Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأحد 23 مارس 2025 9:29 صباحًا - بتوقيت القدس

النهر الذي يفرش خضرته على ضفتيه



لا يعجبني تخصيصُ يوم احتفالي للأشياء الجميلة كالحبّ، السّلام، الشعر، والصداقة؛ لشعوري أن لا نفع يجدي في تذكر هذه الأشياء في يوم عابر ثم نسيانها في ما خلا من أيام. لربما كنت سأجد عذرا للعالم حين خصّص مثل هذه الأيام البروتوكولية لطبقة الأوزون، أو للغابات أو حتى المياه، في مسعاه للفت الأنظار إلى أن شبح التهتك والتلاشي يراودها عن وجودها. أمّا أن يخصصوا يوماً للشعر ؛ فهذا ما كان لقلبي وروحي أن يحتملاه.

أيعقل أن يكون الشعر في غرفة العناية الحثيثة، ونحن لا نشعر بهذا ولا ندري؟ ويل لقلوبنا إذن. كيف ستدور الأرض ماخرة عباب الفضاء بدونه. كيف ستتخلّق قشطة الصباح ولهفاتُ الفصول. كيف ستزدهر النجوم وتغني قُبّرات الحقول، وتخضرّ المجرات وترقص الشهب في سكون الصحراء. كيف سنفهم لغة الوردة حين تثقب خاصرة الصخرة وتعلن مولدها القاسي. يا الله، ما نفع هذا العالم إن صار بلا جناح تريّشه المسافات وعذابات العاشقين وأشواقهم. ما نفع عالم بلا بحورك وقوافيك وأوزانك وخصب خيالك أيها السيد ؟ هل حقا بتَّ قاب غفوتين من سقوط قريب في لجة النسيان؟.

سيقول قائل حسناً فعلوا أن اختاروا للشعر يوماً في الحادي والعشرين من كل آذار رفقة عيد الأم والنيروز وغيرهما من المناسبات. حسنا فعلوا علَّ الصواب يعود إلى عالمنا المهووس بالحروب، وعله يستعيد بعضا من شاعريته بعدما أخذته البلادة والتكلس وصار بلاستيكياً بارداً منزوع الروح.

الشعر أيها العارفون درج على سجادة الأرض قبل الكلام بزمن مديد. حتى قبل نقوش الحروف ورسومات المعابد وعلامات الطرقات. الشعر همهمات الروح. هو نهر تفتق فارشا خضرته على ضفتيه حتى من قبل أن يعرف أن البحر لن يغدو عذبا إن صبّ فيه ليل نهار. الشعر دهشة الإنسان الأولى من أشياء أراد أن يتماهى في أسرارها وأن يفهم بوحها. هو لهفته من قطن السحاب قبل أن يتنزل مطرا نسج منها كنزة لدفء مشتهى. الشعر فراشة تقطف قبلة خاطفة من زهرة وتطير من بين فروج أصابع الوقت.

عللت الأمم المتحدة اختيارها لهذا اليوم بالحاجة إلى أن ينتبه العالم من غفلة كوارثه وحقده وكراهيته وتعصبه. وهي تقول إن الشاعر كان ينثر ورد المحبة والسلام منذ هوميروس وطرفة بن العبد وغارسيا لوركا وبابلوا نيرودا والمتنبي ومحمود درويش. هذا اليوم تذكير لنا لنفكر في كينونتنا، ونتدبر وصيرورة وسيرورة وجودنا.

ولكن كل ذلك لا يكفي، فحتى مع هدير المدافع وزمجرة الطائرات لا أكاد أتصور عالمنا بلا شعر أو شعراء. وحتى وإن كان الفيلسوف إفلاطون قد طردهم من جمهوريته الفاضلة المتخيلة، فأنا لا أتخيل عالمنا قادراً أن يحيا بلا أجنحة وخيال، ولا أن الشعر لم يعد ديواناً للعالم، وإن كنت لا أخاف قنبيلة هيدروجينية تنهي حياة الأرض وحضارتها، إلا أني ما زلت أرتجف رعبا ممن لا يقرأون الشعر.  

على بوابة الأمم المتحدة في النيويورك نُقش مقطعٌ من قصيدة للطفلة ميلان مورو يقول، لو كانت الأرض مربعة الشكل؛ لوجدنا زاوية للاختباء. لكن الأرض كروية؛ وعلينا مواجهة العالم.  


عن "الدستور"


.....................

على بوابة الأمم المتحدة في النيويورك نُقش مقطعٌ من قصيدة للطفلة ميلان مورو يقول، لو كانت الأرض مربعة الشكل؛ لوجدنا زاوية للاختباء. لكن الأرض كروية؛ وعلينا مواجهة العالم.  


دلالات

شارك برأيك

النهر الذي يفرش خضرته على ضفتيه

المزيد في أقلام وأراء

مرآة الصراع والمأزق الفلسطيني

جمال زقوت

الخطابات الشعبوية بين القول والفعل

بهاء رحال

الإبادة الموضعية!

إبراهيم ملحم

جامعة الدول العربية في خضم نكبات الشرق العربي المتتالية

كريستين حنا نصر

هل خطاب الإدارة الأمريكية متناقض حقاً؟!

د. أحمد رفيق عوض

تفاقم ظواهر التناقض لدى المستعمرة الإسرائيلية

حمادة فراعنة

التطهير العرقي هدف حرب الإبادة الفاشية على غزّة

د. مصطفى البرغوثي

"الكابنيت" يفصل ويثبت.. والسلطة تواجه أشباح الماضي

أمين الحاج

الواقع العربي والتحديات المستعصية

محمـد علوش

على مسرح الخذلان.. ذُبح يوسف وأُغرقت غزة بدماء الشهداء

خضير المرشدي

السلوك محكوم بنتائجه

د. أفنان نظير دروزه

لماذا أعاد نتنياهو إشعال الحرب في غزة؟ خيار سياسي أم ضرورة أمنية ؟

د. دلال صائب عريقات

غزة.. إبادة ممنهجة

بهاء رحال

دبابات وأموال !!

أنهار الدم والدموع تجري في القطاع بلا انقطاع!

ابراهيم ملحم

مستقبل سوريا السياسي يحدد مستقبل الشرق العربي

كريستين حنا ناصر

معركة الحسم المقبلة في قطاع غزة

حمادة فراعنة

إيلون ماسك يستحوذ على شركة ناشئة لتوليد مقاطع الفيديو بالذكاء الاصطناعي

العائلة الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي: عائلتك لم تعد كما تعتقد.. هل تتحكم بها خوارزميات...

المصانع المظلمة - مستقبل الصين المشرق

أسعار العملات

الإثنين 24 مارس 2025 9:52 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.72

شراء 3.7

دينار / شيكل

بيع 5.25

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 4.0

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 902)