د.حسين الديك: المحادثات الأمريكية مع "حماس" رسالة لنتنياهو بأن واشنطن لديها خيارات أُخرى للتفاوض إذا لم يُكمل الصفقة
هاني أبو السباع: هذه المفاوضات قد تعكس إدراكاً أمريكياً متزايداً باستحالة التوصل إلى أي حل دائم في المنطقة دون إشراك "حماس"
د. دلال عريقات: هذا التحرك الأمريكي يأتي ضمن نهج أوسع لاحتواء حركات المقاومة المسلحة بدلًا من مواجهتها بشكل مباشر
نعمان عابد: كان الأفضل لـ"حماس" أن تدخل هذه المباحثات ضمن وفد فلسطيني موحد مع ضمان بحث القضية الفلسطينية ككل
د. ولاء قديمات: واشنطن تريد من التواصل مع "حماس" ضبط إيقاع المتغيرات في الساحة الفلسطينية خاصة مستقبل غزة والقضية الفلسطينية
في تطورٍ لافت، يجري الحديث بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت فتح قنوات اتصال مع حركة "حماس"، في خطوة تُعتبر سابقة منذ تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية عام 1997، ما يعتبر تحولا في السياسية الأمريكية تجاه الحركة.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن هذه المحادثات قد تكون في إطار جهود أمريكية لحل قضية المحتجزين في قطاع غزة، لكنها قد تمتد إلى ترتيبات سياسية أوسع تُعيد تعريف مستقبل قطاع غزة ودور "حماس" فيه.
لكنهم يشيرون إلى أن هذه الخطوة قد تُرسل رسالة واضحة إلى الحكومة الإسرائيلية مفادها أن واشنطن لديها خيارات أخرى للتفاوض إذا لم تُكمل إسرائيل المرحلة الثانية من الصفقة الحالية.
ويلفتون إلى أن هذه المحادثات قد تأتي جزءًا من نهج أمريكي أوسع لاحتواء حركات المقاومة المسلحة بدلًا من مواجهتها بشكل مباشر، بينما قد تعكس المحادثات إدراكًا أمريكيًا متزايدًا باستحالة التوصل إلى أي حل دائم في المنطقة دون إشراك "حماس".
- سابقة تاريخية ورسالة بأنه لا مستحيل في السياسة
يوضح الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الأمريكي د.حسين الديك أنه في تطور لافت، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فتح قنوات اتصال مع حركة "حماس"، في خطوة تُعد سابقة تاريخية منذ تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية عام 1997.
ووفقًا للديك، فإن هذه الخطوة تُرسل رسالة واضحة مفادها أن "لا مستحيل في السياسة، وعند المصالح كل شيء جائز".
ويشير الديك إلى أن هذه المحادثات تأتي في إطار جهود أمريكية لحل قضية المحتجزين في قطاع غزة، ولكنها قد تمتد إلى ترتيبات سياسية أوسع تُعيد تعريف مستقبل القطاع ودور "حماس" فيه.
ويلفت الديك إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة وحركات الإسلام السياسي ليست جديدة، فتاريخيًا، تفاوضت واشنطن مع قوى إسلامية في أكثر من مناسبة، فعلى سبيل المثال، بعد فوز الإخوان المسلمين في مصر عام 2012، أقامت الإدارة الأمريكية علاقات دبلوماسية قوية مع الرئيس محمد مرسي، كما أن إدارة الرئيس دونالد ترامب في ولايته الأولى تفاوضت مع حركة طالبان، التي كانت مصنفة كمنظمة إرهابية، ووقعت معها اتفاق الدوحة عام 2018، وهذه السوابق تُظهر أن الولايات المتحدة تتعامل مع هذه الحركات من منطلق مصالحها الاستراتيجية، وهو ما يفسر توجهها الحالي نحو "حماس".
ووفقًا للديك، فإن المحادثات مع "حماس" تحمل رسائل متعددة، فهناك رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مفادها أن واشنطن لديها خيارات أُخرى للتفاوض إذا لم يُكمل إسرائيل المرحلة الثانية من الصفقة الحالية.
وتُعد هذه الخطوة، بحسب الديك، ضغطاً على نتنياهو لدفعه نحو إتمام المرحلة الثانية من الاتفاقيات المتعلقة بتبادل الأسرى والمحتجزين، كما رسالة قوية للمعارضة الإسرائيلية ولأسر الأسرى الإسرائيليين، الذين بدأوا يرون أن المفتاح لحل قضية أبنائهم يكمن في واشنطن وليس في تل أبيب.
ويؤكد الديك أن الرئيس ترامب التقى مؤخرًا بثمانية من الأسرى والمحتجزين الذين تم إطلاق سراحهم من غزة، وذلك بترتيب من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، حيث إن هذه الخطوة تُظهر أن هناك توجهًا جديدًا نحو الضغط على الإدارة الأمريكية للعب دور أكثر فاعلية في دفع حكومة نتنياهو لإتمام الصفقة.
ورغم أن المحادثات الحالية تبدو مركزة على قضية الأسرى والمحتجزين، فإن الديك يرى أنها قد تتجاوز ذلك إلى ملفات سياسية أوسع، فالاتصالات الجارية بين مسؤول ملف الرهائن الأمريكي آدم بولر وقادة "حماس" في الدوحة قد تؤدي إلى وقف دائم للحرب واتفاق سياسي حول مستقبل قطاع غزة، وهذه الخطوة تُعد سابقة تاريخية، حيث لم يسبق للولايات المتحدة أن نسقت مع "حماس" منذ تصنيفها كمنظمة إرهابية.
ويشير الديك إلى أن الولايات المتحدة لديها سابقة في تغيير مواقفها من حركات كانت تُصنف كإرهابية، ففي السابق، كانت واشنطن تعتبر منظمة التحرير منظمة إرهابية، ولكنها لاحقًا اعترفت بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وقد يحدث الشيء نفسه مع "حماس"، خاصةً في ظل شعبيتها الكبيرة في الشارع الفلسطيني واعتراف الإسرائيليين أنفسهم بأنها تمثل تيارًا فكريًا وسياسيًا لا يمكن القضاء عليه بالقوة العسكرية.
ويرى الديك أن هناك تطورًا مهمًا في هذه المفاوضات، يتمثل في قبول واشنطن الواقعي لحركة "حماس" كحركة سياسية وجزء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وهذا القبول قد يُترجم إلى اعتراف أمريكي بدور "حماس" كممثل لجزء من الشعب الفلسطيني، وهو ما قد يُغير المشهد السياسي في غزة بشكل جذري.
ويؤكد الديك أن المحادثات الحالية تتناول إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد واتفاق شامل يضع حدًا للحرب ويُعيد ترتيب الأوضاع في قطاع غزة.
ويلفت إلى أن هذه التطورات تلقى اهتمامًا كبيرًا من الأطراف الدولية والإقليمية، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية، التي تتابع عن كثب تفاصيل هذه المفاوضات.
ويشير الديك إلى أن المفاوضات الجارية بين واشنطن و"حماس" قد تكون بداية لتغييرات كبيرة في المشهد السياسي في غزة، فبالإضافة إلى قضية الأسرى، هناك احتمال كبير لأن تتطور هذه المحادثات إلى ترتيبات سياسية تعترف بـ"حماس" كفاعل رئيسي في المستقبل السياسي للقطاع، ومع ذلك فإن نجاح هذه المفاوضات مرهون بتطورات الأيام والأسابيع القادمة، وقدرة الأطراف المعنية على تجاوز العقبات التي قد تعترض طريقها وخاصة قضية الرهائن.
واشنطن تبدو مستعدة لتوسيع دائرة الحوار مع "حماس"
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي هاني أبو السباع أن ما شهدته الساحة السياسية من تحول لافت في الخطاب الأمريكي تجاه حركة "حماس"، حيث أعلن رسمياً عن بدء مفاوضات مباشرة بين المبعوث الأمريكي آدم مولر ووفد رفيع المستوى من "حماس" في العاصمة القطرية الدوحة بأنه تطور مفاجئ من العيار الثقيل.
ويشير أبو السباع إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد أسابيع فقط من تهديدات إدارة ترمب بفتح "أبواب الجحيم" على الحركة، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذا التحول وأسبابه.
ووفقاً للكاتب أبو السباع، فإن هذه المفاوضات، وإن ركزت بشكل علني على ملف الإفراج عن الأسرى مزدوجي الجنسية، تناولت أيضاً قضايا أعمق وأكثر تعقيداً، ومن بين هذه القضايا إدارة قطاع غزة، ووقف إطلاق النار الدائم، إضافة إلى الملفات العالقة مثل إعادة الإعمار وإدارة المعابر.
ويشير أبو السباع إلى أن هذه المفاوضات قد تعكس إدراكاً أمريكياً متزايداً باستحالة التوصل إلى أي حل دائم في المنطقة دون إشراك "حماس"، التي صمدت طوال الحرب الأخيرة وما زالت تحظى بتأييد واسع في أوساط المواطنين في غزة رغم الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع.
ويطرح أبو السباع تساؤلاً جوهرياً: هل تعد هذه المفاوضات اعترافاً ضمنياً بشرعية "حماس"؟ أم أنها مجرد خطوة تكتيكية من جانب واشنطن لاحتواء الحركة في إطار استراتيجية أوسع؟ ويبدو أن الإجابة قد تكون أقرب إلى الاحتمال الثاني، حيث إن الولايات المتحدة تبدو مستعدة لتوسيع دائرة الحوار مع "حماس"، وهو ما عبر عنه القيادي في الحركة موسى أبو مرزوق، مسؤول ملف العلاقات الخارجية، عندما أبدى استعداد الحركة للدخول في حوار مع أمريكا بمجرد بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة.
ورغم أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى قلقه من هذا الحوار المباشر بين إدارة ترامب و"حماس"، فإن أبو السباع يعتقد أن هذا الحوار لن يكون الأخير، بل سيتكرر ويتوسع ليشمل مناقشة جميع الملفات العالقة بين الطرفين.
ويلفت إلى أنه بالنظر إلى مكان انعقاد الاجتماعات، فإن قطر، التي نجحت سابقاً في الوساطة بين حركة طالبان والولايات المتحدة بشأن الانسحاب من أفغانستان، تبدو مرة أخرى في موقع الوسيط الفاعل.
ويشير أبو السباع إلى أن الجولات المقبلة من المفاوضات قد تصل إلى مرحلة يتم الإعلان عنها مسبقاً، مع كشف مخرجاتها أمام العلن.
ويعتقد أبو السباع أن المنطقة قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من إعادة التشكيل، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى وقف الحروب وبدء مرحلة الاستثمار في الاقتصاد، فدعم واشنطن للحروب في المنطقة قد أتاح لدول مثل الصين أن تنافسها اقتصادياً على مستوى العالم دون خوض حروب مباشرة، مما دفع أمريكا إلى إعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة.
دلالات سياسية واستراتيجية عميقة
تشير أستاذة الدبلوماسية وحل الصراع في الجامعة العربية الأمريكية، د.دلال عريقات، إلى أن إجراء واشنطن محادثات مباشرة مع حركة "حماس" في قطر من خلال مبعوثها لملف الرهائن، يحمل عدة دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، وتأتي هذه الخطوة في سياق متشابك من الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجهها الإدارة الأمريكية، بالإضافة إلى إدراك واشنطن لفشل الحلول العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها.
وتلفت عريقات إلى أن التركيز الأساسي للإدارة الأمريكية في هذه المحادثات يدور حول ملف المحتجزين، وخاصة الرهائن الأمريكيين، وقد جاءت رسالة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عبر منصته "X" بعد لقائه مع ثمانية من الرهائن المحررين في البيت الأبيض، لتؤكد هذا التوجه، حيث كانت رسالته مليئة بالتهديدات والأوامر القسرية، ما يثير تساؤلات حول طبيعة ومدى جدية هذه المحادثات المباشرة.
وتوضح أن أولويات ترامب تدور في المقام الأول حول إنهاء أزمة الرهائن، وذلك في ظل الضغوط الداخلية المكثفة من عائلات المحتجزين والرأي العام الأمريكي.
وتشير عريقات إلى أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطًا كبيرة لتحقيق هذا الهدف، ما يجعل ملف الرهائن محورًا رئيسيًا في المفاوضات.
وتوضح عريقات أنه رغم تصنيف الولايات المتحدة لحركة "حماس" كمنظمة إرهابية، فإن الدخول في محادثات مباشرة معها يشير إلى اعتراف واشنطن بقدرتها على التأثير في مسار الأحداث، خاصة في ظل تعقيد المشهد الإقليمي وعدم رغبة واشنطن بالاشتباك العسكري.
وتشير عريقات إلى أن طلب ترامب من قيادات "حماس" مغادرة غزة لترك مستقبل للمدنيين يعكس هذا الاعتراف الضمني.
وترى أن هذا التحرك الأمريكي يأتي ضمن نهج أوسع لاحتواء حركات المقاومة المسلحة بدلًا من مواجهتها بشكل مباشر، وقد سبق لواشنطن أن تعاملت مع فصائل مختلفة في الشرق الأوسط، مثل قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) في سوريا، والتفاهمات غير المعلنة مع حزب الله في لبنان، وهذا يعكس تحولًا في طريقة التعامل مع الفاعلين غير الدوليين الذين ترفض إسرائيل الاعتراف بهم.
وتلفت عريقات إلى أن هذه الخطوة قد تعكس إدراك واشنطن محدودية الخيار العسكري الإسرائيلي، وضرورة البحث عن حلول سياسية تفاوضية، فبعد أكثر من عام ونصف من العدوان العسكري المكثف، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها في هزيمة حركة "حماس" أو إخضاع الشعب الفلسطيني في غزة.
وبحسب عريقات، تواجه واشنطن ضغوطًا داخلية من الرأي العام الأمريكي والديمقراطيين التقدميين لوقف الدعم غير المشروط لإسرائيل، كما تتعرض لضغوط دولية من حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا للدفع نحو حل سياسي، مشيرة إلى أن هذه الضغوط قد تكون دافعًا رئيسيًا وراء تغيير النهج الأمريكي.
وترى عريقات أنه في ظل غياب سلطة فلسطينية قوية في غزة، تبدو "حماس" الطرف الوحيد القادر على التفاوض وتنفيذ أي اتفاقات مستقبلية، سواء فيما يتعلق بالأسرى أو بترتيبات وقف إطلاق النار.
وتشير عريقات إلى أن هذا الواقع يجعل من "حماس" طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات مستقبلية.
وتوضح أنه على السطح، تبدو المحادثات تركز على الإفراج عن المحتجزين، لكنها قد تتسع إلى ملفات أعمق وأكبر، ومنها: وقف إطلاق النار طويل الأمد، حيث قد تستخدم واشنطن ملف المحتجزين كورقة ضغط لدفع الطرفين إلى هدنة طويلة الأمد، تمهيدًا لاتفاق أوسع.
ومن ضمن الملفات وفقاً لعريقات، ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، إذ قد تشمل المحادثات ترتيبات أمنية مثل تخفيف الحصار، وضمانات بعدم التصعيد مستقبلاً، وربما إعادة العمل باتفاقيات سابقة مثل تفاهمات 2014.
وتشير عريقات إلى أن قطر ومصر وتركيا قد تلعب دورًا في توسيع المحادثات لتشمل إعادة الإعمار، والمساعدات الإنسانية، وإعادة ترتيب المشهد الفلسطيني الداخلي.
وترى أن المحادثات تركز على ملف الرهائن بالدرجة الأولى، لكن إشراك "حماس" في الحوار يتجاوز هذا الهدف ليعكس نهجًا أمريكيًا في احتواء الفاعلين المسلحين بدلًا من عزلهم، وهو ما رأيناه في ملفات أخرى مثل سوريا ولبنان.
وتشير عريقات إلى أن استمرار هذه المحادثات قد يعكس تحولًا في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، بما قد يؤدي إلى ديناميكيات جديدة في الإقليم، مع الحفاظ على مصلحة إسرائيل كأولوية.
إدارة ترمب تتبنى نهجًا يهدف لتهدئة مناطق النزاع
يوضح الكاتب والمحلل السياسي والمختص في العلاقات الدولية نعمان عابد أن الإدارة الأمريكية الحالية تتبنى نهجًا يهدف إلى تهدئة مناطق النزاع عالميًا، بما في ذلك الشرق الأوسط، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
ويشير عابد إلى أن واشنطن باتت مقتنعة بعدم إمكانية هزيمة المقاومة الفلسطينية عسكريًا، رغم الدعم العسكري غير المسبوق الذي وفرته لحكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو.
ويوضح عابد أن الإدارة الأمريكية، بعد خمسة أشهر من العدوان الإسرائيلي على غزة، باتت تدرك أن الوسائل العسكرية لم تحقق هدفها في كسر المقاومة الفلسطينية.
ويلفت إلى أن نتنياهو استخدم كل أدوات القوة العسكرية الحديثة، الاستخبارية والعملياتية، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، ومع ذلك فشل في القضاء على المقاومة الفلسطينية وحركة "حماس" أو إخضاع قطاع غزة بالكامل.
ويؤكد أن هذا الإدراك دفع واشنطن إلى تبني استراتيجية جديدة، تمثلت في التحول إلى المفاوضات مع الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "حماس"، حيث بدأت الوساطات في مباحثات وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ثم الانتقال إلى ملفات أكثر تعقيدًا مثل سحب القوات، وإعلان انتهاء العدوان الإسرائيلي.
ويشير عابد إلى أن المحادثات الأمريكية مع حركة "حماس" في قطر تسير ضمن نهج أمريكي جديد يقوم على المفاوضات المباشرة مع الأطراف التي تعتبرها واشنطن "خصومًا"، مستشهدًا بتجربة ترامب في التعامل المباشر مع زعيم كوريا الشمالية، ورغبة ترامب في الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ويعتبر عابد أن إدارة بايدن تطبق الآن النهج ذاته في ملف غزة، من خلال فتح قنوات اتصال مباشرة مع حركة "حماس".
ويرى عابد أن التفاوض المباشر مع حركة "حماس" يحمل عدة رسائل سياسية، الأولى إلى الداخل الفلسطيني، حيث تعكس هذه المباحثات اعترافًا أمريكيًا بوجود الحركة كطرف رئيسي لا يمكن تجاوزه، ما يعزز موقفها في المشهد السياسي الفلسطيني.
أما الرسالة الثانية، وفقاً لعابد، فهي إلى حكومة نتنياهو، إذ تعكس المحادثات استياء الإدارة الأمريكية من تكتيكات المماطلة التي يمارسها رئيس الوزراء الإسرائيلي في التفاوض، ومحاولاته استغلال الوقت لأغراض داخلية، وهو ما قد يؤثر على وضعه السياسي إذا استمرت المفاوضات المباشرة بين واشنطن و"حماس"، لا سيما إذا أسفرت عن نتائج ملموسة.
ويربط عابد بين هذه المفاوضات والخطة التي طرحتها القمة العربية مؤخرًا، والتي جاءت بمبادرة من مصر، معتبرًا أن التفاوض المباشر مع "حماس" قد يدعم تنفيذ هذه الخطة، التي تهدف إلى وقف العدوان الإسرائيلي وإعادة إعمار قطاع غزة، فضلًا عن تثبيت استقرار الأوضاع في القطاع تمهيدًا لإعادة ترتيب المشهد الفلسطيني.
ويؤكد عابد أن المحادثات بين "حماس" والولايات المتحدة الأمريكية لا تقتصر على ملف تبادل الأسرى، رغم أنه يمثل أولوية لواشنطن، خاصة أن هناك أسرى أمريكيين بين المحتجزين لدى "حماس".
ويوضح عابد أن الإدارة الأمريكية كانت منذ البداية تركّز على تحرير الأسرى الذين يحملون الجنسية الأمريكية، لكن المفاوضات اتسعت لتشمل قضايا أخرى، ما يعكس تحولًا في الرؤية الأمريكية تجاه مستقبل الصراع.
ورغم ذلك، يحذر عابد من أن هذه المباحثات قد تؤثر على الوحدة الوطنية، منتقدًا إجراءها من قبل "حماس" فقط دون مشاركة جميع الفصائل، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية.
ويشير عابد إلى أنه كان من الأجدر أن يتم تشكيل وفد فلسطيني موحد يضم كل الأطراف، لأن الشعب الفلسطيني في غزة هو الذي يتعرض للإبادة والدمار، وليس فصيلًا بعينه.
ويلفت عابد إلى أن "حماس" والسلطة الفلسطينية تتبادلان الاتهامات بشأن عدم توحيد الموقف الفلسطيني، في وقت كان يفترض أن يتجاوز الجميع خلافاتهم ويتوحدوا لمواجهة العدوان الإسرائيلي ومخططات تصفيه القضية الفلسطينية.
ويرى عابد أن إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن المفاوضات قد يؤدي إلى إضعاف موقفها السياسي إقليميًا ودوليًا، خصوصًا بعد أن بدت وكأنها منفصلة عما يجري بعد السابع من أكتوبر 2023 من حرب إبادة، رغم أن ما حدث بعد ذلك يتطلب موقفًا فلسطينيًا موحدًا للتصدي لهذه الهجمة غير المسبوقة.
ويشير عابد إلى أن حركة "حماس" كان الأفضل عليها أن تدخل هذه المباحثات ضمن وفد فلسطيني موحد، مع ضمان بحث القضية الفلسطينية ككل، بما يشمل العدوان على غزة والضفة الغربية.
ويعتبر عابد أن هذا النهج قد يؤثر على مخرجات القمة العربية، وقد يزيد من التباعد بين "حماس" ومنظمة التحرير الفلسطينية، مما يعزز التفرد بكل فصيل على حدة، بدلًا من تحقيق وحدة فلسطينية حقيقية.
ويعتقد عابد أن المفاوضات الجارية مع "حماس" تعكس تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأمريكية، لكنها في الوقت ذاته تطرح تساؤلات حول مستقبل التمثيل الفلسطيني في هذه المباحثات.
ويؤكد عابد أن تجاوز الانقسام الفلسطيني كان ضرورة قبل بدء المفاوضات، لأن ذلك كان سيمنع التفرد بكل فصيل على حدة، ويضمن موقفًا فلسطينيًا موحدًا قادرًا على فرض شروطه السياسية في أي تسوية مستقبلية.
المحادثات قد تشير إلى عدم اكتراث واشنطن بالخطة العربية
توضح الكاتبة والباحثة السياسية ولاء قديمات أن المحادثات الجارية بين حركة "حماس" والولايات المتحدة قد تعكس رغبة واشنطن في المضي قدماً نحو مفاوضات لوقف إطلاق النار، وفق مسار تراه مناسباً.
وتلفت إلى أن هذه المحادثات تأتي في إطار تركيز الولايات المتحدة على الإفراج عن أكبر عدد ممكن من المحتجزين، والوصول إلى هدنة مؤقتة، كما أنها تندرج ضمن خطة أمريكية للضغط على "حماس" لتسير وفق الترتيبات التي تتناسب مع الرؤية الأمريكية الإسرائيلية لمستقبل قطاع غزة.
وترى قديمات أن هذه المحادثات قد تشير أيضاً إلى عدم اكتراث الولايات المتحدة بالخطة العربية، بل ربما تعكس محاولة لفرض الضغط على جميع الأطراف للقبول بما تريده واشنطن ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
وتشير قديمات إلى أن الولايات المتحدة قد تكون تسعى لتجاوز موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ما يتعلق بمفاوضات وقف إطلاق النار، حيث تريد واشنطن الوصول إلى تهدئة أو هدنة، ربما لتجنب استمرار الحرب بالشكل الدموي الذي كانت عليه.
وتوضح قديمات أن الولايات المتحدة تسعى باختصار إلى إدارة المفاوضات وفق ما تراه مناسباً، بما يتوافق مع مصالحها ورؤية نتنياهو ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أن هذه المحادثات تأتي في سياق الضغط الأمريكي على "حماس" للمضي قدماً في المسار الذي تعتمده واشنطن.
وتعتقد قديمات أن التواصل المباشر مع حركة "حماس"، التي تصنفها الولايات المتحدة كحركة إرهابية، يعد تطوراً لافتاً، حيث تجري هذه المحادثات مع المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن، الذي يملك صلاحيات الحديث والاستماع لجميع الأطراف.
وترى قديمات أن واشنطن تريد من خلال هذا التواصل مع حركة "حماس" ضبط إيقاع المتغيرات في الساحة الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية.
وتشير قديمات إلى أن هذه المحادثات تهدف في الأساس إلى استخراج أكبر عدد ممكن من المحتجزين، ولكنها قد تتطور في المستقبل لتشمل التوصل إلى هدنة بين "حماس" ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما ترغب فيه الولايات المتحدة.
وتشير قديمات إلى أن هذه المحادثات قد تكون خطوة أولى نحو إدارة أمريكية أكثر فاعلية للأزمة في المنطقة، ولكنها ستظل محكومة بالإطار الذي ترسمه واشنطن وتل أبيب لمستقبل غزة والقضية الفلسطينية.
شارك برأيك
مباحثات واشنطن- "حماس".. نظرة فابتسامة فسلام!