بلا انقطاع، تجري في القطاع صباح مساء، أنهار الدم والدموع من مآقي الأمهات الثاكلات الصابرات الصائمات المحتسبات الباكيات المنتحبات على فلذات الأكباد، وثمرات القلوب الذين قضوا في الشوارع، وتحت ركام المنازل، وفي الحارات ومراكز الإيواء والخيام، وحتى داخل المستشفيات التي لم تعد قادرة على توفير الحد الأدنى من مستلزمات إنقاذ الحياة.
أكتب بدمع القلب، وأعيد الكتابة مرات ومرات، وقد بلّ دمعي محملي، وفُجع قلبي، وأنا استمع إلى إحدى الأمهات المفجوعات في وداع حشاشة روحها، وهي تشقّ الصفوف لتلقي بنفسها على جثمانه المسجى، تقبيلاً وتمسيداً وبكاءً مريراً. تدثره بأغطية ثقيلة لتقيه من البرد، وتكاد تلحق به إلى مرقده لتنام إلى جواره، تَحدِب عليه، وتمسّد شعره، وتكفكف دمه النازف من جسده الغض.
"مع السلامة يمّا.. قتلوك يمّا قتلوك.. حلمت أني بمشي تحت المطر، ما عرفت إنك بدك تموت في المطر".
وكذلك، كان الرصاص ينهمر أمس كالمطر على خيام النازحين، وفي الشوارع في منطقة الشيماء في بيت لاهيا، وقرب مدرسة أحمد الشقيري. فالنازحون ما أن يقيموا خيامهم على ركام بيوتهم، حتى يضطرون للنزوح من جديد إلى المجهول، بينما المسيّرات تنتشر فوق رؤوسهم كالحشرات، تلاحقهم وتقتل أطفالهم ونساءهم وشبابهم وشيوخهم، فلا ملاذ لهم من الموت الذي يتربّص بهم في كل بيت وحارة وشارع، بعد عودة الإبادة التي يمارسها المجرمون القتلة كعبادة.
شارك برأيك
أنهار الدم والدموع تجري في القطاع بلا انقطاع!