Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 28 مايو 2024 9:37 صباحًا - بتوقيت القدس

مستقبل الاحتلال بين التكامل والتآكل

تلخيص

بعد 76 عامًا على إنشائه، هل وصل الاحتلال إلى أقصى درجات علوّه، وبدأت عوامل الضعف تَقوَى على عوامل الصعود، ووصل إلى “النقطة الحرجة”، التي تعادلت فيها عواملُ الشدّ إلى أسفل مع عوامل الاندفاع إلى أعلى، وبدأ المؤشر يؤذن بالهبوط؟!

ظاهرة التكامل والتآكل
ظاهرة “التكامل والتآكل” من الظواهر المعروفة في حركة التّاريخ وحركة الحياة؛ إذ لا يتسنَّى لأيِّ دولة أو قوّة استمرار الصعود، كما لا يتسنّى لها البقاء في القمة أمدًا بعيدًا، وهذه من سنن الله – سبحانه- في الحضارات والدول.

على أنه مما يُعجّل سقوط الدول والحضارات انتشارُ الظلم والفساد، ولعل عوامل الطغيان والظلم والإفساد التي تَميّز بها هذا المشروع الصهيوني الغربي، وظهرت في أسوأ تجلياتها في الحرب على غزة، ستكون عنصرًا معجلًا لتآكل الاحتلال الإسرائيلي وتراجعه، حيث نرى العديد من مظاهر هذا التآكل داخليًا وإقليميًا ودوليًا.
ومما يُعجّل السقوط كذلك ظاهرة التَّرف والمترفين، وظاهرة الترف تأتي عادة لاحقة في عمر الدول بعد مراحل التأسيس والنهوض.

ونحن إنما نمرّ هنا على ظاهرة التكامل والتآكل مرورًا سريعًا يتناسب مع حجم هذا المقال.
ويظهر لنا أن الاحتلال الإسرائيلي قد دخل هذه المرحلة، بعد أن وصل إلى أقصى درجات عُلوِّه وطغيانه، وبدأت مظاهر التَّرهل تنخرُ في كيانه.

العلو الكبير (أو التكامل)
نجح الاحتلال الإسرائيلي في تجميع نحو 45% من يهود العالم، وبلغ عدد اليهود في فلسطين التاريخية في سنة 2022 نحو سبعة ملايين و100 ألف يهودي.
ونجح في تثبيت نفسه كـ”دولة فوق القانون”، من خلال نفوذ عالمي هائل ولوبيات مؤثرة في صناعة القرار في الدول الكبرى؛ وتعامل بلا مبالاة مع أكثر من 900 قرار من الأمم المتحدة ومؤسساتها بحقه، واستند لاستخدام الأميركان حقَّ النقض الفيتو ضد أي إجراء أو موقف يمسّه.

واستطاع الاحتلال الوصول إلى مستوى اقتصادي متقدم، وحقق ناتجًا محليًا إجماليًا بلغ – وفق تقديرات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية – نحو 525 مليار دولار سنة 2022، وبلغ معدل دخل الفرد 55 ألف دولار سنويًا، وهو ما يضاهي مستويات الدخل في أوروبا الغربية؛ وبرز الاحتلال في ريادة صناعة الهاي تيك، وحاز لنفسه مكانة عالمية.

كما برز كأقوى قوة عسكرية في المنطقة، مدججة بأكثر من 200 قنبلة نووية وبأسلحة الدمار الشامل، وأخذ يلعب دور شرطي المنطقة؛ ويسعى لفرض الأجندة الإسرائيلية الأميركية عليها.
وتمكن الاحتلال من توظيف مسار “التسوية السلمية” لصالحه، وفي تثبيت كيانه ومصادرة المزيد من الأرض والمقدّسات، وإيجاد سلطة تخدم مصالحه الأمنية.

وحقق الاحتلال اختراقًا تطبيعيًا كبيرًا في المنطقة، على أساس “السلام مقابل السلام”، وليس حتى “الأرض مقابل السلام”؛ وتمكن من إيجاد بيئات رسمية عربية وإسلامية تخطب ودّه، وتحارب المقاومة، كما تحارب التوجهات الإصلاحية والاتجاهات الإسلامية.
وأخذ الاحتلال يكشف في السنوات الأخيرة عن هُوية يهودية أكثر وضوحًا وتعصبًا، وعن حكومة ذات ميول دينية وقومية متطرفة، ومشاعر أكثر فوقية وعجرفة، وعن سعيٍ للسيطرة الكاملة على الأرض وإغلاق الملفّ الفلسطيني.

مخاطر وتهديدات (التآكل)
في المقابل، ثمة مخاطر حقيقية وتهديدات يواجهها الاحتلال الإسرائيلي:

-إذ ما زال الفلسطينيون مُتجذِّرين في أرضهم، حيث تجاوزت أعدادُ الفلسطينيين أعدادَ اليهود في فلسطين التاريخية (فلسطين المحتلة 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة) منذ سنة 2022، بنحو 40 ألفًا، فبلغت سبعة ملايين و130 ألفًا؛ وبحسب معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني من المتوقع أن يتجاوز عددُ الفلسطينيين عددَ اليهود بنحو 450 ألف نسمة في سنة 2030 (مع استبعادنا أن يبقى مسار النمو السكاني على حاله، في ضوء احتدام الصراع).

-تصاعدت قوة المقاومة في داخل فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي خارج فلسطين، وتحوّلت إلى خطر إستراتيجي واضح، خصوصًا بعد عملية “طوفان الأقصى”.

-كما تزايد التفاف الشعب الفلسطيني حولها؛ وانفضَّ الشعب الفلسطيني عن مشروع الوهم "المفاوضات العبثية"الى ما لا نهاية.

-سقط مسار التسوية السلمية وفقد بريقه وجاذبيته، ولم يعد يصلح لمتابعة المفاوضات مع الفلسطينيين، ولا غطاء لمتابعة الاحتلال اختراقاته التطبيعية في المنطقة.

-فشل الاحتلال في التحول إلى كيان طبيعي في المنطقة، وما زالت الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية والإسلامية تنظر إليه كعدو وكسرطان، ولم يتجاوز التطبيع القشرة السطحية للأنظمة الرسمية.

-ما زالت البيئة الإستراتيجية، وخصوصًا المحيطة بالاحتلال، تعيش حالة من اللااستقرار ومن التشكل وإعادة التشكل، تُنذر بموجة أقوى وأشد عنفًا وأقدر على التغيير من موجة “الربيع العربي” السابقة.

-يعاني المجتمع الإسرائيلي من تزايد مشاكله الداخلية، حيث تصاعدت الصراعات ذات الخلفيات العرقية والقومية، وزادت النزاعات بين التيارات الدينية والتيارات القومية.

-كما يعاني المجتمع الإسرائيلي من انتشار مظاهر العولمة والترهل والتَّرف والرغبة في الاستمتاع بالحياة، وانتشار المثلية الجنسية، والتهرب من التجنيد، وتراجع نوعية الجندي الإسرائيلي وقدرته على القتال.

-يفتقد المجتمع الإسرائيلي لقيادات من الطراز الأول، كالتي حملت عبء إنشاء الاحتلال وعلوه في العقود الأولى.

-بالإضافة إلى ذلك، يتحول الكيان الإسرائيلي تدريجيًا من ذخر إستراتيجي إلى عبء على الولايات المتحدة والقوى الغربية التي تقف خلفه، مع تزايد عجرفته وتكاليفه وانكشاف وحشيته، وتصاعد عزلته الدولية وانقطاع “حبل الناس”.

تدافعٌ يتّجه للانحدار
وهذا يعني أنّ الكيان الإسرائيلي يعيش حالة من “التدافع” بين عناصر قوّته، وبين المخاطر والتهديدات المتصاعدة؛ بحيث إنه لم يعد قادرًا على تحقيق مزيد من الصعود، كما أنّ عناصر الشدِّ إلى أسفل تتزايد قوتها، ولن تلبث طويلًا حتى تبدأ مظاهر التراجع بالبروز.

هزت عملية “طوفان الأقصى” الاحتلال الإسرائيلي بعمق، وضربت نظريته الأمنية، كما أسقطت فكرة الملاذ الآمن لليهود التي نشأ على أساسها المشروع الصهيوني، وضربت فكرة القلعة المتقدمة للغرب وشرطي المنطقة، وضربت اقتصاده؛ وهشَّمت أبرز أسس عملية التطبيع ومبرراتها. وأظهرت أن هزيمة الاحتلال هي فكرة عملية واقعية وليست مستحيلة، وأن مظاهر القوة والهيمنة لدى الاحتلال هي أقل مما تبدو عليه، وأقل مما رسخ في الوعي واللاوعي العربي والإسلامي وحتى العالمي؛ وأن جوهر العجز يكمن في الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية.
لعل هذا يُفسر خلفية الوحشية الهائلة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتصريحات قادة الاحتلال بأن هذه الحرب هي معركة “الاستقلال” الثانية للكيان؛ في محاولة لاسترجاع الصورة التي فقدها أو بعضًا منها.

لعل قدرة المقاومة على الصمود في قطاع غزة، وفشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، سيكون ذلك علامة تاريخية فارقة. وهو ما جعل قادة الاحتلال أنفسهم يُحذرون من أن “إسرائيل” إن لم تنجح في سحق حماس، وإنهاء وضع قطاع غزة كمصدر للتهديد، فسيكون ذلك بداية العد العكسي للاحتلال، وأن لا مستقبل بالتالي للاحتلال في “الشرق الأوسط”.

الخلاصة أن الاحتلال استنفد حالة الصعود، وهو يصارع من أجل ألا يدخل في مرحلة الهبوط، غير أنه يشهد انحدارًا تدريجيًا يظهر بطيئًا في البدايات، قبل أن تبدأ عجلته في التسارع على المديين: الوسيط والبعيد. والله أعلم.

دلالات

شارك برأيك

مستقبل الاحتلال بين التكامل والتآكل

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 90)