بوتيرةٍ مجنونةٍ، عادت حربُ الإبادةِ في غزة بعد أن توقفت خلال المباحثات وعمليات تبادل الأسرى في الشهرين الماضيين. حيث كانت الأنظار تتجه إلى اتفاقٍ جديدٍ يفضي إلى استمرار التهدئة وإطلاق سراح المزيد من الأسرى وإدخال المساعدات الضرورية، بيد أنَّ الوضعَ انفجر فجأةً، وعادت الحرب، وعاد القصف، وارتفعت أعداد الشهداء، وتجدد الخراب والدمار.
جاء ذلك بشكلٍ مباغتٍ، في تطورٍ دراماتيكيٍّ سريعٍ ومفاجئ، وسط كارثةٍ حقيقيةٍ يعيشها قطاع غزة، فلم يحمل فصلُ الهدنةِ للناسِ في غزة المساعداتِ الكافيةَ من طعامٍ وشرابٍ، أو مساكنَ وخيامٍ، كما لم تدخل الكمياتُ الكافيةُ من المستلزماتِ الطبيةِ إلى المستشفياتِ الفاقدةِ للأهليةِ الطبيةِ والعلاجية، ولم يُلتزم بالبُنودِ التي تم التوصل إليها، خصوصًا في القضايا الإنسانية والحياتية، بل تم التعمدُ في التلكؤِ والمماطلةِ والتهربِ من الالتزامات.
جاء قرارُ عودةِ الحربِ مدعومًا بشكلٍ كاملٍ من الولاياتِ المتحدةِ الأمريكية والرئيسِ ترامب، الذي جدَّد تهديدَهُ ووعيدَهُ بالجحيمِ الذي ينتظرُ الناسَ في غزة، في إشارةٍ إلى دعمهِ الكاملِ لخطواتِ نتنياهو التصعيدية، الراميةِ إلى ترميمِ الفشلِ الذي ظهرَ عليه خلال فصلِ الهدنةِ، وترميمِ ائتلافهِ الحكوميِّ الذي فقدَ توازنَهُ، والهروبِ من مشكلاتهِ الداخليةِ ومحاكماتهِ القضائية، ومواصلةِ خطةِ التطهيرِ العرقيِّ والتهجير، التي يراهنُ نتنياهو على تنفيذِها بدعمٍ كاملٍ من ترامب.
إنَّ قرارَ عودةِ الحربِ وفتحَ أبوابِ الجحيمِ على الناسِ في غزة، بوحشيةٍ أكبرَ ودمويةٍ أشدَّ، جاءَ بالتنسيقِ مع إدارةِ ترامب، مما يؤكدُ تورّط الإدارةِ الأمريكيةِ الجديدةِ في حربِ الإبادة، كسابقتها، وهذا أمرٌ واضحٌ يجاهرُ به ترامب ولا يُخفيه، فهو أولُ من دعمَ عودةَ الحربِ في لحظاتِها الأولى، ومع أولى عملياتِ القصفِ التي شنَّتها الطائراتُ، أعلنَ تأييدَهُ للضرباتِ الجوية، مما يبرهنُ على خبثِ نوايا الطرفين الأمريكيِّ والإسرائيليِّ، وإصرارهما على المضيِّ في خططِ الإبادةِ والتطهيرِ العرقيِّ تحت ذرائعَ وأكاذيبَ وادعاءاتٍ، وفقَ معطياتٍ مختلفةٍ على الأرض، سواءٌ في غزةَ أو في دولِ الإقليم.
نتنياهو يريدُ تحويلَ الحربِ في غزة إلى حربٍ دائمةٍ لا تتوقف، في سياسةٍ معلنةٍ وأهدافٍ لم تَعُدْ خفيةً، وهي استمرارُ الحصارِ والقتلِ والتخريبِ والتدمير، وفي ذاتِ الوقتِ يتهربُ من كلِّ الحلولِ السياسية، ومن كلِّ ما اقترحَهُ الوسطاء، كما رفضَ المبادرةَ العربيةَ والقراراتِ التي خرجتْ بها القمةُ العربيةُ الأخيرةُ في القاهرة.
عودةُ الحربِ على غزة، بوتيرةٍ مجنونةٍ، مترافقةٌ مع تصريحاتِ نتنياهو وترامب التي تتهددُ القطاعَ بالجحيم، وكأنَّ الخمسةَ عشرَ شهرًا من الإبادةِ لم تكنْ جحيمًا! وكأنها كانت نزهة بكل ويلاتها وقهرها وموتها وظروفها المستحيلة، وبحجم الدمار والخراب واتساع رقعة الفقد والألم.
مجازر تخطف المئات في ليلة من ليالي رمضان المبارك، وأجساد محترقة وأشلاء متفحمة لأطفال ونساء، قرروا أن يناموا ليلتهم ولم يعلموا مكيدة الطائرات التي أغارت عليهم وحولت ليلتهم إلى جحيم، فماتوا تحت الركام.
............
إنَّ قرارَ عودةِ الحربِ وفتحَ أبوابِ الجحيمِ على الناسِ في غزة، بوحشيةٍ أكبرَ ودمويةٍ أشدَّ، جاءَ بالتنسيقِ مع إدارةِ ترامب، مما يؤكدُ تورّط الإدارةِ الأمريكيةِ الجديدةِ في حربِ الإبادة، كسابقتها، وهذا أمرٌ واضحٌ يجاهرُ به ترامب ولا يُخفيه.
شارك برأيك
تصيّد الحرب.. ضرب من الجنون