أقلام وأراء
الأربعاء 06 نوفمبر 2024 8:22 صباحًا - بتوقيت القدس
هاريس دعمت الإبادة وترامب تفوح منه رائحة صفقة القرن الجديدة
لن أجازف بإطلاق "التنبُّؤات" حول أي من المترشحَين المتصارعين على البيت الأبيض ستكون له الغلبة في سباق الخامس من تشرين الثاني، تلك مجازفة تزداد صعوبة كلما ازدادت أرقام الاستطلاعات تقاربًا، ليبدو معها أن المتسابقين يقطعان الطريق إلى "المكتب البيضاوي" كتفًا إلى كتف.
ما يهمّنا في هذا المقام، أن نستقرئ ما يمكن أن يترتب على فوز أي من كامالا هاريس، أو دونالد ترامب، على حروب المنطقة وأزماتها المفتوحة.. هل ثمّة فوارق جوهرية في مواقف الحزبين من قضايا الإقليم الملتهب، تستدعي الاهتمام، وما هو السيناريو الأكثر خطورة على الفلسطينيين في غزة، بل وعلى القضية الفلسطينية ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني؟
على الرغم من أن "سؤال الفوارق" فقد كثيرًا من قيمته السياسية، في ضوء الأداء المنافق والمراوغ لإدارة بايدن/ هاريس خلال السنوات الأربع الفائتة، وتحديدًا في "عام الطوفان" وما بعده، وإحجام الإدارة عن "تصحيح" أخطاء ترامب وخطاياه بحق الفلسطينيين والعرب من جهة، وانحيازها البالغ حد الشراكة في جرائم الحرب التي ارتكبتها حكومة اليمين الفاشي في إسرائيل من جهة أخرى.. نقول، على الرغم من كل هذا، فإن السؤال ما زال قائمًا، وذا قيمة سياسية، يتعين التحسب لها، وأخذها بعين الاعتبار.
ترامب إن عاد!
لسنا أمام مرشح جديد، ليتعين علينا الانتظار للتعرف على خياراته وتوجهاته، فالرجل تسيّد البيت الأبيض لسنوات أربع، وهو بطبعه كثير الكلام، يخرج ما في جوفه على لسانه، وهو تبسيطي حد الاعتقاد بأن لديه حلولًا سحرية وفورية لأكثر مشاكل الكون تعقيدًا.
لقد منح إسرائيل في ولايته الأولى جملة من الجوائز الكبرى: اعترف بـ"القدس الموحدة" عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، صادق على ضم هضبة الجولان السورية المحتلة للسيادة الإسرائيلية، وأطلق مشروعًا حمل اسمه للحل النهائي للصراع الفلسطيني، والذي عرف على نطاق واسع باسم "صفقة القرن"، والتي منح من خلالها حكومة نتنياهو ما يقرب من ثلث مساحة الضفة الغربية.
ناهيكم بالطبع عن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والقنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، بعد قرن ونصف القرن على افتتاحها، إلى جانب الحملة "المكارثيّة" الشعواء ضد منظمات الأمم المتحدة، وبشكل خاص "الأونروا" ومنظمات حقوق الإنسان.
يمكن القول من دون مجازفة بأن ترامب أطاح بالنموذج "Paradigm"، الذي انتظم مواقف وسياسات إدارات أمريكية متعاقبة؛ جمهورية وديمقراطية، من القضية الفلسطينية، ووضع لنفسه نموذجًا مغايرًا.. أطاح بالإطار الإقليمي التقليدي المحيط بها، وتحديدًا الدورين الأردني والمصري، واستبدله بإطار إقليمي آخر، يكاد ينحصر في الدورين السعودي والإماراتي، الأمر الذي نُظِرَ إليه من عمان على أقل تقدير، بوصفه تهميشًا للدور الأردني في واحدٍ من أهم مجالاته الحيوية.
وارتأت بسببه نخب سياسية أردنية أن واشنطن تحت قيادة ترامب لا تتهدد أعمق المصالح والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني فحسب، بل وباتت تبدي "تسامحًا" أكبر حيال التضحية بمصالح الأردن وحساباته وحساسياته، في إطار مشروعه للحل النهائي لقضية فلسطين.
وثمة سؤال يهيمن على الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية: ما الذي يمكن لترامب أن يقدمه لإسرائيل في ولايته الثانية؟ لا سيما بعد تعليق مثير للقلق صدر عنه قبل بضعة أسابيع، حين رأى إسرائيل "صغيرة جدًا" على خريطة العالم، وأن الوقت قد حان للتفكير بتوسعتها.
حزم وسخاء
أحسب أن ترامب سيكون أكثر حزمًا وحسمًا لجهة وقف الحرب، وفي أسرع وقت ممكن، فتلك هي شخصيته، وتلك هي طريقته في التعامل مع الأزمات واللاعبين والقادة، الخصوم والحلفاء على حد سواء.
لكن الرجل سيكون أكثر "سخاءً" في منح مزيدٍ من جوائز الترضية لحكومة نتنياهو واليمين الأكثر تطرفًا. إن لم يكن نظير المسارعة إلى وقف الحرب، فمن باب التعبير عن وحدة الحال بين اليمين الأمريكي الذي يمثله وتجسده إدارته، واليمين الفاشي المتفشي على خريطة الحكومة والمعارضة في تل أبيب.
أحسب أيضًا أن ترامب سيغرف من كيس الضفة الغربية أساسًا لتلبية الشهية التوسعية لليمين الديني والقومي في إسرائيل، ولا أستبعد أن يمنح حكومة نتنياهو ضوءًا أخضر لضم المنطقة (ج) من الضفة الغربية بأكملها، وحشر سكانها في منطقتي (أ و ب)، وفي إطار "صفقة القرن 2″، حتى وإن أدى ذلك إلى دفن أي فرصة لقيام كيان فلسطيني قابل للحياة، ولا أتحدث هنا عن دولة فلسطينية مستقلة.
سيناريوهات جديدة.
والأرجح أن "صفقة القرن 2" ستعيد الاعتبار للدورين الأردني والمصري، بخلاف حالة التجاهل والتهميش التي تعرض لها هذان الدوران في "صفقة القرن 1″، ولكن من بوابة مختلفة هذه المرة.. بوابة تلقي مخرجات "الحل النهائي"، الإسرائيلي – الأميركي للقضية الفلسطينية.
فالأردن، في تصور ترامب، قد يكون "طوق النجاة" للكيان الفلسطيني المُقام على "بقايا الضفة الغربية"، من ضمن صيغة فدرالية أو كونفدرالية، ومصر ستظل بوابة الحل الإسرائيلي لغزة، حال نجحت إعادة هندسة القطاع.. ودائمًا لمساعدة إسرائيل في التخلص من "فائض الديمغرافيا" الفلسطينية.
سيكون ممكنًا الادعاء بأن دولة فلسطينية قد قامت على التراب الوطني أو ما تبقى منه، وأنها ككيان "سيّد" و"مستقل" قد قررت الدخول في نوع من "الوحدة أو الاتحاد" مع الأردن الشقيق. والأرجح أن مشروعًا كهذا سيجد دعمًا من أوساط عربية عدة، بل وقد تُسارع دول مقتدرة على رفده بالمال والإعمار، ليكون "سنغافورة" الشرق الأوسط، والتعبير هنا لدونالد ترامب ذات "دردشة" حول مستقبل قطاع غزة.
خريطة اللاعبين
المرحبون بعودة ترامب في الإقليم والعالم، لن يجعلوا من "صفقة القرن 2" سببًا لتعكير صفو العلاقة مع إدارة جمهورية في ظاهرها، "ترامبية" في جوهرها. والترامبية هي التعبير الشعبوي الأكثر ابتذالًا لتيارات اليمين المتطرف الصاعد في الغرب، يشمل ذلك دولًا عربية عدة، مثلما يشمل لاعبين دوليين كالاتحاد الروسي، الذي يعطي أولوية مطلقة للخروج من "مستنقع أوكرانيا" ووقف الحرب على ساحتها.
وهو نظير ذلك قد يذهب لتسويات و"مقايضات" بعيدة المدى، من ضمنها تسهيل مهمة ترامب في بعض ملفات الشرق الأوسط الأكثر تعقيدًا… تطور كهذا (عودة ترامب) قد يكون مقلقًا للاتحاد الأوروبي ودوله الفاعلة، بما يستبطنه من تداعيات على العلاقة بين ضفتي الأطلسي، ومستقبل "الناتو"، والانقسامات حول عدد من العناوين الرئيسة التي تتصدر الأجندة العالمية، مثل قضية التغير المناخي على سبيل المثال، لا الحصر.
السيئ والأسوأ
في المفاضلة ما بين خيارين، أحلاهما مُرّ، أو بين السيئ والأسوأ، تبدو كامالا هاريس خيارًا مفضلًا لدى العديد من الأوساط الفلسطينية والعربية (السلطة، الأردن، مصر، وغيرها)، كما أنها الخيار الأنسب لأطراف إقليمية مثل إيران، إذ تقدم الدبلوماسية على "قرع طبول الحرب" في كل ما يتعلق ببرنامج إيران النووي.
فيما ستستقبل موسكو بقلق بالغ تطورًا كهذا، فالرئيسة هاريس، امتدادًا لإدارة أوباما، ستواصل حشد التأييد لأوكرانيا، لإلحاق الهزيمة بروسيا، واستتباعًا بالصين، التهديد الأكبر للنفوذ المهيمن للولايات المتحدة، على الاقتصاد والنظام الدوليين.
إستراتيجيات مستقبلية
تتقلص الخيارات وهوامش المناورة أمام الفلسطينيين، وهم يفاضلون بين خيارين أحلاهما مُرّ، بين إدارة مرتحلة قدمت لإسرائيل في عشرة أشهر من الحرب ما تحصل عليه من إدارات ديمقراطية وجمهورية في عشر سنوات، وإدارة أخرى تفوح منها رائحة صفقة القرن القديمة وأخرى جديدة، تنذران بتجريدهم من أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم.. الأمر الذي يُملي عليهم تطوير إستراتيجية وطنية جديدة تنفض عن نفسها أوهام الحلول السياسية القريبة، وتؤسس لإدامة هذا الصراع، ربما لعقود وأجيال قادمة.
إستراتيجية تبني على ما تحقق من تعزيز لمكانة فلسطين على جدول أعمال العالم، بفعل "الطوفان"..
إستراتيجية تلحظ تعزيز عرى التحالف مع دول وحركات شبابية وشعبية عالمية تحررت من "السردية الإسرائيلية".
إستراتيجية تبدأ بترتيب البيت الفلسطيني، بعيدًا عن المشاريع الهزيلة لحوار ومصالحة لم تفضِ إلى أية نتيجة ملموسة. إستراتيجية محورها "الصمود والمقاومة"، وتعزيز جهاز المناعة المكتسبة للمجتمع الفلسطيني الرازح تحت احتلالات متعاقبة، قديمة وجديدة، من قبل العدو ذاته.. إستراتيجية تعيد بعث
وتجديد الحركة الوطنية الفلسطينية واسترداد منظمة التحرير.
إستراتيجية تعيد الاعتبار لدور الشعوب العربية في الدعم والإسناد ومقاومة التطبيع وتعزيز المقاطعة، باعتبارها معركة دفاع هذه الشعوب عن مستقبلها وحريتها وكرامتها، وليست تعبيرًا موسميًا عن التضامن مع شعب عربي شقيق يرزح تحت نير احتلال عنصري استئصالي، لا يتورع عن شنّ حروب التطويق والتطهير والإبادة ضد شعوبنا العربية، كما حصل ويحصل في غزة والضفة ولبنان.
إستراتيجية تنتقل بكفاح شعب فلسطين من أجل الحرية والاستقلال من الاعتمادية على الغير إلى الاعتماد على الذات والأصدقاء المخلصين.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
مصير الضفة الغربية إلى أين؟
عقل صلاح
كيف نحبط الضم القادم؟
هاني المصري
هل من فرصة للنجاة؟!
جمال زقوت
تحية لمن يستحقها
حمادة فراعنة
قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!
عيسى قراقع
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
قطر: قصف إسرائيل مدرسة للأونروا في غزة امتداد لسياسات استهداف المدنيين
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
الأكثر قراءة
عبدالعزيز خريس.. فقد والديه وشقيقته التوأم بصاروخ
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
نائب في الكنيست الإسرائيلي: سنصادر الحرم الإبراهيمي
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
اغتصاب حتى الموت.. هكذا عاملت إسرائيل طبيبًا فلسطينيًا أسَرته من غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 76)
شارك برأيك
هاريس دعمت الإبادة وترامب تفوح منه رائحة صفقة القرن الجديدة