تعيد قصيدة الراحل محمود درويش، نابغة الشعر الفلسطيني، ربط المشهد في قطاع غزة برمته، حيث تمزج بين الحياة والموت، والخليط العجيب بين الزرع والاستشهاد، لتؤكد أن البناء لا يُعيقه الموت، ويعلو مدماكاً تلو الآخر رغم الدمار، وهذا ما يتحلى به شعبنا العظيم في قطاع غزة.
حب الحياة والتعليم، رغم العدوان الآثم، أنجب بالأمس عملية افتتاح أكبر وأضخم مدرسة داخل مخيمات الإيواء في جنوب قطاع غزة، فأطل الأطفال والابتسامات تعلو وجوههم، وهم يتراقصون ويلعبون ويمرحون في مكان ليس ببعيد عن صوت القصف والمدافع، وأزيز الطائرات التي قتلت أحلام وأُمنيات عائلات كبيرة، كما حدث في جباليا وفي بيت لاهيا وفي مجزرة مدرسة أسماء في الشاطئ يوم أمس، حيث الرغبة الكبيرة والحماس لاستقبال اليوم الدراسي الأول، منذ أكثر من عام.
تُقدم إحدى المعلمات شرحاً لوسائل الإعلام، وتقول فيه: اليوم تم افتتاح أكبر مدرسة ميدانية في جنوب قطاع غزة، وتلقي تحية الصباح على أطفال غزة الذين يستحقون كل شيء جميل، ليمر الأطفال في الطابور الصباحي، لتنتقل الكاميرا إلى خيام منصوبة داخل مخيم الايواء وفيها مقاعد الدراسة، ومُهرج يداعب الأطفال، وقص الشريط بحضور رسمي وشعبي، على إيقاع فيديو مصور يحكي عن الأيام والحياة الصعبة، ولكن يمكن أن نقدر، ونحن شعب يُغَير اللي ما بتغير، لتطل مربية أُخرى وتقول: لو في خيمة أو في أي مكان، ورغم الحرب، يجب أن نواصل الحياة، ليمر شريط دبكة شعبية فلسطينية، وقد توشح أبطالها كوفية الشهيد الرمز أبو عمار، وتقول طالبة: أنا متحمسة، وأُخرى: بحب المدرسة كثير، وثالثة: انبسطت وطفل فرح ومهرج يقول: رغم كل شيء يجب أن نقوم بتدريس الأطفال الحلوين، ثم يلتقط المصور مشهد طفلة على كرسي متحرك، وكم هي كثيرة هذه المشاهد جراء اعتداءات الاحتلال على أطفال غزة في محاولة للقضاء على أمنياتهم وأحلامهم.
تتحدث ممرضة وتقول: ما شاء الله، إقبال غير طبيعي من الأطفال المتحمسين والمبسوطين، ومرشد يتناول معاني الصمود والتحدي والإرادة، كعنوان لحياة الفلسطينيين من داخل الخيام، ومرشدة تشكر سلطنة عمان على مبادرتها، وتختتم من افتتحت التسجيل وتبدي فخرها بالمساهمين والمشاركين في الافتتاح.
في بقعة أُخرى كانت الحياة تتجسد من خلال افتتاح المرحلة الأولى من إعادة تأهيل وتجهيز مستشفى الرنتيسي للأطفال بمدينة غزة، حيث الحاجة الماسة لكل المستشفيات والمراكز الصحية التي دمرتها إسرائيل، لتقدم خدماتها الطبية لعشرات آلاف المصابين الذين يحتاجون إلى عمليات وتدخلات جراحية، وإيواء وعناية ورعاية في المستشفيات لخطورة حالاتهم.
كان درويش صادقاً في وصف معاناة الشعب الفلسطيني بصورة شيقة ورائعة، ففي بداية قصيدته نلمس النزعة الإنسانية العاطفية عندما يقول (ونحن نحب الحياة)، ليقدم أجمل وصف لشعب كباقي شعوب الارض، من حقه وبقوة أن يعيش ويحيا، لأنه يحب الحياة ولا يتجه للموت والقتل كما تصور ذلك إسرائيل.
هكذا هو شعب فلسطين الأبيّ ينهض من تحت الركام ليبني وطنه وأرضه من جديد، رغم الألم والمجازر ورائحة الموت التي نشرتها إسرائيل وجيشها في كل مكان، وهذه رسالة إلى العالم أجمع أن شعب فلسطين وطلابه وكل فئاته يحبون الحياة وينشدونها بكبرياء، فهل آن أوان وقف هذا العدوان؟
ترد إسرائيل بالدفع بلواء جديد، هو لواء كفير بجوار لواء جفعاتي ولواء ٤٠١، مواصلة مذابحها وقتلها شعباً يحب الحياة لتحرمه من هذا الحق، في جريمة غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية.
شارك برأيك
(ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا)