، وتحديدًا على الحدود بين ولايتي آسام وميغالايا، تقع بلدة صغيرة تُدعى "بيرنيهات". ورغم حجمها المتواضع، أصبحت هذه البلدة محور اهتمام عالمي بعد أن تصدّرت قائمة أكثر المناطق تلوثًا في العالم، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة IQAir السويسرية المتخصصة في جودة الهواء.
وسجّلت بيرنيهات خلال عام 2024 متوسطًا سنويًا لتركيز جسيمات PM2.5 بلغ 128.2 ميكروغرامًا لكل متر مكعب من الهواء، متجاوزًا الحدّ الذي توصي به منظمة الصحة العالمية (5 ميكروغرامات) بأكثر من 25 مرة.
وجسيمات PM2.5 هي جسيمات دقيقة للغاية يمكنها اختراق الرئتين والدخول إلى مجرى الدم، وتُعد من الأسباب المباشرة لأمراض القلب، وسرطان الرئة، والربو، والسكتات الدماغية.
وما يجعل الوضع أكثر سوءًا هو أن هذا التلوث لا ينبع فقط من المصانع، بل من البنية الجغرافية للبلدة نفسها، التي تقع في منخفض تحيط به التلال من كل جانب، مما يخلق "وعاءً" يحبس الملوّثات في الهواء لأسابيع، دون أي تصريف طبيعي.
ويشبه بعض سكان البلدة الأمر بالعيش داخل "غرفة غاز مفتوحة".
وتضمّ بيرنيهات أكثر من 80 منشأة صناعية ثقيلة، بينها مصانع إسمنت وفحم ومعادن.
وهذه المنشآت تُطلق كميات ضخمة من الملوّثات يوميًا دون رقابة بيئية كافية، بسبب التراخي الرسمي وتضارب المصالح بين المستثمرين والجهات التنظيمية. وبينما تُعتبر البلدة نقطة عبور رئيسية على طريق التجارة بين الولايات، فإن ثمن هذا النشاط الاقتصادي تدفعه رئات الأطفال وكبار السن.
وقد انعكس التلوّث مباشرةً على الوضع الصحي للسكان. ففي عام 2022، سُجّلت 2,082 حالة مرضية مرتبطة بأمراض الجهاز التنفسي، بينما ارتفع العدد إلى 3,681 حالة بحلول نهاية 2024. وتشمل الأعراض الشائعة: السعال المزمن، صعوبات في التنفس، التهابات عيون، طفح جلدي، وصداع مستمر.
وتقول المعلمة نيفيديتا راي، التي تعمل في مدرسة محلية: "نطلب من الأطفال ارتداء الكمامات، لكن الهواء يخترق كل شيء. لا أحد يستطيع التنفس هنا دون أن يدفع الثمن".
وفي غياب منشآت طبية متقدمة في البلدة، يضطر السكان لقطع مسافات طويلة إلى مدن مثل شيلونغ أو غواهاتي للحصول على العلاج، مما يثقل كاهلهم ماليًا وجسديًا. كما أن أقرب مختبر بيئي يبعد أكثر من 100 كيلومتر، ما يصعّب عمليات المراقبة والتبليغ.
أما على الصعيد السياسي، فلم تتحرك حكومتا آسام وميغالايا بجدّية إلا بعد صدور التقرير العالمي، إذ أعلنتا عن تشكيل لجنة مشتركة "لدراسة الوضع". لكن سكان بيرنيهات يرون أن ذلك لا يتعدّى كونه "خطوة علاقات عامة" لكسب الوقت، دون إجراءات فعلية على الأرض.
وتدعو منظمات بيئية مثل "جرينبيس الهند" و"تحالف الهواء النظيف" إلى تحرّك فوري، يشمل فرض قيود صارمة على الانبعاثات الصناعية، وإنشاء محطات مراقبة جوّية، وإعداد خطة طوارئ صحية لمساعدة السكان المتضررين.
وتقول الناشطة نيشا باثاك: "نحن لا نطالب بمستقبل نظيف، بل فقط بالحق في التنفس. وهذا الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة أصبح مستحيلًا في بيرنيهات".
شارك برأيك
بلدة بيرنيهات الهنديّة تتصدّر قائمة أكثر المناطق تلوثًا في العالم